تأثير الخيارات في مستقبلك (أثر الفراشة)

هل سبق لك أن فكرت ما هو تأثير أفعالك اليوم بعد عشر سنوات من الآن؟ في الحقيقة يُفضِّل معظم الناس الإشباع الفوري ولا يفكرون في هذا الأمر أبداً، كما يشوش الشعور المؤقت بالمتعة عقول الناس؛ فتجدهم لا يفكرون أبداً في أنَّ أي إجراء أو خطوة واحدة قد تغير حياتهم تغييراً جذرياً.



إنَّ المستقبل حساس جداً ويعتمد اعتماداً كبيراً على الحاضر، فالأحداث التي قد تبدو غير هامة الآن يمكن أن تغيِّر المستقبل تماماً.

إنَّ إجراء واحداً بسيطاً مثل قراءة هذا المقال سيؤثر في مستقبلك، وهذا ما يسمى بـ تأثير الفراشة، وفي نظرية الفوضى يكون تأثير الفراشة هو الاعتماد الحساس على الظروف الأولية التي يمكن أن يؤدي فيها تغيير طفيف في حالة واحدة من نظام غير خطي ذي نتائج محددة إلى اختلافات كبيرة في حالة لاحقة؛ باختصار يمكن أن يؤدي شيء تفعله الآن مثل قراءة كتاب إلى تغيير مستقبلك بالكامل.

تأثير الفراشة هو فكرة أنَّ اضطراب الهواء الذي تسببه فراشة صغيرة وليست ذات أهمية لديه طاقة كافية لتشكيل نوع مختلف من أنماط الطقس في جميع أنحاء العالم؛ مثل الإعصار.

هل يمكن أن يحدث إعصار في الولايات المتحدة (USA) بسبب فراشة في الصين (China)؟

اكتشف إدوارد نورتون لورنز (Edward Norton Lorenz) عالِم الرياضيات والمتخصص في مجال الأرصاد تأثير الفراشة، ووجد لورنز أنَّ تفاصيل الإعصار - مثل وقت تشكله - تتأثر بعوامل صغيرة مثل رفرفة أجنحة الفراشة التي كانت بعيدة عن المكان الذي نشأ فيه الإعصار.

عندما كان يدير نموذج الطقس الخاص به كان يأخذ في الحسبان بياناتٍ كانت تبدو عير هامَّةٍ في البداية؛ يعني ذلك أنَّه استخدم 12.51 بدلاً من 12.5184، وكانت نتيجة هذا التغيير البسيط تنبؤاً مختلفاً تماماً عن الطقس، مثل هذا التغيير البسيط في الظروف الأولية أدى إلى نتيجة مختلفة تماماً، ولفهم تأثير الفراشة بصورة أفضل ضع في حسبانك مثال رمي النرد، فتعتمد نتيجة النرد على الظروف الأولية مثل اتجاه الرمي وشدته، وينتج عن رمي النرد عدة مرات نتائج ومسارات مختلفة تماماً؛ وهذا يجعل من المستحيل تقريباً رمي النرد بالطريقة نفسها أكثر من مرة.

فيلم تأثير الفراشة:

يوجد فيلم بعنوان "تأثير الفراشة" (The Butterfly Effect) يوضح تماماً تأثير الفراشة في الحياة الحقيقية، ويتحدث الفيلم عن حياة طالب جامعي يبلغ من العمر 20 عاماً يدعى إيفان تريبورن (Evan Treborn)؛ بسبب عدة صدمات في الطفولة تفاقمَت حالة فقدان الذاكرة على الأمد القصير، وكبر إيفان وهو فاقد لأجزاء معينة من ذكرياته، وغالباً الذكريات الأكثر رعباً.

من المثير للدهشة أنَّه اكتشف أنَّه قادر على عيش هذه اللحظات المفقودة مرةً أخرى باستخدام دماغه، وقد تمكَّن إيفان من تغيير هذه الذكريات من خلال اتخاذ خيار مختلف عن الخيار الذي اتخذه عندما عاش كل موقف.

شاهد بالفديو: 15 درس يجب أن نتعلمها من الحياة

يؤدي هذا إلى تغيير مستقبله تماماً ويساعده على عيش حياة مختلفة تماماً؛ إذ يحاول إيفان إعادة صياغة هذه اللحظات لتقويم أموره وأمور أصدقائه؛ لكنَّه لا يستطيع التنبؤ بنتيجة اختياراته؛ لأنَّ كل واحد منهم يرسم مستقبلاً مختلفاً تماماً.

حتى لو كان الفيلم يعتمد الخيال العلمي وموضوعات غير مستوفية لشروط البحث العلمي مثل نظرية الفوضى أو السفر عبر الزمن؛ فإنَّه يوضح قوة الخيارات تماماً، ويمكن أن يكون الخيار البسيط الذي تتخذه اليوم أساساً لكثيرٍ من الأحداث والخيارات الناتجة التي تكوِّن مستقبلك.

مثلاً قد يؤدي اختيار سرقة شيء ذي أهمية ضئيلة للغاية من السوبر ماركت إلى الشعور الفوري بالرضى بسبب عدم القبض عليك، ولكن يمكن أن يؤدي تكرار هذا الإجراء إلى تشكيل عادة سرقة منتظمة، وبعد بضع سنوات ستتحول إلى لص محترف بحيث ينتهي بك المطاف في السجن، أو يمكن أن يؤدي اختيار الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية والاهتمام باللياقة البدنية إلى تحسين الصحة عموماً.

