المتفوقون عقلياً: سماتهم وطرق التعامل معهم

تأتي أهمية موضوعنا في الحقيقة من أهمية المتفوقين أنفسهم، فهم الطاقة الكامنة التي يمتلكها أيُّ بلد، وهذه الطاقة يجب أن تُحترَم وتُصان حتى لا تُبدَّد وتذهب هباءً، فهم القوة التي يقع على عاتقها رفع شأن أيِّ بلد وتطويره؛ لذلك كان من الضروري جداً الاهتمام بهذه الفئة وتقديم كل ما يلزم لتزويدها بالتعليم المثالي بما يضمن الاستفادة من قدراتها، وحتى يتم ذلك، لا بُدَّ من التعرف إلى المتفوقين عقلياً وإلى سماتهم وطرائق التعامل معهم.



1. من هم المتفوقون عقلياً، وما هي سماتهم؟

المتفوقون هم مجموعة من الطلبة الذين يتميزون عن بقية زملائهم في مختلف المجالات، سواءً الدراسية أم المتعلقة بالنشاطات الأخرى، ويمتلك هؤلاء الطلبة مميزات خاصة وقدرة كبيرة على الابتكار والإبداع والتحصيل الدقيق، كما أنَّهم يسجلون درجات ذكاء مرتفعة.

يُعرِّف "باسو" التفوق فيقول: "هو القدرة على الامتياز والتحصيل"، ويُعرِّف "كارتر" الطفل المتفوق بأنَّه: "الطفل الذي يُنظَر إليه على أنَّه فوق العادة بالنسبة إلى عدد من الصفات والقدرات، وخاصةً تلك المتعلقة بالأطفال الذين يُبدون قدرات ذكاء مميزة، وتطوراً اجتماعياً وعضوياً أكثر من العادي".

وبناءً على ما سبق، يمكن تعريف المتفوقين بأنَّهم الطلاب الذين يسجلون درجات عالية في اختبارات الذكاء، ويتمتعون بمميزات ومهارات تفوق أقرانهم، ويسجلون درجات عالية في موادهم الدراسية.

تُستخدَم الكثير من المصطلحات للدلالة على هذا النوع من الطلاب؛ إذ إنَّ من الشائع استخدام مصطلحات مثل الطفل العبقري، والنابغة، والموهوب، وذو القدرات الخاصة، وإلى ما هنالك، وجميع هذه المصطلحات تدل على مقدار عالٍ من التفوق العقلي عن الأقران.

تبقى هناك بعض الفروق بين هذه المصطلحات، ونشير فيما يلي إلى الفرق بين الطفل المتفوق والطفل الموهوب:

  • يكون أداء الطفل الموهوب فوق المتوسط، أمَّا الطفل المتفوق يبدأ من المستوى المتوسط.
  • الموهبة وراثة، في حين أنَّ المكوِّن الرئيس للتفوق بيئي.
  • الموهبة طاقة ونشاط، في حين أنَّ التفوق هو ناتج هذه الطاقة.
  • ليس كل موهوب متفوق، في حين أنَّ كل متفوق موهوب.
  • تُقاس الموهبة بالاختبارات المقننة، في حين يُقاس التفوق بالمشاهدة.

2. خصائص وسمات المتفوقين عقلياً:

من الهام جداً التعرُّف إلى خصائص الطفل المتفوق دراسياً؛ ذلك لأنَّ ملاحظة هذه الخصائص سيكون لها الفضل في اكتشافه داخل الصف أو في المنزل، ومن ثمَّ التعامل معه بالطريقة التي تناسب تميزُّه واختلافه.

يمكن تصنيف خصائص المتفوقين إلى الآتي:

  1. خصائص جسمية: الصحة العامة ومستوى النمو الجسمي لهذه الفئة أفضل من المستوى العادي وتفوق الأقران، حسب ما أثبتت الدراسات التي أجراها الكثير من علماء النفس، وهذا ما يجعل هذه الفئة أكثر نشاطاً وحيوية، كما يسير النمو الجسمي والحركي للمتفوقين بمعدل أعلى من معدل النمو بين أقرانهم العاديين؛ إذ من الملاحظ أنَّ الأطفال المتفوقين تظهر أسنانهم في عمر الشهرين، كما أنَّهم يبدؤون الكلام والمشي في عمر أصغر من أقرانهم، فضلاً عن أنَّ هذه الفئة تحتاج إلى النوم بكميات أقل ولفترة أقصر.
  2. الخصائص العقلية: الطفل المتفوق عقلياً أسرع من أقرانه العاديين في النمو العقلي.
  3. نسبة الذكاء: يُسجِّل الأطفال الموهوبون فوق 140 في اختبارات الذكاء، وتتكون اللغة لديهم بشكل أسرع، فيتعلمون القراءة في سن صغيرة، وتكون حصيلتهم اللغوية حسب دراسات كثيرة أعلى من الحصيلة التي يمتلكها الآخرون في العمر نفسه.

