الوقوف في وجه التحديات: نحن أكثر مما نفعله

قبل أحد عشر عاماً وفي عيد ميلادي، طُرِدتُ من منصبي ككوتش رياضي؛ حيث أتذكر عندما دخل عليَّ مديري وأنا في مكتبي وقال: "أنت تتحمل كامل مسؤولية عدم فوزنا بالبطولة على مستوى الجمهورية؛ لذا قررتُ إجراء تغيير، وسنتخلى عن خدماتك". ثمَّ ناولني ورقة العقد وخرج من المكتب.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب ومستشار الأداء "جون بروبيكر" (John Brubaker) والذي يُحدِّثنا فيه عن عدم الاستسلام والوقوف في وجه التحديات.

كانت المفارقة في ذلك أنَّ مديري لطالما أحبَّ الاحتفال بعيد ميلاد كل موظف في قسمنا وإقامة حفلة له وإحضار كعكة عيد الميلاد وتقديم الهدايا له، لكنَّني حُرِمتُ في عيد ميلادي من كل ذلك، إلا أنَّني أدركتُ لاحقاً أنَّ مديري قد أعطاني هديةً في ذلك اليوم المشؤوم؛ لقد أهداني حياةً جديدةً، ففي ذلك اليوم وُلِدتُ من جديد، لهذا السبب عندما أحتفل بعيد ميلادي أحتفل أيضاً بيوم ولادتي الجديدة تلك، وهذا ما يجب على الجميع فعله.

لم أدرك هذا الأمر حتى ذلك اليوم؛ لأنَّني كنتُ محطَّماً وبحاجة إلى إيجاد معنىً لحياتي، ولمدة 12 عاماً، طُمِسَت معالم هويتي بسبب عملي، فعندما نقول لأنفسنا إنَّنا نتيجة ما نفعله، فإنَّنا نسمح لمهنتنا بالاستحواذ على القسم الأكبر من هويتنا، وإذا كان ما تفعله يُحدِّد هويتك، فتصوَّر ماذا سيحدث لك عندما تكف عنه، وكيف ستملأ ذاك الفراغ الذي تركَته هويتك عندما تخسرها، لهذا السبب عليك بدء حياة جديدة وتجربة ولادة جديدة.

من خلال التغذيات الراجعة الصادرة عن عملائي وقرَّائي الكوتشز التنفيذيين، تعلَّمتُ أنَّ الانجرار وراء المبالغة في تحديد مَن نحن وما نقوم به هو مسألة تواجه الجميع، حيث يتعرض العديد من الموظفين للمصائب في حياتهم المهنية مثل: إنهاء الخدمة أو خفض الرتبة، فيكون ذلك موتاً وولادة جديدة لمسيرتهم المهنية، ويحدث ذلك عادةً على ما يبدو للأشخاص بين سن 35 إلى 45، ولكن لا يدرك الدور الهام للمصاعب إلا القليل من الناس.

توصَّلَت دراسةٌ طوليةٌ أجراها الباحث "أندرو كلارك" (Andrew Clark) إلى أنَّ البطالة هي الحدث الرئيس الوحيد في الحياة الذي لا يتعافى الناس منه كلياً إلا بعد خمس سنوات، وأجرى فريقه البحثي دراسةً شملَت 130 ألف شخص لعقود عدَّة، ووجدوا أنَّه يمكِن التعافي أسرع بعد وفاة الشريك مقارنةً بفقدان الوظيفة، أليس هذا سبباً مقنعاً لعدم المبالغة في حصر هويتك بما تفعله؟

شاهد بالفديو: 7 أمور يجب أن تتوقف عنها لتبدأ حياة جديدة

يضع مجتمعنا تصنيفات على الأشخاص ويعرِّفونهم بناءً على عملهم وليس شخصهم، وهذه عادةٌ متأصلة فينا؛ فنحن بمجرد أن نتعرَّف إلى شخص، يكون أول سؤال نسأله إياه عن عمله، مع أنَّنا نقضي ثلث حياتنا فقط في العمل، لكنَّ هذه هي الطريقة الأولى للتعريف بأنفسنا.

لقد فتحَت إقالتي من وظيفتي عينيَّ على أمور أبعد من العمل؛ فعندما أعود إلى الماضي لأتذكَّر الحادثة، أُدرِك أنَّني كنتُ أعاني من أزمة هوية، ومن الأمور التي اكتشفتُها عندما كنتُ أعمل كوتشاً أنَّ هناك الكثير من الناس الذين يعتقدون أنَّ ليس بإمكانهم العمل في مهنة غير مهنتهم، فعندما كنتُ أزاول تلك المهنة، اعتقدتُ أنَّ هذه هي الطريقة التي يصنف بها الناس أنفسهم، ولكن بعد أن تركتُ العمل، علمتُ أنَّ التصنيف هذا مؤذٍ مهنياً للكثير من الموظفين.

تصبح تصنيفاتنا إحدى ركائز هوياتنا، فلقد ساعد فصلي من وظيفتي وحرماني منها في إدراك أنَّ التصنيف الوحيد الذي أرغب به هو أن أكون الزوج والأب والابن، فهذه هي حياتي وهويتي، أما وظيفتي أياً كانت، فهي ما أفعله لأكسب رزقي، ولا يعني هذا أنَّني لا أحب حياتي المهنية، فحتى لو ربحتُ اليانصيب، لن أتخلى عن عملي.

أنا أشجعك على تغيير نظرتك لعملك، فهو دور نؤديه تماماً مثل الممثلين؛ حيث نرتدي الزي ونصعد على خشبة المسرح ونؤدي عروضنا، ثمَّ نعود وراء الكواليس في نهاية العرض. وإنَّ أفضل طريقة لتكون قادراً على الفصل بين العمل والحياة الخاصة هي إنشاء طقوس انتقالية عند مغادرة العمل؛ فهذا السلوك الرمزي يُمثل انتقالك من مشرف في العمل إلى أم أو أب في المنزل.

إقرأ أيضاً: 6 طرق تُساعدك على تجاوز المحن والصعاب

لدى إحدى عملائي طريقة في هذا الانتقال، حيث تقفل أبواب سيارتها بعد أن تقف في مرآب المنزل كطقس انتقالي قبل أن تدخل المنزل وتمارس دورها الآخر كأم، كما يحتفظ عميل آخر بحذاء التنس الخاص به تحت مكتبه، فعندما يغادر المكتب، يخلع حذاء العمل ويرتدي حذاء اللعب كي يكون مستعداً للعب مع أطفاله عندما يعود إلى المنزل. أحب هذا النوع من الطقوس لأنَّها تُذكِّرنا بدورنا، بعبارة أخرى: لا تقحم العمل في المنزل، وكن حاضراً مع أحبائك عندما تعود إلى المنزل قلباً وقالباً.

من خلال التواصل مع ذاتي الداخلية الرياضية، تكون طقوسي الانتقالية هي نفسها التي استخدمتُها في الكلية كرياضي ويستخدمها الرياضيون الذين درَّبتُهم بعد المباراة، وبدلاً من الزي الرياضي، أرتدي الآن زي العمل، وفي نهاية اليوم أُلقي به في سلة الغسيل وأستحم، فأغسل بذلك مشكلاتي وتوتري الذي تعرَّضتُ له خلال اليوم قبل أن أرتدي ملابسي للخروج مرة أخرى، وبهذه الطريقة أتخلص من جميع المشكلات والتوتر والتحديات في نهاية اليوم.

أنا لستُ كوتشاً؛ بل شخصاً يدرب رواد الأعمال، وأنت لستُ رائد أعمال؛ بل شخصاً يمارس ريادة الأعمال، فلا تُحدَّد قيمتك الذاتية من خلال الإنجاز المهني وحده، فأنت أكثر من ذلك بكثير، قدِّر نفسك على ما أنت عليه، وليس لما تفعله.

المصدر




مقالات مرتبطة