الوصول إلى جذور المشكلات ودور القادة في حلِّها

هناك فرق شاسع بين الاكتفاء بمعالجة جانب من المشكلة وبين الوصول إلى جذورها بهدف القضاء عليها من أصولها؛ وهذا دور رئيس للقادة، وهذه المهارة حيوية وخاصة للقياديين في المؤسسات.



عندما يواجه معظم الناس مشكلة؛ فإنَّهم يركزون على معالجة الأسباب البارزة للمشكلة، تماماً كالذي ينظر إلى الأغصان المتشعبة الظاهرة من الشجرة، مما يؤدي إلى حل المشكلة حلاً سطحياً وظاهرياً بدون الوصول إلى الجذر الذي تسبَّبَ في حدوثها، فلن يوفر اتباع هذا النهج حلاً طويل الأمد لأي مشكلة قد تواجهها؛ وذلك لأنَّه عندما تُهمَل جذور المشكلة، ستستمر المشكلة في التكرار؛ لذا سنتطرق في هذا المقال الهام إلى مجموعة من الأدوات والتقنيات التي يمكنك استخدامها لتحديد جذور المشكلة.

كيف تُحدد جذور المشكلات؟

قبل أن ننتقل إلى الموضوع اسمحوا لي أن أشارككم قصة قصيرة؛ يقول أحدهم: "في أثناء دراستي الجامعية وفي مرحلة البكالوريوس خصوصاً، كنت في مدينة جديدة، وذهبت إلى رؤية طبيب؛ حيث كنت أعاني من حمى شديدة لازمتني في اليومين السابقين للزيارة، بعد أن فحصني الطبيب، خلُص إلى أنِّي مصاب بحمى الملاريا، ووصف لي بعض الأدوية والتي تعافيت بعدها، وعدت إلى الجامعة في غضون يومين؛ حقيقةً أنا لا أصاب بالأمراض كثيراً وعادةً ما أعتني بنفسي جيداً، وعلى الرغم من ذلك؛ عادت الأعراض نفسها في غضون شهر، وأعطاني الطبيب مرة أخرى الأدوية نفسها، وبمجرد أن أصبحت أفضل، طلبتُ منه نصيحة حول كيفية إيقاف تكرار هذه الحمى، وكانت الإجابة التي قدمها الطبيب بسيطة ومباشرة: حافظ على محيطك خالياً من البعوض.

قد تعتقد أنَّ الأمر بسيط حقاً، فلماذا لم أدرك ذلك سابقاً وأتعامل معه وفقاً لهذا المنطق البسيط، ما الذي حدث؟ الذي حدث فعلاً أنَّني كنت أبحث عن علاج للأعراض وليس للأسباب، فعندما تريد القضاء على المرض، يجب عليك تحديد الأسباب وإزالتها".

والذي نحاول طرحه في هذه القصة؛ بكل بساطة للتخلص من مشكلة ما أو حلها حلاً كاملاً، من الضروري الوصول إلى جذورها، وهذه المهارة محور حديثنا في هذا المقال.

شاهد بالفيديو: 7 أساليب فعالة يستخدمها الأشخاص الأذكياء لحل المشكلات

تحليل السبب الجذري (RCA- Root Cause Analysis):

بالعودة إلى القصة الواردة أعلاه؛ فإنَّ جذر المشكلة وجود محيط غير صحي بالقرب من منزل الطالب، وبمجرد أن يحافظ الطالب على نظافة البيئة المحيطة، ويقضي على البعوض؛ يتوقف تكرار المرض أو يقل بدرجة كبيرة جداً، فتحليل السبب الجذري للمشكلات طريقةٌ للوصول إلى السبب الأساسي للمشكلة.

عندما يتخلص القائد من جذور المشكلة، فإنَّه يضمن عدم تكرارها أو التقليل من تكرارها، فهذه هي الغاية الرئيسة من تعلُّم هذه الأدوات؛ حيث إنَّ تكرار المشكلات مرة بعد مرة دليل على عدم تعلُّمنا من أخطائنا وعدم قدرتنا على الوصول إلى جذور المشكلة.

