النصيحة لشخص حزين: طريق خفي للتسلط

الحزن هو استجابة طبيعية للخسارة، فقد تكون تجربة عاطفية مؤلمة ومعقدة يمر بها الأفراد استجابة لمجموعة متنوعة من أحداث الحياة، مثل وفاة أحد أفراد أسرته، أو نهاية علاقة، أو تغيير كبير في الحياة.



قد يظهر الحزن بطرائق عدة، مثل مشاعر الحزن والغضب والذنب والقلق، إضافةً إلى الأعراض الجسدية مثل التعب واضطرابات النوم وتغيرات الشهية، في حين أنَّ الحزن جزء طبيعي من التجربة الإنسانية، لكن قد يكون تجاوزه صعباً أحياناً.

قد يستفيد كثير من الناس من الدعم والتوجيه في أثناء معالجة مشاعرهم والتكيف مع واقعهم الجديد، فقد يوفر العلاج النفسي وأشكال الدعم الأخرى للأفراد أدوات واستراتيجيات للتعامل مع الحزن، فضلاً تأمين عن مساحة آمنة وداعمة للتعبير عن مشاعرهم.

كل حزن مختلف:

نعم، إنَّ حزن كل شخص مختلف عن الآخر وفريد ​​من نوعه، وذلك حسب تجاربه وشخصيته؛ إذ يدرك الطب النفسي أنَّه لا توجد طريقة واحدة "صحيحة" للحزن أو التعبير عنه، وأنَّ الأشخاص قد تكون لديهم ردود أفعال مختلفة جداً تجاه الخسارة اعتماداً على مجموعة متنوعة من العوامل، مثل علاقتهم بالشخص المتوفى، وظروف الوفاة وخلفيتهم الثقافية.

في حين أنَّ بعض الأشخاص قد يعانون من أعراض الحزن الشديدة طويلة الأمد، مثل الاكتئاب والقلق وصعوبة الأداء، فقد يكون لدى بعضهم الآخر استجابة أكثر هدوءاً، أو قد يمرون بفترات من الانفعال الشديد تليها فترات من الهدوء النسبي، وكذلك قد يشعر بعض الأشخاص بالارتياح أو التحرر بعد وفاة أحد أفراد أسرته، وخاصةً إذا كان هذا الشخص يعاني من مرض طويل الأمد أو كانت لديه علاقة صعبة مع الشخص الذي فُقد.

لا توجد طريقة "صحيحة" أو "خاطئة" للحزن:

من الهام أن ندرك أنَّه لا توجد طريقة "صحيحة" أو "خاطئة" للحزن، وأنَّ كل شخص يحتاج إلى إيجاد طريقه الخاص خلال هذه العملية، ومع ذلك، إذا كنت أنت أو أي شخص تعرفه تعاني من أعراض الحزن الشديدة أو الطويلة، فقد يكون من المفيد طلب المساعدة التخصصية من مقدِّم خدمات الصحة العقلية الذي يمكنه تقديم الدعم والإرشاد خلال هذا الوقت الصعب.

لا تعني النوايا الحسنة بالضرورة نصيحة جيدة:

في الطب النفسي، غالباً ما يُقال إنَّ النوايا الحسنة لا تعني بالضرورة نصيحة جيدة؛ لأنَّه على الرغم من أنَّ شخصاً ما قد تكون لديه نوايا حسنة، فقد لا يمتلك المعرفة أو الخبرة لتقديم المشورة أو الدعم الفعال.

على سبيل المثال، لنفترض أنَّ شخصاً ما يعاني من الاكتئاب ويقترح صديقه عن حسن نية أن "يخرج من الاكتئاب!" أو "يفكر بإيجابية"، فقد تكون هذه النصيحة حسنة النية، إلا أنَّها ليست مفيدة أو فعالة؛ وذلك لأنَّ الاكتئاب حالة صحية عقلية معقدة تتطلب علاجاً ودعماً متخصِّصَين.

لا يمكن للأصدقاء أن يكونوا أطباء حزنك وقلقك:

بالمثل، قد يقدِّم أحد أفراد الأسرة نصيحة لشخص يعاني من القلق "للاسترخاء" أو "التوقف عن القلق الشديد"، فهذه النصيحة قد تأتي من مكان رعاية، إلا أنَّها لا تعالج الأسباب الكامنة وراء القلق أو توفِّر استراتيجيات فعالة للتعامل مع الأعراض.

في هذه الأمثلة، لا تكون النصيحة مفيدة؛ وذلك لأنَّها تفشل في التعرف إلى مدى تعقيد حالات الصحة العقلية والحاجة إلى العلاج والدعم المبنيين على الأدلة، ومن الهام أن تتذكر أنَّه على الرغم من أهمية النوايا الحسنة، إلا أنَّها لا تكفي لمواجهة تحديات الصحة العقلية، ومن الأفضل دائماً طلب المساعدة المهنية من مقدِّم رعاية صحية عقلية مؤهل.

النصيحة لشخص حزين؛ طريق خفي للتسلط:

قد يكون تقديم النصيحة لشخص حزين طريقاً خفياً للتسلط؛ وذلك لأنَّه قد يضع الشخص الذي يقدِّم النصيحة بوصفه شخصية ذات سلطة يعرف كيفية التعامل مع الموقف، وقد ينشئ هذا نمطاً غير صحي من العلاقة؛ إذ يكون لدى الشخص الذي يقدِّم المشورة مزيد من السيطرة والتأثير في الشخص الذي يشعر بالحزن.

مثالان عن النصيحة والتسلط:

قد يحاول الصديق الذي عانى من خسارة مماثلة تقديم النصيحة لشخص حزين، وعلى الرغم من أنَّ هذه النصيحة قد تكون حسنة النية، إلا أنَّها قد تكون أيضاً وسيلة للصديق لوضع نفسه بوصفه خبيراً في الموضوع واكتساب إحساس بالقوة والتحكم في الموقف.

قد يقدِّم المعالج أو مستشار الحزن النصيحة للعميل الذي يشعر بالحزن، ففي حين أنَّ النصيحة قد تكون مبنية على الخبرة السريرية ومصمَّمة لتكون مفيدة، إلا أنَّها قد تكون أيضاً وسيلة للمعالج لتأكيد سلطته والحفاظ على سيطرته في العلاقة العلاجية.

شاهد بالفديو: 7 نصائح للتغلب على هموم الحياة

النوايا الحسنة لا تجلب بالضرورة نصيحة جيدة في حالة الحزن، ما هو السبب؟

في الطب النفسي، من المسلَّم به أنَّ النوايا الحسنة لا تقدِّم بالضرورة نصائح جيدة عندما يتعلق الأمر بالحزن، وفيما يأتي بعض الأسباب:

1. الحزن تجربة فردية للغاية:

تجربة كل شخص للحزن فريدة من نوعها، وما يصلح لشخص ما قد لا يصلح لشخص آخر، فقد تدفع النوايا الحسنة الناس إلى تقديم النصائح التي نجحت معهم في الماضي، ولكنَّ هذه النصيحة قد لا تنطبق على الشخص الذي يشعر بالحزن حالياً.

2. الحزن معقد:

الحزن عملية معقدة تنطوي على مجموعة متنوعة من المشاعر والأفكار والسلوكات، فقد تدفع النوايا الحسنة الناس إلى تقديم مشورة مبسَّطة أو سطحية لا تأخذ في الحسبان التعقيد الكامل لعملية الحزن.

3. قد تكون النصيحة مسيئة:

قد يكون تقديم النصيحة لشخص حزين رفضاً لمشاعره وخبراته، وقد يشير إلى أنَّه يمكن حل حزنه بحل بسيط أو أنَّ مشاعره ليست صحيحة أو هامة.

4. التسلط:

كما ذكرنا آنفاً، قد يؤدي تقديم المشورة إلى إنشاء علاقة تسلُّط؛ إذ يكون الشخص الذي يقدِّم المشورة في موقع سلطة أو خبرة، وهذا يجعل الشخص الذي يشعر بالحزن يشعر بالضعف أو عدم القدرة على اتخاذ قراراته الخاصة المتعلقة بكيفية التعامل مع خسارته.

إقرأ أيضاً: كيف تعيش بفرح وتتخلص من الحزن؟

كيف يكون العلاج النفسي أداة مفيدة للأفراد الذين يعانون من الحزن؟

قد يكون العلاج النفسي أداة مفيدة للأفراد الذين يعانون من الحزن، وفيما يأتي بعض الأفكار عن كيف يمكن للعلاج النفسي أن يساعد الأفراد على التغلب على الحزن:

1. تحديد العواطف والتحقق من صحتها:

يساعد المعالج الفرد على التحقق من صحة العواطف التي يمر بها في أعقاب الخسارة، ويشمل ذلك توفير بيئة آمنة وداعمة للفرد للتعبير عن مشاعره دون خوف من الحكم أو النقد.

مثال: قد يساعد المعالج الشخص الذي يشعر بالحزن على فقدان أحد أفراد أسرته على تحديد مشاعر الغضب والذنب التي يعاني منها والتحقق من صحتها.

2. تطوير استراتيجيات المواجهة:

يمكن للمعالج أن يعمل مع الفرد لتطوير استراتيجيات التأقلم المصممة خصيصاً لاحتياجاته وظروفه الاستثنائية، ويشمل ذلك استكشاف طرائق مختلفة لإدارة الأعراض العاطفية والجسدية للحزن.

مثال: قد يساعد المعالج الشخص الذي يشعر بالحزن على فقدان الوظيفة على تطوير استراتيجيات التأقلم مثل بناء روتين يومي، والانخراط في النشاط البدني، وممارسة تمرينات اليقظة.

3. استكشاف المعنى:

يمكن للمعالج أن يساعد الشخص على استكشاف معنى خسارته وإيجاد طرائق لفهمه، ويشمل ذلك استكشاف معتقدات الفرد وقيمه وروحانياته.

مثال: قد يساعد المعالج الشخص الذي يشعر بالحزن على فقدان أحد الوالدين لاستكشاف معنى خسارته وإيجاد طرائق لتكريم إرث والديه.

4. معالجة المشكلات التي لم يتم حلها:

يمكن للمعالج مساعدة الفرد على معالجة أيَّة مشكلات لم يتم حلها تتعلق بالخسارة، ويتضمن ذلك العمل من خلال الشعور بالذنب أو الندم أو الخلافات التي لم يتم حلها.

مثال: قد يساعد المعالج الشخص الذي يشعر بالحزن على فقدان شريك على معالجة القضايا التي لم يتم حلها، مثل الندم على عدم قضاء الوقت الكافي معاً أو الخلافات التي لم يتم حلها في علاقتهما.

5. بناء شبكة دعم:

يمكن للمعالج أن يساعد الفرد على بناء شبكة دعم من العائلة أو الأصدقاء أو الأفراد الآخرين الذين يمكنهم تقديم الدعم العاطفي والمساعدة العملية في أثناء عملية الحزن.

إقرأ أيضاً: سر السعادة: فن التعامل مع الحزن بطريقة أفضل

في الختام:

من الهام إدراك أنَّ النوايا الحسنة لا تؤدي بالضرورة إلى نصائح جيدة عندما يتعلق الأمر بالحزن، وبدلاً من ذلك، يجب أن ينصبَّ التركيز على تقديم الدعم والتعاطف لأولئك الذين يشعرون بالحزن، بدلاً من محاولة تقديم حلول المشكلة.

يشمل ذلك الاستماع الفعال، وتقديم إرشادات عن استراتيجيات المواجهة المصممة خصيصاً لاحتياجات وظروف الفرد، ويكون الهدف هو إنشاء بيئة آمنة وداعمة تسمح للشخص بمعالجة حزنه بطريقته الخاصة وبالسرعة التي تناسبه.




مقالات مرتبطة