المجهر الإلكتروني: أنواعه وميزاته

مع تقدُّم العلم ومع دخول الثورة العلمية إلى العالم، اتسعت مجالات المعرفة، وقد استطاع الإنسان بسبب فضوله اكتشاف العديد من الآفاق التي كانت خفية عنه من قبل، وهذا عزز من قدرته على التعامل مع الظواهر الكونية تعاملاً طبيعياً، وجعله مدركاً وواعياً بشأن جميع الظواهر التي تعترض حياته بشكل أو بآخر.



سنستعرض في هذا المقال ما هو المجهر الإلكتروني وما هي أهم أنواعه وميزاته وتاريخ نشأته، فإذا كان لديك الفضول لتعرف أكثر عن المجهر الإلكتروني؛ لذا تابع معنا.

ما هو المجهر الإلكتروني؟

هو تقنية للحصول على صور عالية الدقة للعينات البيولوجية وغير البيولوجية، وقد يتم استخدامه في البحوث الطبية الحيوية للتحقيق في التركيب التفصيلي للأنسجة والخلايا والعضيات والمجمعات الجزيئية، وتنتج الدقة العالية للصور الكهرومغناطيسية من استخدام الإلكترونات التي لها أطوال موجية قصيرة جداً تُستخدم بوصفها مصدراً لإضاءة العينات.

كما يتم استخدام المجهر الإلكتروني جنباً إلى جنب مع مجموعة متنوعة من التقنيات المساعدة مثل التقسيم الرقيق، ووضع الواسمات المناعية، والتلوين السلبي للإجابة عن أسئلة محددة، وقد توفر صور المجهر الإلكتروني (EM) معلومات أساسية عن الأساس البنيوي لوظيفة الخلية أو مرض الخلية.

على ماذا يعتمد المجهر الإلكتروني في عمله؟

يعتمد الفحص المجهري الإلكتروني التقليدي على انبعاث الإلكترونات الثانوية من سطح العينة، ونظراً لشدة الدقة الكبيرة فإنَّ المجهر الإلكتروني الماسح يوفر صوراً مفصلة لأسطح الخلايا والكائنات الحية الكاملة غير الممكنة بواسطة (TEM)، ويمكن استخدامه أيضاً لحساب عدد الجسيمات الصادرة وتحديد الحجم والتحكم بكمية الإشعاع.

يُطلق عليه المجهر الإلكتروني الماسح؛ وذلك لأنَّ الصورة تتشكل عن طريق مسح شعاع إلكتروني مركَّز على سطح العينة بنمط نقطي؛ إذ يتسبب تفاعل حزمة الإلكترون الأولية مع الذرات القريبة من السطح في انبعاث الجسيمات عند كل نقطة في خطوط المسح.

على سبيل المثال، إلكترونات ثانوية منخفضة الطاقة، إلكترونات مبعثرة خلفية عالية الطاقة، أشعة سينية وحتى فوتونات، جميعها يمكن جمعها باستخدام مجموعة متنوعة من أجهزة الكشف، ويتم ترجمة عددها النسبي إلى سطوع عند كل نقطة مكافئة على أنبوب أشعة الكاثود، ونظراً لأنَّ حجم البيانات النقطية في العينة أصغر بكثير من شاشة عرض (CRT)، فإنَّ الصورة النهائية هي صورة مكبرة للعينة.

يمكن استخدام المجاهر (SEMs) المجهزة بشكل مناسب مع أجهزة الكشف الثانوية والانتثار الخلفي والأشعة السينية لدراسة التضاريس والتركيب الذري للعينات، وكذلك التوزيع السطحي للواسمات المناعية.

المعالجة الميكانيكية والكهرومغناطيسية للأجسام الدقيقة والكائنات النانوية باستخدام المجاهر الإلكترونية:

تم اختراع المجهر الإلكتروني في البداية بوصفه أداة يمكنها الحصول على صور بدقة أعلى من تلك الموجودة في المجهر الضوئي، ومع ذلك فإنَّ المجهر الإلكتروني الحديث ليس مجرد أداة تصوير، ولكنَّه أداة تحليلية معقدة أو محطة عمل متطورة للصناعات النانوية، وبالنسبة إلى هذه الصناعات توجد حاجة ماسة إلى إمكانية المعالجة الدقيقة.

يتضمن التلاعب الميكانيكي أو التلامس استخدام معالج دقيق متكامل للتعامل مع الأشياء في أثناء استخدام المجهر الإلكتروني الذي ينفذ التصوير، وقد تم تقديم هذه الطريقة في عام 1990، وهي لا تسمح في الوقت الحالي بالتلاعب بدقة المقياس النانوي فحسب؛ بل تتيح أيضاً التحقيق في العديد من الخواص الميكانيكية للكائنات الدقيقة والكائنات النانوية التي ما تزال غير معروفة جيداً بالنسبة إلينا.

