الميول المهنية والعوامل المؤثرة فيها

لعلَّ السؤال الأول الذي يُطرح على الطلبة في مختلف المراحل التعليمية هو "ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟"، وتختلف الإجابات باختلاف أعمار الطلبة، ففي الغالب الطلبة في المرحلة التعليمية الأولى ينشدون تحقيق رغبات الوالدين، لكن كلما تقدموا في العمر وأصبحوا أكثر استقلالاً اتجهوا أكثر نحو اختيار المهن التي تتوافق مع رغباتهم وما يحبون منها، وهذا بالضبط ما يسمى بالميول المهنية.



فكل فرد يمر خلال مسيرة حياته بتغيرات متنوعة تفرضها عليه المرحلة العمرية التي يمر بها، فهو ينتقل من الطفولة إلى المراهقة ومن المراهقة إلى الرشد ومن التعليم المدرسي إلى التعليم الجامعي ومن مرحلة الاتكالية المطلقة والاعتماد على الأسرة إلى مرحلة الاستقلال والاعتماد على الذات، ومن ثمَّ انتقاله من فرد مستهلك إلى فرد منتج.

يُعَدُّ وصول الإنسان إلى مرحلة أن يكون إنساناً منتجاً واختيار مهنة من أصعب القرارات التي يتخذها؛ إذ يتحدد مسار حياته وفقاً لهذا القرار، فدخول الفرد في مهنة يحبها ويرغب بها سوف يقوده إلى النجاح، ودخول الفرد في مهنة لا يحبها أو لا تناسبه قد يسبب له الخسائر الفادحة وفقدان رونق حياته، وتجنباً لذلك سعى علم النفس إلى مساعدة الفرد على اختيار ما يناسبه من المهن عن طريق تطبيق اختبارات لمعرفة دوافعه وميوله وما الذي يناسبه من المهن.

الميول وعلاقتها باتخاذ قرار المهنة:

عندما يبدأ الفرد بالتفكير في المهنة غالباً ما يقوم بسؤال المحيطين به عن آرائهم وما يملكون من خبرات عن الموضوع، وفي الأسرة المتحضرة عادةً ما يلجأ الفرد إلى المرشد المهني الذي يعمل على تقديم التخصصات المتاحة أمامه وماذا تتطلب منه كي يستطيع الدخول فيها، وهنا كي يستطيع المرشد تقديم المساعدة المناسبة عليه تطبيق مجموعة من الاختبارات وأهمها التي تركز على قياس الميول المهنية لديه.

الميل عامةً يشير إلى الأشياء التي نحبها أو نكرهها أو الأشياء التي نفضلها والأشياء التي ننفر منها أو هو التعلق بشيء ما والإقبال عليه بناءً على الرغبة، فالميل هو حالة وجدانية ترتبط بتفكير ومشاعر الفرد وهو القوة التي تسكن داخل الفرد وتدفعه باتجاه الانتباه إلى شيء ما والاهتمام به خصوصاً.

مفهوم الميل المهني:

أما بالنسبة إلى الميل المهني فقد عمل العديد من الباحثين والمهتمين في علم النفس على توضيح المقصود به ومن بينهم:

1. سترونغ (Strong):

الميول المهنية مجموعة من الخيارات التي يقوم بها الشخص من بين النشاطات التي ينخرط فيها؛ إذ يفضل بعضها ويكره بعضها الآخر.

2. شريف سنوسي عبد اللطيف في دراسته التي حملت عنوان (التدخل المهني بطريقة العمل مع الجماعات لتنمية الميول المهنية لدى الشباب):

هي انتباه الفرد نحو عمل معين يحبه ويشعر تجاهه بشيء من الرضى والارتياح، فيقبل على اختياره ويفضله عن بعض الأعمال الأخرى.

3. جودت عبد الهادي وسعيد العزة في كتابهما (التوجيه المهني ونظرياته):

مجموعة استجابات القبول التي تتعلق بنشاط مهني معين يتخذه الفرد لكسب رزقه، فالميول المهنية من العوامل المؤثرة في اختيار المهنة وترتبط ارتباطاً مباشراً بشخصية الفرد ومستوى طموحه، والنجاح بالمهنة لا يتطلب فقط وجود المهارات والمعارف الأكاديمية؛ بل الميل والرغبة الداخلية هي ما يحتاجهما الفرد لكي يبدع فعلاً في عمله الذي يختار.

شاهد بالفيديو: 5 نصائح بسيطة لتحقيق التطور المهني

أنواع الميول المهنية:

1. النمط التقليدي:

يتميز صاحب هذا النمط بميله إلى اتباع التعليمات والالتزام بالقوانين والأنظمة، ويميل إلى العمل مع أصحاب السلطة فهو يفضل النشاطات التنظيمية ونشاطات السكرتارية، كما يرغب في الوجود في المواقف التي تحتاج إلى إقامة علاقات شخصية أو مهارات جسدية معينة، ويركز على الدقة في الأداء وبطريقة روتينية تقليدية وصحيحة دون أي إبداع، فأصحاب هذا النمط هم أناس مرتبون ومحافظون ومستقرون.

