تأثير النجم (The Superstar Effect): كيف تعامل كثرة الأفكار؟ (1)

في السنوات القليلة الأولى بعد إطلاق مدونتي كنت دائماً أجد نفسي في مواجهة الموقف ذاته؛ ففي كل مرة كنت أنجز فيها شيئاً ما كانت أفكار جديدة تتبادر فجأة إلى ذهني فأقع في حيرة بين مواصلة ما أنجزه وتطبيق آخر فكرة خطرت في بالي، يعني الخيار الأول تأجيل فكرتي الجديدة، ويعني الخيار الثاني تأجيل ما كنت أنجزه، أمَّا القيام بالأمرين معاً كان مستحيلاً؛ لأنَّه سيشتت انتباهي، فكنت أظنُّ أنَّني خاسرة في كل الأحوال.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّنة "سيلستين تشوا" (Celestine Chua)، تُحدِّثنا فيه عن معاملة الأفكار في ظل ضيق الوقت.

ماذا تفعل عندما يكون لديك كثير من الأفكار التي تريد تطبيقها غير أنَّ وقتك ضيق؟

أفكار كثيرة جداً في ظل ضيق الوقت:

على سبيل المثال هذا ما كنت أنوي فعله في عام 2011:

  • صناعة محتوى جديد، وكتابة مقالات جديدة.
  • متابعة طرائق التسويق الحالية (الكتابة في مدونات أخرى، التواصل الإعلامي، وما إلى ذلك).
  • استكشاف استراتيجيات تسويقية جديدة (النظر في مواقع التواصل الاجتماعي الجديدة، وما إلى ذلك).
  • زيادة الإيرادات.
  • إطلاق قناة فيديو جديدة.
  • تأليف كتاب إلكتروني.
  • إعداد دورة تدريبية جديدة.
  • إنشاء كتب إلكترونية تحكي عن التحديات السابقة التي نجحت في تجاوزها.
  • التعاون مع مدونة بالحجم نفسه لإنتاج منتج أو تقديم خدمة.
  • تأليف كتاب إلكتروني عن التدوين (للقراء المهتمين بالتدوين).
  • إعداد دورة تدريبية أخرى عن التدوين.
  • إعداد دورة متابعة للتدوين.
  • خوض تحدٍ جديد.
  • تنمية صفحتي على فيسبوك (Facebook) وتويتر (Twitter).
  • التواصل مع دور النشر لاستكشاف فرص صفقات الكتب (للنشر التقليدي).

كانت الأفكار تراودني ثم تتلاشى؛ لكنَّ الوضع الذي كان سائداً هو أنَّ أفكاري كانت أكثر مما يمكنني تنفيذه.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح لتوفير الوقت كل يوم

المسار الأول: تعزيز إنتاجيتي الشخصية

لم أرغب في توظيف من يساعدني (إنَّه ببساطة لا يماشي أنموذج عملي) ولا الاستعانة بمصادر خارجية (لم أكن مستعدة للاستعانة بمصادر خارجية آنذاك)، بقي لدي خياران: إمَّا ترتيب أولوياتي على وجه أحسن، أو العمل بسرعة أكبر.

اكتسبت العديد من عادات الإنتاجية خلال هذا الوقت فأصبحت خبيرة في اختزال المهام إلى الأساسيات، وغدوتُ أرفض أيَّ شيء يصرف انتباهي عن أهدافي فزادت كفاءتي، ووضعت نظام إنتاجية خاص بي ساعدني على التحكم بجميع مشاريعي وتحقيق أفضل النتائج، من عام 2009 حتى عام 2010 زادت إنتاجيتي وسرعتي في العمل.

شاهد بالفيديو: أسهل 6 طرق لتوليد أفكار رائعة

المسار الثاني: اختزال قائمة المهام إلى أهم ثلاث مهام

العمل بسرعة أمر رائع، ولكن لسرعتك بالعمل حد لا يمكن تجاوزه، أدركت أنَّ الحل يكمن في انتقاء أهم المهام؛ لذلك في عام 2010 مارست عادة جديدة وهي اختيار أولويتين إلى ثلاث أولويات وتكريس جل وقتي لها بضعة أشهر.

بحلول ذلك الوقت كنت قد استبعدت العديد من المهام التي يمكن تفويضها أو غير الهامة، وكنت أركز على المهام ذات التأثير العالي كل يوم؛ لذلك كانت هذه الاستراتيجية الجديدة خطوة للأمام لأركز على أهم أولوياتي، ويتضمن هذا عادة أولويتين مستمرتين ومشروعاً جديداً واحداً؛ على سبيل المثال: "تسويق المدونة" (مستمر)، و"صناعة المحتوى" (مستمر)، و"تأليف كتاب إلكتروني جديد" (جديد). أو "خوض تحدٍ جديد" (جديد)، و"تسويق المدونة" (مستمر)، و"تحسين طريقة عرض موقع الويب" (مستمر)، وهكذا دواليك.

ساعدني هذا على تعزيز التركيز، عندما تخطر في بالي أفكار جديدة في أثناء قيامي بمهام أخرى كنت أدرجها في قائمة "الأفكار الجديدة" وأنتظر حتى مراجعتي التالية قبل النظر فيها، بعد استكمال 95٪ من أولوياتي الحالية كنت أحدد أولويتين أو ثلاث أولويات كبيرة وأكرِّس وقتي لها، وهكذا دواليك.

باستخدام هذا النهج أطلقتُ العديد من الكتب الإلكترونية عالية الجودة، وخضتُ العديد من التحديات، وكتبت العديد من المقالات الجديدة، وزدت عدد الزيارات إلى مدونتي بمقدار 10 أضعاف، وأطلقت منتديات خاصة بها، ووسعت نطاقها لتتحول من مجرد مدونة إلى منصة تطوير شخصي، وأجريت العديد من ورش العمل، وعملت مع العديد من عملاء الكوتشينغ الفردي الجدد، ذلك كله بين عامي 2010-2011، بلا شك ساعدتني هذه الطريقة على تعزيز قدرتي على الإنتاج، ومع ذلك شعرتُ أنَّ شيئاً ما لم يكن على ما يرام:

  1. في كل مرة كنت أُكرِّس فيها وقتي لأولوياتي الكبيرة، لم أكن أستطيع إنجاز أي شيء آخر؛ إذ كان لا بد من تأجيل كل شيء حتى أنتهي منها، ومع ذلك إذا لم أعطِ الأولوية لمهمة دون أخرى فسأواجه المشكلة الأصلية المتمثلة في تراكم المهام، لقد كانت مشكلة صعبة.
  2. مرت عليَّ أوقات فكرت فيها بالمفاضلة بين المهام الكبيرة نفسها؛ على سبيل المثال اختيار تأليف كتاب إلكتروني جديد عوضاً عن إعداد دورة جديدة، ولكن ماذا لو كانت الدورة مجزية أكثر من تأليف الكتاب الإلكتروني؟ أليس من الوارد أن يفوتني شيء هام في أثناء انشغالي بتأليف الكتاب الإلكتروني؟ من يعلم؟
  3. كنت أقع أحياناً في حيرة من أمري بشأن أهم المهام التي اخترتها، لنفترض أنَّني اخترت تأليف كتاب إلكتروني ومواجهة تحدٍ جديد، إن اخترت تأليف كتاب إلكتروني جديد فلا بد لي من التخطيط والكتابة والتصميم وإنشاء صفحة المبيعات وتسويق الكتاب، وإن اخترت مواجهة تحدٍ جديد عليَّ انتقاء الموضوع، وتصميم المهام والمواد التسويقية، والتسويق، وإعداد المنتدى، وكتابة مادة الإطلاق، ثمَّ كتابة المهام اليومية والإشراف على إدارة التحدي، هذه كلها مهام تستغرق وقتاً ولا يمكنني القيام بأمرين معاً.