أهمية تحليل السبب الجذري للمشكلات:

تجبرنا بيئة الأعمال سريعة الخطى المؤسسات على الابتكار باستمرار، كالابتكار في كلٍّ من المنتجات والعروض الترويجية والخدمات، ومثال على ذلك: منظمة رائدة تُدير سلسلة مطاعم ولديها منافذ بيع متنوعة، وتنمو بوتيرة ثابتة، وتتوسع جغرافياً أيضاً، ومع ذلك تعاني من قلة رضا العملاء وحتى المخلصين منهم؛ والمصدر الرئيس للقلق هو شكوى العملاء من جودة منتجاتهم.

فماذا فعلت المنظمة؟ أجرت المنظمة مراجعةً سريعةً وسطحيةً للمشكلة، فوجدوا أنَّهم بحاجة إلى زيادة في إثراء الطبقة العلوية من البيتزا الأكثر الشعبية في قائمة طعامهم؛ فاتجه تركيزهم إلى هذا الحل، وقدَّموا المنتج الجديد في السوق مرة أخرى وأظهروا الميزة الجديدة للعملاء في إعلاناتهم أملاً في كسب رضا العملاء، وكانت النتيجة مزيداً من الشكوى والسخط، والأسوأ من ذلك ظنَّ العملاء أنَّ هذه المنظمة لا تعرف حقاً ما الذي يناسب عملاءها وكيف تُحقِّق رضاهم.

تذكَّر موضوعنا جيداً؛ ليس من الهام أن تنظر فقط إلى المشكلات والأسباب ذات الصلة نظرةً سطحيةً؛ وإنَّما ابذل جهداً إضافياً للوصول إلى جذور المشكلات، صحيح أنَّ البحث لتحديد السبب الجذري للمشكلات عمل شاق، ولكنَّه ضروري، خاصة للمنظمات التي تتطلع إلى التحسين المستمر.

كيف تجري تحليل السبب الجذري؟

هناك العديد من الأدوات المتاحة لإجراء عملية تحليل السبب الجذري، وخطوات تحليل السبب الجذري هي:

1. تعريف المشكلة بدقة:

  • تأكد من تحديد المشكلة ومدى موافقتها مع احتياجات العميل وتطلعاته.
  • إذا لم تكن البيانات الموجودة كافية؛ انظر إلى المشكلة من منظور العميل.
  • حدد قائمة بالقضايا المحددة التي يلاحظها العملاء.
  • فكر في الذي يحدث إذا لم تعالج المشكلة الآن، واكتشف تأثيرها في بيئة الأعمال.

2. جمع كافة البيانات المتعلقة بالمشكلة:

  • هل هناك بيانات تشرح وتُظهر مشكلة معينة.
  • إن لم توجد؛ تحدَّث إلى العملاء أو الموظفين، واطلب رأيهم وملاحظاتهم وابحث في شكاويهم وتواصل معهم عن قرب.
  • عليك أن تعرف إن كانت المشكلة متكررة، وعدد مرات تكرارها في الماضي، ومعدل التكرار.
  • عليك أن تكتشف تأثير المشكلة في نتائج الشركة وفي العملاء، وتتأكد إن كانت قابلة للقياس.

3. تحديد سبب المشكلة باستخدام أدوات التحليل:

  • تحديد السبب الأساسي.
  • تحديد العامل أو العوامل المؤدية إلى ذلك.
  • حدد أكبر عدد ممكن من الأسباب (لا تفكر في الحلول في هذه المرحلة).
  • إشراك فِرق العمل وأصحاب المصلحة والمعنيين.
  • استخدم أدوات التحليل التي سوف نشرحها لاحقاً في هذا المقال.

4. ترتيب الأسباب حسب الأولوية:

  • ابدأ بترتيب الأولويات؛ لا تتعامل مع كل الأسباب مرة واحدة.
  • يمكنك استخدام تقنية (PICK matrix) لترتيب الأولويات.
  • ضع في حسبانك التأثير والجهد عند تحديد الأولويات.
  • قد تكون التكنولوجيا عامل تمييز رئيس في هذه المرحلة.

5. تحديد الحلول للمشكلة الأساسية وتنفيذها:

  • التركيز على القضاء على المشكلة حتى لا تتكرر.
  • تحديد الحلول ليس كافياً، التنفيذ هو المفتاح الحقيقي للتغيير.
  • حدد من سينفذ التغييرات المطلوبة، ومتى سيتم التنفيذ.
  • عليك أن تعرف من المسؤول عن مراقبة وإدارة التغييرات الجديدة.
  • عليك أن توضِّح طريقة آلية رفع تقارير الأداء، والفترة الزمنية المناسبة لذلك.

