المعنى السهل لثقافة العمل

من المفهوم جيداً أنَّ الثقافة إما أن تؤدي إلى نجاح الشركة أو فشلها؛ ومع ذلك، فإنَّ فهم ما تعنيه "الثقافة" هو أمر مختلف تماماً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدير الإداري لشركة "سيماكا بارتنر" (Semaca Partner) "جو هيرش" (Joe Hirsch)، ويُخبِرُنا فيه عن المعنى السهل لثقافة العمل.

لا يمكن تعريف الثقافة - كمفهوم عملي - أو قياسها بسهولة، حيث يُقدِّم قاموس "ميريام ويبستر" (Merriam-Webster) ستة تعريفات مختلفة، حتى إنَّها سُمِّيَت كلمة العام في عام 2014 بعد أن تلقت أكبر عدد من عمليات البحث على الويب.

يبدو أنَّ تأويل الثقافة - من الناحية العملية - تعبِّر عنه "مجموعة من العلاقات الحية التي تعمل نحو هدف مشترك". يقول "لورد راجلان" (Lord Raglan): "الثقافة تقريباً هي أي شيء نفعله ولا تفعله الكائنات الأخرى".

بغضِّ النظر عمَّا تسميها، إليك طريقة سهلة لمعرفتها؛ إذ يتعلَّق الأمر بهذه الكلمات الـ 19: "أقدم لك هذه التعليقات لأنَّ لدي توقعات عالية جداً وأعلم أنَّه يمكنك الوصول إليها".

إليك السبب:

قبل سنوات عدَّة حلَّلَ فريق من علماء النفس من جامعة "ستانفورد" (Stanford) وجامعة "ييل" (Yale) وجامعة "كولومبيا" (Columbia) مجموعتين مختلفتين من التغذية الراجعة التي قدَّمها المعلمون للطلاب، وتضمَّنت مجموعة واحدة من الأوراق - ذات العلامات المميزة - عبارات عامة مثل "عمل جيد" أو "أداء جيد"، ولكنَّ دفعة أخرى حصلت على تغذية راجعة مختلفة: تشجيع مكتوب بشكل عشوائي على قصاصة ورق صغيرة.

وجد الباحثون أنَّ هذه الإيماءة الصغيرة حققت عوائد كبيرة، وخاصة للطلاب ذوي البشرة الملونة؛ إذ راجع 72% منهم أوراقهم طوعاً، مقارنة بـ 17% فقط تلقوا رسالة تغذية راجعة عامة، وليس ذلك فحسب؛ بل حصل هؤلاء الطلاب أيضاً على درجات عامة أفضل في عملهم.

من المثير للدهشة أنَّ الطلاب الذين أظهروا هذه المكاسب فعلوا ذلك دون تلقِّي أيَّة توجيهات محددة للتحسين، إذ لم تحتوي التغذية الراجعة على نصائح أو استراتيجيات ولا إرشادات تحريرية أو أهداف مراجعة، ولم يكن لتأثيرهم السحري في نتائج الطلاب أيَّة علاقة تقريباً بالرسالة نفسها، ولكنَّ المعنى الكامن وراءها:

"أعتقد أنَّه يمكنك فعل ذلك".

فهم الطلاب الذين تلقوا التغذية الراجعة أنَّهم ذوو أهمية وأنَّ العمل الذي قاموا به هام، ويُظهر استعدادهم إلى التكيُّف وتحسين قوة الاهتمام والالتزام، وكيف يمكن للجمع بين الاثنين أن يرفع من الطريقة التي نختار بها رؤية موظفينا والطريقة التي يختارها الناس لرؤية أنفسهم.

إذا كان في إمكان هذا الشعور تغيير ثقافة التعلم في المدارس، فتخيَّل كيف يمكن أن يغير ثقافة الأداء في العمل.

إقرأ أيضاً: كيف تحافظ على الثقافة التنظيمية في ظل نموذج العمل الهجين؟

لقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أنَّ العديد من ثقافات مكان العمل محرومة من الروابط العميقة، وأَظهرَت دراسة نُشِرَت في عام 2011 أنَّ الشعور بالوحدة في العمل ينمو بمعدل يُنبِئ بالخطر؛ وهذا يؤدي إلى آثار مقلقة في الأداء الوظيفي للناس وإمكاناتهم، وبما في ذلك انخفاض الرضى الوظيفي، وعدد أقل من الترقيات، وزيادة تواتر تبديل الوظائف، وزيادة احتمالية ترك الوظيفة الحالية، حتى إنَّ هناك أدلة تُظهِر أنَّ الشعور بالعزلة يمكن أن يثير نوع رد الفعل نفسه في الدماغ، والذي قد يسببه الألم الجسدي، ويمكن حل مشكلة الوحدة من خلال استبدالها بثقافة الرعاية.

عندما يمارس القادة دورهم الإداري بشكل شامل ويبذلون جهداً لجذب الناس معاً من خلال مزيج ذي معايير أخلاقية عالية من التوجيهات الصعبة والمتَّسمة بالعناية، فإنَّهم يبنون ثقافة الانتماء والثقة، ومن خلال مطابقة التوقعات العالية مع الدعم السخي، يتيح هؤلاء القادة للموظفين التفوق معاً؛ إذ يبدأ الموظفون الشعور بالرضى عن دورهم ويرون أنَّ عملهم حاسم لنجاح المؤسسة ككل، التي يغذيها هذا الإحساس بالهدف والعاطفة؛ فتصبح أكثر فاعلية وأكثر انفتاحاً على الأفكار وأكثر إبداعاً، ويميل الناس أكثر إلى مشاركة الأفكار ونقل المعلومات وإدارة مستويات التوتر لديهم.

كل هذه الطاقة التي تبعث على الشعور بالسعادة ليست جيدة فقط للروح المعنوية؛ بل إنَّها أيضاً نعمة في النهاية، وفي إحدى الدراسات تفوقت مجموعات الصداقة - وهي الفِرَق التي أبلغت عن مستوى عالٍ من التواصل داخل مساحة العمل وخارجها - على المجموعات ذات المستويات الطفيفة فقط من التواصل في المهام التي تتطلب قدراً كبيراً من اتخاذ القرار والتخطيط الحركي؛ وكان السبب هو أنَّ مستويات الالتزام الجماعي والتعاون الجماعي عززت من نتائج أدائهم.

وهو ما يعيدنا إلى ذلك المعنى الشائك لـ "الثقافة"؛ إذ إنَّها تأتي من أصول لاتينية تعني "الرعاية"، وفي مكان ما من كل هذا الغموض توجد حقيقة لا لبس فيها: الثقافات العظيمة تتميز باهتمام كبير، وربما هذا هو كل ما نحتاج إلى معرفته؛ إذا كنت تهتم كثيراً بالثقافة، فابدأ بالاهتمام أكثر.

المصدر




مقالات مرتبطة