كلما استخدمت هذا النهج أكثر زاد وضوح هذه المشكلات، ظل الأمر على حاله إلى أن وجدتُ أخيراً حلاً لهذه المعضلة في السنة الماضية.

المسار الثالث: لحظة الصحوة

رحتُ أراجع نفسي مرة أخرى، وأحدد أولوياتي الجديدة، عندما بدأتُ عملية التقييم بمقارنة مشروع مع آخر لاختيار أحدهما وقعتُ في حيرة من أمري وقلت في نفسي: "هل يجب أن أختار شيئاً دون الآخر مرة أخرى؟ أليست هذه هي المهام الهامة التي اخترتها؟ هل ما زال أمامي بضعة أشهر أقضيها في إنجاز شيء على حساب شيء آخر؟ لقد خارت قواي وتعبت نفسيتي".

في حين كنت أتأمل المهام الموجودة في قائمتي: "تسويق مدونتي، وصناعة محتوى، وزيادة الإيرادات، وإطلاق كتب إلكترونية ودورات جديدة، وإصدار المزيد من البرامج المجانية، وما إلى ذلك" فجأة خطرت فكرة في بالي رأيت نمطاً لم أره من قبل، اتضح لي أنَّني لست مضطرة إلى اختيار أولويتين أو ثلاث أولويات، ولا المفاضلة بينها لاحقاً؛ لأنَّ أولوياتي كلها تصب في الهدف نفسه في النهاية.

المثال الأول: التركيز على زيادة الدخل

لنفترض أنَّني اخترت زيادة الدخل على أنَّها أهم أولوية خلال الشهرين المقبلين في عملي؛ يعني هذا عادةً إنتاج منتج جديد غني بالمعلومات، مع أنَّ إنتاج هذا المنتج يستغرق من شهر إلى شهرين، فإنَّني سأحصل على المكافأة بعد إطلاقه مباشرةً من إيرادات المبيعات، وبعد الإطلاق سيصبح هذا مصدر دخل إضافي ودائم لعملي، من الواضح أنَّ هذا يحقق هدف زيادة الدخل، ومع ذلك فوائد إنتاج هذا المنتج تفوق زيادة الدخل، ومنها:

  1. تعزيز عرض القيمة في مدونتي؛ لأنَّه سيكون لدي منتج جديد عالي القيمة ضمن مجموعة منتجاتي فيها، وسيستفيد العديد من القراء من هذا المنتج مقارنةً بما عليه الحال إن لم أطلقه أبداً.
  2. مساعدتي على الوصول إلى أشخاص جدد؛ لأنَّ الأشخاص الذين يشترونه قد يزكونه إلى أصدقائهم أيضاً، نظراً للفوائد الهائلة التي يحصلون عليها من استخدامه كان هذا هو الحال مع العديد من البرامج التي أطلقتها؛ لذلك لن أحصل على المزيد من الدخل من إطلاق منتج جديد فحسب؛ بل سيتحسن محتوى مدونتي، ويزداد عدد القراء في الوقت نفسه.

شاهد بالفيديو: 8 طرق للتفكير خارج الصندوق

المثال الثاني: التركيز على صناعة المحتوى

الآن لنفكر في مثال مختلف، لنقل إنَّني اخترت صناعة المحتوى بوصفها أولوية خلال الشهرين المقبلين؛ هذا يعني كتابة مقالات عالية الجودة في مدونتي مجاناً كما كنت أفعل في السنوات القليلة الماضية، سيساعد هذا على تحسين قيمة محتوى مدونتي للقراء الحاليين.

مع ذلك هل هذا هو التأثير الوحيد؟ لا إطلاقاً، على افتراض أنَّ المقالات مكتوبة بطريقة إبداعية ولاقت استحسان القراء سينشرها بعضهم بين الأصدقاء والأهل؛ وذلك ببساطة لأنَّهم يريدون أن يستفيد أحباؤهم منها، والنتيجة:

  1. ارتفاع عدد الزيارات بفضل التزكيات.
  2. مع ارتفاع عدد الزيارات تزداد الإيرادات؛ لأنَّ ارتفاع عدد الزيارات يعني زيادة فرصة بيع المنتجات إضافة إلى زيادة نسبة النقر إلى الظهور لإعلانات المدونة.

