النماذج الذهنية واتخاذ القرارات التي لا تندم عليها

ما الذي يحدد القرار الصائب؟ عندما أطرح هذا السؤال على الأشخاص، غالباً ما تكون الإجابة كالآتي: "عندما تكون النتيجة ناجحة، يكون القرار صائباً".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "داريوس فوروكس" (Darius Foroux)، ويُخبرنا فيه عن تجربته في كيفية اتخاذ القرارات الجيدة في الحياة.

لماذا نقوم، بوصفنا مجتمعاً بإضفاء الطابع الرومانسي على النتائج؟ إذ يُحتفى فقط بالأشياء والأشخاص الناجحين، أَلق نظرة فقط على جميع المقالات والكتب التي تمجِّد بوضوحٍ الأشخاص الناجحين، قد يكون هذا منطقيَّاً إلى حدٍّ ما لكنَّه مضلل أيضاً؛ إذ إنَّنا نميل إلى التغاضي عن الحالات التي لم تأتِ بنتيجة ناجحة، وعندما ننظر إلى الفشل، فإنَّنا غالباً ما نسارع في شرح سبب فشل الأشياء.

يمكننا جميعاً بعد فوات الأوان أن ننظر إلى الأخطاء ونقول إنَّها كانت وشيكة، لكن إذا كان منع الأخطاء بهذه السهولة، فلماذا ما نزال نتخذ قرارات نأسف عليها؟

خذ على سبيل المثال سفينة تايتانيك (Titanic)، إذا عدنا بالتاريخ إلى الماضي، نعلم جميعاً أنَّ السفينة الفاخرة التي سافرت من ساوثهامبتون (Southampton) إلى نيويورك (New York) كان فيها عدة أخطاء؛ فمن المعروف أنَّ سفينة التايتانيك لم تحمل ما يكفي من قوارب النجاة.

نحن لا نعرف إن كان أحدهم قد سأل: "ماذا يحدث عندما تُستخدم جميع قوارب النجاة في حالة الطوارئ؟"، فنحن لم نكن آنذاك، وثمة حقيقةٌ أخرى مثيرة للاهتمام تؤكد أنَّ التايتانيك اختُبرت لمدة 6 ساعات، لكن لم يكن طاقمها كلُّه موجوداً، وبعد ذلك، حملوا الركاب وأبحروا باتجاه نيويورك.

"ألا يجب أن نجرب هذا الشيء أكثر قبل أن ننقل الركاب على متن السفينة؟" لا أظن أنَّ أحدهم سأل هذا السؤال؛ لكنَّ الحقيقة هي أنَّه لا أحد كان يريد أن تحدث كارثة التايتانيك، ولم يتنبأ بها أحد، حتى بعد وقوع الكارثة.

قبل بضعة عقود من موت كلِّ هؤلاء الأبرياء، قال الروائي الروسي فيودور دوستويفسكي (Fyodor Dostoevsky) جملته الشهيرة: "كلُّ شيء يبدو غبياً عندما يفشل".

إقرأ أيضاً: لماذا يعتبر النوع الصحيح من التجاهل أمراً جيداً في اتخاذ القرار؟

القرارات السيئة والقرارات الجيدة:

من السهل النظر إلى النجاح ونسبه إلى اتخاذ القرار الصائب؛ لكنَّ الحقيقة هي أنَّ العكسَ صحيح أيضاً؛ إذ لا يُفسر الفشل دائماً باتخاذ القرار السيئ، ومع ذلك، هذا ما يفعله معظم المؤرخين؛ لكن كما قال دوستويفسكي: "يكون الفشل واضحاً دائماً في الإدراك المتأخر".

ربما اعتقد الأشخاص الذين كانوا مسؤولين عن سفينة التايتانيك أنَّهم كانوا يتخذون القرارات الصحيحة في ذلك الوقت، لكن ربما شعروا بالندم بعد وقوع الكارثة على أشياء كثيرة؛ لكنَّني لا أعتقد أنَّ القرارات الجيدة أو السيئة لها علاقة بالنتيجة؛ إذ يعبِّر بيتر بيفلين (Peter Bevelin)، مؤلف كتاب "البحث عن الحكمة" (Seeking Wisdom) عن ذلك تعبيراً جيداً: "القرارات الجيدة يمكن أن تؤدي إلى نتائج سيئة والنقيض من ذلك صحيح".

الحقيقة هي أنَّك لا تستطيع التنبؤ بالمستقبل، وفي بعض الأحيان، يمكن أن تؤدي القرارات السيئة إلى نتائج جيدة؛ لهذا السبب أعتقد أنَّه من غير المُجدي أن يتظاهر الناس بقدرتهم على تعليمك كيفية اتخاذ قرارات "جيدة"، فلا يوجد شيء من هذا القبيل، وأيُّ شخص فشل كثيراً في حياته سيخبرك بذلك.

شاهد بالفديو: نصائح للتخلّص من التردد في اتخاذ القرارات

النماذج الذهنية: التركيز على العملية وليس على النتيجة:

تسمى الطريقة التي تنظر بها إلى كيفية عمل شيء ما في العالم الحقيقي بالنموذج الذهني، وهو إطار تفكيرك في شيء ما، لكن عندما نتخذ القرارات، لا نفكر غالباً في إطار عملنا وننتقل فوراً إلى مناقشة النتائج المحتملة، ونسأل: "ماذا سيحدث إذا اتخذنا هذا القرار؟".

هذه طريقة غير شاملة لأنَّك لا تشكك في عملية صنع القرار لديك، أنت تنظر فقط إلى النتيجة، لكن هل فكرت في أطر التفكير المحددة (النماذج الذهنية) التي يمكنك استخدامها لقرارك؟

نتخطى في كثير من الأحيان العملية ونقفز مباشرةً لاتخاذ القرار، ربما يكون ذلك بسبب نقص الوقت أو الموارد أو المعرفة، أو غير ذلك من الأمور غير الهامة، لكن مهما كان السبب الخاص بك، فهو ليس عذراً لتخطي عملية صنع القرار تماماً، لأنَّ هذه هي الطريقة الوحيدة التي تجعلك صانعاً للقراراتِ السيئة بصرف النظر عن النتيجة؛ لذا بدلاً من التركيز على مدى نجاح اختياراتك، ركز على مدى شمولية عملية صنع القرار لديك.

ليس عليك معرفة كلِّ شيء عن النماذج الذهنية، وأنا بالتأكيد لا أعرفها؛ إذ يقضي معظم المثقفين الزائفين وقتاً طويلاً في الحديث عن النموذج الذهني بدلاً من استخدامه لتحقيق أيِّ شيء ذي معنى في الحياة، إنَّهم يحبون فقط تحديد النماذج الذهنية؛ وكما نعلم أنَّ المعرفة دون تطبيق لا فائدة منها.

لهذا السبب أوصي بقراءة الكتابين الآتيين اللذين يركزان على هذا الموضوع:

  • "البحث عن الحكمة" (Seeking Wisdom) لـ بيتر بيفلين (Peter Bevelin)، الذي يناقش النماذج الذهنية للمستثمرَين الأمريكيَّين تشارلي مانجر (Charlie Munger) ووارن بافيت (Warren Buffett).
  • "مخدوع بالعشوائية" (Fooled By Randomness) بقلم نسيم طالب (Nassim Taleb)، وهو أحد النماذج الذهنية المفضلة لدي؛ إذ يساعد على فهم كيفية تأثير الأحداث العشوائية في النتائج.

لا يمكننا أبداً التنبؤ بالمستقبل، ولا يمكننا معرفة جميع النماذج الذهنية الموجودة، لكن يمكننا اتخاذ قرارات لا نأسف لها؛ وببساطة من خلال التركيز على عملية التفكير، يمكننا دائماً القول إنَّنا فعلنا الشيء الصحيح، وهذه هي الطريقة الوحيدة المؤكدة لتجنب الندم، بصرف النظر عن النتيجة.

إقرأ أيضاً: اتخاذ القرارات بدافع الخوف

"ما هو الشيء الصحيح؟":

من الواضح أنَّنا يجب ألا نأسف على ارتكاب الأخطاء، فكلُّ خطأ هو درس نتعلم منه بعد كلِّ شيء، ومع ذلك يوجد نوع آخر من الندم يقتل الناس حرفياً، وهو ندم التقاعس عن العمل.

لقد لمست هذا عن قرب مع جدتي؛ ففي نهاية حياتها غرقت في حزنها، وكان هذا الحزن ناتجاً فقط عن الندم على الأشياء التي لم تفعلها أبداً، فبصرف النظر عما تفعله، نحن جميعاً نعاني في الحياة، لكن بطريقة مختلفة، كما قال رائد الأعمال الأمريكي جيم رون (Jim Rohn) ذات مرة: "يجب أن نعاني جميعاً أمرين: ألم الانضباط أو ألم الندم أو خيبة الأمل".

إنَّ تحقيق أهدافك، أو تحسين مهاراتك وعلاقاتك، أو تأليف كتاب، أو بناء الأعمال التجارية، كلَّها قرارات صعبة تتطلب وقتاً كبيراً وطاقة وتضحية لتحقيق أشياء جديرة بالاهتمام كهذه في الحياة؛ لكنَّ الأصعب من ذلك هو الندم على التراخي وخيبة الأمل والكسل.

في الختام:

الأمر متروكٌ لك لاتخاذ القرار وتحديد ما هو نوع المعاناة المؤلم أكثر بالنسبة إليك.




مقالات مرتبطة