تأثير تكرار الفعل: لا شيء سيتغير، ما لم يتغير شيء ما

إذا كنت قد أخذت عطلة لبضع أسابيع من ممارسة التمرينات الرياضية التي كنت تمارسها باستمرار، ثمَّ مارست تمريناً شاقاً بعد كلِّ هذا الانقطاع؛ فربَّما لديك فكرة عمَّا سنقوله هنا.



يمكن أن يكون هذا التمرين صعباً، وعادة ما يكون الألم الذي نشعر به بعده بأيام قاسياً حقاً؛ فعلى سبيل المثال: إذا قمت بتمرين القرفصاء بعد بضع أسابيع من الراحة، فقد تتألم لمجرد الجلوس على كرسي أو صعود الدرج في وقتٍ لاحقٍ من ذلك الأسبوع.

إنَّ إحدى أسرع طرائق التعافي من هذا الألم أمر لن تتوقعه أبداً، وهو "تكرار التمرين نفسه مرة أخرى"؛ فإذا كنت تشعر بألمٍ بعد بضعة أيام من القيام بتمرين القرفصاء مثلاً، فغالباً ما يكون القيام ببعض التمرينات الخفيفة هو الطريقة الأسرع للتعافي من هذا الألم.

عادة ما نختار أن نمارس التمرينات الرياضية على ثلاث مجموعات يضم كلٌّ منها عشر تمرينات باستخدام وزن الجسم، وغالباً ما تكون التمرينات الأولى غير مريحة؛ ولكن تصبح عضلاتنا رشيقة بعد ذلك، ونشعر في النهاية أنَّنا أفضل حالاً بكثير.

كيف يحدث هذا؟ وكيف يمكن للتمرينات التي تسببت بالألم أن تجعلنا نتعافى منه؟ يبدو هذا أشبه بقول: "لقد أنفقت الكثير من المال؛ لذلك فإنَّ الحل هو إنفاق مزيدٍ منه".

قد يبدو هذا شيئاً لا معنى له ظاهرياً؛ ولكنَّه مفهوم يُطلَق عليه اسم "تأثير تكرار الفعل"، وينطبق على ما هو أكثر بكثير من مجرد ممارسة التمرينات الرياضية.

إقرأ أيضاً: 6 فوائد صحيّة تمنحها الرياضة للعقل

تأثير تكرار الفعل:

نقدم فيما يلي شرحاً لتأثير تكرار الفعل بلغةٍ بسيطة: "كلَّما كررت سلوكاً، قلَّ تأثيره عليك؛ ذلك لأنَّك تعتاد عليه".

يأتي مفهوم تأثير تكرار الفعل من بحثٍ علميٍّ عن التمرينات الرياضية؛ ولشرح ذلك، سنعود إلى مثال القرفصاء السابق: عندما تقوم بتمرين القرفصاء الجديد، سيختبر جسمك تحفيزاً جديداً يضغط على عضلاتك، وينتج عنه ألمٌ عضلي؛ ومع ذلك، فإنَّ الطريقة التي تستجيب بها لهذا التحفيز الجديد ليست ثابتة، فقد وجد الباحثون أنَّ "تكرار الفعل يؤدي إلى تقليل الأعراض"؛ فكلَّما كنت أكثر انتظاماً بممارسة تمرين القرفصاء، قلَّ مقدار الألم الذي ستختبره.

هذا ما يُعرَف بتأثير تكرار الفعل؛ بمعنى أنَّ استجابة جسدك للتحفيز ستنخفض ​​مع كلِّ تكرار له.

هناك المئات من الدراسات البحثية التي تؤكد تأثير تكرار الفعل، وإنَّ الآلية الدقيقة التي يحدث بها هذا التأثير ليست مفهومةً تماماً، ولكنَّ حقيقة حدوثه مؤكدة.

تأثير تكرار الفعل في حياتك:

يخبرنا تأثير تكرار الفعل أنَّه كلَّما قمنا بعملٍ أكثر، قلَّ تأثيره علينا؛ وهناك طرائق عديدة للتفكير في هذا التأثير في حياتنا، نذكر منها:

  • عندما لا تقوم بالكثير من تمرينات القوة، سيجعلك القيام بثلاثين تمرين ضغط أقوى؛ لكن بعد بضع أشهر من تكرار ذلك، لن تبني عضلات جديدة من خلال القيام بثلاثين تمرين ضغط إضافي.
  • عندما تشرب القهوة لأول مرة، ستلاحظ تأثير الكافئين في الحال؛ ولكن بعد سنوات من تناولها، يصبح الفارق الذي يحدثه كوبٌ واحدٌ من القهوة أقلَّ بكثير.
  • عندما تبدأ إنقاص كمية وجباتك، ستفقد الوزن؛ ولكن بعد خسارة العشرة أو الخمسة عشر كيلوغراماً الأولى، ستصبح وجباتك الصغيرة هي وجباتك الطبيعية مع الوقت، وسيتوقف فقدانك الوزن.
  • قد يؤدي إجراء عشر مكالمات مبيعات في أول يومٍ لك في العمل إلى قفزةٍ كبيرةٍ في الإيرادات الإجمالية؛ ولكن سيتضاءل احتمال أن يكون لإجراء عشر مكالمات مبيعات لليوم الـ 300 على التوالي تأثيرٌ كبيرٌ في الإيرادات الإجمالية.

هذه الأمثلة منطقية عندما تراها موضوعة بدقة في مقال، ولكنَّنا غالباً ما نؤنب أنفسنا في العالم الواقعي بسبب قلَّة إحرازنا تقدماً ملحوظاً.

فلنفترض أنَّك تريد أن تفقد الوزن، وأنَّك لم تكن تمارس الرياضة من قبل، وقد بدأت الركض لمرتين أسبوعياً، وسرعان ما فقدت خمسة كيلوغرامات. سيبدأ تأثير تكرار الفعل في مرحلةٍ ما، ويتكيَّف جسمك، وتتباطأ عملية فقدانك الوزن؛ وستلاحظ فجأة أنَّ مؤشر الميزان قد استقرّ على القيمة نفسها، مع أنَّك لا زلت تجري مرتين في الأسبوع.

قد يكون من السهل جداً تفسير هذه النتائج المتناقصة على أنَّها نوعٌ من الفشل.

  • "يحدث هذا دائماً؛ أُحْرِزُ القليل من التقدم ثمَّ أتوقف".
  • "آه، أنا أمارس الرياضة كلَّ أسبوع ولا يحدث شيء".
  • "لقد جربت كلَّ شيء؛ ووجدت أنَّ التمرين لا يناسبني".

إلَّا أنَّه قد نجح بالفعل.

في الواقع، لقد نجح تمرينك الأول تماماً كما كان من المفترض له أن يفعل، وقد أعطى نتيجةً جديدة، ومن ثمَّ تكيف جسمك معه وأصبح أفضل، وصار لجسمك خَطٌّ مرجعي جديد؛ فإذا أردت تحقيق مستوى أعلى من النجاح، فأنت بحاجةٍ إلى إضافة شيءٍ جديدٍ إلى هذا المزيج.

إقرأ أيضاً: تأثير الدومينو: كيف تصنع سلسلة من العادات الجيدة؟

3 دروس للتحسين:

يمكن أن يعلمنا تأثير تكرار الفعل ثلاثة دروس حول التحسين:

أولاً: يمكن للعمل السهل أن يحدث فارقاً؛ فالقيام بكميةٍ قليلةٍ من التمرينات طريقةٌ رائعةٌ للحدِّ من أَلَمِ الجلسات الصعبة.

تخيل أنَّك تقوم بتمرين ضغطٍ سهلٍ لمدة دقيقةٍ واحدةٍ يوم الاثنين، وجلسة تمرين ضغطٍ صعبةٍ لمدة 10 دقائق يوم الجمعة؛ بالتأكيد سيشير تأثير تكرار الفعل إلى أنَّه يمكن تقليل ألمك بعد تمرين يوم الجمعة، لأنَّك قمت بجلسةٍ سهلةٍ في وقتٍ سابقٍ من الأسبوع.

ثانياً: مقدار العمل الذي عليك القيام به للوصول إلى الحدّ الأقصى من مستوى الإنتاجية أكثر ممَّا تفعله الآن؛ فطالما أنَّك لم تصل بالفعل إلى نسبة 100% من إمكاناتك، فلا زال لديك مجال للنمو.

يخبرنا تأثير تكرار الفعل أنَّك ربَّما تكيَّفت مع جميع المحفزات الطبيعية في حياتك؛ فإذا أردت الوصول إلى مستوى جديد من النجاح، فعليك دخول مستوى جديد من العمل.

لا يعني هذا أنَّه يجب عليك البدء بعملٍ أكبر، بل أنَّه عندما تبدأ بالقليل، فلا يعني هذا أنَّه لا يمكنك أن تأمل أن ينجح هذا التغيير الصغير أبداً؛ ذلك لأنَّه بمثابة نقطة انطلاق للارتقاء إلى المستوى التالي.

ثالثاً: الممارسة المتعمَّدة أمرٌ بالغ الأهمية للنجاح على المدى الطويل.

القيام بالنوع نفسه من العمل مراراً وتكراراً هو شكلٌ غريبٌ من الكَسَل، فمثلاً: لا يمكنك الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية والركض لمسافة ثلاثة أميال كلَّ أسبوع، ثمَّ توقع الاستمتاع بنتائج تحسُّن دائمة؛ ذلك لأنَّك قد وصلت إلى جميع النتائج التي يمكن أن تحققها بالجري لمسافة ثلاثة أميال، وتكيَّف جسدك مع هذا التحفيز بعد أشهر قليلة من التدريبات المتكررة.

هذا هو السبب في أنَّ الممارسة المتعمَّدة للمهارات الجديدة التي يمكنك إتقانها في جلسةٍ أو ثلاث جلسات تدريبية هامة للتحسن على المدى الطويل، ويمكن لجعلها عادةً أن يجنِّبك الممارسة السيئة للأمور التي لم تعد تحقق أيَّ فائدة.

ما يجب تذكره أنَّ الأمور ستنجح لبعض الوقت، ثمَّ ستعتاد عليها بعد ذلك؛ فكما يقول "مارشال غولدسميث" (Marshall Goldsmith) في كتابه الذي حقق أكبر نسبة مبيعات "ما أوصلك إلى (هنا)، لن يوصلك إلى (هناك)" (What got you here won’t get you There): "سيوصلك قيامك بالشيء نفسه مراراً وتكراراً ولفترة طويلة إلى روتين ذي وتيرة واحدة"؛ بمعنى أنَّه ما من شيء سيتغير، ما لم تُغيِّر شيئاً ما.

 

المصدر




مقالات مرتبطة