من الواضح عندما أصنع المحتوى فأنا لا أُنمِّي المحتوى وحسب؛ بل أُعزز جوانب أخرى من مدونتي مثل زيادة عدد القراء والأرباح؛ وذلك بفضل الآثار غير المباشرة لصناعة المحتوى، أنا لا أفعل شيئاً واحداً؛ بل ثلاثة أشياء في آن واحد.

فجأة ما كان يبدو أولويات متضاربة في عملي كل تلك المدة تبين أنَّه لم يكن كذلك؛ وإنَّما مجرد جوانب متعددة للهدف نفسه: النجاح في توسيع قاعدة القراء، وزيادة الأرباح، وتقديم القيمة للآخرين، أياً كانت المهمة التي أركز عليها سأكون في الوقت نفسه أنجز المهام الأخرى؛ لذلك لا حاجة لاختيار شيء دون الآخر، يكفي اختيار شيء واحد أود إنجازه.

إقرأ أيضاً: كيف تحوِّل الأفكار إلى واقع؟

التفوق في شيء واحد يسفر عن تحقيق كل شيء في النهاية:

كان هذا الاستنتاج عظيماً؛ لأنَّني أدركت لأول مرة أنَّ كل شيء في قائمة مهامي يوافق بعضُه بعضاً، لا يوجد اختلاف كبير أو تضارب، مهامي جميعها أنهار مختلفة تنبع من الجبل وتصب في المحيط نفسه في النهاية.

بالطبع السبب في ذلك هو أنَّ كل مهامي تُصنَّف ضمن المهام الكبيرة التي تحرك عملي في الاتجاه الإيجابي نتيجة تحديد الأولويات ببراعة (كما ذكرت في بداية المقال) وإنشاء الأسس المناسبة في عملي.

ما يعنيه هذا هو أنَّه بدلاً من الحيرة بشأن المشروع الذي سأختاره كل ما عليَّ فعله هو إمَّا اختيار أي مهمة والشروع في تنفيذها، أو اختيار المهمة التي أشعر بشغف لتنفيذها وتوافق رسالتي الشخصية، بحيث يمكنني جني أعظم المكافآت على الفور فيما يخصني؛ هذا يعني صناعة المحتوى (سواء عن طريق المقالات أو الدورات التدريبية)؛ لأنَّني أستمتع بمشاركة معلومات عن حياتي ومعرفتي والعمل مع الناس لمساعدتهم على النمو، ونظراً لأنَّني أركز على هذا الجزء وأُحسن القيام به؛ فإنَّ عدد القراء والإيرادات وجوانب أخرى ستتحسن تلقائياً بمرور الوقت.

هذا ينطبق عليك أيضاً، لعلَّ المهام التي تظنها متضاربة، وتجد صعوبة في اختيار أهمها في الوقت الحالي تقودك إلى الوجهة نفسها في النهاية: النمو، واكتساب المعرفة، وتقديم القيمة للآخرين، وتجهيز نفسك بمهارات أفضل للدور المنوط بك، وما إلى ذلك، هذا على افتراض أنَّ هذه المهام تُصنَّف من ضمن أبرز مهامك، وفي كثير من الأحيان تؤثر المشاريع أو الأهداف الكبيرة بعضُها في بعض أكثر ممَّا نظنُّ، وهذا يقودني إلى تأثير النجم (The Superstar Effect) وهالة النجم (Superstar Halo).

في الختام:

لقد تحدَّثنا في هذا الجزء عن كيفية معاملة كثرة الأفكار في ظل ضيق الوقت، وعن كيفية تعزيز الإنتاجية، وأهمية التفوق في شيء واحد، وسنتابع في الجزء الثاني والأخير الحديث عن تأثير النجم، وهالة النجم وتداعياتهما، وعن خمس خطوات لتحقيق أفضل النتائج.




مقالات مرتبطة