تأثير العمل الخيري في الحد من آثار الجائحة على التعليم

كيف يمكن لقطاع العمل الخيري أن يخفف من تأثير الجائحة في التعليم لملايين الأطفال وما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذها؟



سلَّط مؤتمر التعليم العالمي الذي انعقد في مدينة "لندن" (London) في شهر يوليو الضوء على التعليم المدرسي خاصةً في البلدان النامية؛ حيث تمت مناقشة إغلاق المدارس كعامل رئيس في انخفاض التعليم وازدياد حالات الزواج المبكر.

بينما تقوم حكومات هذه البلدان بتخفيض النفقات في مجالات مختلفة لتخفيف حدة الجائحة بالإضافة إلى انخفاض دخل الأسرة إما بسبب البطالة أو العمالة غير الرسمية، فإنَّ التعليم يصبح في نقطة حرجة.

التأثير السلبي لجائحة كورونا على التعليم:

وفقاً لصحيفة "فايننشال تايمز" (Financial Times) فقد واجهت معظم أنظمة التعليم في البلدان النامية تحديات خطيرة، في عام 2019 نصف المتعلمين الذين بلغوا عمر 10 سنوات لم يتمكنوا من قراءة قصة بسيطة أو فهمها بالكامل، وتؤكد الصحيفة أنََّ النسبة أعلى بكثير في البلدان الأكثر فقراً.

أدى إغلاق المدارس الذي استمر 18 شهراً إلى أرقام كبيرة في هذا المجال ووفقاً لـ "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" (UNESCO) فقد خسر 131 مليون طالب ثلاثة أرباع حصتهم من التعلُّم المباشر، وعلى الرغم من هذا يستمر إغلاق المدارس كلياً أو جزئياً في 27% من هذه البلدان.

يقول مدير المبادرة العالمية للابتكار في التعليم في "جامعة هارفارد" (Harvard University) "فيرناندو ريمرز" (Fernando Reimers) إنَّه إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة فالأمور ستزداد سوءاً، ويحذِّر قائلاً: "إذا لم تُتَّخَذ الإجراءات الصحيحة، فإنَّ العالم سيكون على وشك مواجهة أسوأ أزمة تعليمية في تاريخ البشرية منذ أن وُجِدَت المدارس العامة؛ ما يعني أنَّ الكثير من البلدان ستواجه خطر العودة إلى الوراء عشر أو عشرين سنة".

ويقول "نيك موغان" (Nick Maughan) مؤسس "منظمة موغان" (NMF): "الفجوة في التحصيل التعليمي قد تفاقمت تفاقماً خطيراً بسبب الجائحة وسيكون لها آثار مدمرة طويلة الأمد على الشباب المحرومين من فرصة التعليم مع أنَّنا غير قادرين حالياً على تحديد هذه الآثار".

شاهد بالفديو: أهمية التعليم عن بعد

توقعات في المستقبل القريب:

وفقاً لآخر دراسة أجراها "مركز العمل الخيري" (Centre on Philanthropy) التابع لـ "منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية" (OECD)، فقد قدم المتبرعون ما لا يقل عن 20.2 مليار دولار لدعم التعليم على مستوى العالم، وحصلَت المؤسسات الخيرية وبرامج الدعم التي تموِّلها شركات على 9.4 مليار دولار؛ أي ما يقارب 44% من مجمل التمويل المدفوع لمواجهة الجائحة.

ويؤكد تقرير المركز أنَّه على الرغم من قلة المعلومات المالية، إلا أنَّ المعلومات المتاحة تشير إلى أنَّ التمويل المُقدَّم من قِبل مؤسسات التعليم يحافظ على حجمه، وفي بعض الحالات ارتفع التمويل في عامي 2020 و2021.

من بين 25 مؤسسة تم الإفصاح عن أرقام 18 مؤسسة حافظت 14 منها على حجم التمويل وبعضها رفعت من التمويل المُقدم للبلدان النامية بين العامين 2019-2020 ونصف هذه المؤسسات رفعت حجم تمويلها بنسبة 20% أو أكثر.

وفقاً لهذه الدراسة سجلت 4 مؤسسات فقط انخفاضاً في ميزانيتها التنموية لعام 2020؛ الأمر الذي يعكس التحولات المالية الخاصة بقطاع التعليم؛ حيث حافظت 12 مؤسسة على حجم التبرعات أو رفعَته بين العامين 2019 - 2020، وسجلت 6 مؤسسات انخفاضاً في حجم التمويل.

