تأثير الحمية الغذائية في عملية الاستقلاب في الجسم

عندما يتعلق الأمر بالحميات الغذائية، فإنَّ الأبحاث تُظهِر بأنَّ غالبية الناس سيعودون إلى اكتساب بعض - إن لم يكن أغلب - الوزن الذي فقدوه، وبينما توجد بعض الأسباب لاستعادة هذا الوزن، فإنَّ بعض النظريات الشائعة على الإنترنت تقول إنَّ الحمية الغذائية الدائمة تضر بعملية الأيض، وعلى الرغم من أنَّ الحمية تتسبب في إبطاء الأيض، إلَّا أنَّها تحسن الأيض لديك من نواحٍ عدَّة.



عندما نتكلم عن الأيض، فإنَّنا نعني بذلك معدل الاستقلاب في الجسم، وهو عدد السعرات الحرارية التي يحرقها جسمك دون جهد، وبالطبع فكلَّما كنت نشيطاً أكثر، فستحرق سعرات حرارية أكثر؛ ولكي تخسر وزناً خلال الحمية يجب أن تستهلك سعرات حرارية أقل مما تحرقه، وهذا يجبر الجسم على اللجوء إلى مخزون الطاقة لديه "كالدهون" كي يعوض النقص، وسيتغير معدل الاستقلاب لديك بسبب ذلك أيضاً.

عندما تخسر النسيج القاسي "العضلات" في أثناء الحمية - وهذا يحرق نحو 15 إلى 25 سعرة حرارية لكل كيلوغرام باليوم - فإنَّ ذلك يخفض مستوى الاستقلاب لديك؛ وهذا يعني أنَّك ستحتاج إلى سعرات حرارية أقل مما كنت تحتاج إليه في السابق؛ ولكنَّ الجسم يُبطِئ بشكل متعمَّد عملية الأيض من أجل أن يتمكن من حفظ الطاقة ويخفف من عملية خسارة الوزن.

عندما يستشعر الجسم بأنَّه يفقد الدهون المخزنة، فإنَّه يبدأ بالتكيف الحراري وهي عملية تقلل من عملية الأيض التي تحدث دون جهد، وربما إعاقة فقدان الوزن على الرغم من الحمية الصارمة، يمكن أن يبدأ التكيف الحراري في غضون ثلاثة أيام من بدء الحمية الغذائية، ويُقال إنَّه يمكن أن يظل حتى بعد الحمية بوقت طويل، وحتى أن يعوق الحفاظ على الوزن ويسبب اكتساب الوزن مجدداً.

ظهر مثال على التكيف الحراري في دراسة عام 2016، والتي حظيت بشعبية واسعة؛ حيث بحثت في المشاركين السابقين للبرنامج الأمريكي "الخاسر الأكبر" (The Biggest Loser)؛ إذ أظهرت أنَّ المشاركين الذين فقدوا وزناً لا بأس به قد قلَّ لديهم معدل الأيض؛ وذلك حتى بعد سنوات عدَّة من فقدان الوزن، وكان على المشاركين أن يستهلكوا سعرات حرارية أقل بـ 500 سعرة من المتوقع يومياً.

وأظهرت دراسات أخرى أنَّ الأيض يتباطأ مع فقدان الوزن، ولكن فقط إن قلت السعرات الحرارية بشكل أكبر؛ أي نحو 100 سعرة أقل يومياً من أجل الحفاظ على الوزن، ولكن لا تتوفر معلومات كافية حول فيما إذا استمر هذا البطء بعد أن يستقر الوزن حتى الآن.

يبدو من الأبحاث أنَّ التكيف الحراري يحصل غالباً في مرحلة الحمية الفعلية كاستجابة مؤقتة لكمية الوزن الذي فُقِدَ، وعلى كلٍّ فليس لدينا دليل دامغ لدعم فكرة أنَّ معدل الاستقلاب يبقى بطيئاً على الأمد الطويل "أكثر من سنة بعد انتهاء الحمية".

ومن الجدير بالملاحظة أنَّ عوامل عدَّة يمكن أن تؤثر في معدل الاستقلاب؛ لذا فيمكن أن تختلف التغييرات التي تطرأ عليه بعد الحمية باختلاف الشخص، على سبيل المثال: أظهرت دراسة حول حميات الصيام أنَّ الأيض يضعف بالفعل كنتيجة لتلك الحميات؛ ولكنَّ الذين كانت لديهم النسبة الأكبر من الضعف في الأيض كان لديهم معدل أعلى في البداية؛ إذ يمكن أن يكون ما أثر في نتائج الدراسة هو المبالغة في تقدير معدل الاستقلاب في بداية الدراسة أو الخطأ في توقع معدل الاستقلاب بعد خسارة الوزن.

من المعروف أنَّ معدل الأيض يقل بسبب خسارة الوزن؛ وذلك بسبب تقلص حجم الجسم، وكطريقة لحفظ الأنسجة واحتياطي الطاقة، ولكن لا يوجد إجماع حتى الآن على مدى البطء الذي يحصل؛ إذ إنَّ تقدير ذلك وتوقُّعه هو أمر قيد البحث الآن في "جامعة سراي" (University of Surrey).

شاهد بالفديو: أسباب عدم حرق الدهون في الجسم

تغيرات التمثيل الغذائي:

ومع هذا، إنَّ الانخفاض في معدل الأيض هو أحد المتغيرات فقط مما يحصل خلال عملية فقدان الوزن.

عندما تفقد الوزن، فالتغيير الرئيس الذي ستراه هو النقص في دهون الجسم؛ وهذا النقص هو في الحقيقة خلايا دهنية تتقلص في الحجم ولكنَّها لا تختفي، وهذا التقلص في الخلايا الدهنية يشير إلى أنَّ طاقة الجسم الاحتياطية تنفد؛ وهذا يسبب هبوطاً في هرمون "اللبتين" (leptin). يُثبِّت اللبتين عادةً الشهية ويزيد من معدل الأيض، ولكن عندما تهبط معدلات اللبتين، فإنَّ معدل الأيض يتراجع ويزيد الجوع.

وتفرز الأمعاء أيضاً "إنكريتين" (incretin) أقل؛ وهو هرمون ينظم الشهية عندما نفقد الوزن، والذي يمكن أن يستمر حتى بعد الحمية، ويجعلنا اللبتين المنخفض والإنكريتينات القليلة نشعر بالجوع أكثر ويمكن أن يؤدي إلى التخمة.

عندما تنكمش الخلايا الدهنية، تصبح أكثر قدرة على امتصاص الغلوكوز وتخزين دهون بشكل كافٍ أكثر لتساعد على استعادة الطاقة المفقودة، وسيُنشِئ جسمك أيضاً خلايا دهنية أكثر لكي تتمكن من تخزين الدهون في المستقبل لتتأقلم مع "أزمة" السعرات الحرارية عندما تحصل في المرة القادمة.

المفارقة أنَّ هذه التغيرات تؤدي إلى أيض صحي وفعال أكثر، على سبيل المثال: فإنَّ الخلايا الدهنية الأصغر هي أفضل لصحتك، والخلايا الدهنية "المريضة" المتضخمة لا تعمل على التخلص من فائض السكر والدهون؛ إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى مستويات عالية من السكر والدهون في الدم، تزيد من خطورة مقاومة الأنسولين ومرض السكري وأمراض القلب.

لذا فإنَّ الحمية الغذائية لا تتلف الأيض لديك؛ ولكنَّها تساعده على العمل بشكلٍ أفضل، ولكن إن لم نعتنِ بذلك، فإنَّ تحسُّن الأيض يمكن ألَّا يكون لصالحك لتستعيد الوزن الذي فقدته، وحتى أن تكسب أكثر من وزنك الأصلي.

تُظهِر الدراسات بأنَّ التمرين أو - بسهولة - النشاط الجسدي يمكن أن يمنع إعادة اكتساب الوزن، ومع تحسن قدرتنا على المحافظة على وزننا يضع هذا حداً لإبطاء عملية الأيض، ويمكن أن يساعد التمرين على تنظيم الشهية ويدعم حرق الدهون على الأمد القصير ويمكن أن يجعل خسارة الوزن أكثر استمرارية على الأمد الطويل.

المصدر




مقالات مرتبطة