ومن أهم النقاط التي تميزهم، مرونتهم وقدرتهم على التفكير الإبداعي؛ حيث إنَّهم لا يجدون أيَّة صعوبة في الانتقال من فكرة إلى أخرى ومن نمط إلى آخر، كما أنَّ لديهم القدرة على إبداع أفكار جديدة، ويمتازون بدقة الملاحظة والتفكير المنظم والقدرة الكبيرة على التركيز، وهذا ما يجعلهم متقدمين عن غيرهم في كل المجالات الدراسية.

  1. الخصائص الانفعالية والاجتماعية: تشمل هذه الخصائص كل ما يتعلَّق بالجوانب العاطفية والشخصية للطفل المتفوق عقلياً، فنجد أنَّهم متعاونون ويتلقون التوجيه برحابة صدر، ثم إنَّ لديهم القدرة على الانسجام، ويتصفون غالباً بالأخلاق الحسنة، فضلاً عن قدرتهم الكبيرة على الاتزان العاطفي والانفعالي، فهم يثقون بأنفسهم، ولديهم القدرة على التكيُّف وعلى استلام المناصب القيادية؛ باختصار، هم يتمتعون باستقرار عاطفي واستقلال ذاتي.
  2. يُضاف إلى ما سبق، أنَّ المتفوقين عقلياً يملكون أنماط سلوك تجعلهم مميزين عن غيرهم، فهم يتميزون بحب الاطلاع والاستقلال والمثابرة والمبادرة.

شاهد بالفديو: 10 طرق لتنمية الذكاء والقدرات العقلية عند الأطفال

3. كيفية التعامل مع المتفوقين عقلياً:

كما بات واضحاً، فإنَّ الطلاب المتفوقين عقلياً هم طلاب مختلفون عن أقرانهم العاديين، وهذا يعني أنَّ اتباع أساليب ومناهج التدريس العادية معهم لن يُحقق الفائدة المرجوة، فهم يحتاجون إلى مناهج تربوية خاصة لتلبية احتياجاتهم المختلفة، وبناءً على تلك الاحتياجات، تم إدراج المتفوقين عقلياً ضمن فروع التربية الخاصة.

يحتاج المتفوقون عقلياً إلى برامج خاصة تختلف في أهدافها عن الأهداف المتوقعة من الطلبة العاديين؛ إذ يتوجب في هذه البرامج أن تكون أكثر ثراءً وتنوعاً، فضلاً عن وجوب إعداد كادر تعليمي متخصص في تعليم هذه الفئة، وبناءً على هذه الفروق، وُضِعَت العديد من الاستراتيجيات الخاصة لتوفير العناية اللازمة لهم:

  • المعلِّم: يجب على المعلِّم أن يتَّبع دورات خاصة ليتعلم كيفية التعامل مع هذه الفئة؛ حيث يُدرَّس سيكولوجية الموهوبين كما يتم إطلاعه على الأهداف من تقديم التعليم إليهم، وطرائق التعامل معهم، ويجب على سلوك المعلِّم أيضاً أن يتصف بمجموعة من الصفات، فعليه أن يبتعد نهائياً عن العنف وعن التفرد بالرأي، وعليه أن يكون مرشداً وقائداً وديمقراطياً، ولا يجب عليه في أيِّ حال من الأحوال تقديم الحلول الجاهزة إليهم.
  • المناهج: تقوم المناهج في المدارس العادية بناءً على وضع الأغلبية العادية، وليس على فئة الموهوبين والمتفوقين، ومن ثمَّ فإنَّ هذه المناهج ستكون قادرة على تحقيق هدفها بالنسبة إلى الغالبية العادية، في حين أنَّ أثرها سيكون أقل عند المتفوقين؛ حيث إنَّها لن تكون قادرة على تحفيزه وإثارته، وهذا يعني أنَّ المناهج الخاصة بالمتفوقين يجب أن تكون مرنة وفيها الكثير من الطلاقة والتوسع، للدرجة التي تسمح للمتفوق بأن ينطلق في تفكيره الإبداعي ولا يقف عند حد.
  • الأسرة: تبقى الأسرة نقطة الانطلاق الأساسية للطفل المبدع؛ إذ يجب على الأسرة أن تنتبه لقدرات طفلها وتكتشف تميُّزه وتملأ وقته بالنشاطات، كما يجب عليها أن تعرف كيف تُثير فضوله، ولا يجب أن تحدَّ من قدراته؛ بل عليها تشجيعه والتعاون مع المدرسة دائماً.
إقرأ أيضاً: طرق التعامل مع الطلاب

4. أسباب الاهتمام بالمتفوقين:

تُقدَّم الرعاية إلى المتفوقين بشكل أساسي للاستفادة من قدراتهم ولاستثمار إمكاناتهم على أكبر قدر ممكن في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، كما تُعَدُّ هذه الفئة قطاعاً من القوى البشرية الفاعلة والهامة، وتمثِّل طاقات بشرية كامنة، تحتاج إلى من يوجهها ويرعاها لتوظيفها في خدمة المجتمع.