6. مراقبة الحلول والاستدامة في التغيير:

  • البدء بإدراج وتضمين الحلول الجديدة في بيئة الأعمال الحالية.
  • ضمان رصد أثر التحسينات واستدامتها على الأمد القصير والطويل.
  • يجب دمج الحل في الثقافة التشغيلية للأعمال عند نجاحه.
  • قد يختلف التطبيق حسب خطورة المشكلة.
إقرأ أيضاً: حل المشكلات أسلوب مميز لتعليم مهارات التفكير

طرائق تحليل جذور المشكلات:

تحليل السبب الجذري أسلوب بسيط يُجرى بهدف فهم السبب الجذري للمشكلة؛ وهناك بعض الأدوات الشائعة قيد الاستخدام؛ لذا دعونا نتعرف إلى أبرز النماذج العالمية في هذا المجال، سوف نتحدث بشيء من التفصيل عن أبرز 4 طرائق:

  • الأسباب الخمسة "Whys 5"؟
  • مخطط هيكل السمكة أو إيشيكاوا.
  • تحليل باريتو – قاعدة 20/80.
  • طريقة (Kepner Tregoe KT).

1. الأسباب الخمسة "Whys 5"؟

ببساطة هذه التقنية تدور حول سؤال "لماذا؟" خمس مرات أو أكثر، والتي تهدف إلى الوصول إلى السبب الجذري الأساسي للمشكلة؛ حيث طوَّرَ هذه التقنية "ساكيتشي تويودا" (Sakichi Toyoda) ، الصناعي الياباني والمخترِع ومؤسس شركة تويوتا للصناعات.

طُوِّرت تقنية الأسباب الخمسة في ثلاثينيات القرن الماضي، وقد أصبحت شائعة في السبعينيات، وما زالت تويوتا تستخدمها لحل المشكلات حتى اليوم، بالمناسبة إنَّ تويوتا لديها فلسفة "الحضور الميداني" لحل المشكلات؛ والتي تعني أنَّه يجب على المسؤول اتخاذ القرار اعتماداً على فهم متعمق لما يحدث بالفعل على أرض الواقع، وليس بناءً على ما يعتقده شخصٌ وهو في مكتبه، ويتناسب أسلوب الأسباب الخمسة مع بيئة تويوتا، ويكون أكثر فاعلية عندما تأتي الإجابات من أشخاص لديهم خبرة عملية في العملية أو المشكلة المعنية.

الطريقة بسيطة: عند حدوث مشكلة، يبدأ البحث عن جذور المشكلة بطرح السؤال "لماذا؟" خمس مرات متتالية، وبعد ذلك، عندما تصبح الإجراءات واضحة وجذور المشكلة جليَّة، فإنَّ تطبيق ذلك يمنع من تكرار المشكلة مرة أخرى بالطريقة نفسها.

مثال: إذا كان مطعم "للوجبات السريعة" يعاني من مشكلة تأخير في توصيل الوجبات للعملاء؛ نسأل حول السبب الجذري خمس مرات:

طريقة الأسباب الخمسة 5Whys

قد يكون التأخير في توصيل الطعام بسبب الازدحام المروري؛ وقد يكون السبب الأساسي استخدام السيارات، والتي تأخذ وقتاً طويلاً في أثناء الازدحام المروري ولا تستطيع أن تتجاوز السيارات الأخرى بسرعة، قد تقود هذه الأسئلة إلى بديل جيد وهو "استخدام الدراجات النارية" مع حافظات للطعام تُبقي الطعام ساخناً ومحفوظاً، فهذه الأداة هامة؛ وذلك لأنَّها تركز على السبب الجذري للمشكلة.

