تعرف على أمراض الجملة خارج الهرمية

سوف نتعرَّف في هذا المقال إلى واحد من أكثر الاضطرابات العصبية تشعباً، وسنقدِّم لكم لمحةً مبسطة عنه، وتظاهراته المَرَضية وأحدث ما توصَّل إليه العلم في التشخيص والعلاج.



1. ما هي أمراض الجملة خارج الهرمية؟

ونعني بها اضطرابات حركية غير إرادية لا تترافق بضعف عضلي (Movement disorders)، وهي تنتج عن إصابة النوى الدماغية القاعدية كالذيلية، والعدسية، والأتبة، والجسم المخطط والكرة الشاحبة وجسم لويس واللطخة السوداء مع إصابة بنى مرتبطة بها كالنواة تحت المهادية والمسننة المخيخية.

2. ما هو أهم عرض في أمراض الجملة خارج الهرمية؟

الرجفان Tremblement:

وهو عرض شديد المصادفة، ويقسم إلى شكل سكوني وهو الغالب، وشكل حركي مواكب للانفعال وله أنواع عدة، فالأساسي؛ أي الوراثي، البدئي، العائلي، وهو كعرض وحيد، رجفان منتظم يظهر بالسكون والحركة، تواتره 8-10 هرتز يظهر لدى الشبان وخاصةً في اليدين وأقل في الرأس، يغيب بالنوم ويُبدِّل التعب والإرهاق وتناول الكحول شِدَّتَه.

وأما الرجفان السكوني يظهر بتأثير عوامل عدة داخلية وخارجية وقد يكون موضعياً أو يتعمم غالباً، ويكون منتظماً وشِدتُه وتواتره متنوعان، ويظهر بالسكون ويخف أو يغيب بالحركة، ويتميز نوعه الكحولي بالاشتداد الصباحي ويأخذ توضُّعه الرأسي شكل "لا - لا" أو "نعم - نعم"، وأما الرجفان الحركي فيظهر غالباً في نهاية الفعل الحركي التنسيقي بشدات مختلفة ويمكن ظهوره بشكل بدئي أو في سياق إصابات المخيخ والجذع والبصلة مختلفة الأسباب.

فيما الرجفان حول المحوري فهو رجفان سكوني - حركي خشن جداً بتواتر 3-4 هرتز ويبدأ باليدين لينتشر للطرفين السفليين والجذع، بما فيه عضل الكلام ويشاهَد في داء ويلسون، وأما الرجفان الشيخي فهو ناعم منتظم، يظهر في الحركة والسكون، ويبدأ باليدين ليصل إلى الفك والرأس ويقيم كحالة رجفان أساسي متأخر الظهور.

وأما رجفان الانسمام الدرقي فيتميز بقلة سعته، وتواتره العالي، وتأرجحه، ويترافق بأعراض الانسمام الأخرى، وهنالك نمط عصابي متنوع السعة وغير ثابت أو منتظم ويتميز بغيابه حين تركيز الانتباه على شيء آخر، وأخيراً يوجد نمط يظهر مرافقاً لاعتلال الأعصاب العديد.

3. ما هو أشهر مرض من أمراض الجملة خارج الهرمية؟

يُعَدُّ داء "باركنسون" من أهم وأشهر أمراض الجملة خارج الهرمية، وهو مرض عصبي تنكسي مزمن متعدد الأسباب أهم أعراضه ثلاثي من اضطرابات الحركة:

  • نقص حركية Hypokinesie.
  • رجفان Tremblement.
  • صلابة عضلية Hypertonie plastique.

ثبت وجود وصف لحالات مشابهة للمرض في الأدب الإغريقي، لكنَّ الوصف التفصيلي الأول قام به الطبيب الإنكليزي "ج. باركنسون" سنة 1817 في مقاله عن "الشلل الرعاش"، حين وصف ست حالات لمرضى منهم ثلاثة شاهدهم يسيرون على الطريق؛ حيث يجمع مختلف الباحثين على ظهور المرض لدى المسنين، فهناك تناسب طردي ما بين ازدياد نسبة الإصابة به وارتفاع أعمارهم فهو يصيب 0.1 % من السكان؛ 0.8 % للعقد السابع و0.2% للعقد التاسع.

إقرأ أيضاً: 22 حقيقة مذهلة عن دماغ الإنسان

4. ما هي أسباب أمراض الجملة خارج الهرمية؟

ما يزال سبب أمراض الجملة خارج الهرمية غير محدد ليومنا هذا، وتوجد نظريات عدة كالأمراض الوعائية، والشيخية، وتخدُّج الخلايا تحت - مهادية APUD، والعامل السمي، والقصور الخمائري البدئي، والإنتان الحموي الحاد والبطيء، وحديثاً تمَّ كشف أضداد موجَّهة نحو عناصر الجملة العصبية عند المرضى به، وإجمالاً لا بُدَّ من إيضاح دور زمر HLA فيه وإن كان حديثاً توجُّه الاتهام نحو شذوذ في الصبغي الرابع 4q21-23، وعلى الرغم من كل هذا يبقى المرض داءً عصبياً تنكسياً لا يثير تشخيصه حين اكتمال مظاهره أيَّة مشكلة تشخيصية.