علاوة على ذلك، تمتُّع هذه الفئة بالذكاء والمواهب العديدة، فضلاً عن قدرتها على الإبداع، وهذا ما يجعلها أكثر الفئات قدرةً على فتح آفاق جديدة، واستلام مواقع قيادية، بالإضافة إلى حل المشكلات وتحقيق الاستقرار في أيِّ مكان توجد فيه.

تسعى الدول النامية اليوم جاهدةً إلى الاستفادة من قدرات المتفوقين لديها سيراً على خُطى الدول المتقدمة؛ حيث بدأَت بتوجيه الاهتمام والرعاية والبحث عن طرائق للعناية بهم، وفي هذا السياق، من الهام الاطلاع على تجارب الدول المتقدمة، كاليابان مثلاً، التي وصلت وخلال فترة قصيرة إلى مصافي الدول المتقدمة، على الرغم من كل ما عانته من ويلات الحرب العالمية الثانية، وذلك بسبب اعتمادها واهتمامها بعقول أبنائها المتفوقين.

إقرأ أيضاً: 15 سبباً يدفعك إلى تجربة نموذج الصف المقلوب

5. المشكلات التي تواجه المتفوقين عقلياً:

يعتقد بعض الناس أنَّه لا توجد مشكلات تواجه هذه الفئة، ولكن في الحقيقة، هناك العديد من الظروف والمشكلات التي تواجه هذه الفئة، وقد تحدُّ من تفوقها، ومن هذه المشكلات نذكر:

  • معاناة المتفوقين من مضايقات المعلمين، كالاستهتار والاستهانة بقدراتهم، وهذا ما يُسبب الكثير من الأذى للمتفوق، ويُحبطه ويُضعف ثقته بإمكاناته وقدراته، وقد يوصله إلى الانطواء والانعزال.
  • إصابة المتفوقين بالغرور والتباهي والنرجسية؛ وذلك نتيجة الاهتمام الزائد بالطالب المتفوق؛ الأمر الذي يُسبب له الضرر ويعرِّضه لكراهية زملائه.
  • معاناة الطالب المتفوق من الملل في الحصة الدرسية، إذا ما وضِع في مدرسة غير مخصصة للمتفوقين؛ مما قد يدفعه إلى إثارة الفوضى داخل الحصة.
  • المعاناة من مشكلات في الأسرة؛ حيث يعاني بعض المتفوقين من عدم اكتراث الأهل بهم وبإبداعهم وتفوقهم؛ وذلك نتيجة اشتغالهم الدائم عنهم؛ ممَّا يثبط عبقريتهم.
  • وعلى المقلب الآخر، قد يعاني الطفل المتفوق من الاهتمام الزائد والمبالغ فيه والذي قد يُثقل كاهله، ليكون في هذه الحالة نموه العقلي على حساب نموه الاجتماعي والعاطفي.
  • ومن الجدير بالذكر هنا، أنَّ الإبداع المنشود من الطفل يتحقق عندما يكون هناك تكامل بين نموه العقلي والاجتماعي والعاطفي.
  • قد يواجه المتفوق أيضاً مشكلات في تكوين الصداقات، إضافة إلى بعض المشكلات النفسية كالانعزال.

في الختام:

تبدو واضحة وجليَّة الأهمية الكبيرة لهذه الفئة المتفوقة، صاحبة العقول النيِّرة، بالنسبة إلى أيِّ بلد لتطويره وبنائه، وهذا ما يجعل أيَّة دولة في العالم مسؤولة عن اكتشاف هذه العقول، وإزالة كل عائق يقف في وجهها، وتقديم كل ما يلزم لرعايتها والاهتمام بها للاستفادة من طاقاتها.

إنَّ استهتار الدول، وخاصةً الدول النامية، بهذه العقول يعني إضاعة فرصة كبيرة للتطور والارتقاء بالمجتمع؛ لذا يجب على الدول أن توفِّر البيئة المناسبة لهؤلاء المتفوقين، سواءً في أثناء فترة الدراسة أم بعد التخرج، وذلك من خلال توفير فرص عمل مناسبة لهم وبأجور مناسبة، للحفاظ عليهم ومنع هجرتهم وسفرهم خارج البلاد.

المصادر: 1، 2، 3

المراجع:

  • كتاب الموهوبون أساليب رعايتهم وأساليب تدريبهم، رمضان عبد الحميد الطنطاوي.
  • كتاب سيكولوجية رعاية الموهوبين، صالح حسن أحمد الداهري.
  • الموهبة والتفوق، خليل عبد الرحمن المعايطة.



مقالات مرتبطة