تنمية ثقافة الفضول في المنظمات

"الفضول ليس مجرد عاطفة؛ بل إنَّه سلوك". أشارت الكاتبة "إليزابيث سميث" (Elizabeth Smith) في مقالها الرائع، "الفضول: القوة الخارقة التي قد نغفل عنها" (Curiosity: The Super-Power We Might Have Overlooked) إلى أنَّ الفضول هو سلوك يمكننا تطويره وتنميته أيضاً. ففي الواقع، للتغلُّب على التحديات اليومية وإنشاء أماكن عمل أكثر مرونة، نحتاج إلى إيجاد طرائق لبناء ثقافة الفضول.



لتغيير سلوك ما أو لمضاعفة أنواع السلوكات التي تريدها في مكان العمل، زوِّد الأشخاص بخطواتٍ أو صيغة يمكنهم فهمها بسهولة. تكمن البداية بامتلاك العقلية الصحيحة.

العقلية الفضولية:

ربما قد سمعت بالمثل القائل: "الممارسة تؤدي إلى الإتقان" (Practice makes perfect)،

ولكنَّ هذه المقولة خاطئة نوعاً ما؛ فالممارسة وحدها تصنع عادات قد لا تكون جيدة دائماً؛ فمثلاً، في الإمكان ممارسة التنس بضربات خلفية لساعات، ولكن لن يتحسَّن الأداء؛ بل إنَّه سيزداد تأصلاً على إثر التكرار. إنَّها الممارسة مع التغذية الراجعة هي ما تمكِّننا من تحسين أدائنا والارتقاء به؛ لذلك ومن أجل تنمية المزيد من الفضول في مكان العمل، علينا فهمه فهماً جيداً وتزويد الموظفين بتغذية راجعة عندما نلاحظه.

ما يُميز العقلية الفضولية البحث المستمر عن معلومات وخبرات جديدة؛ إذ إنَّنا في الكثير من الأحيان نلجأ إلى الالتزام بما نعرفه عندما تواجهنا بعض المواقف في العمل كطريقة أسرع وأسهل، فنحن بحاجة إلى تغيير هذه العقلية أولاً حتى يكون الناس منفتحين على البحث عن هذه التجارب الجديدة. قد يكون دمج مجموعات متنوعة مع بعضها بعضاً طريقة رائعة لتحقيق ذلك.

لتوضيح الفكرة، دعونا نطَّلع على المثال الآتي، في برنامج قيادة حديث لمؤسسة رعاية صحية، كُلِّفت مجموعة متنوعة من الأطباء والمختصين الصحيين والإداريين والممرضات بتحديد التحديات التي واجهتها مستشفياتهم، وإظهار الإبداع وروح التحدي والتفكير على نحو مختلف والاستعداد للتجربة.

الجدير بالذكر أنَّه كان على الأشخاص العمل على تحدٍ خارج مجال عملهم أو خبرتهم، حيث وجدت إحدى المجموعات مشكلة طويلة الأمد تتعلق بالمناطق المخصصة للعمليات؛ فقد كان من المُفترض أن تكون 10 منها جاهزة للعمل الساعة 8:30 كل صباح، ولم يحصل ذلك أبداً؛ لذلك لم يكن ممكناً أن يبدؤوا في الوقت المحدد مع وجود ثمانية أماكن مجهزة فقط قبل العملية.

كان على هذه المجموعة أن تعيد التفكير في الخيارات الممكنة، وفي غضون 15 دقيقة وجدوا مكتباً قريباً لم يكن محجوزاً حتى الساعة التاسعة صباحاً، وتم التواصل مع المسؤولين وحجزه وتجزئته إلى قسمين لأخذ عمليتين تمهيديتين باستعمال شاشة عرض، وهنا حُلَّت المشكلة.

بدا الأمر عند النظر إليه حينذاك واضحاً وسهلاً جداً، ولكنَّ هذه الحالة تحدث مراراً وتكراراً.

غالباً ما يتعذر علينا أن نبحث بفضول حينما نكون تحت الضغط؛ فسرعان ما نجد أنفسنا نقوم بالأمر كما اعتدنا عليه كنتيجة لعدم وجود متسع من الوقت لنكون فضوليين، ومن ثم للأسف تُنجَز المهام بطريقة كان من الممكن أن تكون أفضل بكثير.

يساعد جمع فرق متنوعة للعمل على مهمة ما على النظر في المشكلات خارج نطاقها الطبيعي؛ وهذا يساهم في تعزيز وجود وجهات نظر مختلفة ويشجع على إظهار المزيد من الفضول.