إنَّ تكرار هذا الإجراء لسنوات من شأنه أن يساعد على تطوير إحساسك بالتفاني والالتزام والعمل الجاد، وهذه القوة يمكن استخدامها في مجالات أخرى من حياتك مثل الأمور المالية، وبعد النجاح في بناء جسم رشيق يمكنك اتخاذ قرار بشأن تأسيس شركة ناجحة عبر الإنترنت، فيمكنك تقديم نصائح ترتبط باللياقة البدنية للمبتدئين ومساعدتهم على تحسين أجسامهم، ويمكن أن يؤدي هذا إلى أرباح طائلة.

الخيارات لها عواقب، وقد تحدَّث "إم جي ديماركو" (MJ Demarco)، المؤلف ورجل الأعمال عن أهمية الخيارات وتأثير الفراشة في كتابه الأكثر مبيعاً "أسرع طريقة لتصبح مليونيراً" (The Millionaire Fastlane)، فيؤكد ديماركو أنَّ الخيارات التي اتُّخِذَت اليوم تؤثر إلى الأبد.

خياراتنا لها عواقب تتجاوز عقود، وهذا التجاوز هو القوة الفاعلة، ويعطي ديماركو مثالاً رائعاً على طريقة عمل الخيارات من خلال ربطها بكرة الغولف:

إقرأ أيضاً: استشراف المستقبل: ضرورة أم رفاهية؟

"فكر في الأمر كأنَّه مضرب الغولف الذي يضرب كرة الغولف؛ فعندما يضرب وجه المضرب الكرة تذهب بصورة مستقيمة وتتجه نحو الحفرة، ولكن عندما تدير وجه المضرب درجةً صغيرةً فإنَّ مسار حركة الكرة يبتعد عن الحفرة، وعند ضرب الكرة يكون الانحراف بسيطاً، ولكن مع ابتعاد الكرة يتسع الانحراف أكثر فأكثر حتى تصبح العودة إلى المسار شبه مستحيلة، كما قد يؤدي الخيار السيئ الذي تتخذه اليوم إلى انحراف مسارك درجة بسيطة، ولكن على مر السنين يتسع الانحراف ويزداد معه الخطأ، ويزداد تأثير اختلاف اختياراتك مع مرور الوقت إيجاباً أو سلباً.

التطبيق العملي لأثر الفراشة:

يمكن أن تشكِّل أفعالك اليوم مستقبلك كله، ويمكن أن يكون للخيار الذي يبدو غير هام تأثير ملحوظ في مستقبلك، في حين أنَّ التغيير الجزئي لهذا الاختيار يمكن أن يمنحك نتيجةً مختلفةً تماماً، ويمكن أن تدوم عواقب اختياراتك مدى الحياة، لا سيَّما الخيارات التي تتخذها عندما تكون شاباً؛ فكلما تقدمت في السن قلَّت القوة التي تتمتع بها اختياراتك وأصبحتَ أقل قدرةً على تغيير خياراتك الأقدم على الرغم من أنَّها ليست مستحيلة، ومع ذلك فإنَّ الأمر يصبح أكثر صعوبة.

يشرح ديماركو هذا جيداً: "تخيل كويكباً موجوداً في مسار التصادم مع الأرض، عندما يكون الكويكب على بعد ملايين الأميال في الفضاء (يمثل الاختيارات التي اتخذتها في مرحلة شبابك)؛ فإنَّ تغييراً بسيطاً في المسار سينقذ الأرض من الدمار، هذه هي قوة الخيارات، وعندما نكبر في السن يكون الكويكب أقرب إلى الأرض؛ ما يضعف فاعلية خياراتنا؛ أي إنَّ التغيير درجة واحدة لا يكون بالقدر نفسه من الفاعلية عندما كنا في مرحلة الشباب، ولتحقيق الفاعلية نفسها يجب أن يكون التغيير عشر درجات".

فكر جيداً قبل اتخاذ أي خيار؛ لأنَّ هذا الخيار يمكن أن يؤثر في حياتك بأكملها، هل ستكون مستقلاً مالياً في الثلاثينيات من عمرك في حين أنَّ كل ما تفعله في العشرينيات من العمر هو الذهاب إلى الحفلات والتسكع؟ هل ستحصل على الوظيفة التي تريدها إذا كنت تقضي كل يوم في مشاهدة برنامجك التلفزيوني المفضل لمدة 3 ساعات؟ هل ستحقق أحلامك إذا كنت تقضي وقتك الثمين في نشاطات لا فائدة منها؟

إقرأ أيضاً: أهمية الهدف في الحياة وطريقة اكتشافه

في الختام:

تكوِّن الخيارات غير الهامة نمط حياتك وتطوِّر عاداتك، حتى لو لم تدرك ذلك في هذه اللحظة؛ فإنَّها تؤدي دوراً هاماً في حياتك، والأمر الوحيد الذي نريده منك في نهاية هذا المقال هو الإجابة عن السؤال الآتي في كل مرة تقرر فيها القيام بشيء ما: "هل ستساعدني هذه الإجراءات أو النشاطات على تحقيق أهدافي أم سأندم على فعلها في المستقبل؟"، إذا كانت الإجابة لا؛ فإنَّ ما تنوي القيام به لا يستحق وقتك وطاقتك؛ لذلك أنفقه فيما يستحق ذلك.




مقالات مرتبطة