الموسيقى الكلاسيكية: نشأتها وتاريخ ظهورها وازدهارها وأبرز روادها

لو تأمَّلنا في هذا الكون الواسع، لوجدنا أنَّ هذه الكرة المسكونة عبارة عن موسيقى، كل ذرة من حياتنا يدخل فيها عنصر الصوت والنغمة والحركة والإيقاع، فالطبيعة وحدها هي مايسترو والشجر وجدول المياه وعمود الكهرباء والعصافير هم عبارة عن موسيقيين، وحتى الحنجرة البشرية هي آلة موسيقية رنانة تطلق ذبذبات صوتية موسيقية حين تحتك الحبال ببعضها وتصطك بالأوتار، إذاً الكون كله موسيقى.



تعريف الموسيقى الكلاسيكية:

هي نوع غريب من أنواع الموسيقى يختلف عن الموسيقى التقليدية يُكتب ويُغنى في الطقوس الدينية والأوركسترالية والأويرالية، وتُسمى أحياناً بالموسيقى الفنية، وهي أكثر انفتاحاً وتعقيداً مقارنةً بالموسيقى الشعبية، وتشمل الكلاسيكية الموسيقى الشعبية والجاز وموسيقى الروك.

الموسيقى الكلاسيكية نوعان: الموسيقى الآلية والموسيقى الصوتية.

ما هي الموسيقى الآلية؟

هي عبارة عن ثلاثة أنواع:

1. موسيقى اللحن المنفرد:

يؤديه عازف واحد على آلة واحدة فقط لا يهم نوع الآلة، ولها تكوينات شائعة ومتشعِّبة منها السوناتا.

2. موسيقى الحجرة:

تُكتَب لعدد قليل من العازفين يتراوح من 2 - 5 عازفين، يؤدون على مجموعة من الآلات الموسيقية.

3. موسيقى الأوركسترا:

تؤدَّى أمام جمهور كبير من الحضور والمتفرجين، وتضم نخبة من العازفين يتراوح عددهم 50 - 100 عازف، يعزفون على عدَّة آلات موسيقية بين آلات النفخ والوترية والنحاسية والنقر.

ما هي الموسيقى الصوتية؟

هي عبارة عن أربعة أنواع:

1. الأغاني:

يُطلَق عليها لقب الأغاني الفنية، وتُستَخدَم فيها قصائد يغلب عليها الطابع الأدبي واللغة الفصيحة، ويرافق المُغني عنصرٌ موسيقيٌ إضافيٌ يُسمى عازف بيان وخاصة إذا كان الشعر رومانسياً أو يُغني قصص الحب.

2. الكورال:

أغانٍ تُكتب تؤديها مجموعة أصوات بشرية تبدو كأنَّها صوت واحد، ومنها أصوات السوبرانو، والالتو، والجهير، والصادح.

قد ترافق المغني فرقة أوركسترالية مع مايسترو أو عازف يعزف على آلة واحدة فقط، ويُكتَب هذا النوع من الموسيقى الصوتية عادةً للطقوس الدينية والصلوات والترانيم.

3. الأوبرا:

هي نمط مُختلف وغريب من الموسيقى يجمع ما بين الموسيقى الآلية والموسيقى الصوتية مع أداء مسرحي معبِّر وشامل، وتُستَخدم تقنية تصوير اللقطات الدرامية لقصة ما أو موقف ما، وتجمع بين عدَّة عناصر منها: الأوركسترا، الغناء الفردي أو المنفرد ويُسمى الأريا، الكورال ويُسمى الغناء الجماعي، الباليه.

4. الموشحات:

تشبه إلى حد كبير الأوبرا؛ إذ تُستَخدم الأوركسترا والكورال والغناء المنفرد في مكان واحد، وغالباً ما تُغنى الموشحات من أجل قصة ما أو تراتيل دينية.

