تحسين العلاقات الاجتماعية وكيفية التعامل مع الآخرين بفاعلية

خلقَ الله سبحانه وتعالى الإنسان وجعله كائناً اجتماعياً لا يستطيع البقاء وحده فترة طويلة؛ إنَّما يشعر بالسعادة والراحة بوجود العائلة والأصدقاء حوله يقدمون الدعم والحب له؛ لذلك تعدُّ العلاقات الاجتماعية دليلاً على سعادة الفرد في الحياة واستقراره، وإنَّ تكوين تلك العلاقات وتقويتها يعدُّ أمراً بسيطاً بالنسبة إلى بعض الناس، فلا يبذلون مجهوداً كبيراً في كسب محبَّة واحترام وثقة الآخرين؛ وذلك نتيجة تمتُّعهم بمهارة تكوين العلاقات بشكل تلقائي.



لكن في الحقيقة، إنَّ تكوين علاقات اجتماعية متينة ومستمرة لا يتم بسهولة؛ لأنَّه يعتمد بالدرجة الأولى على شخصية الإنسان نفسه، وأهمية تكوين العلاقات الاجتماعية وتقويتها تكمن في أنَّ الإنسان يحتاج إلى الآخرين حتماً، فمثلاً في الحياة المهنية أثبتت الدراسات أنَّ العلاقات الاجتماعية تحسِّن من إنتاجية الفرد، فنجاحه يعتمد بنسبة لا تقل عن 80% على مهاراته في التواصل والتعامل مع الآخرين؛ لذلك من الضروري التعرف إلى أفضل الطرائق المساعدة على تكوين العلاقات الاجتماعية وتحسينها لتكون نافعة ومشبعة لاحتياجات كلا الطرفين في العلاقة.

مفهوم العلاقات الاجتماعية:

العلاقات الاجتماعية هي روابط معنوية موجودة بين البشر تدفعهم للاستمرار في التواصل والتعامل، فلا تقوم على مصالح أو فائدة مادية، إنَّما تقوم على الاحترام والثقة والراحة النفسية في التعامل، وتتضمن العلاقات الاجتماعية علاقة الفرد بأسرته وأصدقائه وزملاء الدراسة أو العمل وحتى علاقة الإنسان بشريكه العاطفي.

تحسين العلاقات الاجتماعية وكيفية التعامل مع الآخرين بفاعلية:

نظراً للأهمية العظيمة لعلاقة الإنسان مع الآخرين يجب العمل على تطوير مهارة تكوين العلاقات للوصول إلى حياة أكثر استقراراً وسعادة، ويمكن ذلك من خلال اتباع ما يأتي:

1. تقبُّل الاختلافات:

توجد اختلافات كثيرة بين البشر سواء اختلاف الانتماء أم الثقافة أم الدين أم وجهات النظر أم الأحلام والتطلعات أم غيرها من الاختلافات التي تعدُّ سمات تميز بين البشر ولا تعوق تكوين العلاقات بينهم؛ لذلك إن أردت تكوين علاقات طويلة الأمد يجب أن تتقبل الطرف الآخر كما هو، فلا تنتقد لباسه أو لهجته أو لغته أو وجهة نظره في الحياة، بل احترمه كما هو؛ لأنَّ العلاقات ستكون مملة جداً لو أنَّ البشر نسخة واحدة ومتشابهة.

2. الرحمة:

لا يمكن للإنسان قاسي القلب أن يكوِّن علاقات وثيقة وطويلة الأمد مع الآخرين؛ لأنَّه لن يكون قريباً لقلوب الآخرين، فأكثر ما يجذبنا لشخص هو تعاطفه مع أحزاننا وآلامنا ومشكلاتنا؛ لذلك كن رحيماً ومتعاطفاً مع الناس جميعهم.

3. الانتباه إلى لغة الجسد:

الإنسان بطبعه يحب التعامل مع الشخص الذي يتفاعل معه ويظهر له التفاعل؛ لذلك عندما يتحدَّث أحدهم إليك حاول التعبير عن اهتمامك له، فمثلاً لا تنظر إلى شيء آخر غيره كالموبايل أو التلفاز، أو تقرأ جريدة، وحاول الحفاظ على التواصل البصري مدة 5 ثوان متواصلة في كل مرة تنظر إليه في أثناء التحدث.

يمكنك التدرب على ذلك مع شخص مقرب لك حتى يصبح الأمر بديهياً وبسيطاً، ومن الأفضل أيضاً أن تتدرب على استخدام الإيماءات التي تُظهِر حسن استماعك وتركيزك مع المتحدث وتدل على موافقتك على رأيه.

