تعلُّم المهارات المالية الأساسية والضرورية في الحياة اليومية

يتقاضى صديقي راتباً في عمله يعادل ثلاثة أضعاف الراتب الذي أحصل عليه أنا؛ لكنَّه في معظم الأشهر ينفق المعاش كاملاً في حدود منتصف الشهر، ويستدين مني في الثلث الأخير ما يحتاج إليه لاستكمال نفقاته حتى مطلع الشهر القادم.



في كل مرة يقرع بابي طالباً مني المال يخبرني بأنَّه في الشهر القادم سيضع خطة مُحكمة تقيه الوقوع في العوز الذي يقع فيه كل شهر، وقد فشل في كل مرة، إلى أن دار بيننا حوار عن تعلم المهارات المالية الأساسية والضرورية في الحياة اليومية، والذي توصلنا في نهايته إلى مجموعة خطوات يجب اتباعها لتدبر الأمور المالية تدبراً أفضل، وإدارة المبالغ التي تصل إلى أيدينا ببراعة رجال الأعمال والمستثمرين.

سألنا أهل الخبرة، لنضع بين أيديكم في هذا المقال معلومات هامة عن تعلم المهارات المالية الأساسية والضرورية في الحياة اليومية التي من شأنها أن تعبِّد الطريق أمامكم نحو الثراء، فمرحباً بقراءة أثرياء المستقبل.

المهارات المالية الأساسية والضرورية في الحياة اليومية:

من أجل الحصول على حياة مالية مستقلة ومستقرة وبعيدة عن القلق لا بُدَّ من تعلم المهارات المالية، ولا ننكر أنَّ هذه المهارات قد تولَدُ فطرياً مع بعض الأشخاص، وقد يكتسبها قسم آخر منهم من محيطه ووالديه أو أصدقائه في العمل، لكن اليوم وبفضل الكتب والإنترنت ليس من الضروري أن تكون ابناً لرجل أعمال لتتعلم المهارات المالية الأساسية والضرورية في حياتك اليومية، وقد تكون هذه الخطوات طريقك نحو البحبوحة والثراء.

1. تعلم إدارة الميزانية:

إنَّ خطوتك الأولى تجاه تحقيق الاستقرار والوفرة المالية وتعلم المهارات المالية الأساسية هي إدارة الميزانية، وهذه الخطوة تعني أن تنظر بعين العقل والموضوعية إلى إيراداتك ونفقاتك وتحسبها حساباً دقيقاً وواضحاً يسهل عليك تحقيق استقرارك المالي، ومن أجل تسهيل فهم هذا الأمر سنقدم لك المثال الآتي:

إذا كنت موظفاً في شركة ما تتقاضى راتباً معيناً قدره مثلاً 1000 دولار، ولا تملك غير هذه الوظيفة مصدر دخل، تكون هذه الـ 1000 دولار هي إيراداتك، ننتقل الآن إلى حساب النفقات، فلنفترض أنَّك تنفق نحو:

500 دولار أجور السكن والإنترنت والخدمات والمواصلات.

200 دولار طعام.

200 دولار رفاهيات مطاعم وخروج مع الأصدقاء.

100 دولار متبقية.

في مثل هذه الحالة تجد أنَّ راتبك يكفيك ويفيض قليلاً عن حاجتك، وتحدد الأمور الأساسية في حياتك وتلك الكمالية التي يمكن الاستغناء عنها أو تخفيفها من أجل توفير المال.

2. ضع هدفاً مُحفِّزاً:

في الحقيقة، مع ضرورة تعلم المهارات المالية الأساسية والضرورية في حياتنا اليومية لضمان التعامل السليم والصحي مع المال مثله مثل أي شيء آخر في الحياة، فإنَّ وضع الأهداف لعملية تعلم المهارات المالية هو الخطوة الأكثر تحفيزاً وتشجيعاً للوصول إلى هذه الغاية؛ فمعظم الذين يرغبون في خسارة الوزن يشترون ملابس تعجبهم بالمقاس الذي يطمحون للوصول إليه ويعلقونها أمامهم لتذكرهم بضرورة الالتزام، ثم ينجحون في نهاية المطاف، فَخذ العِبرة منهم وفكِّر بهدفك من امتلاك حريتك المالية، وفكِّر بنفسك في السيارة التي تحلم بها تقودها بانسيابية على الطريق السريع وقت الغروب تستمع لأغنيتك المفضلة، وفكِّر بالمنزل الواسع المشمس الذي سوف تسكنه بدلاً من مكانك الضيق الحالي، فكِّر في صاحب البقالة الذي لن يطاردك بعد الآن مطالباً بديونه كلما مررت بجانبه.

يقول المدرِّب في إدارة الأعمال والتطوير الشخصي والمهني "محمد تملِّي": "خطِّط وضعْ أهدافك المالية أولاً، وكما يقولون من دون أهداف مالية، لن تحصل على أكثر ممَّا تتبرَّع لك به الحياة بطريقة شبه عشوائية".

يعلِّل المدرِّب "تملِّي" الأمر بأنَّ "التخطيط يعتمد عليك وعلى حاجاتك، أنت تعرف دخلك ومصاريفك، وماذا تريد أن تفعل في حياتك، أنت من يعرف هدفك في الحياة، أنت تحدِّد المستوى الاجتماعي الذي تريد العيش فيه، وكيفية بناء أمورك المالية".

3. التوفير:

التوفير هو خطوة هامة من خطوات تعلم المهارات المالية الأساسية؛ بل يكاد يكون هو سر الحرية المالية في كثير من الأحيان، وإنَّ صرف الشركات والمتاجر مبالغ مالية باهظة على حملاتها التسويقية ليس أمراً عبثياً.

كلمة واحدة أو فعل واحد هو سبب كافٍ لدفعك نحو شراء أغراض لست حقاً بحاجة إليها ولا تدري كيفية استخدامها حتى؛ فالتسويق الذكي يجعلك تظن أنَّ الرفاهيات أمور أساسية، وهذا ما يجب أن تكون حذراً منه في أثناء رحلتك نحو الحرية المالية والاستقرار المالي.

كُتبت هذه العبارة على أحد رفوف المتاجر الشهيرة للأحذية: "السعر القديم 200 دولار (مشطوب عليها باللون الأحمر) والسعر الجديد 100 دولار"، وكانت سبباً في ازدحام شديد للسيدات أشبه بالمظاهرة من أجل الحصول على "حذاء بكعب عالٍ"، فكِّر في حاجتك إلى الغرض قبل شرائه ولا تشتري بدافع الرغبة في الاقتناء، وطبِّق هذا المفهوم على كل حاجياتك، حتى الأطعمة حاول ألا تذهب للسوبر ماركت وأنت جائع؛ لأنَّ ذلك سيدفعك إلى شراء أشياء كثيرة فائضة عن حاجتك.

اشترِ الفاكهة والخضار المحلية في مواسمها وابتعد عن تلك المعلَّبة والمستوردة والمجمدة، ولا بأس في ارتياد محال الألبسة والأغراض المستعملة ليس الأمر مُعيباً؛ بل هو دعم لمفاهيم إعادة التدوير وتقليل الهدر، وفي المطعم اطلب كفايتك من الطعام واستزد إذا لم تكتفِ، ولا تطلب فائضاً ثم تتركه، واستقل المواصلات العامة، واخرج مع أصدقائك مرتين في الشهر بدل المرة كل أسبوع، عش في سكن مشترك إذا كنت عازباً، ابحث عن كل ما يوفر لك المال ويقربك خطوة من حريتك المالية.

شاهد بالفيديو: 10 نصائح لوضع ميزانية تساعدك في ادّخار المزيد من المال

4. عزِّز مصادر دخلك:

أنت يا صاحب المعاش الذي يبلغ 1000 دولار، إذا استطعت اتباع نصائح التوفير وادخار مبلغ 300 دولار شهرياً فهذا أمر جيد، لكن ثمن سيارة أحلامك التي تسعى تجاهها هو 30.000 دولار، هل ستنتظر 100 شهر؟

تستطيع تقريب حلمك إليك عن طريق تعزيز مصادر دخلك؛ إذ تستطيع ادخار مبلغ أكبر، لا أن تعزِّز مصادر دخلك فتزيد إنفاقك.

إذا استطعت أن تعمل في دوام مسائي يمنحك معاشاً قدره 700 دولار فهذا يعني أنَّك ستدخر 1000 دولار شهرياً، وهذا سيقصر رحلتك، وتستطيع أيضاً العمل في وظيفة عن بُعد في وقت آخر أو أن تؤجِّر عقاراً تمتلكه، فيحقق لك دخلاً سلبياً أو أن تعمل بجد أكثر فتزيد إنتاجيتك وتحصل على علاوات أو أي شيء آخر في مقدورك.

إقرأ أيضاً: هل تريد أن تصبح مليونيراً؟ إذن نوِّع مصادر دخلك

5. تعلم الاستثمار:

ماذا ستفعل بكل 1000 دولار تدخرها كل شهر؟ هل ستحشو بها وسادتك؟ هل ستشتري حصالة لطيفة على شكل فرس نهر وتضع أموالك ضمنها؟

أفضل طريقة في سياق تعلم المهارات المالية الأساسية والحصول على الحرية المالية في الحياة اليومية هي الاستثمار؛ إذ يجب ألا تحتفظ بنقودك جامدة، فحاول استثمارها في مجال تحبه وتفهم تفاصيله، إيَّاك أن تقامر بحصاد عمرك، وتعلَّم أصول الاستثمار ولا تضع كل البيض في سلة واحدة، إذا ألممت بالتجارة والأقمشة اشترِ ملابس وافتتح متجرك، إذا كنت ضليعاً بأمور الزراعة أو تربية الحيوانات ابنِ مزرعتك.

الهام أن تكون قادراً على تقدير العواقب المحتملة وتحملها، وأن تكون مُلماً في المجال الذي سوف تستثمر فيه، أو على الأقل أن يكون الشخص الذي سوف تشاركه الاستثمار محط ثقة.

إقرأ أيضاً: الاستثمار: تعريفه، وأهميته، وأهم طرائق الاستثمار الأكثر انتشاراً

6. إدارة الديون والاقتراض:

هذه الخطوة هي خطوة حساسة جداً في أثناء تعلم المهارات المالية الأساسية؛ فأشخاص كثيرون ينصحون بتجنب الاقتراض والوقوع في الديون التي ترتب عليك مستحقات شهرية للدفع، وهذا ما لا تبحث عنه، فنحن نريد أن نحصِّل إيرادات جديدة لا أن نقع في حفرة النفقات الجديدة.

يجب في مثل هذه الحالات إعداد جدوى اقتصادية لعملية الاقتراض، فإذا ما كان الاقتراض مُخصصاً لإنشاء مشروع تستطيع أرباحه التفوق على القسط الشهري للقرض شاملاً الضريبة مع هامش ربح جيد، حينها تكون عملية الاقتراض فكرة لا بأس بها، أما إذا ما كان الهدف من الاقتراض هو شراء الملابس الفخمة في حالة التنزيلات أو الذهاب في رحلة، فهنا يكون الاقتراض عبارة عن أعباء مالية إضافية نحن بغنى عنها.

في حال كانت عملية الاقتراض قد حدثت بالفعل قبل اتخاذ قرار تعلم المهارات المالية الأساسية، فهنا يجب الالتزام بتسديد الأقساط وعدها من الأولويات، وتذكر دوماً هذه المقولة قبل أن تقدم على الاقتراض: "الاقتراض يُسعدك اليوم ويُرهقك غداً، أما الادِّخار فيرهقك اليوم، ويسعدك غداً".

إقرأ أيضاً: أسباب الأزمة المالية العالمية وطرق التخلص من آثارها

7. التأمين:

أما المهارة الأخيرة الواجب إتقانها في أثناء تعلم المهارات المالية الأساسية والضرورية في الحياة اليومية فهي مهارة التأمين، فإنَّ التأمين هو طريقة مثالية للحفاظ على أصولك في حال أصيبت بأي ضرر، ولا يقتصر التأمين على الأصول والممتلكات فقط؛ بل يشمل التأمين الصحي للأمراض أيضاً.

إنَّ التأمين يفرض عليك دفع مبلغ شهري أو ضريبي لقاء الحصول عليه عند الحاجة، وهو حل جيد في حال تعرضت سيارتك لحادث مروع أو احتجت إلى إجراء عمل جراحي مفاجئ (لا قدَّر الله)، التأمين يجنِّبك بيع الأصول من أجل الحصول على المبالغ المالية الطارئة في الحالات الحرجة؛ لذا من الضروري إدراجه بصفته مهارة هامة يجب تعلمها في أثناء تعلم المهارات المالية الأساسية.

إقرأ أيضاً: 10 أخطاء عند وضع الميزانيّة تجنّب ارتكابها

في الختام:

أصبح تعلم المهارات المالية الأساسية من الأمور الضرورية في حياتنا اليومية، فهي التي تمكننا من إدارة أمورنا المالية إدارة أفضل وتحقيق الاستقرار المالي والتمكن من بناء الثروة الشخصية، ومن خلال تعلم هذه المهارات، يمكن للأفراد تحديد أهدافهم المالية ووضع خطط لتحقيقها، وتحقيق الرفاهية والاستقلالية المالية التي ينشد الجميع الوصول إليها.




مقالات مرتبطة