نشأة الموسيقى الكلاسيكية:

يمكن ببساطة أن القول إنَّ الموسيقى الكلاسيكية هي إنتاج فني موسيقي بحت، نما وتجذَّر ونبتَ في تقاليد وطقوس الغرب وبخاصة الشعوب الأوروبية بنوعيها؛ الموسيقى العلمانية والموسيقى الدينية، وقد سُمِّيت الحقبة الزمنية الممتدة بين الأعوام 1750 - 1820 بحقبة الموسيقى الكلاسيكية؛ إذ لاقت هذه الموسيقى رواجاً واحتضاناً وإقبالاً كبيراً من قِبَل موسيقيي الغرب والجمهور الأوروبي.

الجدير بالذكر أنَّه يوجد الكثير من المقطوعات الموسيقية الكلاسيكية من أصل أوروبي دوَّنها أشخاص غير أوروبيين، ولكنَّها سرعان ما تعرَّضت إلى التغيير في رموزها، كما أثر فيها الارتجال، لكن لم تتأثر في الارتجال كثيراً مقارنة بالموسيقى غير الأوروبية التي طغى عليها التغيير والارتجال، ونذكر منها الجاز والبوب.

إنَّ الفارق بين أصناف الموسيقى الأخرى والموسيقى الكلاسيكية هو أنَّ الأخيرة تعتمد على أداء السيمفونيات ودمج الموسيقى الأوبرالية  والأوركسترالية في آنٍ معاً، كما تحتاج إلى فرقة موسيقية ضخمة يقودها مايسترو وآلات كبيرة وغريبة منها الشرقي ومنها الغربي.

ننتقل إلى القرون الوسطى؛ إذ كان الرهبان في الكنائس يغنُّون الموسيقى الكلاسيكية، وقد كان الأداء يشبه إلى حد كبير الأداء الأوركسترالي، وكانت تئن تحت وطأة سلطة الكنيسة والقائمين على رعاية الأديرة والقداس، فكانت مقيَّدة بالصلوات والترانيم والطقوس الدينية المسيحية، لكن في العصر الرومانسي تحررت الموسيقى الكلاسيكية وخرجت من إطار سلطة الكنيسة والطقوس الدينية وصارت تُغنى في المهرجانات والحفلات.

إقرأ أيضاً: الموسيقى: تاريخها وأهميتها في حياتنا

تاريخ ظهور الموسيقى الكلاسيكية:

  1. فترة العصور أو القرون الوسطى 500 - 1400 ميلادية.
  2. عصر النهضة 1400 - 1600 ميلادية.
  3. العصر الباروكي 1600 - 1750 ميلادية.
  4. العصور الكلاسيكية 1750 - 1820 ميلادية.
  5. العصور الرومانسية 1804 - 1910 ميلادية.
  6. العصر الحديث 1890 - 1930 ميلادية.
  7. العصر الحديث العالي 1950 - 1969 ميلادية.
  8. فترة ما بعد الحداثة من عام 1930 حتى وقتنا الحالي.

ما هي أهمية الموسيقى الكلاسيكية؟

لقد دلَّت الإحصاءات والدراسات العالمية على أنَّ الموسيقى لها تأثير إيجابي وهام في صحة الإنسان النفسية والعقلية، ويُعَدُّ سماع الموسيقى الكلاسيكية باستمرار محسناً لمزاج الإنسان وعلاجاً فعالاً ضد نوبات الاكتئاب الصعبة والحادة.

إضافةً إلى ذلك نقول إنَّ الشخص الذي يستمع وينصت باستمرار للموسيقى الكلاسيكية يتَّسم بالهدوء والرزانة والتوازن؛ وذلك لأنَّها تخفف من حدة التوتر الناجم عن ضغوطات الحياة المعاصرة، وتخفف نزعة العنف عند الشعوب، كما أنَّها تزيد من ذكاء الإنسان وقدرته على التذكُّر وتمنحه فسحة ليبدع ويطوِّر ملكاته ويحس الجمال ويتذوقه.

ما هي فوائد الموسيقى الكلاسيكية؟

  1. تخفف من حدة التوتر والتشنُّج العصبي.
  2. تخفف نزعة العنف عند الإنسان.
  3. لها دور في التخفيف من الميول الانتحاري.
  4. تجعل الإنسان أكثر تسامحاً وطيبة وتخفف غريزة العدائية أو صفة العدوانية.
  5. تخفف من نوبات الغضب.
  6. علاج حقيقي للاكتئاب.
  7. مهدئ للأعصاب.
  8. محسِّن للمزاج.
  9. تزيد من إفراز هرمونات السعادة.
  10. تمنح الإنسان القدرة على السيطرة وضبط انفعالاته.
  11. تجعل الإنسان أكثر رقة وحساسية.
  12. يصير الإنسان أكثر جمالاً حين يستمع للموسيقى الكلاسيكية.
  13. يزيد الذكاء العقلي والعاطفي.
  14. تُكسب المرء طاقة شعورية قوية ويصبح أكثر حساسية للموسيقى واللحن والكلمة.
  15. تضبط إيقاع الجسم وتُبقيه متوازناً.
  16. تجعل الإنسان أكثر انفتاحاً وتحضُّراً.
  17. تمكِّنه من القيام بمهامه بشكل أدق وأسرع.
  18. تخلق جواً صحياً هادئاً في المنزل.
  19. تعطي شعوراً بالاسترخاء والقدرة على النوم.
  20. تنمي عند الإنسان ملكة الإصغاء الكلي والاستماع الوجداني.
  21. تعزز ميولاً إبداعية لدى مستمعيها ومتذوقيها.
  22. تدفع الإنسان إلى البحث عن الجمال بكل أشكاله وتجلياته.
  23. تدفع الإنسان إلى البحث والغوص في عالم الموسيقى الكلاسيكية والتعمُّق في خفايا وأسرار جمالها.
  24. تَرقى بالإنسان إلى مراتب أعلى وأكثر جمالاً.
  25. تفتح خلايا المخ وتحسِّن الذاكرة وتزيد الذكاء والابتكار.
  26. تزيد قدرة الإنسان على الحب الحقيقي والعطاء والصداقة.

ازدهار الموسيقى الكلاسيكية:

في منتصف القرن الثامن عشر اتَّجهت المنطقة الأوروبية إلى طريق جديدة في الأدب والفن والعمارة والثقافة، وعُرفَ هذا الطريق أو هذا التيار بالكلاسيكية.

لقد شملَ مصطلح الكلاسيكية كل أشكال الفنون بما فيها الموسيقى التي أثَّر فيها تأثيراً كبيراً، وجاءت الكلاسيكية محاولة لمحاكاة العصور القديمة كتجربة اليونانيين القدماء التي سُمِّيت فيما بعد بالكلاسيكية اليونانية.

إنَّ الفترة الموسيقية شهدت تطوراً ملحوظاً في شكل السوناتا، ويُقصد بالسوناتا مجموعة مبادِئ وأسس هيكلية للموسيقى توائِم بين التفضيل الكلاسيكي للمواد التي تصدر لحناً وبين التطوير التوافقي، واستمرت السوناتا بالازدهار والانتعاش بوصفها شكلاً آخر من أشكال الموسيقى المتفردة وما يُسمى بموسيقى الحجرة، بينما صارت الرباعية الوترية في وقتٍ لاحق شكلاً بارزاً من أشكال الموسيقى في العصر الكلاسيكي.

أهم خصائص الفترة الكلاسيكية أنَّ الموسيقى فيها أخذت شكلاً آخر يميزها عن غيرها في تلك الفترة، وهو أنَّ الموضوع كان مؤلفاً من أشكال وعبارات وإيقاعات متناقضة، وهذه العبارة مقتضبة متوضِّعة على شكل أربع شرائط تأخذ شكلاً طولانياً، كما تتَّصف بأنَّها متجانسة الشكل والملمس.

