اليتيم في الإسلام وفضل كفالته والإنفاق عليه

الإسلام دين الرأفة والتسامح ونصرة المظلوم؛ ولذلك فقد أوصى الإسلام باليتيم ودعا إلى كفالته وتقديم الرعاية له، وقد وُعِدَ الكافل بالأجر والثواب العظيمين، وفي هذا المقال سنتعرَّف أكثر إلى اليتيم في الإسلام وفضل كفالته والإنفاق عليه.



أولاً: من هو اليتيم؟ وماذا تعني كفالة اليتيم؟

يُقصد باليتيم لغةً: الفرد من الشيء أو الشيء الذي ليس له نظير. أما اليتيم اصطلاحاً: فهو انفصال الطفل عمَّن يرعاه، واليتيم في الإسلام هو من فقد والده قبل سن البلوغ؛ أي دون بلوغ مرحلة الحُلُم، وتزول صفة اليتم عن الشخص بمجرد بلوغه.

كفالة اليتيم مصطلح يُقصد به الإنفاق على اليتيم، ورعايته، والاهتمام بمصالحه، وتأمين السكن والطعام والشراب واللباس له، والوصاية على ماله طلباً لرضى الله عز وجل ورضى رسوله الكريم، وقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتيماً؛ إذ توفي والده قبل ولادته، وتولى أمر رعايته والاهتمام به جده "عبد المطلب"، وعندما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم عامه الثامن توفي جده، ولكنَّه قبل ذلك كان قد أوصى ابنه "أبو طالب"؛ أي عم الرسول أن يكفله ويعتني به، وقد أدى "أبو طالب" الأمانة بكل حب وقدم للرسول كل الرعاية والاهتمام.

من الجدير بالذكر الإشارة إلى معنى كلمة وصي؛ والوصي هو الشخص الذي يعيِّنه القاضي للوصاية على مال اليتيم، أو هو الشخص الذي يعيِّنه الأب قبل وفاته لرعاية أموال فاقد الأهلية أو القاصر من أبنائه.

ثانياً: ما هو فضل كفالة اليتيم؟

اليتيم شخص ضعيف وليس لديه من يحن عليه وينتبه إلى شؤونه ويقدم له الاهتمام والرعاية التي يحتاجها، وانطلاقاً من مبادئ الإسلام العظيمة التي تقوم على نصرة المظلوم وتقديم المساعدة ونشر المحبة والسلام في المجتمع، فقد جعل الله سبحانه وتعالى لكافل اليتيم أجراً كبيراً وثواباً عظيماً، وقد دلَّ على ذلك حديث "سهل بن سعد" قال: قال رسول الله ﷺ: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين"، وأشار بالسبابة والوسطى وفرَّج بينهما، فقد ساوى الرسول بينه وبين كافل اليتيم وأعطاه شرف مرافقته إلى الجنة.

تتم كفالة اليتيم بجعله ينضم إلى أفراد أسرة الكافل ويصبح جزءاً منها، فيعيش في منزله وبين أبنائه، ويشرف الكافل على تأديبه وتربيته حتى يكبر ويبلغ ويصبح قادراً على الاهتمام بنفسه والاعتناء بأموره، وهذا النوع من الكفالة كان سائداً في عصر الصحابة.

هناك شكلٌ آخر للكفالة وهو الشكل السائد في عصرنا اليوم، لكن ليس لهذا الشكل المكانة الشكلية ذاتها التي يحظى بها الشكل الأول؛ إذ يقوم الكافل بتخصيص جزء من المال للإنفاق على اليتيم الذي يعيش بشكل بعيد ومنفصل عن أسرة الكافل، فقد يكون اليتيم في بيت أحد أقاربه أو في مأوى الأيتام، وبهذا الشكل يؤمِّن الكافل كل الحاجات الأساسية لليتيم من مأكل ومشرب وملبس وتعليم؛ إذ يرسل المبلغ المتفق عليه والكافي لليتيم إلى من يرعى اليتيم، وعلى الرغم من كون هذه الكفالة أقل درجة من حيث الشكل من الكفالة الأولى، إلا أنَّ الكافل ينال منها أجر الكفالة ذاته.