مثال آخر من بيئة المنظمات الصحية:

المشكلة: تأخُّر المريض عن الوصول إلى غرفة العمليات:

  • "لماذا؟" الأولى: كان هناك انتظار طويل للعربة التي تنقل المرضى.
  • "لماذا؟" الثانية: كان لابد من العثور على عربة بديلة مناسبة.
  • "لماذا؟" الثالثة: كان حزام الأمان للعربة الأصلية مقطوعاً وغير صالح للاستخدام.
  • "لماذا؟" الرابعة: لم تُفحَص العربات بانتظام للتأكد من جاهزيتها للاستخدام.
  • "لماذا؟" الخامسة: ليس لدى المستشفى جدول زمني لصيانة المعدات. (هذا هو السبب الجذري للمشكلة).

الحل: أصلح السبب الجذري للمشكلة من خلال تنفيذ جدول صيانة دورية للمعدات.

إقرأ أيضاً: كيف تحدد جذور أي مشكلة من خلال 5 أسئلة بسيطة؟

2. مخطط هيكل السمكة أو إيشيكاوا:

سُمِّي مخطط إيشيكاوا (Ishikawa) على اسم الدكتور كاورو إيشيكاوا، والذي طوَّر طريقة بسيطة لعرض أسباب المشكلة، وأصبح هذا الرسم البياني معروفاً باسم إيشيكاوا (Ishikawa)، أو عظم السمكة (Fishbone)، أو مخطط السبب والنتيجة (Cause and Effect).

وضع الدكتور إيشيكاوا خطوات تصميم السبب والنتيجة على مخطط هيكل السمكة بالشكل التالي:

  1. حدد مشكلتك بدقة.
  2. تبادل الأفكار مع الفريق حول الأسباب المحتملة للمشكلة.
  3. استخدم 6 أسباب رئيسة لحل المشكلة والتي يرمز لها باللغة الإنجليزية بـ (6M) والتي تشمل:
    • الإنسان (Man) - الأشخاص الذين يؤدون العملية أو يشاركون فيها.
    • الآلات (Machine) - المعدات والأدوات المستخدَمة في العملية.
    • الطريقة (Method) - الإجراءات المتَّبعة لتنفيذ العملية.
    • المواد (Material) - المدخلات المطلوبة في العملية.
    • القياسات (Measurement) - بيانات عن المدخلات أو مواصفات المنتج.
    • بيئة العمل (Work Environment) والتي كانت تسمى بـ (Mother Nature) - البيئة التي يعمل فيها الرجال والآلات سواء كانت مصنعاً أم مكتباً أم بيئة عمل مكشوفة أو مغلقة.
  4. تصنيف جميع الأسباب حسب التصنيفات الستة السابقة.
  5. تحديد الأولويات وترتيب الأسباب بعد مناقشتها مع فريق العمل؛ مع التأكيد على اقتناعه بأنَّ الأسباب الموضَّحة هي العوامل المساهمة الرئيسة.
  6. عصف ذهني لإيجاد حلول للأسباب ذات الأولوية وتنفيذها.

يعدُّ مخطط هيكل السمكة أو مخطط السبب والنتيجة أداة مؤثرة؛ حيث إنَّه يمثل جميع الأسباب المحتملة ويحث الفريق على التفكير من منظور 6M.

مخطط هيكل السمكة أو مخطط السبب والنتيجة

تطوير النموذج: لقد طُوِّر النموذج مع بعض الإضافات؛ بعض الاختلافات حول النموذج الأساسي.

تستخدم بعض شركات التصنيع 4M:

  • رجل – Man.
  • آلة – Machine.
  • مادة – Material.
  • طريقة – Method.

بينما تستخدم بعض شركات الخدمات 8P والذي يشمل:

  1. الدليل المادي - Physical Evidence.
  2. الأشخاص - People.
  3. المكان – Place.
  4. المنتج (أو الخدمة) - Product.
  5. السعر – Price.
  6. الترويج - Promotion.
  7. العملية - Process.
  8. الإنتاجية والجودة - Productivity and Quality.

3. تحليل باريتو – قاعدة 20/80:

في عام 1906، أدلى الاقتصادي الإيطالي فيلفريدو باريتو (Vilfredo Pareto) ، في سياق بحثه عن أفكاره، بملاحظة مثيرة للاهتمام؛ حيث اكتشف أنَّ 80% من الأراضي في إيطاليا مملوكة فقط لـ 20% من الشعب، وتكررت هذه العلاقة في بلدان أخرى، فوجد أنَّ الحالة هي نفسها في جميع أنحاء أوروبا، ومع مرور الوقت، أصبح يدرك أنَّ هذا الانقسام 80/20 لم يكن مقتصراً على مُلَّاك الأراضي أو حتى الشؤون البشرية، في الواقع وجد أنَّ 20% من قرون البازلاء في حديقة منزله تنتج 80% من البازلاء.

أربعون عاماً من نشر باريتو لأفكاره، طوَّر مُنظِّر الأعمال جوزيف جوران (Joseph M. Juran) قاعدة 80/20، وتساءل عما إذا كان يمكن تطبيقها في عالم الأعمال؛ حيث يمكن أن تكون 80% مشكلات العمل حدثت بسبب 20% فقط من الأسباب ذات الصلة، وبطبيعة الحال، كان الجواب مدوياً بـ "نعم".

جوران، بناء على العمل في باريتو، وبدأ تطبيق ما أسماه مبدأ باريتو لقضايا الجودة، باستخدام العبارة: "عدد قليل من الأسباب الحيوية والكثير من الأسباب الثانوية"، وفي وقت لاحق أدرك جوران أنَّه بينما نسبة مئوية صغيرة من الأسباب قد تكون أهم القضايا اليوم، هناك آثار حقيقة لـ 80% من المشكلات التي يمكن، مع مرور الوقت أن تصبح خطيرة، وهكذا في سنواته الأخيرة، غيَّر جوران العبارة التي تصف مبدأ باريتو أنَّ "عدد قليل من الحيوية والكثير من المفيد".

تطبيقات ممتدة لمبدأ تحليل باريتو:

اتضح أنَّ مبدأ باريتو لديه مجموعة واسعة من التطبيقات، سواء في الإدارة أو في الجوانب الأخرى للأعمال والاقتصاد، والرياضيات، والحياة اليومية، وفي عام 1992، أعلن "تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "أنَّ 20% من سكان العالم يمتلكون 80% من الثروات والموارد في العالم.

وتُظهر الدراسات أنَّ 80% من أرباح الشركة تأتي من 20% من العملاء، و80% من المبيعات سببها 20% من موظفي المبيعات، إضافة إلى ذلك، وُجد أنَّ 20% من الأخطاء تسبب 80% من حوادث تحطم الطائرات، وخبراء السلامة أدركوا أنَّ 80% من الإصابات تنتج عن 20 % من المخاطر، ناهيك عن ملاحظات لمعهد دائرة الصحة الوطنية البريطانية للابتكار والتحسين:

  • 80% من حالات الانقطاع تأتي من 20% من الشعب.
  • 80% من ميزانية المعدات تأتي من 20% من العناصر.
  • 80% من الفائدة تأتي من أول 20% من الجهد.
  • 80% من شكاوى العملاء تأتي من حوالي 20% من الخدمات.
  • ينفق طاقم التمريض 80% من وقته على 20 % من المرضى.
  • 80% من القرارات التي اتُّخذت في الاجتماعات تأتي من 20% من وقت الاجتماع.
  • 80% من الابتكارات تأتي من 20 % من الموظفين.
  • 80% من مشكلات الموظفين تأتي من 20% من الموظفين.
  • 80% من نجاحك يأتي من 20% مما تبذله من الجهود.

الآن، ربما بعض المشكلات التي تواجهها في أماكن العمل يمكن أن تُحل عن طريق تطبيق مبدأ باريتو، على سبيل المثال:

  • يمكن التعرف إلى %20 من المشكلات التكنولوجية التي تُسبِّب 80% من الصداع في إدارة الحاسب الآلي.
  • يمكن فرز %20 من قضايا خدمة العملاء والتي تؤدي إلى 80% من الشكاوى.

مبدأ باريتو وخرائط باريتو تُستخدم كل يوم لتحقيق هذه الأهداف المتنوعة كتحسين الكفاءة على خط الإنتاج وزيادة المبيعات لشركات استشارية وتقليل وقت الانتظار للمرضى في المستشفيات وإصلاح الأخطاء الأكثر أهمية في برامج الكمبيوتر.

كيف تطبق مبدأ باريتو في الوصول إلى جذور المشكلة؟

أي مشكلة نبدأ بمراجعتها، يتكون لدينا ميلاً للتحرك نحو أسبابها البارزة، فنحن بحاجة إلى تركيز طاقاتنا على "عدد قليل حيوي" من الأسباب والذي يمثل فقط 20% وذلك من منظور حل المشكلات (مخطط باريتو). خطوات إجراء تحليل باريتو المقترحة هي:

  1. وضع جدولٍ واضح لسرد الأسباب وتكرارها كنسبة مئوية.
  2. ترتيب الصفوف تنازلياً وفقاً لأهمية الأسباب؛ بمعنى أنَّ السبب الأكثر أهمية يأتي أولاً.
  3. إضافة عمود إلى النسبة التراكمية في الجدول.
  4. رسم الأسباب على المحور الأفقي والنسبة التراكمية على المحور الرأسي.
  5. الربط بين النقاط السابقة لتشكيل منحنى.
  6. إجراء رسم بياني خطي (على الرسم البياني نفسه)، بالأسباب على المحور الأفقي ونسبة التكرار على المحور الرأسي.
  7. رسم خط عند 80% على المحور الأفقي موازياً للمحور الرأسي، وإسقاط خط على نقطة التقاطع مع المنحنى على المحور الأفقي بحيث تفصل هذه النقطة الموجودة على المحور الأفقي بين الأسباب الهامة (على اليسار) والأسباب البسيطة (على اليمين).
  8. مراجعة الرسم البياني بوضوح لضمان التقاء ما لا يقل عن 80% من الأسباب.

مثال توضيحي:

تولَّى "مدير جديد" إدارة مركز خدمات الحاسب الآلي ذو أداء ضعيف، مع مجموعة من المشكلات التي تحتاج إلى حلول، وكان هدفه زيادة رضا العملاء عموماً، فقرر المدير إجراء تحليل باريتو لتقييم وتحديد أولويات أكبر المشكلات التي تواجه المركز؛ حيث يبدأ بسرد هذه المشكلات ثم يحدد الأسباب الكامنة وراء كل منها، وأخيراً، يقوم بتسجيل كل عنصر حسب عدد الشكاوى التي تلقَّتها كل منها:

النقطة

المشكلة

السبب الجذري للمشكلة

عدد الشكاوى

1

لا يتم الرد على المكالمات بالسرعة المطلوبة.

قلة عدد الموظفين في مركز خدمة العملاء.

15

2

الموظفون مشتتو الذهن ويعملون تحت الضغط.

قلة عدد الموظفين في مركز خدمة العملاء.

6

3

الفنيون ليسوا منظمين تنظيماً احترافياً، وغالباً ما يحتاجون إلى حجز زيارات ثانية لاستكمال متطلبات العملاء.

ضعف في تخطيط وتنظيم العمل.

4

4

لا يعرف الفنيون موعد وصولهم بالضبط؛ مما قد يتعين على العملاء التواجد طوال اليوم انتظاراً للفنيين.

ضعف في تخطيط وتنظيم العمل.

2

5

يبدو أنَّ موظفي خدمة العملاء لا يعرفون دائماً ما يجب فعله.

ضعف المهارات والتدريب المتخصص.

30

6

غالباً ما يُحجز العملاء للحصول على موعد مع الفني، فقط لاكتشاف أنَّه كان من الممكن حل المشكلة عبر الهاتف.

ضعف المهارات والتدريب المتخصص.

21

تحليل باريتو

كما ترون من الشكل رقم (1)، ستستفيد الشركة أكثر من إعطاء الموظفين مزيداً من التدريب؛ لذلك يجب على المدير الجديد معالجة هذا أولاً، كما يمكنه أيضاً النظر إلى زيادة عدد الموظفين في مركز خدمة العملاء، ومع ذلك، من المحتمل ألا يكون هذا ضرورياً، فقد يساعد توفير المزيد من التدريب على تقليل شكاوى العملاء وزيادة إنتاجية الموظفين.

مكَّن تحليل باريتو المدير الجديد من تحديد مجالات العمل التي تواجه أكبر التحديات بسرعة، حتى يتمكَّن من تركيز جهوده حيث تشتد الحاجة إليها، وتحديد أولويات العمل التي ستوفر أكبر عائد للأعمال؛ حيث سيوفر له هذا على الأرجح قدراً كبيراً من الوقت والمال الذي كان من الممكن أن ينفقه في محاولة إصلاح مجموعة من المشكلات المختلفة، والتي ربما لم يقدِّم بعضها فائدة تُذكَر [يمكن الاطلاع على "تحليل باريتو" بالتفصيل (https://3alam.pro/rawan-rr/series/tableau-public/lessons/pareto-chart)].