الموسيقى الكلاسيكية

أهم رواد الموسيقى الكلاسيكية:

  1. فرانز دانزي 1763 - 1826 ميلادية.
  2. دومينيكو سيماروسا 1749 - 1801 ميلادية.
  3. لويجي تشيروبني 1760 - 1842 ميلادية.
  4. جيوسيب بونو 1711 - 1788 ميلادية.
  5. لويجي بوكهيريني 1743- 1805 ميلادية.
  6. وليام بيليجنس 1746 - 1800 ميلادية.
  7. لودفيج فان بيتهوفن 1770 - 1827 ميلادية.
  8. جوان كريزيزستومو دي آرياجا 1806 - 1826 ميلادية.

الموسيقى الكلاسيكية في العصر الباروكي:

في الفترة الزمنية الممتدة بين الأعوام 1600 - 1750 ميلادية، تميَّزت الموسيقى الباروكية بزخارفها ورسوماتها وتأثرها في فن العمارة والفسيفساء، فظهرت قوالب موسيقية جديدة، وتعددت أنماط الموسيقى الكلاسيكية قبل أن تنال الموسيقى الباروكية لقب الكلاسيكية، وظهر ما يُسمى بالسيمفونيات والأوبرا والفوغا والسوناتا، وتم التخلُّص من عقدة مرافقة الصوت البشري مع الموسيقى والتحرر من الأغنية المكتوبة مع الموسيقى ليصبحَ التوجُّه إلى إنتاج موسيقى بحت دون أي كلام؛ إذ يكون التركيز في اللحن أكبر من التركيز في الكلمة.

الموسيقى الكلاسيكية في العصر الرومانسي:

في الفترة الزمنية الممتدة بين الأعوام 1820 - 1900 ظهر ما يُسمى بالموسيقى الرومانسية، واستندت إلى التطورات التي أفرزها العصر الكلاسيكي الذي منحَ الموسيقى شكلاً آخراً وبعداً مختلفاً، وفي هذا العصر زادت حاجة الموسيقيين إلى إنتاج أعمال موسيقية ذات طابع رومانسي تقترب من الإنسانية وتحاكي الواقع، وتستلهم مشاعر فردية وقصص حب مؤلمة وطبيعة ساحرة، وأهم موسيقيي العصر الرومانسي نذكر منهم: فيردي، شتراوس، فاغنر، تشايكوفسكي.

الموسيقى الكلاسيكية في القرن العشرين:

مع قدوم القرن العشرين بكل إنجازاته، ومع ظهور ثورة المعلوماتية والثورة الصناعية، تغيَّر العالم بأسره وتغيَّرت معه أشكال الفنون بما فيها الموسيقى؛ إذ زاد عدد الآلات وتنامى الاختراع وزاد عدد الجامعات وتجذَّر علم الموسيقى وانتعشت الموسيقى الكلاسيكية بوصفها نمطاً مختلفاً يتفرَّد بالجمال والخصوصية والسحر، وحلَّت الآلات الإلكترونية محل الآلات الخشبية وصار التعلُّم والتواصل عبر الإنترنت يُسهِّل عملية التواصل وأداء العمل الموسيقي بحرفية وجودة عالية.

إقرأ أيضاً: 10 أشياء عجيبة تحدث لجسمك عند الاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية

في الختام:

إنَّ الموسيقى الكلاسيكية نوع غريب ولكنَّه لطيف تألفه الأذن وترتاح إلى سماعه بكل أشكاله، سواء بالأوبرا أم الاوركسترا أم الموشحات، وحاولت الموسيقى الكلاسيكية تغيير شكل القوالب الموسيقية ونجحت في ذلك، وجذبت عقول المستمعين قبل قلوبهم، وصارت تُغنَّى في صالات الأعراس والمهرجانات والحفلات بعد أن كانت محصورة ضمن نطاق الكنائس والصلوات والترانيم.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة