تقنية ممارسة التأمل والتركيز على المخاوف

بصفتي طبيباً نفسياً فقد عالجت العديد من الأشخاص الذين يعانون اضطرابات قلق شديدة، ومع ذلك يوجد كثير من الأشخاص الذين لا يعانون اضطراب القلق السريري وما زالوا يعانون المخاوف اليومية.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "ستيفن أيتشيسون" (Steven Aitchison)، ويُحدِّثنا فيه عن المخاوف وأهمية اعتماد تقنية "ممارسة التأمل، والتركيز على المخاوف" للتخلص منها.

إنَّنا نعيش في ثقافة تُقدِّر النجاح والإنجاز والعمل الجاد؛ لذلك نضع أهدافاً أكبر لأنفسنا ونتحمل المزيد من المسؤوليات، ولكن يترافق هذا مع زيادة الأشياء التي يجب علينا متابعتها والشعور بمزيد من التوتر، قد نظنُّ خطأً أنَّه بمجرد حل المشكلة التي نفكر فيها ستختفي مخاوفنا؛ لكنَّ ما لاحظته في جميع المرضى - ومن ضمنهم أنا - أنَّك عندما تكون معتاداً القلق فحالما تتخلص من قلق معين سوف تقلق بشأن شيء آخر على الفور.

لقد اعتدنا التفكير بشأن كل ما يتعين علينا القيام به وبكل الاحتمالات الممكنة للأشياء التي يمكن أن تسوء؛ لذلك ليس من المستغرب عندما يحين وقت الاسترخاء ألَّا تتعاون أدمغتنا معنا.

واحدة من أكثر الشكاوى شيوعاً المتعلقة بالنوم هي عدم قدرة الناس على النوم؛ بسبب عدم قدرتهم على التوقف عن التفكير، إذاً ما الذي يمكننا فعله كي لا نصاب بالجنون في وسط هذا العالم الصاخب؟

تقنية "ممارسة التأمل والتركيز على المخاوف":

لنفترض أنَّه يوجد شخص يُدعى بوب، أول شيء يفكر فيه بوب حالما يستيقظ هو الأشياء التي يجب عليه القيام بها في ذلك اليوم، إنَّه يشعر بحالة من التوتر المستمر طوال اليوم؛ إذ تتراكم عليه المزيد من المسؤوليات.

بصرف النظر عن مقدار المهام التي ينجزها إلا أنَّها تستمر في الازدياد، وعندما يعود بوب من العمل يستمر في التفكير بيومه على الرغم من أنَّه لا يقوم بأي شيء مثمر لحل مشكلاته، وعندما يحين وقت النوم لا يتمكن من النوم؛ لأنه يقلق بشأن ما إذا كان قد نسي القيام بشيء من الأمور المترتبة عليه.

يعاني بوب مستوىً ثابتاً ومنخفضاً من القلق طوال اليوم؛ إذ إنَّه معتاد الشعور بالقلق لدرجة أنَّه لا يعرف كيفية تهدئة عقله عندما يحين وقت الاسترخاء أو النوم.

نفترض أيضاً أنَّه توجد فتاة تُدعى سوزي، لقد تعلمت سوزي تقنية "ممارسة التأمل والتركيز على المخاوف"، وتعلمت التركيز على الاسترخاء والقلق في فترات زمنية منفصلة، حالما تستيقظ سوزي تمنح نفسها 20 دقيقة للتركيز على كل مخاوفها لدرجة أنَّ ذلك يشغل كل تفكيرها، إنَّها تقوم بالأمر بطريقة مفيدة وتكتب مخاوفها كلها على الورق، ثمَّ في الدقائق الخمس الأخيرة تدقق القائمة وتضع استراتيجيات لِمَا يمكنها فعله لمعالجة أكبر المشكلات، ثمَّ تضع 3-4 عناصر فقط في قائمة مهامها.

عندما تنتهي من ذلك تتوقف عن التركيز على مخاوفها وتمارس التأمل لمدة 20 دقيقة؛ أي تجلس في وضعية مريحة وتركز انتباهها على شيء محايد كالتنفس أو الأصوات في البيئة المحيطة بها، وإذا لاحظت أنَّها على وشك التفكير في مخاوفها فإنَّها تعيد توجيه انتباهها إلى التنفس مرة أخرى، وبعد أن تنتهي من التأمل تشعر بالهدوء والراحة، ويكون لديها قائمة مهام يوجد فيها أهم المهام التي تحتاج إلى إنجازها في ذلك اليوم.

إذا بدأت مخاوفها في الظهور في وقت لاحق من اليوم فإنَّها تقوم بهذا التمرين مرة أخرى؛ أي تمضي 20 دقيقة في التركيز على جميع مخاوفها، ثمَّ 20 دقيقة في ممارسة التأمل، وعندما يحين وقت النوم تكون قد تدربت كثيراً على الانتقال من القلق إلى الاسترخاء لدرجة أنَّها تكون قادرة على التوقف عن التفكير والاستغراق في النوم دون أي مشكلة.

إقرأ أيضاً: حسِّن ذاكرتك عن طريق التأمُّل

كيفية تنفيذ تقنية "ممارسة التأمل والتركيز على المخاوف":

1. خصص وقتاً لهذه التقنية في يومك:

تأكد من أنَّك تملك وقتاً محدداً للقيام بالتمرين، وقرر عدد المرات التي ستقوم فيها بالتمرين في اليوم، أفضل وقت للقيام بذلك هو مرة في الصباح ومرة في المساء، وإذا كنت قلقاً جداً فقد ترغب في ممارسته أربع أو خمس مرات في اليوم.

2. في أثناء "التركيز على المخاوف" اكتب كل المخاوف التي تدور في ذهنك:

في أثناء قيامك بهذا الأمر لن ترغب في أن تتشتت بالأفكار الإيجابية أو المريحة؛ لذا ركز على المخاوف فقط، أحضر ورقة وقسِّمها إلى عمودين واكتب مخاوفك في العمود الأيسر في الـ 15 دقيقة الأولى، ثمَّ في الدقائق الـ 5 الأخيرة راجع القائمة، واكتب في العمود الأيمن الطرائق التي يمكنك من خلالها حل كل مشكلة على حدة أو معالجتها، خذ قلم تمييز وحدد أهم 3-4 عناصر، ثمَّ ضعها في قائمة المهام الخاصة بك.

شاهد بالفيديو: 7 فوائد للمشي التأملي

3. حالما تنتهي من هذه المرحلة، ابدأ بممارسة التأمل:

يمكنك ممارسة بعض تمرينات الاسترخاء لمدة 20 دقيقة؛ وذلك لأنَّ التأمل هو أحد الخيارات؛ لكنَّه ليس الخيار الوحيد، إليك بعض الخيارات الأخرى التي يمكنك ممارستها:

  • استرخاء العضلات التدريجي.
  • تمرينات التنفس.
  • تمرين بدني خفيف (إذا كنت تعدُّ هذا الأمر مريحاً).
  • نشاط يساعدك على الاسترخاء، مثل الاستماع إلى الموسيقى أو الاستحمام أو قراءة رواية وما إلى ذلك.

اختر تمرين الاسترخاء الذي يناسبك أكثر، فالجزء الأكثر أهمية هو أنَّ هذا الوقت لا يُسمح لك فيه بالشعور بالقلق، وإذا شعرت بأنَّك على وشك الشعور بالقلق فأعد توجيه انتباهك إلى التمرين وسوف تتحسن في هذا الأمر من خلال الممارسة.

لماذا تُعَدُّ هذه التقنية مفيدة؟

توجد عدة أسباب لذلك:

1. تتعلم "التنقُّل" بين القلق والاسترخاء:

تتعلم أن تكون قادراً على تشغيل مخاوفك وإيقافها بحيث يمكنك التركيز على المشكلات عندما تحتاج إلى ذلك، والاسترخاء عندما ترغب في ذلك.

إقرأ أيضاً: 24 سؤالاً في التأمل الذاتي تجعلك تعيد التفكير في حياتك

2. بدلاً من القلق طوال اليوم دون راحة يمكنك القلق في فترات زمنية منفصلة ومتتابعة:

لا تشعر بالقلق الذي تعانيه باستمرار طوال يومك.

3. أنت تدرِّب نفسك على الاسترخاء:

هذا أمر هام جداً؛ فنحن نتدرب على القلق طوال الوقت؛ لكنَّنا لا نتدرب على الاسترخاء، كما قال الفيلسوف اليوناني أرسطو: "ما نفعله بتكرار هو ما نحن عليه".

في الختام: ابدأ في التدريب

مثل معظم الأشياء الأخرى كلما قمت بهذا التمرين يصبح أسهل، في البداية سيرغب عقلك في إعادة توجيهك نحو مخاوفك؛ لذلك عليك التدرب على توجيه تركيزك بعيداً عنها مرَّةً أخرى.




مقالات مرتبطة