تكوين عادات متعددة في نفس الوقت

هل يمكنك التغلب على ضعف إرادتك في سبيل بناء عادات متعددة بنجاح؟ هذا هو السؤال الذي يقتصر عليه مقال اليوم.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المؤلف "ستيفن غايز" (Stephen Guise)، ويُحدِّثنا فيه عن مفهوم تكوين عادات مختلفة في وقت واحد.

كان تحكُّمي في ذاتي خلال حياتي متوسطاً في أفضل الحالات، أمَّا في أسوأ الحالات، فكنت أقضي ما يزيد عن عشر ساعات يومياً ألعب ألعاب الفيديو، ومع ذلك، استطعتُ في الفترة الأخيرة تبنِّي عادات جديدة في القراءة، والكتابة، والتمرينات الرياضية، والاستيقاظ الباكر؛ (إذ أُهيِّئ نفسي لصوت المنبه حتى لا أضغط زر الغفوة عشرات المرات)، وهذه هي نتائجي المتواصلة حتى الآن:

  • ارتياد النادي الرياضي 3 مرات في الأسبوع على الأقل: 236 يوم.
  • القراءة والكتابة يومياً: 150 يوماً.
  • تمرينات المنبه يومياً: 43 يوماً.

ما أفتخر به حقاً هو أنَّني أفعل كل ذلك في نفس الوقت، لقد فاتتني القراءة في ثلاثة أيام فقط بسبب النسيان، كان كل يوم ناجحاً بنسبة 100% لأنَّ مهامي بسيطةً جداً لدرجة لا تسمح لها بالفشل، فهي عادات صغيرة.

هل يمكنك تكوين أكثر من عادة في وقت واحد؟

تتمثَّل الطريقة التقليدية لبناء العادات في اتباع واحدة تلو الأخرى، وإنشاء الاستراتيجية الثلاثية المكوَّنة من المُحفِّز، والسلوك، والمكافأة، ولطالما كنت أُوافق تماماً على وجوب اتباع تقليد واحد فقط في كل مرة، لكنَّني كرهت ذلك في النهاية، ليس لأنَّها استراتيجية غير فعَّالة؛ بل إنَّها قد تنجح، وهي أفضل من الفشل في تكوين عادات متعددة في وقت واحد، لكن لأنَّني أردت القيام بعديد من الأشياء الأخرى، فلستُ مستعداً للتضحية بجميع العادات الأخرى التي أسعى إلى تكوينها لمدة شهرين، في سبيل تطوير واحدة منها فقط، كان ذلك صعباً بالنسبة إليَّ.

عندما تنجح في تكوين عادة العزف على البيانو من خلال ممارستها كل يوم، فإنَّ هذا النجاح قد يُنشئ لديك ما أسمِّيه "جشع العادة"؛ لأنَّك بعد فترة وجيزة، ستتمنى أيضاً لو كنت تقرأ أكثر، وتتدرب أكثر، وتتناول طعاماً جيداً، وتكتب كتاباً، وقد تدفعك هذه الرغبات الموضوعة جانباً إلى حدِّ الجنون، وأيضاً إذا أضفت عدداً كبيراً من العادات إلى قائمتك، فسوف تتَّحد معاً لتُشوِّش تركيزك، وتستنزف إرادتك، وتعيدك إلى الوراء، فلا يُمكننا التعامل إلَّا مع حد معيَّن من المهام في المرة الواحدة.

من الجدير التضحية ببعض الأشياء لمدة شهرين من أجل تكوين عادة جيدة مدى الحياة، لكن من الصعب جداً أن تتحلى بالانضباط الكافي للبحث عن واحدة فقط في كل مرة.

إقرأ أيضاً: حلقة العادة: دليلك إلى تكوين العادات

إنشاء عادات صغيرة متعددة هو أسهل ممَّا تظن:

لقد واجهتُ قبل أن أُطوِّر العادات المذكورة آنفاً في نفس الوقت صعوبةً في تكوين عادة تقليدية واحدة فقط، حتى مع تركيزي الكامل عليها؛ وذلك لأنَّ الحفاظ على العادات الصغيرة أسهل بكثير من العادات التقليدية؛ إذ يسهل عليَّ تطوير أربع عادات صغيرة والحفاظ عليها أكثر من عادة واحدة كبيرة.

السؤال التالي دليل على ذلك: هل تُفضِّل أن تؤدي حالياً تمرين ضغط واحد، أم 100 تمرين؟ فكِّر ملياً في القيام بكل مهمة وراقب استجابتك لكليهما.

ما لم يكن لديك حب غير طبيعي للتمرين، ستكون أكثر استعداداً للقيام بتمرين واحد فقط؛ فمجرد التفكير في القيام بـ 100 تمرين قد يبعث على النفور إذا كنت متعباً، أو لست في حالة جسدية مناسبة، أو كان تفكيرك مُنصبَّاً على نشاط آخر؛ إذ يأتي هذا الشعور من عقلك الباطن الذي يُعارض الفكرة بشدة.

لكن، إذا كنت قادراً جسدياً على أداء تمرينات الضغط، قد تستهزئ بمدى سهولة القيام بواحد منها فقط، فإنَّ ذلك سيضمن لك دائماً قوة الإرادة الكافية لإجبار نفسك على مواجهة هذا التحدي.

هذه الاستراتيجية قوية للغاية؛ فوفقاً لعقلك، فإنَّ تمريناً واحداً أو 100 تمرين هي سلوكات قابلة للتطبيق على نحو متساو، وقد يبدو ذلك غريباً، لكنَّه حقيقي جداً، سيفتح ذلك عالماً جديداً من إمكانات تكوين العادات؛ لأنَّه يعني أنَّنا نستطيع تحويل أي سلوك تقريباً إلى عادة، حتى لو كنَّا غير متحفزين، أو كانت قوة إرادتنا ضعيفة، فالعنصر الأساسي للنجاح هو جعل السلوكات صغيرة الحجم، لدرجة لا تسمح لها بالفشل.

شاهد بالفيديو: كيف يمكن تكوين وترسيخ عادات جديدة في حياتك؟

لدينا الكثير من العادات، ومعظمها صغير جداً:

كثيراً ما ألعب كرة السلة، وقد لاحظت ذات يوم في أثناء إحدى المباريات أنَّني مسحت وجهي بقميصي بعد أن سجَّلتُ هدفاً، لم أفكِّر في ذلك كثيراً حتى أعدتُ ذلك عدة مرات، وكنت أُكرِّر ذلك حتى لو لم أكن متعرقاً، لقد أصبحت هذه الإيماءة الصغيرة غير الهامَّة بطريقة ما عادةً لدي، أدركتُ لاحقاً أنَّ ذلك كان نابعاً من الإحراج، تماماً كما تقف حائراً عندما يُغني لك الناس أغنية عيد ميلادك، لكن نادراً ما أفعلها بعد أن أدركت ذلك.

يمكنك التفكير في كثير من العادات الصغيرة المشابهة، كقضم أظافرك، أو لف شعرك، أو مداعبة لحيتك، وغيرها من العادات التي أصبحت معتاداً عليها عن طريق الصدفة، فثمَّة مئات من العادات الصغيرة التي لن تُدركها ما لم تصبح بارزة أو تُسبِّب لك مشكلات.

وجدت دراسة في مجلة جامعة "ديوك" (Duke) أنَّ نحو 45% من سلوك المشاركين في الدراسة كان معتاداً، نظراً لذلك من غير المحتمل أن نكون مُدركين بوعي لعديد من القرارات التلقائية التي نتخذها؛ ويعني ذلك أنَّ هذه القرارات تُتَّخَذ في وعينا الباطن.

كما ترى، ليست العادات الصغيرة ممكنةً فحسب؛ بل هي أشيع بكثير من العادات الرئيسة التي نميل إلى التركيز عليها (مثل ممارسة الرياضة، والتدخين، والاستيقاظ باكراً في الصباح، وتناول الوجبات السريعة وما إلى ذلك)، أمَّا فيما يتعلق بمغزى العادات الصغيرة، فلا تُقلل من شأنها، لأنَّها قد تنمو كثيراً.

كيف تتحول العادات الصغيرة إلى عادات كبيرة؟

غالباً ما تنمو العادات الصغيرة إلى عادات كبيرة؛ لأنَّ العادات هي سلوكات آلية، وكل تكرار للسلوك يعزِّز هذه العادة.

إنَّ المسارات العصبية في الدماغ هي بمنزلة عضلات العادات، وعملية النمو تعمل على النحو الآتي:

  1. تُطلق خلية عصبية مساراً في دماغك (محفز أو إشارة).
  2. تؤدي السلوك المعين (الفعل).
  3. فتحصل على نوع من التغذية الراجعة الإيجابية (مكافأة).
  4. يتعزَّز بعد ذلك هذا المسار العصبي (العادة).

يُمثل كل تكرار قدراً ضئيلاً جداً من التعزيز، لكن عندما يتراكم على مدار أسابيع وأشهر، يُصبح النمو هائلاً، وهذا التعزيز التكراري للعادات هو صورة مُصغَّرة ممتازة لآلية عمل التمرينات الرياضية في تضخيم العضلات، فمن غير الطبيعي أبداً أن يجري الدماغ تغييرات كبيرة وواسعة، وهو ليس مُصمَّماً للتغيير بسرعة أيضاً، ممَّا يُبقيه مستقراً، وهذا ما يجعل تنفيذ خطط التغيير الكبيرة صعباً؛ لذا تجد أنَّ العادات تنمو طبيعياً؛ إذ تبدأ صغيرة، وغالباً ما تتسلَّل إليك دون أن تُدرك ذلك؛ لذا كن حذراً جداً فيما يخص تكرار السلوكات البسيطة التي لا تُفضل أن تتحوَّل إلى عادات راسخة.

لكنَّ الأمر نفسه ينطبق على العادات الجيدة أيضاً؛ لذلك أوصيك بشدة بمحاولة إنشاء عادات صغيرة خاصة بك، ونظراً لكيفية عمل العادات في الدماغ؛ لا يمكنك الحكم على عادة من خلال حجمها، وإذا أردت الحكم عليها، فعليك على الأقل أن تحكم عليها بدقة كما تحكم على العادات الكبيرة كالتمرينات الرياضية.

إقرأ أيضاً: تأثير العادات في تغيير حياتك

كيف نتَّبع بنجاح عادات متعددة في وقت واحد؟

قد يمتلك بعض الناس إرادةً كبيرة، ويمكنهم تبني عدداً كبيراً من العادات في نفس الوقت، لكن بالنسبة إلى الغالبية العظمى من البشر، فإنَّنا نحتاج إلى استراتيجية تضمن النجاح على الرَّغم من إرادتنا المحدودة، هنا تبرز أهمية استراتيجية العادات الصغيرة، التي تسمح حتى باتباع عادات متعددة في وقت واحد.

لا تتطلب العادات الصغيرة سوى إرادةً صغيرة للقيام بها كل يوم، لدرجة أنَّك تستطيع القيام بها في أسوأ حالاتك، حتى لو كنت مريضاً أو مكتئباً أو مرهقاً بالكامل، ولأنَّها صغيرة جداً، يمكنك بسهولة تطوير أكثر من واحدة منها.

إنَّني لا أستخدم كلمة سهل باستخفاف عند الحديث عن النمو الشخصي، لكنَّنا نتحدث عن عادات مثل قراءة صفحة واحدة في اليوم، أو التنظيف لمدة دقيقة واحدة، أو الرقص لمدة نصف دقيقة، أو قراءة رسالة بريد واحدة، ليس لديك عذر لتفويت يوم واحد حتى، فلا تنبع استمراريتي في اتباع العادات الصغيرة من قوتي الشخصية؛ بل من قوة هذه الاستراتيجية، ويجب أن أُذكِّر نفسي كل يوم أنَّني تجاوزت أهدافي المتواضعة بكثير.

في الختام:

أُوصيك باتّباع ما بين عادة إلى أربعة عادات صغيرة في وقت واحد، وقد تكون أربعة عادات أكثر ممَّا يتحمَّله بعض الناس؛ فقد وجدتُ أنَّ الإكثار من العادات يُضعف هذه الاستراتيجية التي تنبع أصلاً من سهولة هذه العادات، فعندما يكون لديك عدد كبير من الأشياء الصغيرة التي يجب عليك فعلها، قد تُربكك الكمية الكبيرة، حتى لو كانت كل واحدة منها بسيطةً جداً، ويختلف الأمر بالطبع من شخص إلى آخر، فلا ضير في بعض التجريب.

أفضل مقياس هو قدرتك على الالتزام بهذه العادات في أسوأ أيامك، إذا استطعت ذلك، فإنَّك في حالة جيدة، ويمكنك تطوير أي عدد ترغب به من العادات الجديدة دون تفويت يوم واحد، فإنِّي لا أُفوِّت عاداتي الصغيرة حتى في الإجازات أو أيام المرض، فهي سهلة إلى الحد الذي لا يمكن رفضها.




مقالات مرتبطة