توقف عن الانتظار: درسٌ واحدٌ يتعلَّمه كثير من الناس بعد فوات الأوان

عندما كنت في المدرسة الابتدائية، أخبرني والديَّ أنَّ كل ما يهم بأي شيء أفعله هو أن يجعلني سعيداً، وقد قال والدي: "السعادة هي الهدف من الحياة، ولكنَّ الأمر لا يأتي بسهولة دائماً، فعلى سبيل المثال، تحب والدتك مساعدة المحتاجين؛ لذلك أصبحت ممرضة للأمراض النفسية، أمَّا أنا، فأحب القراءة والكتابة والشعر؛ لذلك أصبحت مدرِّس لغة إنجليزية، وكلانا يجد السعادة في العمل الشاق الذي نقوم به كل يوم".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "مارك كرنوف" (Marc Chernoff)، ويُحدِّثنا فيه عن أهمية التوقف عن الانتظار وضرورة إيجاد الشغف.

عندما أصبحت في المرحلة الإعدادية، عاقبتني مُدرِّستي في الصف بسبب عنادي؛ إذ إنَّها سألت كل الطلاب عمَّا يريدون أن يصبحوا عندما يكبرون، وعندما وصلت إليَّ، أخبرتها أنَّني أريد أن أكون سعيداً، ولكنَّها قالت لي أنَّني لم أفهم المغزى من السؤال، لكنَّني أجبتها أنَّها لم تفهم المغزى من الحياة.

ربما استحقت استجابتي المتحذلقة في مرحلة ما قبل المراهقة تلك العواقب، وربما كان عقلي الصغير يبالغ في تبسيط بعض التعقيدات الضرورية، ولكنَّني تعلَّمت الدرس، ومع ذلك، لم أنسَ أبداً أهمية حكمة والدي، خاصة وجهة نظره عن العثور على السعادة في العمل الشاق.

أمضيت أنا وزوجتي أكثر من عقد من الزمان في العمل مع مئات من العملاء الذين نقدِّم لهم الكوتشنغ، والذين كانوا يواجهون صعوبات مختلفة في فهم تلك النقطة بالذات؛ أي العثور على السعادة عندما تتطلَّب منَّا الحياة عملاً شاقاً للعثور عليها، لقد اعتدنا بوصفنا بشراً أن نتصوَّر أنَّ الحياة يجب أن تكون أسهل ممَّا هي عليه بطريقة ما، بصرف النظر عمَّا نختار القيام به "عندما نكبر"، فإنَّنا نتوقع أن يكون لطريقنا المُختار عدد قليل جداً من المنعطفات والعقبات والعناء، وفي كثير من الأحيان ننتظر الحلول دون بذل أي جهد.

إليك مثال يوضح ذلك: ذهبت هذا الصباح لشراء بعض الأشياء من متجر صغير، ثمَّ دخل المتجرَ رجلٌ مسن مع كلبه، وتوجَّه إلى مكان بيع بطاقات التهنئة، ثمَّ أمسك ببطاقة، ورفعها قريباً جداً من وجهه ليتمكَّن من قراءتها، ثمَّ نظر بعض المتسوقين الآخرين إليه في أثناء مرورهم بجانبه لكنَّهم لم يتوقفوا لمساعدته، وبمجرد أن بدأت بالمشي نحوه، توجَّه إليه رجل كبير البنية وسأله عمَّا إذا كان يحتاج إلى مساعدة في القراءة، ثمَّ شرع في قراءة نحو عشرة بطاقات تهنئة مختلفة بصوت عالٍ حتى ابتسم الرجل المسن وقال: "نعم هذه البطاقة ممتازة، ستحبها زوجتي جداً".

عندما خرج الرجل المسن من المتجر، توجَّهت إلى الرجل الذي ساعده وقلت له: "أنا أحترمُ لطفك"، ثمَّ أجاب بابتسامة على وجهه: "شكراً لك، إنَّني أترك روحي تُرشدني، وفي الواقع إنَّني في عجلة من أمري في الوقت الحالي؛ لذلك كان من الأسهل أن أترك هذا الرجل وشأنه، أو أسمح لشخص آخر بمساعدته، ولكنَّ روحي تعرف أنَّ الأشياء السهلة في الحياة هي ليست الأشياء الصحيحة دائماً".

شاهد بالفيديو: تعلم كيف تغتنم الفرص بـ 10 خطوات

لذا مع وضع مشاعر والدي وهذا الشخص الغريب اللطيف في الحسبان، أريد أن أذكِّرك بما يأتي:

1. يجب أن تقوم بالأشياء الصعبة لتكون سعيداً في الحياة:

يجب أن تقوم بالأشياء التي يتجنَّبها معظم الناس، مثل تلك التي تزعجك، والتي يسهل الهروب منها، والتي لن يفعلها الآخرون من أجلك، والتي تجعلك تفكِّر مرة أخرى وتتساءل كيف ستعثر على الوقت والطاقة للمضي قدماً؛ وذلك لأنَّ الأشياء الصعبة تزيد من ثقتك، وتغيِّر حياتك في النهاية؛ إذ إنَّها الفرق بين أن تكون موجوداً بجسدك وأن تعيش حياتك على أكمل وجه، وبين معرفة المسار والسير فيه، وبين حياة مليئة بالوعود الفارغة وأخرى مليئة بالتقدم والقيمة والوفاء؛ لذلك إنَّ الأمر الأساسي الذي يجب القيام به هو العمل الشغوف المستمر.

تعلَّم أن تؤمن أنَّه من المفترض أن تعيش كل لحظة بشغف وهدف، وأنَّ كل اللحظات قيِّمة بطبيعتها الخاصة، وضع في حسبانك هذا المقتطف من كتابي الأكثر مبيعاً حسب تصنيف مجلة "نيويورك تايمز" (New York Times)، الذي يحمل عنوان "العودة إلى السعادة: غير أفكارك، وغير واقعك، وحوِّل تجاربك إلى انتصارات" Getting Back to Happy) Change Your Thoughts, Change Your Reality, and Turn Your Trials into Triumphs):

"إنَّ الشغف هو ليس شيئاً تجده في الحياة؛ بل إنَّه شيء تفعله، فعندما تريد أن تجد الشغف والقوة الداخلية اللازمتين لتغيير وضعك، عليك أن تجبر نفسك على المضي قدماً".

ما يزال كثيرون منَّا يحاولون محاولة يائسة "العثور على شغفهم"، وهو شيء نظنُّ أنَّه سيقودنا إلى السعادة أو النجاح أو وضع الحياة الذي نريده في النهاية، وأنا أقول "محاولة يائسة"؛ لأنَّه لا يمكن العثور على الشغف حقاً، فعندما نقول إنَّنا نحاول العثور على شغفنا، فهذا يعني أنَّ شغفنا يختبئ في مكان ما، لكن هذا بعيد كل البعد عن الحقيقة.

إنَّ الحقيقة هي أنَّ شغفنا يأتي من فعل الأشياء بطريقة صحيحة، وإذا كنت تنتظر "العثور على شغفك" بطريقة ما في مكان ما وليس في داخلك، بحيث يكون لديك سبب لبذل قصارى جهدك لإحداث التغييرات التي يجب أن تجريها، فمن المحتمل أن تنتظر إلى الأبد.

من ناحية أخرى، إذا سئمت الانتظار، وكنت تفضِّل أن تعيش بشغف أكبر بدءاً من اليوم، وأن تختبر التغييرات الإيجابية الصغيرة، فقد حان الوقت للقيام بالشيء التالي بشغف، فكِّر في الأمر:

  1. متى كانت آخر مرة جلست فيها وأجريت محادثة مع شخص قريب منك، دون أي عوامل تشتيت وبكامل تركيزك؟
  2. متى كانت آخر مرة مارست فيها الرياضة وبذلت كل جهدك فيها؟
  3. متى كانت آخر مرة حاولت فيها حقاً أن تبذل قصارى جهدك؟

من المحتمل أنَّك تبذل جهداً متواضعاً في معظم الأشياء التي تقوم بها يومياً؛ لأنَّك ما زلت تنتظر "العثور" على شيء لتكون شغوفاً به؛ شيء يقتحم حياتك التي تريد أن تكوِّنها لنفسك، لكن عليك أن تفعل العكس تماماً".

2. يجب أن تبذل قصارى جهدك في الحياة:

افعل الأشياء الصعبة والضرورية، وابذل قصارى جهدك فيها، عندما كنت طفلاً، لطالما قالت لي جدتي: "توقف عن انتظار الفرص الأفضل، فالفرصة التي أمامك الآن هي أفضل فرصة؛ إذ كثيراً ما نقضي كثيراً من الوقت في جعل الأمور مثالية في أذهاننا قبل أن نفعلها، لكن توقَّف عن انتظار الكمال وابذل قصارى جهدك مع ما لديك اليوم، ثمَّ حسِّنه غداً".

صدِّق أو لا تصدِّق، الأبحاث النفسية الحديثة تعزِّز بطريقة غير مباشرة رأي جدتي؛ إذ اعتقد لسنوات عديدة علماء النفس أنَّ أذهاننا يمكن أن تؤثر تأثيراً مباشراً في حالتنا الجسدية، بينما لا يمكن لحالتنا الجسدية أن تؤثر في أذهاننا، بينما في الوقت الحاضر، فمن الموثَّق أنَّ أجسادنا - على سبيل المثال، تعابير الوجه اللحظية ووضعية الجسم - يمكن أن تؤثر تأثيراً مباشراً في حالتنا الذهنية أيضاً، في حين أنَّه من الصحيح أنَّنا نتغيَّر من الداخل إلى الخارج، فإنَّنا نتغيَّر أيضاً من الخارج إلى الداخل، ويمكنك جعل هذا الواقع مفيداً لك؛ لذا إذا كنت تريد المزيد من الشغف والسعادة في حياتك الآن، فتصرف وفقاً لذلك الآن.

ابذل قصارى جهدك في شيء ما، ليس في فرص الغد، لكن في الفرصة التي أمامك مباشرة، ليس في مهام الغد، لكن في مهام اليوم، ليس في سباق الغد، لكن في سباق اليوم، ليس في علاقات الغد، لكن في علاقات اليوم.

نعلم أنا وزوجتي أنَّك تملك كثيراً من الأشياء التي تستحق وقتك وطاقتك في حياتك الآن، ولديك أشخاص وظروف في حياتك تحتاج إليك بقدر ما تحتاج إليها، ولديك مخزون هائل من الشغف المحتمل بداخلك، بانتظارك، لكن إذا انتظرت "الوقت المناسب"؛ أي إذا انتظرت حتى تشعر أنَّك جاهز تماماً، فستنتظر لبقية حياتك.

ينتظر كثير من الناس وقتاً طويلاً ليعيشوا حياتهم على أفضل وجه، وينتظرون طوال اليوم حتى ينتهي دوام وظيفتهم، وينتظرون طوال الأسبوع حتى يأتي يوم الجمعة، وطوال العام لحلول موعد العطلات، وطوال حياتهم من أجل إيجاد الشغف والسعادة؛ لذا لا تكن واحداً منهم.

إقرأ أيضاً: أهمية الامتنان في الأيام الصعبة

لا تحتاج إلى معرفة كل شيء لاتخاذ الخطوة التالية، لكنَّك تحتاج إلى اتخاذ الخطوة التالية لمعرفة كل شيء، وبينما تكافح للمضي قدماً، تذكَّر أنَّه من الأفضل أن تكون مرهقاً من الكثير من الجهد الشغوف والتعلُّم، بدلاً من أن تتعب من الانتظار وأنت لا تقوم بأي شيء على الإطلاق.

إقرأ أيضاً: 4 أسباب تجعلك تستمر في فعل الأشياء الصعبة لتكون سعيداً وناجحاً

في الختام:

ابذل قصارى جهدك فيما عليك القيام به الآن، وسوف يظهر شغفك الضائع منذ فترة طويلة، وستبدأ سلامتك الداخلية في التغيير نحو الأفضل.




مقالات مرتبطة