5. ما هي الفيزيولوجية المَرَضية لأمراض الجملة خارج الهرمية؟

بالاختصار يمكن التنويه لتناقص عصبونات اللطخة السوداء - أقل من 20% من نسبتها الطبيعية - مع وجود شدة استقلابية على مستوى المتقدرات - نقص الغلوتامات المفرغة وارتفاع مستويات الحديد وارتفاع مستوى الأكسدة العليا للشحوم - وتشكُّل مستقلبات مَرَضية على شكل جذور حرة لمركبات الكينون على حساب الجملة الدوبامينية، مع نقص مخزون الغلوتامات ويتركز وجود الأذية في مركب اللطخة السوداء الجسم المخطط واتصالاته خاصةً مع النواة تحت المهادية.

لقد تزايد التوجه نحو دور السموم الخارجية بعد كشف دور (MPTP metyl-phenyl tetrahydropiridine) في إحداثه لدى الشبان المتعاطين لمخدرات مشوبة بهذه المادة المسممة ثمَّ تطبيقها التجريبي لاحقاً على القرود ومن خلال تناذر جزر غوام - متلازمة باركنسون + عته + تصلب جانبي ضموري - وسريرياً يمكن تفسير قلة الحركية والصمل كأمر ناجم عن نهي المهاد، واتصالاته القشرية وبالأخص مع الساحات الحركية الإضافية، وأما الرجفان فيوجه إصبع الاتهام للنواة المهادية البطينية الوصلية (VIM) واتصالاتها المتنوعة.

6. ما هي أعراض أمراض الجملة خارج الهرمية؟

هناك مرحلة البوادر حيث يعتقد بإمكانية قدومه بظهور آلام عضلية وهيكلية وربما مفصلية، وتعب وتراجع في النشاط، واضطراب في نظام النوم، وقلق واكتئاب، وتباطؤ المشية، وبطء في تنفيذ أمور الحياة اليومية؛ إذ يبدأ المرض خلسةً وغالباً في شق أو طرف منه وقد يبقى لا متناظراً لفترة طويلة لكن تسيطر فيه اللوحة الآتية:

  • العلامة البدئية لدى المرضى وهي الرجفان.
  • اضطراب مشية.
  • صمل.
  • بطء.
  • تشنج عضلي.
  • اضطراب إيماء.
  • نقص حركية اليدين.
  • كآبة، عصاب أو اضطراب نفسي ما.
  • اضطراب كلام.

لكن بالإجمال يمكن القول بوجود كل ما يلي:

