تحسين التنوع في ظل ثورة التكنولوجيا

لا يخفى على أحد أنَّ تنوُّع القوى العاملة في شركات التكنولوجيا يمثل مشكلةً كبيرة، فبين عامي 2013 و2017 مثلاً، كان 1% فقط من رواد الأعمال الذين امتلكوا رأس المال المخاطر هم من السود و9.2% فقط من النساء، وتتكرر هذه النسبة الضئيلة في كل جانب من جوانب مجال الأعمال.



فأقل من 6% فقط من الموظفين في شركة "فيسبوك" (Facebook)، و"غوغل" (Google)، و"تويتر" (Twitter)، و"مايكروسوفت" (Microsoft)، هم من السود، وفي شركات رأس المال المخاطر، كان 6% فقط من الموظفين جميعهم و3% من الشركاء من السود، وذلك وفقاً لدراسة أُجرِيَت عام 2018 من قِبَل شركتَي ديلوت (Deloitte) وإن-في-سي-إيه (NVCA)، كما أنَّ 14% فقط من شركاء رأس المال الاستثماري هم من النساء.

وبينما نفكر في النقطة المناسبة للبدء في بذل الجهود للوصول إلى المزيد من التنوع والمساواة والشمول، تأتي بعض الأفكار القيِّمة من مؤسسي الشركات الناشئة الذين يعملون خارج مراكز الأعمال التجارية النموذجية مثل: منطقة سيليكون فالي (Silicon Valley)؛ فهم يوفرون استراتيجيات فريدة من نوعها يمكِن أن تساعد في تغيير الثقافة الأحادية في العديد من النظم الناشئة والمتطورة. بالطبع، ليس هناك حل سحري، ولم يحل أرباب الأعمال في الأسواق الناشئة مشكلات التنوع، لكنَّهم يُقدِّمون بعض النقاط الجيدة للبدء في هذا الأمر.

التوظيف على أساس القدرات:

يبدأ التنوع بالتوظيف؛ إذ تكمن المشكلة في "سيليكون فالي" (Silicon Valley) في أنَّ الشركات والمؤسسين لديهم شبكة علاقات عميقة موجودة مسبقاً ويصرُّون على بناء فِرَقهم عبر اختيار الموظفين من الشبكات ذاتها؛ لذلك فمن غير المثير للدهشة أن يؤدي هذا إلى استمرار الافتقار إلى التنوع، وغالباً ما تواجه الشركات الموجودة خارج نطاق شركات التكنولوجيا النموذجية صعوبةً في توظيف مثل هؤلاء المرشحين لشغل الوظائف الشاغرة؛ لذلك طوَّرَت استراتيجيات لتوسيع نطاق بحثها. ومن خلال ذلك، يجدون متقدمين ذوي خلفيات متنوعة، ويحكمون عليهم بناءً على مخرجات عملهم بدلاً من الأفكار المسبقة.

تُعَدُّ شركة هوتيلز إن جي (Hotels.ng) إحدى الأمثلة على ذلك، فعندما بدأَت هذه الشركة الناشئة في ملاحظة نفاد أفضل المواهب في مدينتها الأصلية، وسَّعَت نطاق بحثها، وأطلقَ مارك إيسيان (Mark Essien)، مؤسسها، برنامج تدريب افتراضي لفحص المتقدمين المحتملين، حيث تُرسَل للمرشحين بشكل تدريجي مشكلات تتعلق بمجال العمل ليجدوا حلولاً لها عبر برنامج "سلاك" (Slack)، وبمرور الوقت، يواصل عدد قليل منهم فقط إجراء المقابلات، وتحصل مجموعة أقل منهم على عروض العمل، فالبرنامج عبارة عن جلسات مسائية فقط، وليس الهدف منه استهلاك المرشحين بالكامل، والذين من المحتمل أن يكون لديهم مسؤوليات أخرى لإدارتها، وتريد الشركة أيضاً التأكد من عدم انسحاب أي شخص لأسباب مالية؛ لذلك تدفع لكل فرد في المجموعة راتباً في أثناء تقدُّمه، على أمل جعل عملية التقديم تُقيِّم المهارة وليس العِرق أو الخلفية أو الوضع الاقتصادي، وفي المرحلة الثانية، كان لدى الشركة 4000 متقدم وانتهت بتوظيف 25 فرداً، معظمهم من خارج المدينة والمراكز الرئيسة الأخرى.

تدرك العديد من الشركات الناشئة في الأسواق الناشئة أنَّ التوظيف لا يتعلق فقط بإيجاد أفضل المواهب الفردية، ولكن أيضاً بالعثور على الأشخاص المناسبين للشركة؛ لذلك تبني فِرقاً ممتازة، كما أنَّها تُوفِّر إمكانية وصول أكبر إليها، وتقود في نهاية المطاف تنوُّعاً أكبر؛ لأنَّها تُوظِّف بناءً على القدرات والسلوكات، بدلاً من السِّيَر الذاتية.

شاهد بالفيديو: 6 مهارات يبحث عنها أصحاب العمل عند اختيار الموظفين

تطوير المواهب:

لا ينظر رواد الأعمال العالميون إلى ما هو أبعد من المرشحين المعتادين، فهم في كثير من الأحيان يطورون مواهبهم بأنفسهم. تعاونَت شركة شوبيفاي (Shopify)، مركز التكنولوجيا الكندي القوي، مع جامعة كارلتون (Carleton University) لتطوير برنامج "شهادة التطوير" (Dev Degree)، وهو درجة أكاديمية متكاملة مع مجال العمل، وعلى مدار أربع سنوات، عمل الطلاب مباشرةً في "شوبيفاي" (Shopify) لمدة 25 ساعة كل أسبوع في أثناء أخذ الدروس، وحالما يكمل الطلاب تقييماً عملياً وينتهون من دراستهم، تدفع الشركة مقابل سنوات الدراسة الأربع، بالإضافة إلى ساعات العمل لصالح الشركة، ويخصصون عروض عمل للخريجين.

تقود شركة "شوبيفاي" (Shopify) التنوع من خلال المبادرة في تطوير المواهب، ففي دفعات التوظيف الحديثة، كان 50% من المرشحين من النساء، مقارنةً بأقل من 20% في درجات علوم الحاسوب معدل وسطي.

إقرأ أيضاً: لا تخلط بين أصحاب الإمكانات العالية والمحترفين

العمل عن بُعْد وتقليل التحيز:

بعد أن اضطر العالم بأسره إلى العمل عن بُعْد بسبب جائحة كورونا، اتَّبعَت العديد من الشركات الناشئة منذ البداية نهج الفِرَق المنتشرة، وأصبح أسلوبها المُفضَّل، ويمكِن أن يؤدي نظام العمل عن بُعْد إلى التنوع إذا طُبِّق بشكل جيد، حيث وجدَت دراسةٌ أجرتها شركة ريموت سي أو (Remote.co) أنَّ العمل عن بُعْد يُلغي التصورات المسبقة المرتبطة بالشكل الذي يبدو عليه القائد، مما أدى - إضافة إلى عوامل أخرى - إلى ارتفاع نسبة المؤسِّسات الإناث والمديرات التنفيذيات، على الرغم من أنَّ الدراسة ركَّزَت على النساء فقط، إلا أنَّنا نأمل أن تُجرَى دراسةٌ مماثلةٌ على العِرق.

قد يكون هناك أيضاً المزيد من الفرص لتغيير طبيعة الترويج في مجتمع رأس المال المخاطر لتقليل التحيزات التي ابتُلِيَت بها هذه العملية بصورتها التقليدية، وبدأَت بعض الشركات القائمة على رأس المال المخاطر في الاعتماد بشكل أكبر على البيانات الثابتة بدلاً من الأساليب التقليدية التي تعتمد أكثر على أمور غير ملموسة، فكانت شركة سوشال كابيتال (Social Capital) على سبيل المثال، سبَّاقةً في تطبيق نهج خوارزمي لاستثمار رأس المال المخاطر، والذي أُطلِق عليه اسم نهج "كابيتال أس إيه سيرفيس" اختصاره باللغة الإنكليزية (CsaS)، ومن بين أكثر من 75 استثماراً في هذا النهج في هذه الشركة، كان 80% من المؤسسين من غير البيض، و30% من النساء، منتشرين في عشرين دولة، وهي إحصاءات أعلى بكثير من أرقام المجال التجاري التقليدية.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لإدارة فِرَق العمل عن بعد بنجاح

تقدير قيمة استراتيجية التنوع:

يعرف رواد الأعمال في أنظمة الشركات الناشئة فوائد العمل مع فريق متنوع، فغالباً ما تبني الشركات في البلدان الأصغر منتجاتٍ أكثر تأثيراً وانتشاراً عالمياً، وتتوسع عبر مناطق جغرافية متعددة منذ البداية، بينما تواجه فِرَق المنتجات والتسويق والعمليات أحادية البعد صعوبةً في تلبية احتياجات المستهلكين واهتماماتهم التي تشغل مجالات أوسع من مجال الموظفين المختارين من ذوي الخلفيات والاهتمامات المتشابهة الذين يعملون في هذه الشركات.

هذا منطقي في مجال الأعمال، حيث وجدَت دراسةٌ لمجموعة بي سي جي (BCG) أنَّ تحسين التنوع في فريق الإدارة أدى إلى زيادة بنسبة 19% في الإيرادات بسبب الابتكار، كما يولي الموظفون الأصغر سناً (مستقبل القوى العاملة) أهميةً أكبر بكثير للعمل في شركة ذات موظفين متنوعين، مما يؤثر في اختيارهم لمكان العمل ورضاهم الوظيفي، وإنَّ وجود مزيج صحي من المواهب من مختلف الأعراق والأجناس والخلفيات له جانب إيجابي فقط، وهذه فكرة تدعمها البيانات بشكل متزايد.

لإطلاق العنان لمواهب ريادة الأعمال في العالم، نحتاج إلى بيئة تمكِّن الأجناس والأشخاص من مختلف الخلفيات من النجاح، والزخم في صالحنا في هذا الوقت الذي تمرُّ فيه الأمة بموجات من التغيير الكبير من حيث العلاقات العرقية ونموذج العمل؛ لذلك فقد حان الوقت لاغتنام تلك الفرص ووضع استراتيجيات لدفع الأعمال إلى الأمام، رغم أنَّ الأمثلة التي ذكرناها أعلاه ليست حلاً سحرياً، ولكنَّنا نأمل أن تُقدِّم دروساً حول المكان الذي يمكِن أن تبدأ فيه هذه الرحلة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة