بناء ثقافة تنظيمية تركز الاهتمام على الموظفين لتعزيز تفاعلهم

توجد مجموعة كبيرة من الأبحاث التي تُظهِر أنَّ المؤسسات التي يعمل بها موظفون متفاعلون للغاية لديها نسبة تغيُّب عن العمل أقل بـ 37%، وإنتاجية أعلى بنسبة 21%، ولديها دخل أكبر بنسبة 19% من الشركات التي يعمل موظفوها معظمهم دون ترابط وتفاعل؛ وهذا يجعل مشاركة الموظف والإجراءات التي يمكن للمؤسسات اتخاذها للتأثير في هذه المشاركة في قمة اهتمامات كل مؤسسة اليوم، وخاصةً عندما تأخذ في الحسبان أنَّه قبل أربع سنوات قدَّرت شركة "غالوب" (Gallup) للتحليل والاستشارة أنَّ المشاركة المنخفضة تكلف أرباب العمل في الولايات المتحدة وحدها خسائر تصل إلى 550 مليار دولار سنوياً.



إنَّ إحدى أهم المجالات التي يحتاج قادة اليوم إلى النظر فيها لتعزيز المشاركة هي الثقافة التنظيمية في الشركات؛ فوفقاً لنظرية "تعديل العمل" (Theory of Work Adjustment) التي توصلت لها، فإنَّ خصائص بيئة العمل مثل الثقافة التنظيمية لها تأثير مباشر في كل من مشاركة الموظفين ورضاهم، وإنَّ التوفيق بين خصائص بيئة العمل مثل الثقافة التنظيمية مع خصائص الفرد مثل الاحتياجات والاهتمامات والقيم، لها تأثير قوي يساهم في تعزيز المشاركة، ووفقاً لبحث أجرته شركة "سي إي بي" (CEB)، فإنَّ بناء ثقافة تنظيمية سيوفر على الشركة 67 مليون دولار سنوياً مقابل كل 5000 موظف.

في حين أنَّ أيَّة منظمة ستغتنم الفرصة لتحقيق هذا التحسن في الأرباح، إلَّا أنَّ معظمها لا يعرف من أين يبدأ، وقد تبدو المواءمة بين الثقافة الفردية والثقافة التنظيمية بمنزلة تحدٍ شاق، ولكن يمكن تحقيق ذلك من خلال اتِّخاذ إجراءات ملموسة قد تتضمن:

  • تحديد ثقافة مكان العمل بوضوح.
  • إجراء استطلاع للموظفين لفهم كل فرد منهم فهماً أفضل لمساعدتهم على الشعور بالتمكين والحيوية.
  • تطبيق برامج تُقيِّم وتحدِّد المجالات التي يمكن فيها لكل موظف إجراء تغييرات ذات مغزى تجعلهم يتماشون مع ثقافة المنظمة.

معنى الثقافة القوية في مكان العمل:

أفاد استطلاع حديث أجرته مؤسسة "كورن فيري" (Korn Ferry) أنَّ 32% من المديرين التنفيذيين فقط قالوا إنَّ ثقافتهم تتماشى مع استراتيجية أعمالهم؛ وهذا قد يفسر عدداً من المؤشرات التي تدل على ضعف الأداء، ولكن لا ينبغي أن تتفاجأ كثيراً، فإذا طلبت من أي مسؤول تنفيذي أن يُعرِّف تناقص أعداد العملاء أو توقعات المبيعات، فستكون لديه إجابة سريعة وواضحة، ولكن إذا طلبت منه تحديد الثقافة التنظيمية، فلن يكون بالسرعة نفسها.

تَقوى الثقافة عندما ينسجم كل ما يؤمن به الناس ويقولونه ويفعلونه انسجاماً تاماً؛ ويمكن عَدُّ لعبة يُعطى فيها للأفراد هدف وقواعد وتغذية راجعة ويختارون بأنفسهم المشاركة فيها جزءاً غايةً في الأهمية؛ لأنَّه من أجل التأثير في ثقافة ما؛ يحتاج الناس إلى التفاعل معها بدلاً من الاكتفاء بالأخذ منها، وتشبه القضية الفكرة التي طرحها الرئيس الأمريكي الأسبق "جون كينيدي" (John Kennedy) حينما قال: "لا تسأل ما الذي في إمكان بلدك فعله لأجلك؛ بل اسأل ما الذي تستطيع أنت أن تفعله لبلدك".

إقرأ أيضاً: 3 دروس حول الثقافة التنظيمية نتعلمها من غرفة الطوارئ

التوفيق بين الثقافة والفرد:

وجد موقع "غالوب" أيضاً أنَّ 13% من الموظفين فقط أفادوا بأنَّهم مترابطون عاطفياً مع وظائفهم، ولكن توجد الكثير من الأمثلة على الشركات التي أنشأت ثقافة للمشاركة وأنجزت ذلك ببراعة، وتتمثل إحدى الخطوات الأولى نحو تحقيق ذلك في خلق بيئة يرى فيها الموظفون أنَّهم يمتلكون من القوة والطاقة ما يدفعهم إلى الوقوف جانب الشركة.

من الأمثلة على الثقافة القوية التي غالباً ما تتبادر إلى الذهن هي شركة الخطوط الجوية "ساوث ويست" (Southwest Airlines)، التي يخالف نهجها الوضع الراهن في عالم الشركات؛ إذ يُنظَر فيه إلى الأمن والتوظيف والرضى الوظيفي على أنَّه يتعارض مع الربح.

تحقق هذه الشركة ذلك من خلال تشجيع الموظفين على أن يكونوا مبتكرين ومتواصلين ومتفهمين ومهتمين وأصحاب شخصيات مميزة من خلال اتخاذ خطوات حقيقية لفهم شخصية كل موظف؛ فعندما تفهم الشركة كيف يفضِّل موظفوها التفكير والتصرف والتواصل، تصبح أكثر قدرة على مساعدتهم بشكل أكثر فاعلية على فهم ثقافة الشركة الإجمالية والمساهمة بأفضل ما لديهم على الإطلاق.

برنامج مستشفى القديس لوقا:

توجد شركة أخرى نجحت في التوفيق بين الثقافة والأفراد من خلال نهج مختلف قليلاً؛ وهي "مستشفى القديس لوقا وشبكته الصحية" (St. Luke’s Hospital & Health Network)، حيث تؤكِّد هذه المنظمة التي تتخذ من ولاية "بنسلفانيا" مقراً لها على ثقافة حيوية القوى العاملة؛ إذ يشعر القادة والموظفون والمتطوعون جميعهم بالتقدير من جميع المستويات؛ إذ إنَّهم ينظرون إلى أنفسهم كداعمين للشركة ويرون المؤسسة ربَّ العمل المفضل.

ومن أجل تعزيز هذا النوع من بيئات العمل؛ أجروا سلسلة من الاستطلاعات لتقييم تصورات الموظفين لأداء المديرين، وحدَّدت الاستطلاعات أنَّ 25% من الموظفين الإداريين بحاجة إلى تحسين، ووُضِعوا في برنامج مصمَّم لرفع درجاتهم لتتساوى مع المديرين الأعلى أداء من خلال:

  • توقيع تعهد للالتزام بالتحسين؛ وهذا يُظهِر فهمهم لأنَّهم مسؤولون عن إحراز التقدم.
  • إجراء سلسلة من التقييمات النفسية، التي قدَّمت نظرة ثاقبة لنقاط القوة والضعف المختلفة والسلوكات المحددة التي يمكن تعديلها للتواصل مع فرقهم بشكل أفضل.
  • الاجتماع مع رؤساء أقسام الموارد البشرية على أساس فردي لصياغة خطط التنمية الفردية، مع اقتراحات من المشرفين عليهم.
  • المشاركة في جلسات التدريب الفردية التي تركز في زيادة معرفتهم الذاتية، والتي تتضمن المعلومات المُستقاة من التقييمات، فعلى سبيل المثال، إن أشارت إحدى التقييمات إلى درجة عالية من الهيمنة، فقد يركز التدريب في كيفية قيام المدير بتعديل سلوكه للحصول على تغذية راجعة صريحة وصادقة من فريقه بسهولة أكبر.

عند مرور ستة أشهر أعاد المستشفى إصدار الاستطلاعات، تبيَّن أنَّ 85% من المديرين حققوا تقدماً ملحوظاً في بعض المجالات مثل التواصل وإدارة التوتر والرؤية البعيدة، وقد عززت هذه الإجراءات من معدلات رضى الموظفين ومستويات المشاركة.

شاهد بالفديو: 6 طرق للحفاظ على الحماس وإثارة إلهام الآخرين في العمل

التنوع وإدارة التغيير:

وجد استطلاعٌ أنَّ إدارة التغيير هي أصعب جزء يحتاج إلى المعالجة في الثقافة التنظيمية؛ إذ ذكر 22% أنَّها المشكلة الأكثر تحدياً، كما احتلت الثقة والاحترام والمساءلة والتنوع مكانة عالية في إجابات المشاركين؛ إذ إنَّ هذا الأخير هام للغاية، فمن المرجح أن تصبح شركات الغد أكثر تنوعاً.

عليك إنشاء ثقافة توحِّد مجموعة من الناس قد يأتون من مناحٍ مختلفة جذرياً في الحياة؛ ووفقاً للدكتور "بيت هاميت" (Dr. Pete Hammett)، مدير الموارد البشرية في شركة "أوكلاهوما للغاز والطاقة" (Oklahoma Gas & Energy)؛ عليك أن تبدأ تقديم مرآة واضحة وصافية للفرد لمساعدته على اكتساب رؤية واقعية عن نفسه ومن حوله ويعرف ذاته الحقيقية، فبمجرد أن يبدأ الناس فهم ذلك، سيبدؤون رؤية ما هو مشترك بينهم مع أشخاص من خلفيات مختلفة، ويبدؤون تكوين أساس لسد جميع أنواع الفجوات بينهم؛ إذ عندما تُبنى المنظمات الأكثر تنوعاً بثقافة قوية في مكان العمل، يمكنها تحقيق إنتاجية أعلى؛ وهذا بدوره يعزز النتائج النهائية.

المصدر




مقالات مرتبطة