شاهد بالفيديو: 4 أخطاء في لغة الجسد ابتعد عنها

 

4. المجاملة:

يعتقد بعض الأشخاص أنَّ المجاملة نوع من أنواع الكذب، لكنَّها في الواقع نوع من أنواع تحفيز الآخرين والتفاعل معهم، وبالطبع نقصد المجاملة القريبة من الواقع والصادقة، فلست مضطراً مثلاً إلى مدح زميلك بصفات ليست موجودة فيه، بل ابحث عن صفة جميلة فيه وامدحها، فالجميع يمتلك صفات سلبية وأخرى إيجابية.

5. احترام المواعيد:

الشخص الدقيق في مواعيده والذي يحترم وقت الآخرين جدير بالثقة والاحترام؛ لذلك حاوِل الالتزام بالمواعيد التي يعطيها شخص لك ولا تهدر وقته، فمثلاً إن طلبت من زميلك في العمل لقاء وأخبرك بأنَّه يملك وقت فراغ للتحدث إليك فقط 15 دقيقة، فلا تتجاوز المدة في حديثك كي لا يمتنع عن التعامل معك مرة أخرى.

إقرأ أيضاً: التعامل مع التأخير، وحل مشاكل الالتزام بالمواعيد

6. عدم الخجل من المبادرة:

الخجل يمنع كثير من الناس من الاستمرار في علاقاتهم مع الآخرين؛ لذلك حاول اتخاذ زمام المبادرة وابدأ بالتعرف إلى زملاء العمل وزملاء الدراسة، ومع الوقت ستعتاد على التعرف إلى جميع المحيطين بك، وحاول البدء بأحاديث صغيرة تشجع الشخص الآخر على التحدث عن نفسه، كالسؤال عن الاسم والصحة والتحدث عن أحوال الطقس والمهنة والهوايات والعائلة.

يفيد ذلك في الاطلاع على الأخبار والأحداث العامة والقصص الاجتماعية لتجد أحاديث هادفة يمكن فتحها مع الآخرين، ولكن الأفضل دائماً الابتعاد عن الأحاديث السياسية التي يمكن أن تتسبب في حدوث خلافات وجدالات بين الأفراد، أو الأحاديث الدينية.

7. الاتصال بالأصدقاء:

تبعدنا ظروف الحياة أحياناً عن الأصدقاء، فتقل اللقاءات والاتصالات ونكتفي في التواصل معهم عبر الفيسبوك أو الواتساب وما شابه تلك البرامج، ثم تنقطع العلاقات شيئاً فشيئاً بالرغم من عدم وجود خلافات؛ لذلك إن لم تتمكن من لقاء أصدقائك بادر واتصل بهم واسمع صوتهم ولا تكتفِ بالرسائل؛ لأنَّها لا تُوصل مشاعر الحب والاهتمام للآخرين كما تصل عند التحدث وسماع الصوت.

إقرأ أيضاً: طرق للحفاظ على علاقة الصداقة

8. عدم إهمال الآخرين:

ضغط العمل أو الدراسة يتسبب في إهمالك لأهلك أو أصدقائك فتضعف علاقتك بهم وتصبح باردة؛ لذلك إن اتصل بك أحدهم وكنت غير قادر على الرد، أعد الاتصال به في وقت فراغك كي لا يشعر بعدم اهتمامك له، وكذلك عندما يرسل أحدهم رسالة إليك، ومن الأفضل تخصيص وقت محدد بعد الانتهاء من الأعمال اليومية تقوم فيه بالتواصل مع من تحب.

9. المرونة:

الإنسان يتغير باستمرار نتيجة التجارب والصعوبات التي يعيشها يومياً؛ لذلك من الطبيعي أن تتغير أفكار صديقك مثلاً فلا تسمح لتلك التغيرات أن تؤثر سلباً في علاقتك به، بل كن مرناً لأنَّ العلاقات الناجحة هي العلاقات التي يمكنها استيعاب التغيرات.

10. التحدُّث عن نفسك:

كما تحب أن تسمع الآخرين وتعرف عنهم أكثر فأيضاً هم يرغبون في ذلك؛ لأنَّ الإنسان لا يثق بشخص لا يعرف عنه شيئاً، وبالطبع لا نقصد بتحدُّثك عن نفسك أن تفشي الأسرار أو تتحدث عن أشياء خاصة بك، إنَّما نقصد تحدُّثك عن اهتماماتك وهواياتك ومجال عملك ومكان إقامتك، فتلك الأحاديث تساعد على تعريف الآخرين بشخصيتك.

إقرأ أيضاً: 4 نصائح للتحدث عن نفسك بلا غرور

11. عدم الخوف من رفض الآخرين لك:

الخوف من عدم تقبُّل الآخرين لك يتسبب في قطع علاقتك بهم شيئاً فشيئاً ويمنعك من التعرف إلى الزملاء وتكوين صداقات وعلاقات اجتماعية جديدة، وإن مررت بتجارب سيئة ولم يتقبَّلك أحدهم في السابق، فلا تجعل تلك التجربة حاجزاً بينك وبين الآخرين، بل استمر في محاولة تحسين علاقاتك وحاول التعرف إلى أناس جدد، فلا يمكن الحكم على علاقة قبل البدء بها.

12. الاهتمام بالتفاصيل:

إظهار اهتمامك بشخصٍ يجذبه إليك حتماً، فمثلاً إن ارتدى صديقك ملابس جديدة وجميلة أخبره بإعجابك وأظهر له أنَّك منتبه لذلك، أو إن غيَّرت صديقتك لون شعرها أو تسريحته فلا تتردد في التحدث عن ذلك، فالإنسان يحب أن يشعر بأنَّه لافت للانتباه وما فعله من تغيير هام وجيد، وبالطبع لا نقصد بالاهتمام بالتفاصيل أن تتدخل في حياة الآخرين الخاصة وتسألهم عما يخفونه وتتسبب بالإحراج لهم.

إقرأ أيضاً: كيف تدرب نفسك على اكتساب مهارة الاهتمام بالتفاصيل؟

13. الانتقاد بلطف:

إن كنت في موقف يتطلب نقد الآخرين، احرص على أن تنتقد بكلام لطيف وأسلوب محترم لا يتسبب بجرح الطرف الآخر أو إحراجه، فالناس جميعهم لا يحبون النقد الجارح حتى إن كان المنتقد على حق.

14. التسامح:

جميع البشر معرضون للخطأ ولا يوجد من هو معصوم عن ذلك، ولتقوية علاقتك بالآخرين عليك أن تكون متسامحاً قدر الإمكان ولا تحاسب باستمرار على كل خطأ صغير أو كبير، فالأفضل أن تصرف النظر عن كل الأخطاء البسيطة، وتحاول مناقشة الشخص المخطئ، وفي حال الاعتذار يُفضَّل قبول الأعذار بالطبع إن كانت منطقية ومقنعة بالنسبة إليك.

مثلاً في حال كان صديقك أو زميلك في العمل قد غضب منك أو أساء إليك في كلامه، ثم شرح لك فيما بعد عن ظروف سيئة يعيشها تسببت في توجيه غضبه لك، فحاول أن تتفهم بأنَّك لست المقصود وتقبَّل عذره.

15. الاهتمام بالمناسبات:

اهتمامك بمناسبات الآخرين يترك أثراً إيجابياً في نفوسهم، كاهتمامك بأعياد الميلاد، وكيلا تنسى معايدة شخص مقرب منك، يمكنك تسجيل ملاحظة تذكِّرك بالتواصل معه في الوقت المناسب، وأيضاً مناسبات الحزن أو المرض تعدُّ من المناسبات التي لا ينسى الفرد من اهتم به فيها؛ لذلك لا تهمل أي منها إلا المناسبات السعيدة كالزواج، فحضور حفل زفاف يتطلب دعوى خاصة، فإن لم يتم توجيه دعوى لك لا يجب المشاركة كي لا تتسبب في إحراجهم.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح للاستمتاع بالمناسبات الاجتماعية دون خوف

في الختام:

تكوين العلاقات الاجتماعية وتقويتها يعتمد اعتماداً كبيراً على شخصية الفرد ومهاراته في التواصل مع الآخرين، ولأنَّ العلاقات الاجتماعية تساعد على جعل الحياة أفضل وأكثر سعادة؛ من الضروري تعلُّم كيفية تحسين العلاقات الاجتماعية وتوطيدها، وأوَّل نصائحنا لك هي تقبُّل الآخرين كما هم، وعدم محاولة تغيير أيِّ شخص، بل ابحث عن صفاته الإيجابية وامدحها، وتعاطَف معه، واحترم وقته قدر الإمكان، واهتم بمناسباته.

كي تحافظ على علاقاتك بادر واتصل بالآخرين إن طال البعد بينكم، ولا تهمل أحداً اتصل بك، فالحياة تفرض صعوبات تجعل الناس تبتعد وتتغير؛ لذلك كن مرناً ومتفهِّماً ومتسامحاً أيضاً إن أخطأ أحدهم بحقك ومن ثم قدَّم الأعذار لك.

للتعرف إلى الناس لا تخف من رفضهم، بل بادِر بالتحدُّث واطرح الأسئلة والموضوعات التي تشجعهم على التحدث عن أنفسهم، وتحدَّث أنت أيضاً عن نفسك، وفي أثناء الاستماع أظهِر اهتمامك للحديث؛ وذلك من خلال المحافظة على التواصل البصري مع المتحدِّث واستخدام الإيماءات.




مقالات مرتبطة