تعدد الزوجات: حق رجولي أم أذية نفسية ومجتمعية؟

يبقى موضوع تعدد الزوجات من الموضوعات الشائكة والجدلية التي تثير انفعال بعض الناس وغضبهم واستياءهم، أو تُعطِي بعضهم الآخر الفرصة لتقمص دور الضحية أو الجلاد.



ما بين مؤيد ومعارض، وما بين علماء الشريعة والدين؛ غُيِّب جانب هام جداً في مسألة تعدد الزوجات، وهو الجانب النفسي؛ فلم يُبحَث في الأسباب التي قد تدفع الزوج إلى اتخاذ قرار كهذا، ولم يُوضَع في الحسبان الأذية النفسية التي تعاني منها الزوجة الأولى، ولم يُكشَف الحجاب عن السلوكات والتصرفات التي تقوم بها الزوجة الأولى وتدفع زوجها إلى الزواج بامرأة أخرى.

نحن نعيش في مجتمع أسهل قرار يُتخَذ من قِبل أفراده هو قرار الزواج، فَدَقَّة القلب تلك كفيلة أن تجعل كلا الطرفين يُقدِمان على خطوة الزواج دون أدنى دراسة للموضوع ووعيٍ به؛ كما أنَّ مديح المجتمع الإيجابي لإنسانة معينة كفيلٌ بجعل ذلك الشاب يتقدَّم إلى الزواج منها دون الأخذ في الحسبان مدى تناغم السمات الشخصية لكلٍّ منهما، ومدى التقاطعات بين مساراتهما واهتماماتهما؛ ويُعقَد القران الذي يُلزِم كل طرفٍ بتحقيق السعادة للطرف الآخر، لكنَّه إلزامٌ نظريٌّ بحت، ومن هنا تبدأ كل المشكلات.

نحن لم نربَّ على أنَّ الزواج أمر مقدس يتطلب الكثير من الوعي والنضوج من أجل الخوض فيه، ولم نعتد على أن نكون صريحين مع أنفسنا ومع الآخرين، ولم ندرس سيكولوجية الأنثى والرجل لِنعيَ أساليب التواصل الناجحة فيما بينهما، ولم نعتَد أن ندير دقة القلب الأولى تلك ونوجِّهها إلى التفكير بجدية وعقلانية، ولم نعلم أنَّ الوصول إلى شريك حياة مناسب يعني العمل على الذات أولاً، ولم نتعلم أنَّ كل شيء في الحياة يبدأ من الداخل إلى الخارج، لا العكس.

إقرأ أيضاً: 5 أسباب تدفع الشباب لرفض فكرة الزواج

الأصل في الزواج هو السعادة:

لقد تشوهت العديد من المفاهيم في وقتنا الحاضر، فأصبح يُنظَر إلى الزواج على أنَّه سجن حقيقي وقيود كثيرة والتزامات خانقة، وصُودِق على السيناريو الذي يُظهِر المرأة على أنَّها الضحية الضعيفة، والإنسانة المخلصة التي تكون تربية الأولاد أقصى اهتماماتها؛ وفي المقابل، ظهر الرجل بصورة الإنسان الأناني متعدد العلاقات، وغير المخلص، وغير المكترث بأسرته وأولاده؛ ولكن هل هذه هي الحقيقة؟

الحقيقة أنَّ الزواج من أقدس وأطهر العلاقات على وجه الأرض، وبناء عائلة متماسكة وراقية وإنسانية من أكبر وأعظم المهمات؛ ولكن تحصل الانحرافات عندما يفقد كلٌّ من الرجل والمرأة التواصل الفعال، ويسعى كلٌّ منهما إلى إشباع احتياجاته دون التفكير في احتياجات الآخر، وتطغى كلٌّ من الأنانية والتكبُّر على العلاقة الزوجية؛ فيرى كلٌّ منهما أنَّ الاحتواء وتقدير الآخر ما هو إلَّا تنازل ورضوخ واستكانة.

لماذا يفكر الرجل في الزواج الثاني؟

1. الميل إلى الغريزة دون جهاد النفس:

لا نستطيع إنكار أنَّ بنية الرجل النفسية مختلفة تماماً عن بنية المرأة؛ فبينما تميل المرأة إلى الاكتفاء بزوجها بفطرتها، يستمتع الرجل بتعدد الزيجات؛ ويعود هذا الأمر إلى أنَّ الرجل اختبر على مر التاريخ جو المنافسة الشرسة لكي يستطيع كسب الرزق لعائلته، فتبنَّى عقلية الصياد، وكان بارعاً في انتهاز الفرص وعاشقاً للمغامرة والمخاطرة؛ في حين عاشت المرأة في منزلها، واعتنت بتربية أولادها، واعتبرت أنَّ زوجها هو ملجأها الآمن، واعتادت على أنَّ استقرارها النفسي والجسدي هو مع رجلها الوحيد وأطفالها.

أيضاً، في حين تتصدر العاطفة والمشاعر والاهتمام المرتبة الأولى لدى المرأة، يتصدر الجنس المرتبة الأولى لدى الرجل كطريقة للتعبير عن الحب؛ ويفسِّر هذا الأمر ميل الرجل إلى التعدد.

2. شمَّاعة الدين:

لقد لجأ بعض الرجال إلى الزواج الثاني والثالث والرابع كنوع من الإشباع الجنسي والمتعة الجسدية، إلَّا أنَّهم استخدموا الدين شمَّاعة يعلقون عليها أعذارهم في الرغبة في ذلك، وبرروا سلوكاتهم على أنَّها رغبة في تحقيق الشريعة الإسلامية.

لقد اختلف الكثير من الفقهاء في تفسير الآية القرآنيّة: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا}؛ فبينما نادى بعضهم بحق الرجل في الزواج بأربعة نساء، لم يعرجوا إلى الشرط الأساسي للتعدد، والذي هو "العدل فيما بينهن"؛ ومن المؤكد أنَّه من الصعب جداً -إن لم يكن من المستحيل- العدل بين امرأتين أو أكثر نفسياً ومادياً.

في حين اعتبر بعضهم الآخر أنَّ هذه الآية خاصة بالأرامل واليتامى فحسب، بدليل الحديث عن اليتامى في بداية الآية؛ حيث اعتبروا أنَّ اللّه عز وجل شرع التعدد كوسيلة لمساعدة الأرامل وحفظ اليتامى، وقَرَنَ المتعة بالمسؤولية.

إلى أن استقرت الشريعة أخيراً على أنَّ التعدد مباح في ظروف معينة، ومكروه في ظروف أخرى، ومستحبٌّ في أخرى؛ وعلى هذا، فإنَّ مسألة التعدد مسألة نفسية واجتماعية تخضع إلى ظروف وشخصية الرجل نفسه، وشخصية المرأة ذاتها وبيئة زواجهما.

إقرأ أيضاً: أهمية الزواج وطرق توطيد مشاعر الحب بين الزوجين

3. عدم الوعي بمقومات العلاقة بين الزوج والزوجة:

يعيش الكثير من الأزواج حياة زوجية بالاسم فقط، دون أن تحمل شيئاً من مقومات الحياة الزوجية الواعية والمتزنة؛ حيث يتنافس كلٌّ منهما على امتصاص طاقة الآخر لكسب احتياجاته دون أن يفكِّرا في احتياجات الطرف المقابل، وهل هي ملباة أم لا.

تعدُّ مسألة تكامل احتياجات الطرفين من أهم وأعمق المسائل التي توجِدُ علاقة زوجية سليمة، فعلى كلٍّ من الطرفين الالتزام بتلبية احتياجات الطرف الآخر؛ فمثلاً: تعتقد المرأة أنَّ الرعاية والاهتمام هي الاحتياج النفسي الأول لدى الرجل، فتميل إلى الاهتمام المبالغ فيه، وتعامله وكأنَّه طفلها وليس زوجها؛ ولكنَّ الاحتياج النفسي الأول لدى الرجل هو الثقة، ومن ثمَّ يأتي التقبُّل في المرتبة الثانية؛ فهو لا يحبُّ أن تُملِي عليه ما يجب أن يقوم به، ولا يحبُّ أن تطالبه بالتحسين والتطوير، حيث يُشعِره هذا أنَّه غير مقبول.

أمَّا الأنثى، فتعشق الرعاية والاهتمام في المقام الأول؛ لذلك تريد من زوجها أن ينصت إلى أفكارها ومشاعرها بدقة وحساسية، وألَّا يقدِّم إليها حلولاً عند شكواها من تفاصيل يومها؛ إذ من شأن ذلك أن يغضبها.

