تدريب العقل من خلال التأمُّل

"التأمُّل علم، وهو عملية منهجية لتدريب العقل" - الأستاذ جون ييتس (John Yates).



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدون "ليام سي سي إل" (LIAMMCCL)، ويُحدِّثنا فيه عن التأمُّل.

مع حلول السنة الثانية من دراستي الثانوية أصبح من الواضح أنَّ عقلي كان خارج نطاق السيطرة تماماً؛ فبعد سلسلة من حوادث السيارات التي تعرضتُ لها الناتجة عن تشتت ذهني، وانخفاض درجاتي في المدرسة شُخِّصَت إصابتي على الفور باضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)، ووُصِفَت لي عدة أدوية، وجاء ذلك على رأس تشخيص سابق لي بإصابتي باضطراب الوسواس القهري (OCD).

كنت أجلس عازماً على إنجاز شيء ما وينتهي بي الأمر بتصفح الإنترنت لساعات بدلاً من ذلك، لقد جعلتني طفولتي التي قضيتها في لعب ألعاب التركيب والقراءة طفلاً مثقفاً، ولكن في هذه المرحلة من حياتي لم أستطع التركيز لأكثر من 10 ثوانٍ في أيِّ مهمة معينة.

لقد كنت محطماً ويبدو أنَّ هذا كله ناتج عن عقل غير مؤهل مدرَّب على البحث عن الإرضاء الفوري في هيئة "إعجابات" على وسائل التواصل الاجتماعي، والرسائل النصية ومقاطع الفيديو المسلية، ولقد استمرت حالة التشتت الذهني هذه حتى اكتشفت ممارسة بسيطة من شأنها أن تغير حياتي.

الترياق:

في أثناء دراسة علم النفس في جامعة ييل (Yale) عثرت على تدوينة صوتية اقترَحَت التأمُّل وسيلةً لزيادة الإنتاجية والسلامة؛ لكنَّ ما بدأ بوصفه أداة إنتاجية سرعان ما أصبح هاجساً؛ فقد أدركت أنَّني أستطيع تدريب ذهني ليناسب نيَّاتي جيداً.

من خلال التأمُّل استعدتُ ببطء قدرتي على التركيز وتعرفت أيضاً إلى مجموعة من الفوائد الأخرى، مثل التغيير السلوكي والتحكم العاطفي وتحسين الحالة المزاجية والنوم الجيد وتقليل التوتر، هذه التحسينات كلها في وظائف الدماغ مترابطة، وتؤكدها الدراسات العلمية المتعلقة بفوائد التأمُّل.

"أنت تملك السلطة على عقلك، وليس على الأحداث الخارجية، ويجب أن تدرك هذا الأمر، وستجد القوة". -الفيلسوف ماركوس أوريليوس (Marcus Aurelius).

بدأتُ أدرك مدى قوة السيطرة على العقل في عالم مليء بالمشتتات المستمرة، ونظراً لأنَّنا نعيش في عالم يحتاج المزيد من الانتباه، فتستفيد الشركات بصورة كبيرة من انتباهنا؛ فمن الهام أن نكون قادرين على تحديد طريقة تفكيرنا وشعورنا وتفاعلنا مع العالم من حولنا.

بعد عام واحد من التخرج من الكلية، ومع وضع هذا الإدراك في الحسبان والتصميم على نشر فكرة التأمُّل تركت وظيفتي في مجال التمويل وسافرت إلى بالي (Bali) إندونيسيا (Indonesia)؛ لأصبح مدرساً معتمداً للتأمل من تحالف مدربي اليوغا (YTT)، وبعد ذلك أمضيت وقتاً في الجبال مع أشخاص متخصصين بالتأمُّل أتأمل في صمت لمدة 17 ساعة يومياً.

كيف تبدأ التأمُّل؟

توجد عدة طرائق مختلفة للتأمل يبدو بدء ممارستها أمراً صعباً، وما سأشير إليه أدناه ليس حلاً سريعاً، بدلاً من ذلك إذا كنت تريد حقاً تغيير طريقة تفكيرك سيتطلب ذلك جهداً مستمراً، تماماً مثل تدريب أيِّ عضلة في الجسم، كل شخص لديه القدرة على إحراز تقدم كبير، ولكن فقط الأشخاص المنضبطون سيصلون إلى المراحل المتقدمة.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح لتنمية وتطوير عقلك باستمرار

من أين نبدأ بالتأمُّل؟

أقدم لك فيما يأتي 5 طرائق للبدء بممارسة التأمُّل:

1. الالتزام بممارسة منتظمة:

هو ما أسميه "الحد الأدنى للالتزام القابل للتطبيق"؛ لذا اختر مقداراً من الوقت يكون قليلاً جداً بحيث يبدو الأمر ممكناً حتى في أكثر أيامك ازدحاماً؛ على سبيل المثال إن لم يتوافر معك سوى ثلاث دقائق من وقت الفراغ فابدأ خلالها في ممارسة التأمُّل يومياً بانتظام؛ فالطريقة الوحيدة للفشل حقاً في التأمُّل هي التوقف عن الممارسة، بعد ذلك زد مقدار الوقت الذي تقضيه في التأمُّل ببطء واسعَ للتأمل 20 دقيقةً في نهاية الشهر الأول.

2. البحث عن وضعية ملائمة:

لحسن الحظ لا يوجد حاجة لاتخاذ وضعية جلوس معقدة لتتمكن من ممارسة التأمُّل، وتتضمن وضعية التأمُّل ببساطة أن يكون العمود الفقري مستقيماً (بحيث يبقى عقلك متيقظاً)، لا تجلس وظهرك متشنج وكذلك لست مسترخياً، يمكنك الجلوس على كرسي أو وسادة أو حتى جاثياً، أيَّاً كان ما يناسبك أنت شخصياً.

شاهد بالفيديو: 7 فوائد للمشي التأملي

3. التنفس:

في عالم اليوم نقضي كثيراً من الوقت في حالة "الكر أو الفر"، فإذا كنت تفكر كثيراً وتشعر بالقلق فابدأ بأخذ أنفاس طويلة وعميقة من خلال أنفك، ويمكنك الزفير لفترة أطول من الشهيق للمساعدة على تنشيط الجهاز العصبي الودي.

4. تركيز انتباهك:

ركز انتباهك في مكان واحد، في أي مكان تشعر فيه بأنفاسك أكثر في جسدك، وهذا المكان عادةً ما يكون إما المعدة أو الأنف، مهما كان اختيارك ما عليك سوى مراقبة تنفسك بأكبر قدر ممكن في تلك المنطقة.

حافظ على تركيزك هناك لأطول فترة ممكنة، وفي كل مرة تجد فيها حالة تشتت في ذهنك، أعد تركيزك بعناية إلى أنفاسك، الفكرة هنا ليست إجبار الأفكار على الخروج؛ وإنَّما التعرف إليها بوصفها أفكاراً والعودة إلى موضوع التأمُّل الخاص بك.

في أول أسبوعين ستلاحظ أنَّ عقلك يسرح كثيراً بعد أن تتنفس مرتين متناسياً أنَّه من المفترض أنَّك تمارس التأمُّل، أنت تدرب تركيزك؛ أي القدرة على التحكم الواعي بالمكان الذي توجه فيه عقلك.

5. الوعي:

من الهام صقل تركيزك قبل الانتقال إلى هذه الخطوة وإلا ستجد أنَّه من المستحيل إبعاد العقل عن الشرود، يتضمن الوعي الاستنباطي جعل تجربتك كاملة؛ أي أن يكون العقل نفسه موضوع اهتمامك الجديد.

ما هو شعورك في هذه اللحظة؟ ما هي أنواع الأفكار والمشاعر والأحاسيس التي تنشأ؟ ببساطة راقب هذه الأمور دون تشتيت.

تأتي العديد من فوائد التأمُّل من زيادة ما وراء المعرفة نتيجة لهذه الخطوة الخامسة، وعندما تصبح أكثر وعياً بطريقة عمل عقلك فإنَّك تكتسب المزيد من التحكم بعقلك الداخلي.

إقرأ أيضاً: الوعي الذاتي: تعريفه، وأهميته، وطرق تعزيزه وتطويره

في الختام:

يمكن أن تساعدك هذه الخطوات الخمس جداً في التأمُّل، كما توجد أساليب إضافية يمكنك إضافتها إلى ممارسة التأمُّل بمجرد تطوير تركيزك، وبممارسة هذا التمرين البسيط للأسبوعين المقبلين ستكون جاهزاً للتقدم إلى المراحل الأعمق من التأمُّل.




مقالات مرتبطة