هناك أيضاً شكل آخر للكفالة؛ إذ يرسل الشخص مبالغ مالية لمأوى الأيتام للمشاركة في الإنفاق على اليتامى، فإذا كان المال كافياً نال الشخص أجر الكفالة، وإن لم يكن كافياً فله أجرٌ عظيم.

لكفالة اليتيم الكثير من الفضائل على الكافل والمجتمع، وسنعدد منها:

  1. إذا كان اليتيم من الأقارب فإنَّ الله سبحانه وتعالى يضاعف الأجر والثواب، فالكافل في هذه الحالة يأخذ أجر الكفالة وأجر إيتاء ذي القربى أيضاً.
  2. الكافل الذي يضم شخصاً غريباً ضعيفاً إلى أفراد أسرته ليهتم به ويرعاه، فسوف يلين قلبه وتزول القسوة من نفسه، ويصبح أكثر حناناً ورأفةً.
  3. انتشار المحبة والرأفة بين أفراد المجتمع وانتشار جو من الألفة والمحبة بين الناس.
  4. البركة لصاحب المال الذي تطهره الكفالة عندما يصرف جزءاً منه على شخص في أمس الحاجة إليه.
  5. تعزيز الصفات الكريمة ونشر الأخلاق التي دعا إليها الإسلام وشجع عباده على اتباعها.
  6. الكفالة دليلٌ حقيقيٌّ ومؤكَّدٌ على فطرة الإنسان الطيبة والسليمة التي وُلد بها.
  7. مرافقة النبي الكريم في الجنة وهذا الأجر ليس أجراً قليلاً للمسلم الذي يجب أن يعمل بكل جهده لينال شرف محبة الرسول الكريم له، فكافل اليتيم قد كرمه الله وجعل له مكانةً قريبةً من النبي.
  8. دليلٌ على حب الكافل للرسول صلى الله عليه وسلم والعمل الحثيث على رضاه والسير على خطاه وتعاليمه.
  9. مباركة الله لمال ورزق الكافل وأسرته.
  10. النجاة يوم القيامة، ولعلَّ هذا الفضل من أعظم الفضائل لكفالة اليتيم.

ما هو الفرق بين كفالة اليتيم والتبني؟

حُرِّم التبني في الإسلام وهو من الأفعال التي يراها الإسلام خاطئة لأسباب عدة ومنها ضياع النسب، ففي التبني يُنسب المُتبنَّى إلى عائلة الشخص الذي تبناه، كما يُحلَّل في التبني إلحاق النسب لغير الأب الحقيقي، وفي التبني زواج اليتيم من بنات المتبني حرام، وهذا تحريمٌ لما حلله الإسلام.

لن ننسى المشكلات التي تحدث في أمور الميراث؛ إذ يحق للمتبنَّى الميراث مثله مثل أبناء المتبني من صلبه، وفي هذا تحليل لما حرَّم الإسلام الذي حصر الميراث بأبناء الرجل من صلبه. وفي حالة كفالة اليتيم لا يُنسب اليتيم لنسب الكافل فهو يحتفظ بنسبه ويحلُّ له ما أحلَّ الله ويُحرَّم عليه ما حرَّم الله.

شاهد: أحاديث الرسول محمد ﷺ عن الأخلاق

ثالثاً: ما هي حقوق اليتيم؟

كفالة اليتيم ليست بالأمر السهل؛ بل يترتب على الكافل ونتيجةً لكفالته الكثير من الحقوق التي يجب أن يؤديها لليتيم، ومن هذه الحقوق:

  1. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ۝ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ۝}. [سورة الماعون، الآيات:1-2]، وفي هذه الآية كلام واضح ودليل على أنَّ قهر اليتيم وإيذاءه والتعامل معه بشكل سيئ ليست إلا تصرفات سيئة، وتأتي درجة سوئها بعد التكذيب بالدين.
  2. التدخل في اليتيم وحياته لكن ليس بطريقة فظَّة؛ بل لإصلاحه وهدايته وتقويته وتربيته وعدم تركه على هواه.
  3. عدم احتقار اليتيم أو التكلم معه بشكل سيئ أو نعته بألفاظ جارحة؛ بل يجب على الكافل إشعاره دائماً أنَّه واحدٌ من أبنائه وحبه له كحبه لهم، وفي هذه الحالة سيكبر اليتيم ويصبح شخصاً صالحاً وفاعلاً في المجتمع.
  4. حفظ مال اليتيم وعدم خلط أمواله مع مال الكافل الخاص حتى لا يضيع حق اليتيم في ماله، ولن ننسى أنَّ أكل مال اليتيم من أكبر الكبائر في الإسلام.
  5. الوصاية على مال اليتيم وممتلكاته إن وُجدت وعدم التصرف بها حتى يبلغ، ويصبح قادراً على التصرف بماله.
  6. من واجب الكافل أن يكون كريماً عليه ويطعمه حتى يكفيه ويضمن له نمواً صحياً، كما يجب تزويده بما يحتاجه من ملبس وتأمين السكن المناسب حسب طريقة الكفالة التي يتبعها.
  7. يجب على الكافل أن يتعهد بتعليم اليتيم وإرساله إلى المدرسة.
  8. لا يجب على كافل اليتيم إهمال تربيته أو السماح له برفقة رفاق السوء أو السماح له بالانسياق وراء الرغبات والأهواء والملذات.
  9. تقديم الحب والحنان والدعم النفسي لليتيم لتعويضه عن كل ما مرَّ به من فَقْد وحرمان عاطفي وحزن في حياته.
  10. بالنسبة إلى اليتيمة، فعند بلوغها سن الزواج لا يجب التقليل من شأنها؛ بل يجب على كافلها أن يتعامل مع مهرها كما يتعامل مع مهر بناته.
  11. يجب على الكافل مساعدة اليتيم على اتخاذ القرارات وحل المشكلات، وتربيته بشكل يكون قادراً فيه على تحمُّل المسؤولية، ومساعدته بتقديم النصح والإرشاد والمشورة بشكل دائم.
  12. محاولة إدخال السعادة والفرح إلى قلب اليتيم، وعدم التفاخر والتعالي عليه، واتباع أساليب التربية القائمة على التفاهم والإصلاح والتأديب بالطرائق المناسبة بعيداً عن الضرب والإهانة والعنف.
إقرأ أيضاً: 8 من أهم أعمال الخير في رمضان

رابعاً: ما هي شروط كفالة اليتيم؟

لا يمكن أن تتم عملية كفالة اليتيم بشكل اعتباطي ودون أي شروط؛ بل يجب على الكافل الالتزام بالعديد من الشروط ، ومنها:

  1. على كافل اليتيم أن يتعهد بإطعام اليتيم من مال حلال والابتعاد عن إطعامه والإنفاق عليه من مال حرام أو من مصدر مشبوه.
  2. لا يحق لكافل اليتيم التصرف بمال اليتيم إلا الأمور التي تخصه وتحقق مصالحه ولما فيه خيره وفائدته، فالمال مال اليتيم وعلى الكافل أن يتعهد بعدم المساس به، وهذا شرط لا لبس فيه فأكل مال اليتيم من أعظم الكبائر عند الله.
  3. لا يجب على الكافل أن ينسب اليتيم إلى اسمه؛ بل عليه أن يحافظ على نسبه واسمه، فالكافل يهتم ويرعى اليتيم طلباً لرضى الله سبحانه وتعالى، وليس لأي سببٍ آخر.
  4. على الكافل أيضاً أن يتعهد بتعليم اليتيم وتأديبه وتقديم الرعاية الصحية له والمساعدة حتى يكبر ويؤسس حياته الخاصة.
إقرأ أيضاً: الأمانة في الإسلام: تعريفها، وفضلها، وأشكالها، والأحاديث الواردة عنها

في الختام:

اليتيم شخصٌ فَقَدَ أفراد أسرته؛ لذلك فهو يحتاج إلى الحب والرعاية والاهتمام حتى يكبر ويصبح عضواً فاعلاً في المجتمع، وشخصاً نزيهاً متمتعاً بأخلاق الإسلام العظيمة، ولهذا فقد شدد الإسلام كثيراً على أمر رعايته والاعتناء بشؤونه ووعد كافله بأفضل أجر، ومن يظلمه بالعقاب الشديد؛ وذلك لأنَّ بناء الإنسان في نهاية المطاف هو بناء لمجتمع بأكمله، وهذا أمرٌ لا يجهله الدين الإسلامي.

المصادر: 1،2،3




مقالات مرتبطة