إقرأ أيضاً: الأشخاص الفضوليين: صفاتهم وطريقة التعامل معهم

وبالمناسبة، ما حققوه في هذا التمرين كان له تأثير عميق في كل قائد من القادة، ولقد كانوا متحمسين للغاية بعد أن أحدَثوا فارقاً كبيراً؛ ولذلك استمروا في البحث عن تحديات أُخرى؛ إذ إنَّ ما حصل أثار فضولهم ورغبتهم في إحداث تغيير.

في غضون ذلك؛ تخيَّل للحظة أنَّك تشرح فكرة جديدة لفريقك ويقاطعك شخص ما معترضاً، ربما تنزعج بعض الشيء وتُحبَط أو حتى تستشيط غضباً، فلقد عملتَ جاهداً لتُثبت وجهة نظرك بأفكارك وحججك؛ لذلك وعندما تواجه مقاومة، يكون رد فعلك سريعاً وتحاول صد وجهة النظر الأخرى لتبرير الأسباب التي توضِّح صحة وجهة نظرك، وتعيد شرح أفكارك.

لكن تمهل وتوقف للحظة، وأفسِح المجال لعقليتك الفضولية واسأل نفسك: "لماذا يعترض الشخص الآخر؟ ولماذا يرى الأمر بشكل مختلف عنك؟". يمكنك عندئذ إعادة صياغة ردك؛ إذ تُغيِّر سلوكك عندما تثبت صحة ما تقوله إلى الفضول؛ إذ إنَّ المفتاح الأساسي للقيام بذلك هو من خلال الإصغاء إلى ما يقوله الآخرون.

فرص تنمية الفضول:

نحن نحتاج إلى أن نوضح ما هو الفضول وأن نصنع للناس فرصاً لإظهاره، وتساعد الشروحات - ولا سيما عند تقديمها - كدليل على استكشاف أفكار جديدة وتجربة أساليب جديدة للعمل، ويساعد عرضك الأمثلة الإيجابية الناسَ على فهم التوقعات. وبالمثل، فإنَّ الإضاءة على الأمثلة السلبية أو لنُسميها "الخطوط الحمراء" تُحوِّل أنظار الموظفين إلى أمور لا تريدها.

وإضافةً إلى ذلك، إذا كنت ترغب في أن يكون مكان عملك مُفعماً أكثر بالفضول والناس الفضوليين؛ فيجب أن تتضمن توصيفات الوظائف التي تنشرها شكل الفضول الذي تبحث عنه بدقة، ومن خلال معرفة كيف يبدو الفضول بشكله الجيد أو الإيجابي يمكننا عندها تطوير القدرة على مراقبة السلوك لتقديم ملاحظات دقيقة تستند إلى البيانات المتوافرة بين أيدينا.

كما يمكننا أيضاً تحديد مدى تواتر وتكرار المرات التي يظهر فيها الفضول، أضِف إلى ذلك ضرورة خلق الفرص من خلال العمل على المشاريع، واتباع أسلوب مراقبة الزملاء في العمل لمعرفة كيف تتم الأمور، وغيرها من الطرائق لمراقبة جوانب مختلفة من العمل.

وبما أنَّ المزيد من الأشخاص يعملون الآن عن بُعد، فقد يكون من الجدير التفكير في إنشاء فرق مرنة للعمل على مشاريع متنوعة وإلقاء نظرة على مختلف قضايا ومشكلات سوق العمل أو المبادرات الجديدة أو نشاط المنافسين.

شاهد بالفديو: 8 وسائل يمكن تطبيقها لتعزيز الفضول عند طفلك

تحويل الفضول إلى عادة:

إن نظرنا في أبحاثٍ مختلفة، فسنجد أنَّ تحويل أي شيء إلى عادة يستغرق ما بين 20 و65 يوماً؛ لذلك خذ في حسبانك أن تعمل على بناء الفضول كعادة يومية، ويمكن القول إنَّ إعادة النظر والتأمُّل هو أسلوب سهل لجعل هذا حقيقة واقعة.

أعيدوا النظر عند نهاية يومكم في الأمور التي سارت بشكل جيد ونجحت، ولماذا؟

فكروا في كل ما لم يسِر كما خُطِّط له، وأبدوا اهتماماً وفضولاً بالسبب الذي يكمن وراء ذلك، ما الذي وقف بطريق نجاح هذا الأمر؟ وما الذي كان في إمكانك أن تفعله بشكل مختلف؟ يمكننا أن نصبح أكثر فضولاً بمجرد إعطاء خمس دقائق من وقتنا للتفكير والتأمل. إن فعلتم ذلك يومياً، فستمتلكون عادة قوية جديدة أو لربما حتى قوة مذهلة.

المصدر




مقالات مرتبطة