أما الشيء الآخر فهو عمليات التلاعب غير المرتبطة بالكهرباء الساكنة والكهرومغناطيسية التي تستند إلى الخصائص الجوهرية لحزمة الإلكترونات لتوصيل شحنة كهربائية وإنشاء مجال كهرومغناطيسي مصدرهما طبيعة الإلكترون فقط، وتتمثل ميزة التلاعب دون اتصال في أنَّه يمكن أن يتسبب في ضرر محتمل أقل للكائن المدروس.

إضافة إلى ذلك فإنَّ التلاعب الكهرومغناطيسي الذي تم إثباته تجريبياً منذ بضع سنوات فقط، يوفر إمكانات فريدة للنقل الدقيق لمجموعات بحجم نانومتر؛ وهي ظاهرة مثيرة للاهتمام للغاية من وجهة النظر العلمية والتطبيقية.

ما هي أنواع المجاهر الإلكترونية؟

توجد أنواع كثيرة من المجاهر الإلكترونية التي تم اختراعها والتي يتميز كل نوع منها بخصائص مميزة عن النوع الآخر، كالمجهر الإلكتروني النافذ والمجهر الإلكتروني الانعكاسي اللذين سنفصل بشرحهما:

1. المجهر الإلكتروني النافذ (TEM):

المجهر الإلكتروني النافذ هو النوع الأصلي من المجهر الإلكتروني الذي يوجه شعاعاً إلكترونياً عالي الجهد نحو العينة لإلقاء الضوء عليها وإنشاء صورة مكبرة للعين، ويتم استخدام مسدس إلكتروني لإنتاج شعاع الإلكترون، وعادة ما يتم تزويد البندقية بمهبط خيوط التنغستين، وهو مصدر إشعاع الإلكترون.

كما يُستخدم الأنود لتسريع شعاع الإلكترون، وتساعد العدسات الكهروستاتيكية والكهرومغناطيسية على تركيز الحزمة بشكل جيد، وعندما يمر شعاع الإلكترون عبر العينة فإنَّه يتشتت ويوفر صورة للبنية المجهرية للعينة التي يمكن رؤيتها من خلال العدسة الموضوعة للمجهر.

كما يمكن فحص التباين المكاني عن طريق عرض الصورة على شاشة مطلية بكبريتيد الزنك الفلوريسنت، وتوجد طريقة أخرى يمكن استخدامها لتسجيل الصورة وهي وضع فيلم فوتوغرافي في شعاع الإلكترون الذي سيسجل الصورة، ويمكن أيضاً استخدام الكاميرا الرقمية لعرض الصورة على شاشة الحاسوب في الوقت المناسب.

لقد حدَّ الانحراف الكروي من دقة المجاهر الإلكترونية النافذة، ومع ذلك فقد ساعدت التطورات الأخيرة على التغلب على هذه المشكلة بزيادة الدقة مع تصحيح الأجهزة للانحراف الكروي، ونتيجة لذلك؛ أصبح من الممكن الآن إنتاج صور بدقة أقل من 0.5 أنغستروم وأكثر من 50 مليون مرة تكبير.

الجدير بالذكر أنَّ من أبرز مشكلات المجهر النافذ الحاجة إلى عينات رفيعة جداً، وعادةً ما تكون أقل من 100 نانومتر، ونتيجة لذلك تحتاج معظم العينات البيولوجية إلى أن تكون ثابتة كيميائياً وتُجفَّف حتى يتم دمجها في "راتينج بوليمر" بحيث يمكن عرضها باستخدام المجهر النافذ (TEM).

2. المجهر الإلكتروني الماسح (SEM):

إنَّ المجهر الإلكتروني الماسح هو تقنية تُعرف باسم المسح النقطي لإنتاج صور مكبرة للعينة؛ إذ يوجه حزمة إلكترونية مركَّزة عبر المنطقة المستطيلة للعينة، وهذا يفقد الحزمة الطاقة في أثناء مرورها، ويتم تحويل طاقة الإلكترونات إلى أشكال أخرى من الطاقة مثل الحرارة والضوء والإلكترونات الثانوية والإلكترونات المتناثرة، ويمكن ترجمة هذه المعلومات لعرض تضاريس وتكوين شكل العينة الأصلية.

تميل دقة المجاهر الإلكترونية الماسحة إلى أن تكون أضعف من تلك التي يتم تحقيقها باستخدام المجهر الإلكتروني النافذ، ومع ذلك فهي مفيدة لأنَّها تستخدم العمليات السطحية، ومن ثم يمكنها إنشاء صور لعينات كبيرة يصل حجمها إلى سنتيمترات عدة ولها عمق مجال أكبر، ونتيجة لذلك يمكن أن تكون الصور من المجهر الإلكتروني الماسح (SEM) لها تمثيلات جيدة للشكل الحقيقي للعينة.