  1. نقص أو عدم الحركية تصيب 77-98% من المرضى؛ حيث تشمل الإصابة كمية الحركة ونوعيتها وعادةً تشتمل التبدلات شقاً أو جزءاً منه ثمَّ تتعمم.
  2. الرجفان علامة أساسية تظهر في 76-100% من المرضى، قد يبدأ عابراً في ظهوره ثمَّ يثبت في مكان وغالباً في الطرف العلوي، ثمَّ يمتد بشكل يثيره التوتر النفسي والجهد، وغالباً ما يخف بالاسترخاء، والحركة، والانشغال ويزول بالنوم وقد لا يقتصر وجوده في الأطراف؛ بل يمتد إلى الرقبة والرأس واللسان والفك السفلي، ولكنَّه يتسم بالمميزات التالية:
    • يظهر في القسم القاصي لطرف ومنه ينتشر شقياً أو يتعمم.
    • ذو سرعة بطيئة 4-5 هرتز وسعة كبيرة \ شكل عد الدراهم، فتل العجين \ غالباً وليس دائماً سكوني الظهور.
    • يتميز عبر تخطيط العضل الكهربي عن نظيره الفيزيولوجي خاصةً في مرحلته البدائية.
  3. الصمل العضلي، وعادةً ما يترافق مع نقص الحركية متظاهراً لدى 89-99%، يتظاهر بالفحص بوجود مقاومة ثابتة من قِبل المريض للفاحص طوال قيامه بالعطف أو البسط الفاعل لأطرافه (النمط البلاستيكي) وهذا ما يميزه عن النمط الهرمي (الدولاب المسنن).
  4. اضطراب الإيماء، ويضطرب بشكل متفق مع شدة نقص الحركية وحالة الاضطراب الوجداني وسرعة تطور المرض، فيفقد تدريجياً المريض خصائص ملامح وجهه الذي يصبح وحيد النمط فقير الإيماء، وفي الحالات المتقدمة يظهر "وجه القناع".
  5. اضطراب المشية والوضعية، وهي علامة إنذارية هامة تظهر في أول خمس سنوات لدى 37% من المرضى أو يقتصر ظهورها على مرحلة المرض الثالثة بأن ينحني الرأس على الجذع باكراً نظراً لظهور صمل العضل الرقبي المبكر ولتأثر البنى القاعدية المصابة في الحدثية المرضية، وحين يدير المريض رأسه يلاحظ دوران الجذع المرافق، والذي تتباطأ حركته بدوره، ويصبح وقوف المريض مشابهاً " لوضعية العارضة"، هذا ويزداد ارتماء المرضى التالي لتبديل وضعياتهم دون ترافقه مع ضياع وعي ويعزى ذلك لعدم التناسق. أما بخصوص المشية فتتبدل سرعتها تباطؤاً وينقص حجم الخطوة وصولاً إلى تضاؤله مع الإسراع في المشي، ويصعب تنفيذ الحركات الدورانية في المسير ويتباطأ منعكس الوقوف المفاجئ، وقبل الشروع به تكثر المراوحة في المكان وخاصةً بتصعيبه كعبور باب ضيق مثلاً، ولكنَّ أهم العلامات هنا لا حركية اليدين، فتغيب حركتهما المواقتة للمشي.
  6. اضطراب الخط والكلام يتبدلان تبدُّلاً يواكب التغيرات السريرية الأخرى، فيخفت الصوت وتخف نبراته، وقد تهبط فاعلية الكلام التلقائية فتصعب الإجابة وتتلعثم الحروف وربما الجمل، ودون الضبط الإرادوي الشديد قد يتعذر فهم كلام المصاب، وتتغير سرعة النطق، وعادة تصغر الحروف وخاصةً بعد زمن من الكتابة ويسوء الخط وربما "ارتجفَت" الحروف وتباطأت كتابتها.
  7. التبدلات الإنباتية كثيرة وذات طابع نظير ودي غالباً: هبوط توتر شرياني، إمساك، زيادة إفراز الغدد الصملاخية، فرط إلعاب، فرط تعرُّق، جلد "دهني"، ويحدث عندهم تبدلات عسر تغذوية Dystrophic، آلام مفصلية معممة، تخلخل عظام، تكسُّر أظافر وتشوُّهها، ويبدأ وزن المريض بالانخفاض؛ مما قد يثير مشكلةً تشخيصية وخاصةً حين يكون مؤثراً، وتكثر الشكوى من الإمساك المعند.
إقرأ أيضاً: سلوكيات خاطئة تؤثر على عمل الدماغ

7. هل يوجد علاج جراحي لأمراض الجملة خارج الهرمية؟

تُحصَر المعالجة الجراحية في حالة الرجفانات شديدة الإعاقة (Thalamotomie) لدى شبان لم يستجيبوا لمعالجة مديدة أو لم يتحملوها وفي حالات الصمول المقعدة (Pallidotomie Stimulation du noyaux sous-thalamique) وحيدة الجانب وعادةً يُجرى تصويب مجسم لخلفي النواة المهادية البطنية الجانبية في الرجفان وللنواة تحت المهاد في اللاحركية والصمل وللقسم الخلفي - البطني للجسم الشاحب، حين تترافق فاعلية مركبات L-Dpa مع عسر حركي شديد، وهو علاج عرضي.

وهناك آفاق علاجية جديدة تفتحها عملية التنبيه الكهربي بتنبيه مستمر وعالي التواتر للنواة تحت-المهادية لمرضى الـ "باركنسون" المتأخر بمختلف أشكاله السريرية؛ مما يحسِّن وضع المصاب جيداً مع إمكانية خفض الجرعة اليومية بنسبة كبيرة، ويقتصر التنبيه العميق للدماغ على المرضى الذين يعانون من نقص الإدراك، أو اضطراب نفسي والذين لديهم استجابة جيدة لليفودوبا، ولكنَّهم يعانون من الخلل الحركي أو تقلُّبات الاستجابة، وغالباً ما يستغرق الأمر من 3 إلى 6 أشهر بعد الجراحة لضبط المرض وتحقيق أفضل النتائج، وتشمل الآثار الجانبية لهذا العلاج: الاكتئاب، واللامبالاة، والاندفاعية، والخلل الوظيفي التنفيذي، وانخفاض الطلاقة اللفظية في مجموعة فرعية من المرضى.

في الختام:

تشمل اضطرابات الجملة الهرمية أطيافاً واسعةً ومتشعبة ومعقدة من الأمراض، ونرجو أن نكون قد وُفِّقنا في هذا المقال في تبسيط مجمل هذه الحزمة من الأمراض، وتذكَّر دائماً أنَّ الثقافة الطبية هي مفتاح لحياتك الصحية، فكن دوماً طبيباً لنفسك.

المصادر:

  • مقرر الأمراض العصبية كلية الطب البشري جامعة طرطوس.
  • مقرر الأمراض العصبية كلية الطب البشري جامعة دمشق.



مقالات مرتبطة