وهناك تفاؤل حذِر بحلول عام 2021 أن يصبح عدد المؤسسات التي تحافظ على حجم التمويل أو ترفعه 14 مؤسسة في نهاية هذا العام.

إقرأ أيضاً: 8 توجهات ستشكل مستقبل التعليم في العالم

الأمور التي تركَّز عليها المؤسسات التعليمية:

تُركِّز المؤسسات بسبب الجائحة على تمكين الطلاب من التعلُّم عن بُعد على الأمد القصير؛ وذلك من خلال سلسلة واسعة من أشكال الحصول على التعليم في المنزل.

في "الهند" (India) مثلاً تقوم مؤسسة "آغا خان" (Agha KhanFoundation) بإنشاء سلسلة متصلة مكوَّنة من مجموعات تعليمية منخفضة التكاليف للأطفال غير القادرين على الوصول إلى التعلُّم عن طريق التكنولوجيا، وهذه المجموعات أُنشِئَت بفضل مساهمات الطلاب والأهالي والمعلمين.

تعمل أيضاً "مؤسسة جاكوب" (Jacobs Foundation) الموجودة في مدينة "كوت ديفوار" (Côte d’Ivoire) مع الحكومة لتحقيق المزيد من فرص التعليم عن بُعد؛ وذلك باستخدام البث الإذاعي المحلي، ويتم استكمال هذه المبادرة بتمكين الطلاب من استخدام المنصات المتوفرة على أجهزة الهاتف الجوال مجاناً.

في "البرازيل" (Brazil) تعاونت أكبر المؤسسات التعليمية مع المنظمات متعددة الأطراف؛ وذلك لتقوم بالمبادرات بالوقت نفسه في مواجهة الجائحة، وعملت على توفير التعليم عن بُعد في جميع أنحاء البرازيل.

تضمنت هذه المبادرات إنشاء محتوى تعليمي، وبث الفصول التعليمية على القنوات التلفزيونية، وبلغ عدد الطلاب المتابعين 8 مليون طالباً.

ووفقاً لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "فإنَّ هذه الأساليب تضمن أنَّ الأطفال الذين لا يمكنهم استخدام الإنترنت أو لا تتوفر لديهم الكهرباء، لن يكونوا بعيدين جداً عن التحصيل العلمي المطلوب، وقد يكون لدى المؤسسات التعليمية بسبب الجائحة فرصة للقضاء على بعض عوائق الاتصال".

إقرأ أيضاً: التعلُّم عن بعد: نصائح للأهل لخلق تجربة أكثر متعة وثراء

كيف تزيد المؤسسات التعليمية تأثير مساهماتها؟

إذا أرادت المؤسسات التعليمية زيادة تأثير مساهماتها، فعليها اتباع توصيات خاصة من منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD).

على الأمد القصير، يجب على المتبرعين إعطاء الأولوية للمبادرات التي تهدف إلى إعادة فتح مدارس آمنة مع الإيعاز للمتعلمين بالعودة إلى المدارس ودعم المعلمين في عملية تقديم الإرشادات الهادفة، ويمكن تحقيق هذا من خلال حوافز تركِّز على الطلاب الذين تعاني أسرهم من ضغوط مادية.

يجب أيضاً على المؤسسات وضع المعلمين في "مركز استراتيجيات التخفيف والتعافي" (center of mitigation and recovery strategies)؛ وذلك لأنَّ التطوير المهني ومهارات إدارة التغيير سواء للمعلمين ومديري المدارس والمسؤولين المحليين، هي حجر الزاوية لأي تحوُّل مستدام في تقديم التعليم.

وتؤكد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنَّ العمل الخيري الخاص يمكن أن يركِّز على قياس التعلم الاجتماعي والعاطفي (SEL)، وأيضاً على استراتيجيات التعليم وإصدار الشهادات وتوضيح جدوى المنهاج التعليمي لكل طفل في البيئات منخفضة الدخل.

ومن المحتمل أن يكون لتعلُّم الطفل مع شريك فائدة هائلة في مساعدتهم على فهم فوائد التكنولوجيا في التعليم عن بُعد، وكيفية تحسُّن التدريس والتعليم في المدرسة والمنزل.

وتؤكد المنظمة أنَّ كل مبادرة يجب أن تتبنى ثقافة تتطلع نحو المستقبل؛ حيث يصبح الاستشراف الاستراتيجي أكثر أهمية من أي وقت مضى، فالتصورات الخاصة بمستقبل التعليم هي إطار عمل لتوجيه التفكير الاستراتيجي طويل الأمد فيما يتعلق بالتعليم.

المصدر




مقالات مرتبطة