إضافة إلى ذلك يوجد نوع مميز من المجهر الإلكتروني الماسح (SEM) يُعرف باسم المجهر الإلكتروني للمسح البيئي (ESEM) قادر على تصوير العينات المبللة أو الموجودة في الغاز، وهذا يزيد من النطاق الذي يمكن استخدام المجهر من أجله.

3. مجهر الانعكاس الإلكتروني (REM):

يتضمن المجهر الإلكتروني الانعكاسي اكتشاف حزمة من الإلكترونات المبعثرة بشكل مرن التي تنعكس على العينة التي يتم فحصها، وغالباً ما تُستخدم تقنيات انعكاس الإلكترون عالي الطاقة (RHEED) وتقنيات التحليل الطيفي الانعكاسي عالي الطاقة (RHELS) في هذا النوع من الفحص المجهري.

ما هو تاريخ اختراع المجهر الإلكتروني؟

يعود تاريخ المجهر الإلكتروني إلى أوائل القرن العشرين عندما تم تطوير أول عدسة كهرومغناطيسية، وقد فتح هذا الباب إمكانية استخدام مبادئ العدسة لابتكار مجهر يمكنه فحص بنية العينات بمزيد من التفاصيل، كما كان لهذا القدرة على تجاوز قدرات المجهر الضوئي الذي كان النوع الأول من المجهر والخيار البديل الوحيد في ذلك الوقت.

مصطلح المجهر مشتق من المصطلحين اليونانيين (mikros) و(skopeo)، وهذا يعني أنَّه صغير، وطوال تاريخ العلم كان ثمة اهتمام دائم بمشاهدة التفاصيل المعقدة للعالم بواسطة التكبير.

على سبيل المثال، في علم الأحياء يسمح لنا المجهر بفحص المظهر والبنية أو الخلايا والبكتيريا والفيروسات والجزيئات الأخرى، في حين في علم الجيولوجيا يسمح لنا هذا بمشاهدة التفاصيل المعقدة للصخور والمعادن والحفريات التي يمكن أن توفر نظرة ثاقبة لتاريخ ومستقبل الكوكب الذي نعيش فيه.

اخترع "هانز بوش" أول عدسة كهرومغناطيسية في عام 1926 ميلادي، وعلى الرغم من أنَّه قد مُنح براءة اختراع لمجهر إلكتروني في عام 1928 ميلادي، إلا أنَّه لم يبنِ المجهر.

كان "إرنست روسكا" و"ماكس نول" الفيزيائي والمهندس الكهربائي من جامعة "برلين" هما من ابتكرا أول مجهر إلكتروني في عام 1931 ميلادي، فكان هذا النموذج الأولي قادراً على القيام بالتكبير بـ 400 قوة، وكان أول جهاز لإظهار ما هو ممكن بالمجهر الإلكتروني، وفي نفس العام حصل "رينهولد رودنبرغ" المدير العلمي لشركة (Siemens-Schuckertwerke) على براءة اختراع المجهر الإلكتروني.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح طبية صحية ومفيدة

في عام 1933 طوَّرَ "إرنست روسكا" النموذج الأصلي للمجهر الإلكتروني، فأصبح قادراً على إنتاج صورة ذات دقة أعلى مما كان ممكناً باستخدام المجهر الضوئي، وفي عام 1937 انضم إليه كل من (Bodo von Borries) و(Helmut Ruska) لتطوير طرائق يمكن من خلالها تطبيق بعض المبادئ مثل فحص العينات البيولوجية، وفي نفس العام طوَّرَ "مانفريد فون أردين" أول مجهر إلكتروني ماسح.

لقد أصدرت شركة (Siemens-Schuckertwerke) أول مجهر إلكتروني تجاري للجمهور في عام 1938، ومن هذه النقطة فصاعداً أصبحت المجاهر الإلكترونية متاحة بسهولة أكبر في مناطق أخرى من العالم بما في ذلك أمريكا الشمالية.

في عام 1986 حصل (Ernst Ruska) على جائزة نوبل في الفيزياء لاختراع المجهر الإلكتروني بالاشتراك مع (Heinrich Rohrer) و(Gerd Binnig)، وذلك لتطويرهما مجهر المسح النفقي (STM).

إقرأ أيضاً: بالصور: شاهد كيف يبدو جسمك تحت المجهر

في الختام:

لقد تعرفنا في هذا المقال إلى المجهر الإلكتروني، وعلى ماذا يعتمد المجهر الإلكتروني في عمله، وتحدثنا عن المعالجة الميكانيكية والكهرومغناطيسية للأجسام الدقيقة والكائنات النانوية باستخدامه، إضافة إلى ذكرنا لأنواعه وتاريخ موجز عنه.




مقالات مرتبطة