2. النمط الفنان:

يشير هذا النمط إلى جملة الأعمال التي تتطلب شيئاً من الإبداع والتفرد والتخيل والقدرة على التعبير عما يجول في النفس، ويميل إلى الابتعاد عن الجماعات ومعالجة ما يعرض أمامه من قضايا وفق نظرة ذاتية خاصة به، ووفقاً لذلك يفضل أصحاب هذا النمط المهن مثل المهن الموسيقية والثقافية والأدبية، فالمهن في هذا النمط تتطلب مهارة عالية في التخيل وفي فهم مشاعر الآخرين وأذواقهم.

3. النمط التجاري:

يشير إلى الأعمال التي تتطلب جهداً أو تعاملاً جماعياً مثل أعمال البيع والشراء وإدارة المشاريع، ويتميز أصحاب هذا النمط بامتلاكهم مهارات اجتماعية مميزة مثل مهارة التحدث ومهارات التفاوض والتواصل وغيرها من المهارات التي تمنحهم القدرة الفائقة على إيصال أفكارهم وإقناع الآخرين بها والتأثير في اتجاهاتهم وآرائهم.

هم غالباً ما يختارون الأعمال التي تنطوي على المغامرة والحماسة وتساعدهم على فرض سيطرتهم، وهم أشخاص واثقون من أنفسهم يمتلكون الجرأة واستعراضيون ويحبون إظهار قوَّتهم وتميزهم في كل مكان، والأعمال التي تناسب هذا النمط هي بيئة الأعمال التجارية عامة.

إقرأ أيضاً: 10 طرق لتطوير المهارات الاجتماعية

4. النمط التحليلي:

يميل أصحاب هذا النمط إلى الأعمال التي تحتاج إلى التفكير العميق وإعمال العقل، وغالباً ما تكون هذه الأعمال انفرادية وبعيدة عن النشاطات الاجتماعية؛ إذ يجدون الكثير من المتعة في جمع المعلومات وإيجاد الحقائق وتحليلها وتفسيرها والتوصل إلى نتائج محددة، وهم أشخاص منظمون يميلون إلى الفهم والبحث والغوص في عمق الأحداث وتحديد علل الأشياء، ويفضلون المهن الفكرية والعلمية.

5. النمط الواقعي:

يشير إلى الأعمال التي تحتاج إلى مجهود عضلي وقوة جسمية وتناسُب حركي، ويميل صاحب هذا النمط إلى العمل خارج المكاتب ولا يرغب في الوجود في الأماكن التي تتطلب منه مهارة لفظية أو ذات صلة في بالتعامل مع الآخرين، ويتعامل مع البيئة بطريقة موضوعية؛ إذ يفضل المهن الزراعية والتقنية والهندسية والميكانيكية ومختلف النشاطات التي تتطلب مهارات حركية وقوة عضلية.

6. النمط الاجتماعي:

يشير هذا النمط إلى الأعمال التي تتضمن وجود نشاطات جماعية لإنجازها؛ إذ يميل أصحاب هذا النمط إلى الأعمال التعاونية والخدمات الاجتماعية، ويملكون قيماً إنسانية يترجمونها في مهارات اجتماعية عالية ومميزة، كما يستمتعون في مساعدة الآخرين، ومن أشهر أنماط هذا العمل الأعمال التعليمية والطبية.

كيف يمكن قياس ميول الأفراد المهنية؟

1. الملاحظة:

تقوم على أساس مراقبة الفرد وماذا يفعل لتحديد ميوله، لكن يجب الانتباه إلى أنَّ هذه الطريقة تكون مُجدية فقط عند قياس الميول الظاهرة.

2. المقابلة:

وهي أبسط وسيلة لقياس ميول الأفراد؛ إذ تقوم على سؤاله بشكل مباشر ما الذي يفضله من المهن.

3. سلالم التقدير:

هي طريقة تقوم على تقدير الفرد لميوله بنفسه عبر ترتيبه للمهن وإعطاء قيمة لكل منها حسب وجهة نظره.

4. اختبار المعرفة:

تقوم هذه الطريقة على اختبار الفرد بالمهنة التي يختارها ومقدار ما يعرفه عن متطلباتها وطريقة العمل فيها مقارنة بغيرها من المهن الأخرى.

5. اختبار الصور:

تقوم هذه الطريقة على عرض مجموعة من الصور أمام الفرد التي تضم كل منها مهنة معينة، ومن ثم يُطلب إليه ذكر المعلومات عنها؛ إذ يتم قياس ميوله هنا عن طريق حجم المعلومات التي تذكرها من تلك الصور.

إقرأ أيضاً: ماهي المهنة المناسبة لك حسب نوعية ذكاءك؟

ما هي العوامل التي تؤثر في الميول المهنية؟

1. الجنس:

منذ مرحلة الطفولة الأولى نجد اختلافاً في أنماط اللعب لدى كل من الإناث والذكور؛ إذ يتجه كل منهم إلى ممارسة الألعاب التي تتناسب وطبيعته البيولوجية، واختيار المهنة لا يختلف كثيراً، ففي مرحلة المراهقة نجد التركيز على المهن التي تمنح الفرد مكانة اجتماعية ومدى ملاءمتها لجنسه، وغالباً ما تختار الإناث المهن التي تتعلق بالأشخاص مثل التعليم، بينما يختار الذكور المهن التي تتعلق بالأشياء مثل أنواع الهندسة المختلفة، وعموماً تميل الإناث إلى المهن الاجتماعية والفنية، بينما يميل الذكور إلى المهن العضلية والواقعية والمغامرة.

2. العمر:

غالباً ما تختلف ميول الفرد باختلاف المرحلة العمرية التي يمر بها، فليس الجسم وحده يتطور؛ بل الميول أيضاً، ويمكن القول إنَّ ميول الفرد في مرحلة الطفولة تكون غير واضحة بشكل جيد؛ إذ يتركز اهتمامه على إشباع رغباته الذاتية فقط، ولا تتخذ الميول المهنية طابع التفكير الجدي، أما في مرحلة المراهقة فيتخذ الفرد من الميول المهنية وسيلة لإثبات الذات وتحقيق حاجات اجتماعية محددة، وفي الحقيقة فإنَّ الميول المهنية تتبلور تبلوراً واضحاً وصريحاً في عمر 18.

3. الفروق العقلية:

على الرغم من أنَّ الميول متعلَّمة، إلا أنَّ للوراثة دوراً في تحديد الميول المهنية، فالعديد من الأبحاث التربوية والنفسية أشارت إلى دور الذكاء في تحديد الميول المهنية، فمثلاً أصحاب الذكاء المرتفع غالباً ما يختارون تخصصات في العلوم الطبيعية بخلاف أصحاب الذكاء الأقل نسباً الذين يختارون اختصاصات بعيدة عن تلك.

4. الدوافع:

قد يمتلك الفرد دافعاً محدداً يجعله يتجه نحو مهنة معينة، ومن بين تلك الدوافع الدافع المادي والرغبة في الحصول على مبلغ مالي معين لقاء عمل محدد، ومن بين الدوافع أيضاً الدافع الاجتماعي وحب الظهور، كما توجد دوافع لا شعورية تتشكل لدى الفرد نتيجة مروره في ظروف معينة أثرت في نفسه، فمثلاً تعرُّض الفرد لمعاملة قاسية من قِبل مدرِّسٍ في المدرسة قد ينعكس على رغبته في أن يصبح مدرِّساً هو أيضاً.

5. معرفة الخصائص المتعلقة بالذات:

قد يتجه الفرد لاختيار مهنة معينة نتيجة اعتقاده بامتلاك كل الخصائص المناسبة لذلك العمل؛ وذلك نتيجة مروره بتجربة معينة وتحقيق إنجاز معين في أثنائها.

شاهد بالفيديو: ماهي المهنة المناسبة لك حسب نوعية ذكاءك؟

6. الأسرة:

يعيش الفرد ضمن أسرة ويتأثر بها وبما تحمله من قيم واتجاهات تأثراً كبيراً، وكثيراً ما يختار الفرد مهنة معينة نزولاً عند رغبة أحد والديه.

7. العوامل الاجتماعية والاقتصادية:

إنَّ انتماء الفرد لأسرة لها خصائص اجتماعية واقتصادية معينة يؤثر في ميوله المهنية وفي قرار اختيار مهنة معينة، فمثلاً الأبناء لوالدين متعلمين لا يرغبون في ممارسة مهن عضلية.

8. الوضع السياسي والاقتصادي للبلد الذي يعيش فيه الفرد:

تغيُّر اهتمام الدولة من النشاط الزراعي إلى النشاط الصناعي يدفع بالفرد إلى دراسة أقسام ترتبط بالنشاط الصناعي.

9. تأثير إدارة المدرسة والمعلمين فيها:

قد يعمل المعلم من خلال اهتمامه بطلبته على دفعهم إلى الاهتمام بمادة معينة، فتزداد لديهم الرغبة في التعمق فيها أكثر.

في الختام:

يُعَدُّ اختيار المهنة للفرد من أصعب القرارات وأكبر التحديات التي يواجهها في حياته، ولأنَّ الإنسان هو محور علم النفس؛ اهتم الباحثون فيه وحاولوا مساعدته على إيجاد المكان الصحيح والمناسب له عن طريق معرفة ميوله المهنية وتحديد المهن التي يمكن له أن ينجح ويبدع فيها، فممارسة الفرد لمهنة لا يملك ميولاً تجاهها يُعَدُّ ضرباً من ضروب تجربة الفشل التي لا بد أن تسير بصاحبها نحو العزلة والاكتئاب والإحباط وغيرها من الاضطرابات النفسية، فوجود الميل إلى المهنة هو السبب الرئيس في النجاح مهما توفرت عوامل أخرى.




مقالات مرتبطة