تزايد القلق حول التوتر في مكان العمل

يتزايد انتشار التوتر في مكان العمل بين القوى العاملة في جميع أرجاء العالم؛ فقد صرَّح 62% من العمال في كندا أنَّ مصدر التوتر الرئيسي الذي يتعرضون له يأتي من العمل، ممَّا يُنذر بضرورة التحرك باتجاه تحسين إدارة مستويات المخاوف المتعلقة بالتوتر والصحة النفسية، وإنَّ إحدى أكثر الطرائق فاعلية في التغلب على توتر العمل هي اليقظة الذهنية.



ما هي اليقظة الذهنية؟

حظيَ مصطلح اليقظة الذهنية باهتمام كبير في الآونة الأخيرة، وبرز بوصفه طريقة فعالة في محاربة مشكلات الصحة النفسية الناشئة ضمن مكان العمل، ويمكن تعريفه بأنَّه الحالة الذهنية التي يُتوصل إليها عن طريق تركيز الوعي على اللحظة الحاضرة مع الاعتراف بوجود جميع الأفكار والمشاعر والأحاسيس وقبولها.

تهدف اليقظة الذهنية إلى حملك على ملاحظة مشاعرك وأفكارك بعيداً عن النقد وإصدار الأحكام تجاهها، وتُستخدم غالباً في التأمل، وفي بعض طرائق العلاج النفسي بوصفه وسيلة لتخفيف التوتر والحديث الذاتي السلبي والمحاكمة الداخلية، ومواجهة اضطرابات الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب والتوتر.

ما هو التوتر؟

التوتر عبارة عن رد فعل الجسم تجاه الظروف الضاغطة السلبية المرهقة، وهو جزء طبيعي من حياة الإنسان، إلا أنَّه قد يكون مربكاً في بعض الأحيان، وقد تتعرض للتوتر جرَّاء تفاعلك مع بيئتك (العمل، المدرسة، الحياة في المنزل)، أو نتيجة ما يؤثِّر في جسدك، أو فرط التفكير.

كما قد ينتج التوتر أيضاً عن التغيرات الإيجابية في الحياة مثل الترقية في العمل أو ولادة طفل، ومن الهام أن تتعلم كيفية التعامل مع التوتر بطريقة صحية لضمان حياة نفسية سليمة وتجنب الوصول إلى حالة القلق.

العمل: مسبب رئيسي للتوتر

يُعدُّ التوتر في العمل مشكلة شائعة بين العاملين، وقد ينجم عن الاستجابات الجسدية والعاطفية المؤذية الناتجة عن تجاوز متطلبات المهام أو المسؤوليات الموكلة إليك إمكاناتك أو مهاراتك أو قدراتك أو مستويات راحتك.

يمكن عدُّ التعرض للتوتر الوظيفي أمراً طبيعياً إلى حدٍّ ما، لكن يجب التعامل معه بدلاً من تجاهله؛ لأنَّ إهمال أعراض التوتر يمكن أن يؤثِّر في الصحة النفسية ويؤدي إلى أضرار جسدية.

شاهد بالفيديو: 9 طرق بسيطة للتعامل مع توتر العمل

توتر العمل الجيد مقابل توتر العمل السيئ:

يمضي الفرد الكندي نحو 40 ساعة في العمل أسبوعياً، ما يعني أنَّه يقضي النسبة الأكبر من وقته في حالة التوتر والاستياء إذا كان يعاني التوتر السلبي في مكان العمل، ومن الهام إدراك التوتر "السيئ" حتى يتسنى للمرء مواجهة هذه الأعراض وعيش حياة مهنية سليمة.

تشمل الأعراض الشائعة لتوتر العمل السلبي مشاعر القلق والعصبية والاكتئاب والتعب وصعوبة التركيز، وقد تظهر أعراض جسدية مثل اضطرابات المعدة أو الشد العضلي، وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ هذه الأعراض قد لا تكون مرتبطة ارتباطاً مباشراً بتوتر العمل؛ لكنَّها مؤشرات يجب أخذها في الحسبان والاهتمام بها.

قد يكون لتوتر العمل السلبي تأثيرات جسدية وعاطفية في صحتك ومستوى سعادتك، مع العلم أنَّ توتر العمل ليس بالضرورة أن يكون سلبياً دائماً؛ وإنَّما يمكن أن يتخذ طابعاً تحفيزياً وإيجابياً، مثل ضغط العمل الذي يضع تحديات أمام الفرد ويساعده على تحقيق الأهداف والنمو.

إنَّ وضع قيود زمنية على المشاريع أو تحمُّل ضغط عمل كبير نوعاً ما، سيساعد الموظفين على إنجاز المزيد وتنفيذ المهام ضمن إطار زمني معقول؛ ومن ثَمَّ يمكن عدُّ ضغوطات العمل الهادفة للتحفيز دون التسبب بأيِّ توتر مفرط جيدة.

أسباب التوتر في مكان العمل:

قد يعاني المرء توتراً في مكان العمل جرَّاء عدد لا يُحصى من الأسباب، وعلى رأسها متطلبات العمل؛ إذ يواجه معظم العمَّال مواقف يُطلب منهم خلالها القيام بإجراء يتجاوز نطاق معرفتهم أو قدراتهم أو مستويات الراحة لديهم، وهذا يؤدي بدوره إلى التعرض للتوتر السلبي، الناجم عن القلق بشأن كيفية إنجاز المهام الموكلة إليهم.

يمكن أن تواجه التوتر السلبي أيضاً ضمن فريق لا يدعمك ولا يؤيد أفكارك، ممَّا يؤدي إلى انخفاض الروح المعنوية ويفضي إلى مزيد من التوتر، ونجد الوضع نفسه في حالة ضعف الإدارة أو بيئة العمل التي لا ترتقي إلى المستوى المطلوب.

كيف يؤثِّر التوتر سلباً في الصحة النفسية؟

قد يؤثِّر التعرض للتوتر في الصحة النفسية لأنّ الحوادث القاسية التي تولِّد شعور التوتر تسبب القلق والاكتئاب، كما أنَّ التوتر يؤدي إلى إفراز مواد كيميائية عصبية تضعف وظيفة المنطقة الدماغية المسؤولة عن مستويات التفكير العليا، وتُفرَز هذه المواد الكيميائية العصبية ولا سيما الكورتيزول والنورإبينفرين عند اختبار مشاعر التوتر، مما يزيد احتمال إظهار ردود فعل، ويخفض احتمال التفكير بعقلانية، وقد يخلِّف هذا الأمر مشاعر القلق والاضطراب وفقدان الحافز والعصبية والحزن، وهي تُعدُّ طبيعية في حال استمرارها لمدة زمنية قصيرة، في حين أنَّ التعرض للتوتر لفترات طويلة يمكن أن يؤثِّر تأثيراً كبيراً في سلامتك العاطفية.

كيف يمكن لأصحاب العمل معالجة مشكلة التوتر في مكان العمل؟

يستطيع أرباب العمل المساهمة في تقليل انتشار توتر العمل؛ فتوتر الموظفين ينعكس سلباً على أدائهم الوظيفي وإنتاجيتهم، ما يعني أنَّ تعزيز الصحة النفسية للموظفين يعود بالنفع على جميع الأطراف.

يمكن لأرباب العمل تشجيع النشاط البدني؛ إذ أثبتت التمرينات الرياضية فاعليتها في تقليل مستويات التوتر والتعب وزيادة التركيز؛ ومن ثَمَّ فإنَّ إنشاء بيئة عمل تتيح للموظفين النهوض والتحرك يساعد على تقليل التأثيرات المؤذية لتوتر مكان العمل، كما يمكن تشجيع الموظفين على المشي خلال استراحة الغداء أو منحهم عضوية في النادي الرياضي بسعر مخفَّض.

كما تستطيع الإدارة تقليل توتر العمل من خلال جعل موظفيهم يشعرون بالتقدير؛ لأنَّ شعور الموظف بأنَّه قابل للاستبدال أو الطرد في أيِّ وقت يثير لديه حالة توتر وانعدام أمان وظيفي ناتجة عن قلقه حيال بذل المجهود الكافي، والذي يضمن له البقاء ضمن الفريق؛ ومن ثَمَّ ينبغي للإدارة أن تُخصص بعض الوقت بين الحين والآخر للتواصل مع الموظفين وإعلامهم بأنَّهم أعضاء قيِّمين في الفريق، وإنَّ تغذية شعورهم بالأمان تجاه موقعهم الوظيفي سيسهم في تخفيض مستويات التوتر لديهم؛ إذ تؤدي المبادرة والمشاركة في أنشطة مضادة للتوتر جنباً إلى جنب مع الموظفين إلى تغذية الروح المعنوية في المكتب، مما يفضي بدوره إلى تخفيض توتر العمل.

إقرأ أيضاً: أهم النصائح للتخلّص من التوتر والاضطراب خلال ساعات العمل

كيف يمكنك تخفيف التوتر في العمل؟

ثمَّة تقنيات عديدة بوسعها مساعدتك على تخفيض توترك في العمل وإنشاء بيئة عمل مريحة؛ فالاهتمام بجسدك يؤثِّر تأثيراً إيجابياً في سلامتك النفسية، وبناءً عليه يمكنك البدء بممارسة التمرينات الرياضية بانتظام، والحصول على قسط كافٍ من النوم وتناول الأطعمة الصحية؛ لذا حاول أن تعطي الأولوية لمهام العمل، وأن تنظم جدولاً زمنياً ليومك حتى لا تضغط نفسك في إنجاز المهام التي أهملتها في اللحظات الأخيرة قبل التسليم.

يمكن أن تساعدك اليقظة الذهنية على تخفيف التوتر الوظيفي أيضاً؛ أي إنَّك عندما تشعر بالإرهاق في العمل خصِّص بعض الوقت للتركيز على تنفسك والتغاضي عن همومك (وإن للحظة واحدة)، وابحث عن مكان هادئ بعيد عن الجميع وعن صخب المكتب، ثم أغلق عينيك وركِّز على تنفسك وابذل مجهوداً واعياً للتركيز على اللحظة الراهنة.

حاول البقاء منفتح الذهن، وتجنب إصدار الأحكام أو التفكير بالماضي أو المستقبل؛ وإنَّما عليك الذوبان في اللحظة الراهنة وملاحظة أفكارك ومشاعرك والأحاسيس المحيطة بك، ودع أفكارك تمر دون التفكير بشأنها، والآن كونك حظيت ببعض الوقت للتركيز واستعادة التوازن، قد تلاحظ مشاعر الجدِّ والنشاط والانتعاش، هذا كفيل بمساعدتك على العودة للعمل وأنت تشعر بتوتر أقل.

إقرأ أيضاً: كيفَ تقلل من توترك في أثناء العمل؟

في الختام:

تعجُّ حياتنا بالضغوطات التي لا نستطيع التحكم بمعظمها؛ إذ يُمضي أغلبنا معظم اليوم في العمل؛ لذا من الهام بذل الجهد الكافي لجعلها بيئة منتجة وصحية، وبضع دقائق من اليقظة الذهنية يومياً ستحسن من شعورك حيال توتر العمل إلى حد كبير، وتزيد صحتك وسعادتك بشكل عام، وتساعدك على الشعور بالثقة والرضى والاستعداد للإنجاز والنجاح في بقية يومك.




مقالات مرتبطة