تكلفة الفرصة البديلة: كيف تحدد أفضل الفرص وتغتنمها؟

عندما توافق على فعل شيء ما، فأنت ترفض الاحتمالات الأخرى والفوائد المحتملة تلقائياً، وهذا ما يسمى بـ "تكلفة الفرصة البديلة".



لقد سمع معظمنا عن هذا المفهوم أو أدركه إدراكاً لا شعورياً؛ إذ نعلم أنَّنا لا نستطيع فعل كلِّ ما نريده في ذات الوقت، لكنَّ تكلفة الفرصة البديلة هي أكثر أهمية لحياتك ومهنتك ممَّا تعتقد، بالنسبة إلي، لقد كنت أكثر إدراكاً لهذا المفهوم في السنوات الأخيرة، ونتيجةً لذلك، تحسنت مهنتي تحسناً كبيراً.

في هذا المقال، سوف أشارك كيف يمكنك استخدام مفهوم تكلفة الفرصة البديلة لاتخاذ قرارات أفضل، لكن لنتحدث أولاً عن معنى تكلفة الفرصة البديلة.

تعريف بسيط لتكلفة الفرصة البديلة:

إنَّه مفهوم رئيسي في الاقتصاد، وهو يعني ببساطة الفوائد المحتملة التي نفوِّتها من خلال اختيار خيار على آخر، ويوجد نوعان من تكاليف الفرصة البديلة؛ الصريحة منها والضمنية، وغالباً ما تُستخدم التكاليف الصريحة التي تسمى أيضاً بتكاليف المحاسبة في المصطلحات التجارية والاقتصادية.

غالباً ما تكون التكاليف الضمنية غير مرئية؛ فالوقت على سبيل المثال هو تكلفة غير ملموسة.

مخاطر تجاهل تكلفة الفرصة البديلة:

قد يكون من السهل في بعض الأحيان بسبب عدم وجود تبعات حقيقية، تجاهل تكلفة ما يبدو نظريَّاً بأنَّه فرص؛ ولكنَّنا دائماً ما نواجه هذه التكاليف يومياً، وإن لم نكن مدركين لها، لكن إذا تجاهلناها، ستؤثِّر تكاليف الفرص البديلة سلباً في حياتنا ووظائفنا وعلاقاتنا أيضاً.

يوجد نوعان من المخاطر الرئيسة:

1. العمل في وظيفة دون أيِّ هدف:

هذا يعني العمل دون التقدم أو التحسن، بالنسبة إلي لقد مررت بذلك، وقد أشعرني ذلك باليأس، على سبيل المثال قد تحضر إلى العمل وتقضي ساعات عملك وتعود إلى المنزل وتتقاضى أجرك، ثم تكرر ذلك؛ لكنَّك تبقى في النهاية بلا أيِّ شيء؛ أي بلا معلومات أو خبرات هامة.

قد يكون العمل في وظيفة دون تحقيق هدف معين أمراً مغرياً؛ لأنَّنا جميعنا بحاجة إلى دفع فواتيرنا، لكن إذا كنت ترغب في الحصول على وظيفة تشعرك بالرضى الداخلي، فلن تتمكن من تحمُّل ذلك.

إنَّني أرجع دائماً إلى كتاب المؤلف النمساوي الأمريكي بيتر دراكر (Peter Drucker)، المسمى إدارة الذات (Managing Oneself)، لتذكير نفسي بالأمور الهامة، فكما قال: "بالتأكيد لا يوجد شيء معدوم الفائدة بقدر القيام بما لا ينبغي القيام به على الإطلاق بكفاءة كبيرة".

2. تفويت عائد الاستثمار:

هل من الممكن أن تقضي وقتك في شيء أكثر فاعلية الآن؟ توجد أشياء عديدة نقوم بها، لا تمنحنا عائداً على الاستثمار؛ فوقتنا ومواردنا عبارة عن استثمارات.

كلُّ الإجراءات التي نقوم بها - سواء قراءة الأخبار، أم تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، أم التحقق من رسائل البريد الإلكتروني، أم الاطلاع على إحصاءات موقع الويب دون سبب محدد - تستهلك الوقت؛ فقد تستيقظ وتقضي ساعتين في القيام بهذه الأشياء دون أن تنجز شيئاً مثمراً.

شاهد بالفديو: 5 أسئلة تساعدُكَ على تحديد الأولويات

ترتيب خياراتك وفق الأولويات:

إذا كنت تريد أن تصبح أكثر إدراكاً لتكاليف الفرصة البديلة في حياتك المهنية، فابدأ في ترتيب الأشياء الضرورية لعملك وفق الأولويات.

بالنسبة إلي، دائماً ما أعطي الأولوية للمحتوى بدلاً من التصميم في موقعي، وبالطبع إنَّ كلَّاً من المحتوى والتصميم هامان؛ فالمدونة العشوائية تؤثِّر سلباً في تجربة القراءة؛ ولكنَّ المحتوى غير المُجدي لن يجذب أيَّ قارئ؛ لذا أحدهما أهم من الآخر، هذا لا يعني أنَّني يجب أن أهمل تصميم موقع الويب الخاص بي؛ بل ببساطة يجب أن أخصص مزيداً من الطاقة للعمل على المحتوى؛ لأنَّ هذه هي الأولوية الرئيسة لمدونتي.

يُعدُّ ترتيب الأولويات أمراَ بسيطاً بساطة إعداد قائمة من الأولويات، إليك قائمتي عندما يتعلق الأمر بمدونتي:

1. نشر مقال واحد عالي الجودة كلَّ أسبوع:

هذا هو الشيء الأهم بالنسبة إلى مدونتي، فإذا لم يكن لدي مقالات، فلن يكون لدي مدونة.

2. تقديم منتجات عالية الجودة:

تُحقِّق مدونتي دخلاً من خلال تقديم الدورات والكتب، فإذا لم يكن لدي دخل، فلن يكون لدي مدونة.

3. اكتساب معلومات جديدة:

إنَّني أتعلَّم أشياء جديدة باستمرار، ودون ذلك، لن أتمكن من نشر مقالات وكتب ودورات جديدة.

4. الإصغاء إلى القرَّاء:

يساعدني هذا الأمر على البقاء على تواصل مع الأشخاص الذين يقرؤون مدونتي؛ إذ تعطيني آراء القرَّاء تغذيات راجعة وإلهاماً لمواصلة التحسُّن.

5. أشياء أخرى:

إنَّ قائمتي أطول من ذلك؛ لكنَّ ترتيب المهام ليس بهذه الأهمية بعد أول 4 مهام؛ إذ يتعلق ترتيب الأولويات بمعرفة الأمور الأكثر أهمية.

يمكنك إعداد قائمة بأهم خمس أولويات لديك إذا كان ذلك أكثر منطقية بالنسبة إلى حياتك المهنية، لكنَّني لا أوصي بإعداد قائمة طويلة مكونة من 10 عناصر أو أكثر؛ فمن الناحية الواقعية، لا يمكننا التركيز على أشياء عديدة في ذات الوقت، وللتوضيح، فإنَّ المثال أعلاه هو لحياتي المهنية فقط وليس لحياتي بأكملها.

إذا كنت ترغب في تجربة هذه الاستراتيجية، أعدَّ قائمة، واحتفظ بها في مكان تراها فيه باستمرار، وعِش وفقاً لتلك الأولويات، ولا تضيع وقتك في البحث عن الفرص التي لا تخدم أهم أولوياتك.

إقرأ أيضاً: كيف تستخدم مصفوفة تحديد الأولويات عندما تكون كل مهمة أولوية؟

مثال شخصي، لا تتصرف بثقة زائدة:

دعني أقدم لك مثالاً لأوضح لك مدى صعوبة إتقان تكلفة الفرصة البديلة، على الرَّغم من أنَّني أعرف أولوياتي جيداً، ما زلت أتوصل إلى أفكار جديدة وأبدأ العمل عليها على الفور؛ لكنَّني كنت أدرك لاحقاً أنَّها لا تتوافق مع أهم أولوياتي، وأنَّني كنت أستطيع فعل شيء آخر في ذلك الوقت.

عندما بدأت جائحة كوفيد-19 (COVID-19)، خطرت لي فكرة إنشاء دورة تدريبية عبر الإنترنت تتعلق بالعمل عن بُعد، وسألت بعض الأشخاص عن رأيهم، وكان الجميع موافقين؛ لذلك بدأت في إنشاء الدورة التدريبية على الفور؛ لكنَّني لم أستغرق وقتاً كافياً للإصغاء إلى قرَّائي.

في ذات الوقت كنت أعمل أيضاً على دورة أخرى تتعلق ببدء عمل تجاري عبر الإنترنت، لمدة عام تقريباً، وقد طلب معظم قرائي هذه الدورة بالفعل، لكن نظراً لأنَّني تصرفت بثقة زائدة (ونسيت أولوياتي)؛ فقد أوقفت عملي على الدورة الخاصة ببدء عمل تجاري عبر الإنترنت لمدة ثلاثة أشهر تقريباً، حتى أتمكن من إنهاء الدورة التدريبية الخاصة بالعمل عن بُعد وإطلاقها وتحقيق ربح أكثر.

لقد كانت تكلفة الفرصة البديلة حينما قمت بدلاً من ذلك بإنشاء دورة تدريبية صغيرة لم تسفر عن النتائج نفسها، وفي الواقع نالت الدورة التي أوقفتها آراء أفضل من الدورة التدريبية الخاصة بالعمل عن بُعد.

استبعاد الخيارات:

إنَّ أفكارنا الأولى ليست الأفضل دائماً تماماً مثل قراري بشأن إنشاء دورة تدريبية، فعلى الرَّغم من عملي على دورةٍ أخرى؛ فقد كان يجب أن أقيِّم خياراتي تقييماً أكثر استراتيجية قبل التورط فيها، وفي هذه الحالة كان العامل الحاسم هو أولويتي الآتية: "الإصغاء إلى القرَّاء"؛ لكنَّني تجاهلت ذلك عندما أنشأت الدورة التدريبية المتعلقة بالعمل عن بُعد.

إنَّنا نملك خيارات عديدة في الأوقات جميعها عندما يتعلق الأمر بقضاء وقتنا، على سبيل المثال، هل يجب أن تقضي وقتاً مع الأصدقاء أو البقاء في المنزل؟ أو هل يجب عليك التحقق من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بك في الصباح أو الكتابة في دفتر يومياتك؟ أو هل يجب أن تنفق نقوداً أقل ووقتاً أكثر عن طريق ركوب الحافلة إلى العمل أو يجب أن تشتري سيارة؟

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتصبح محترفاً في تحديد أولويات المهام

في الختام:

لا يمكننا فعل كلُّ ما نريده دفعة واحدة؛ بل علينا أن نختار؛ إذ تنص مفارقة الاختيار على أنَّ وجود مزيد من الخيارات ليس أمراً أفضل دائماً، وفي الوقت الحاضر يوجد حولنا احتمالات مختلفة، لكن سيساعدك توضيح أولوياتك على استبعاد خيارات عديدة، وهذا هو سر اتخاذ قرارات أفضل.

دائماً ما تكون لدينا أفكار مختلفة يمكن أن تثير حماستنا، أو فرص جديدة تطرق أبوابنا، لكنَّ الأمر متروك لنا لتحليل هذه الأفكار والفرص تحليلاً صحيحاً، وعندما تواجه قراراً ما، اسأل نفسك دائماً: "هل يتوافق هذا القرار مع أهم أولوياتي؟" إذا أجبت بـ "نعم" عن هذا السؤال بثقة فاغتنم الفرصة.




مقالات مرتبطة