تأثير برامج تعزيز السعادة في بيئة العمل

أصبح تعزيز السعادة من أولويات معظم الشركات ضمن برامج أعمالها بسبب وباء كوفيد-19؛ حيث أصبحَت هذه البرامج المهتمة بالسعادة واجباً أساسياً يجب على الجميع المشاركة فيه للحفاظ على حماسة الموظفين وإنتاجيتهم والاحتفاظ بهم.



سوف نستعرض سبب أهمية أن يكون لدى الشركات برنامج للنجاح في فترة ما بعد جائحة كوفيد-19، بالإضافة إلى بعض الاستراتيجيات التي يمكنك تطبيقها.

ما هي السعادة بالضبط، وما سبب أهميتها؟

حدَّد الكاتبان الأمريكيان "توم راث" (Tom Rath) و"جيم هارتر" (Jim Harter) في كتابهما "العناصر الخمسة الأساسية للسعادة" (Wellbeing: The Five Essential Elements) خمسة جوانب رئيسة للسعادة تحدد شكل حياتنا هي: الوظائف والعلاقات والشؤون المالية والصحة البدنية وسعادة المجتمع، فقد يكون هناك عناصر أخرى تمثِّل السعادة بالنسبة إليك، مثل التنمية الشخصية أو البيئة أو المتعة أو الاستجمام، ولكن عموماً، يتعلَّق الأمر بضمان حصولنا على ما يكفي من هذه العناصر الأساسية لجعل الحياة تبدو جديرةً بالاهتمام.

أظهرَت الأبحاث أنَّ السعادة يمكن أن يكون لها تأثير عميق في العمل وأرباح الشركة؛ حيث قدَّم أسعد الموظفين أداءً أفضل في أعمالهم وعبَّروا عن رضاهم عنها عموماً، كما وجد الأستاذ بجامعة "هارفارد" (Harvard University) وخبير السعادة "شون أكور" (Shawn Achor) أنَّ الأشخاص السعيدون يتفوقون بأدائهم الوظيفي باستمرار على أقرانهم، من ناحية المبيعات بنسبة 37% والإنتاجية بنسبة 31% والدقة في المهام بنسبة 19%، فضلاً عن العديد من التطورات الأخرى في الصحة وجودة الحياة.

تأثير وباء كوفيد-19 في السعادة:

حتى عندما تبدأ الأمور بالعودة إلى الوضع الطبيعي، يستمر تأثير جائحة كوفيد-19 في مكان العمل مع ازدياد حالات القلق والاكتئاب المُوثَّقة عالمياً، وبعد عام من الحجر، يظلُّ الكثير من الناس مترددين في الذهاب إلى العمل، على الرغم من أنَّهم يتوقون إلى التواصل مع الأصدقاء والزملاء، فوفقاً لإحدى الأبحاث التي أُجرِيَت حديثاً، فإنَّ أقل من نصف الموظفين حالياً ينظرون بإيجابيةٍ تجاه السعادة عموماً.

غالباً ما نجد صعوبةً في إيجاد ما يجعلنا سعيدين على الرغم من أنَّ التزايد في العمل عن بُعْد وساعات العمل المرنة غالباً ما يُنظَر إليه على أنَّه ميزة إضافية، إلا أنَّه زاد من ضغوطات الموظفين؛ حيث تحوَّل الناس في جميع أنحاء العالم من نظام عمل 8 ساعات في اليوم إلى نظام عمل بساعاتٍ كاملة على مدار الأسبوع، صحيحٌ أنَّ هذا الأمر زاد الإنتاجية في البداية، إلا أنَّ الإرهاق المرتبط به ومشكلات الصحة النفسية الأخرى تسبَّبت في معاناة بعض الموظفين بينما تظلُّ العواقب طويلة الأجل غير معروفة.

وبالمقابل، على الرُّغم من غياب الحدود الصحية بين العمل والحياة الشخصية، يرفض الكثيرون العودة إلى وظائفهم؛ حيث وجدَت الأبحاث أنَّ ما يقرب من 50% من الأشخاص سيتركون وظائفهم إذا أُجبِروا على العودة إليها، وأنَّ 66% كانوا قلقين بشأن صحتهم وسلامتهم عند عودتهم إلى العمل، و61% لديهم مخاوف من إمكان تخفيف تدابير السلامة الخاصة بجائحة كوفيد-19 في وقت قريب جداً، في حين أنَّ الأرقام الإجمالية كانت عاليةً علوُّاً يثير الخوف، إلا أنَّ هذه المخاوف وفقاً للتقرير كانت أعلى بين الأشخاص من غير العِرق الأبيض بنسبة 78% وموظفي الجيل زد 75%.

إذن ما الذي يجب على الشركة فعله لدعم سعادة موظفيها ووقف الاستنزاف المُكلِف للإمكانات؟ يكمن السر في الطريقة التي تتعامل بها الشركات مع مكان العمل بعد الوباء والتحول العام في التركيز على القوة العاملة بدلاً من التركيز على مكان العمل، ففي تقريرٍ أعدَّه معهد "لايميد" (Limeade) في عام 2020، وجدوا أنَّ رعاية الموظفين يمكن أن تكون الحل لمشكلة دوران العمالة.

إقرأ أيضاً: 11 صورة مذهلة تظهر تأثير فيروس كورونا في العالم

ما الذي يجب فعله؟

من الواضح أنَّه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعيَّن القيام به، ففي البحث الذي أجراه معهد "لايميد" (Limeade)، وجدوا تبايناً كبيراً في السعادة في مكان العمل، وعندما سُئِل المشاركون في الاستطلاع عما إذا كانوا يشعرون بأنَّ مؤسساتهم تهتم بسعادة الفرد بالكامل، ذكر 55% فقط من المشاركين أنَّ مؤسساتهم تهتم بالسعادة، بيد أنَّ امتلاك برنامج سعادة لا يُعَدُّ وحده كافياً، فحينما سُئِلوا عن سبب اعتقادهم أنَّ مؤسساتهم لديها برنامج لسعادة الموظَّفين، قال معظمهم إنَّ السبب هو أنَّهم يريدون تحسين الإنتاجية أو الازدهار كشركة، فلا تقتصر المسألة على ملء بعض الاستبيانات؛ بل يحتاج الأمر إلى تطوير استجابات مدروسة وأكثر شموليةً من أجل الاحتفاظ بالموظفين.

من الجيد أنَّ تنفيذ برنامج سعادة الموظف لا يتطلب الكثير من العمل وليس مكلفاً، فالتعاطف والتواصل، سواء كان شخصياً أم افتراضياً، يمكن أن يُحرز تقدُّماً كبيراً، ولكن كما يعلم معظم الناس، فإنَّ بعض المديرين والقادة لا يُجيدون ذلك دائماً، وقد يكون الكوتشينغ والتغذية الراجعة ذات الـ 360 درجة مفيدَين، إلى جانب سياسة عدم التسامح تجاه السلوك السيئ، والأهم من ذلك هو السماح بمشاركة الأشخاص على جميع المستويات في الشركة في المناقشات، لكي يشعروا أنَّ آراءهم تلقى آذاناً صاغية.

شاهد بالفيديو: 9 فوائد للمرح في العمل

إليك بعض الأشياء التي يمكنك القيام بها لتحسين السعادة في أيَّة منظمة:

  • ضمان تطبيق جميع الإجراءات الاحترازية التي تخص جائحةكوفيد-19 لشعور الموظَّفين بالأمان.
  • التَّشديد على أهمية المرونة في ساعات العمل ومكانه ووضع حدود تضمن ألا يشعر الموظفون أنَّ أيام العمل كثيرة ولا تنتهي أبداً.
  • تنفيذ استراتيجيات تهدف إلى دعم الصحة النفسية للموظفين، بدءاً من تقبُّل حقيقة أنَّه من الطبيعي عدم الشعور بأنَّك لستَ على ما يرام أحياناً.
  • تقديم الدعم لمواجهة الضغوطات التي تحدث خارج مكان العمل، مثل الاستقرار المالي أو العلاقات، ومساعدة الموظفين في الحصول على الرعاية، والدعم المالي من خلال توفير الأدوات والموارد الأخرى.
  • والأهم من ذلك كله، توفير التدريب للموظفين على الإنصات للأشخاص الذين يحتاجون إلى الدعم والتجاوب معهم، فكلما حصل الناس على المساعدة التي يحتاجون إليها سريعاً، تمكَّنوا من استعادة صحتهم بشكل أسرع.

صحيحٌ أنَّ الناس في جميع أرجاء العالم قد تنفسوا الصعداء على أمل أن يكون الأسوأ قد انقضى، إلا أنَّ الكثيرين لا يزالون يعيشون حالة من الصدمة؛ لذلك فإنَّ الشركات التي تدعم موظفيها بطرائق مؤثِّرة ستخلق التزاماً وولاءً متبادلاً ينتج عنهما تجربة رائعة.

المصدر




مقالات مرتبطة