إقرأ أيضاً: أهم 4 أخطاء في تطبيق قاعدة 80/20

4. طريقة كيبنر تريجو (Kepner Tregoe KT):

ما هي طريقة كيبنر تريجو؟

تحدث المشكلات في المنظمات باستمرار؛ صغيرة أو كبيرة، وغالباً ما يكون هناك نوع من الضغط لحل المشكلات في وقت قصير، إضافة إلى الكثير من الجدل حول الطريقة الصحيحة لحل هذه المشكلات واتخاذ القرارات المناسبة، طريقة "Kepner Tregoe" (طريقة KT) هي نموذج لتحليل المشكلة؛ حيث تُفصَل "المشكلة" عن "القرار" والتي تكون مرادفة عادة لطريقة حل المشكلات هذه هي حل المشكلات واتخاذ القرار (PSDM).

نمط التفكير التقليدي:

قام المؤسسان تشارلز كيبنر وبنجامين تريجو (Charles Kepner and Benjamin Tregoe) بتطوير طريقة عمل عقلانية في الستينيات من القرن الماضي؛ حيث بحثوا وحددوا مهارات استكشاف الأخطاء وإصلاحها، وعلى مر القرون، تعلَّمت البشرية التعامل مع التعقيد والتنبؤ به تنبؤاً مباشراً؛ ونتيجة لذلك أصبح نمط التفكير التقليدي جزءاً من الطبيعة البشرية.

عند حل المشكلات، يبحث الأشخاص عن إجابة للأسئلة الأربعة التالية:

  • ماذا حدث؟
  • لماذا حدث؟
  • كيف نتصرف؟
  • ماذا ستكون النتيجة المستقبلية؟

لكسر هذا النمط التقليدي، توصَّل تشارلز كيبنر وبنجامين تريجو إلى أربع عمليات عقلانية تنعكس فيها أربعة أسئلة أساسية:

العمليات

الإجابة عن السؤال

تحليل الموقف

ماذا حدث؟ يوضح هذا وضع المشكلة.

تحليل المشكلة

لماذا حدث ذلك؟ البحث عن السبب الفعلي للمشكلة والعلاقة بين السبب والنتيجة (Cause and Effect).

تحليل القرار

كيف يجب أن نتصرف؟ بناءً على معايير اتخاذ القرار، يُبحَث عن الخيارات للوصول إلى حلول محتملة للمشكلات.

تحليل المشكلة المحتملة

ماذا ستكون النتيجة؟ تُتوقَّع المشكلات المستقبلية المحتملة وتُطوَّر الإجراءات الوقائية.

طريقة حل المشكلات (Kepner Tregoe):

وفقاً لطريقة (Kepner Tregoe)، تتضمن المهام المختلفة مشكلات مختلفة، والتي بدورها تحتاج إلى مناهج مختلفة، سيوضح "تحليل الموقف" الفروق في كل هذه العمليات؛ ونتيجة لذلك سيكون من الممكن البحث عن حلول مناسبة.

يوفر "تحليل الموقف" هذا نظرة ثاقبة على الضرورة والأولوية والإلحاح للمهام المختلفة، فعندما تصبح ماهية المهام التي يجب تحديد أولوياتها واضحةً، يمكن عمل إجراءات مُسبقة استعداداً للمشكلات المحتملة، وباستخدام تحليل جيد للمشكلة مسبقاً، تُنشأ الآليات لمنع المشكلات المستقبلية أو الحد من الأضرار وتقليلها للحد الأدنى.

تشتمل طريقة عمل (Kepner-Tregoe) لحل المشكلات واتخاذ القرار على أربع عمليات عقلانية أساسية تنطبق على جميع جوانب النشاط التنظيمي تقريباً، وهي:

1. تقييم الموقف (Situation Appraisal SA):

تقييم الموقف يساعد على الإجابة عن السؤال: ما الذي يحدث؟

تتضمن الخطوات تحديد المخاطر، وتقسيم المشكلات إلى أجزاء أصغر قابلة للتحليل، وتحديد الأولويات، والتخطيط للخطوات التالية، واختيار الأشخاص المناسبين لحل المشكلة، تساعد هذه المرحلة على فرز الاهتمامات ذات الأولوية ومن ثم تجنُّب العمل على المشكلة الخاطئة.

تقييم الموقف (Situation Appraisal SA)

2. تحليل المشكلة (Problem Analysis PA):

يساعد تحليل المشكلة على الإجابة عن السؤال: ما الخطأ الذي حدث؟

تُعد أداة استكشاف المشكلات وإصلاحها ضمن منظومة (Kepner-Tregoe) طريقة للعثور على جذور المشكلات ورصد للانحراف من خلال الاستخدام المنضبط للمنطق والبيانات، وتساعد (PA) على زيادة التركيز على البيانات الصحيحة والحقائق وتجنُّب القادة الميل للقفز إلى الأسباب الظاهرة (والتي قد تكون خادعة وخاطئة) قبل فحص الحقائق ذات الصلة بدقة.

تتضمن الخطوات وصف المشكلة وتحديد الأسباب المحتملة وتقييمها واختبار الأسباب المحتملة للعثور على السبب الحقيقي قبل اتخاذ الإجراءات التصحيحية.

تحليل المشكلة (Problem Analysis PA)

3. تحليل القرار (Decision Analysis DA):

يجيب تحليل القرار عن السؤال: ما هو البديل الأفضل؟

تحليل قرار (Kepner-Tregoe) هو عملية منهجية لاتخاذ أفضل قرار متوازن عندما يكون الاختيار بين البدائل غير واضح، وتشمل الخطوات توضيح الغرض وتقييم البدائل وتقييم المخاطر والفوائد واتخاذ القرار، كما يساعد الاستخدام الفعال لـ DA على توضيح أدوار ومسؤوليات اتخاذ القرار، ويزيد من التركيز على أهداف الأداء المناسبة لكل قرار ويوفر تنسيقاً واضحاً لتقديم التوصيات وتقييمها.

تحليل القرار (Decision Analysis DA)

4. تحليل الفرص والمشكلات المحتملة (Potential Problem/Opportunity Analysis PPA / POA):

يجيب تحليل المشكلة المحتملة عن السؤال: ما الخطأ الذي حدث؟

جنباً إلى جنب، تحليل الفرص المحتملة وتحليل المشكلات المحتملة، توفر أداة إدارة المخاطر (Kepner-Tregoe) نمطاً من التفكير يمكِّننا من تغيير المستقبل وتحسينه، بدلاً من السماح له بأن يداهمنا وفقاً لظروف غير متوقعة.

تشمل الخطوات تحديد المشكلات المحتملة والفرص أيضاً والأسباب المحتملة، واتخاذ إجراءات وقائية (تعزيزية)، وتخطيط المناسب للإجراءات بعرض الاستفادة القصوى منها.

وأخيراً؛ القائد الواعي لا يتصرف بسرعة وعجالة في حل المشكلات بحجة ضغط الوقت والعمل ومتطلبات الإدارة العليا، وهذه الأدوات التي نوقِشَت في المقال تتيح للقائد الإمكانات المتقدمة لحل المشكلات والبحث عن جذورها، وتجنِّبه القفز المباشر إلى الحلول الظاهرية.

قد يصل القائد بقراراته المتسرعة إلى حلول جزئية، وخاطئة، ومبتورة، ويظلم بها المؤسسة والأفراد ويصل إلى استنتاجات غير صحيحة، وقد تؤدي إلى تغيير سلبي كبير في عمل المؤسسة وتنحرف بها إلى مسارات خاطئة يدفع ثمنها المؤسسون والموظفون؛ لذا تعد مهارة "الوصول إلى جذور المشكلة" من المهارات الرئيسة التي ينبغي على القائد إتقانها وواحدةً من سمات قوة القائد وسراً من أسرار تميزه وتألقه، قد يكون من الحكمة أن يتخصص القائد في واحدة من هذه الأدوات ويتمكَّن منها تمكُّناً احترافياً، فهي أدوات رائعة وعملية وتستمر معه كمهارة على مر الزمن.

 

المراجع: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، 10




مقالات مرتبطة