4. الاختيار الخاطئ لشريك الحياة:

لا يتأنى الكثير من البشر لدى اختيار شريك الحياة، فيسمحون لدَقَّة القلب الأولى أن تسيطر على الموقف وتُعطِي القرار بالزواج دون استشارة العقل؛ إذ لا يَعِي أغلب البشر أنَّ مؤسسة الزواج لها معاييرها الجدية للفوز فيها، ولعلَّ أهمها الاختيار السليم لشريك الحياة؛ لذا لا بد هنا من تحقيق رضا العقل والقلب معاً؛ فبعد أن يُعطِي القلب إشارات الإعجاب والقبول الأولى، يتدخل العقل مباشرة لتقييم شخصية الطرف المقابل؛ فإن وُجِدَت فيه المعايير المطلوبة أو ما يقاربها، يعدُّ هذا مؤشراً قوياً على إمكانية الاستمرار في علاقة التعارف، وصولاً إلى مراحل متقدمة.

يقع أغلب البشر في فخ التعلق أو فخ الزواج التقليدي، أي أنَّهم يُعمِلون القلب أو العقل فقط، ويؤدي كلاهما إلى مشكلات خطيرة منها تعدد الزوجات؛ لذا كان لزاماً على البشر أن يَعُوا أهمية اجتماع القلب والعقل سوياً في قضية الزواج؛ فبينما يُعطِي القلب السَّكينة والود والسلام، يُعطِي العقل القيمة للحياة.

5. الزوج المضطرب:

قد يتنقل الرجل بين علاقة وأخرى، وبين زواج وآخر دون أن ينعم بالراحة النفسية؛ وذلك ليس عيباً في النساء، وإنَّما بحثاً عن ذاته؛ حيث يدل عدم إحساسه بالسعادة - رغم تجاربه الكثيرة - على وجود مشكلة شخصية فيه هو؛ لذا على هذا النوع من الرجال أن يصارح ذاته ويطهِّر كل المشاعر السلبية ويغوص في خلفيته النفسية ليجد الأسباب التي أوصلته إلى هنا.

إقرأ أيضاً: الرجل المتسلط في العلاقة الزوجية وطرق التعامل معه

6. الشبق الاجتماعي:

يتبنى الكثير من الرجال مسألة تعدد الزوجات كطريقة لإثبات الرجولة في مجتمع يتباهى بالزواج فيه بأكثر من امرأة؛ فبدلاً من أن تُرفَع القبعة للرجل المخلص، نجدها تُرفَع لمتعدِّد الزوجات في بعض المجتمعات.

7. عدم وجود الأولاد:

قد يلجأ الرجل إلى الزواج الثاني لرغبته في أن يكون أباً في ظل عدم قدرة زوجته الأولى على الإنجاب.

8. غياب السكينة:

قد يميل الرجل إلى الزواج الثاني في حال عدم إحساسه بالسكينة والسلام مع زوجته، فقد تكون حساسة جداً وسلبية وصعبة المراس، وقد حاول محاولات كثيرة لكي يجعلها أكثر إيجابية لكنَّها لم تتغير.

شاهد بالفيديو: 7 أشياء أتمنى لو أنَّني عرفتُها قبل الزواج

نصائح للأزواج والمقبلين على الزواج:

1. نصائح للزوجة الأولى:

  1. نعلم أنَّك حزينة جداً، وتشعرين أنَّه قد خانك؛ ولكنَّ ما نريده منك أن تسألي نفسك: لماذا تزوج زوجكِ عليكِ؟ هل يمكن أن تكون حساسيتكِ مفرطة وسلبيتكِ فاقت الحد، بحيث لم يعد يشعر بالسكينة معكِ؟ هل يمكن أن يكون السبب أنَّكما لم تسعيا إلى إشباع احتياجات كلٍّ منكما؟ في حال قررت الاستمرار معه بعد تقييمك الأمر، فانشغلي بذاتكِ، ولا تجعليه محور حياتكِ، ونمِّي مهاراتكِ وقدراتكِ، وابني علاقاتكِ وصداقاتكِ، وربِّي أولادك وكأنَّ شيئاً لم يكن، ولا تتكلمي بالسوء عن والدهم أمامهم؛ إذ يجب أن تبقى صورة الأب مثالية في مخيلتهم.
  2. في حال قيمتِ الأمر ولم تجدي نفسكِ مقصرة معه، وأنَّ قراره بالزواج كان جائراً، ولم يكن لديكِ دخل مادي تستطيعين الاعتماد عليه؛ عليكِ تنمية مهاراتك، والسعي إلى الحصول على فرصة عمل تضمن لكِ حياة كريمة، بحيث يكون لديكِ أرضية تقفين عليها في حال قررتِ الانفصال عنه.
  3. في حال لم يتزوج زوجكِ بعد، إلَّا أنَّك تشعرين بوجود إنسانة أخرى في حياته؛ فلابدَّ لكِ من القيام بمحاولات لإصلاح العلاقة من جديد؛ إذ يستحق زواجكِ وأولادكِ والسنين الطويلة التي عشتماها معاً المحاولة والبحث عن الأسباب التي جعلت زوجكِ يميل إلى التعدد.

2. نصائح للزوج:

  1. اتقِّ اللَّه في زوجتك، واسعَ إلى إصلاح العلاقة ودراسة أساليب التعامل الإيجابية بين الجنسين، ولا تتزوَّج مرة ثانية انغماساً في الغريزة؛ فالشهوات ذات تأثير مؤقت وسعادة لحظية، ولكنَّ المحبة المبنية على الوعي والتفاهم والاحترام هي التي تدوم وتثمر.
  2. الزواج ميثاق غليظ؛ لذا عليك أن تتحلى بالصبر من أجل بناء علاقة زوجية راقية ومتينة.
  3. في حال اتخذت قرارك بالزواج من ثانية، تحلى بالجرأة وأخبر زوجتك بذلك شارحاً أسبابك وظروفك؛ فالمصارحة هامة للغاية، وتحافظ على الاحترام والرقي.
  4. اعلم أنَّك قدوة لأبنائك، فلا تسقط من أعينهم جراءَ قرار غير مدروس تتخذه.
  5. لن تعدل بين النساء، وأمامك أحد خيارين: أن تسعى إلى إصلاح العلاقة مع زوجتك مكتشفاً أسباب البرود والفتور فيما بينكما، أو أن تنفصل عنها وتتزوج من جديد.

3. نصائح إلى الزوجة الثانية:

  1. تأكدي أنَّ رجلاً كهذا لن يوليكِ الاهتمام الكافي، وسيبقى دائم التفكير في عائلته الأولى.
  2. أنتِ تستحقين علاقة صحية تضيف إليكِ، وتعطيكِ السكينة والاستقرار؛ وليس علاقة تتغذى على أعصابكِ وراحتكِ النفسية، تحديداً عندما تكونين في حالة انتظار على الدوام.
  3. ضعي نفسك في مكان الزوجة الأولى، واسألي نفسك: هل تتقبلين فكرة أن يتزوج زوجكِ عليكِ؟ هل تتحملين الألم الناتج عن قرار الزواج الثاني؟ فكري في الأولاد، ما ذنبهم أن يبتعدوا عن أبيهم، ويكونوا ضحية علاقة غير صحية وغير آمنة تجمع بين أبويهم؟
إقرأ أيضاً: الرد على مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أيمانكم

4. نصائح للمقبلين على الزواج:

  1. تحلَّوا بالجدية، إذ يتطلَّب مشروع الزواج الكثير من المرونة والوعي والالتزام.
  2. كونوا عقلانيين ولا تسمحوا للعاطفة أن تسيطر على قراراتكم، ولا تكونوا مجردي الإحساس والمشاعر، ووازنوا ما بين قلوبكم وعقولكم.
  3. كن أنت التغيير الذي تريده في شريك حياتك، وابدأ بذاتك، واسعَ إلى تطويرها وتزكيتها والارتقاء بها، وابحث عن رسالتك في الحياة، واعمل على تحقيقها؛ وستجد في طريق الرحلة الشخص المناسب لك.
إقرأ أيضاً: 5 نصائح مهمّة لكل الأشخاص المقبلين على الزواج

الخلاصة:

حافظ على الزواج الذي يملأ قلبك وعقلك؛ وإن لم يكن زواجك كذلك، فاسعَ إلى جعله ناجحاً باكتشاف الثغرات الموجودة فيه واحتواء الآخر ومصارحته للوصول إلى الحلول المنطقية؛ وإن لم تستطع إصلاح العلاقة، فبادر حينها بالانفصال؛ لكيلا تؤذِي مشاعر المرأة وأنوثتها بقرار الزواج من أخرى، لا سيما في ظل استحالة العدل بين الاثنتين.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة