المال وسيلة وليس هدفاً في الحياة

يُعَدُّ المال أحد أهم الأهداف الرئيسة لمعظم الناس، فهو الحافز الذي يدفعنا إلى العمل والهدف الذي نسعى إلى تحقيقه جميعاً، لكن لماذا؟ هل طرح أحدٌ على نفسه هذا السؤال



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، يُخبرنا فيه أنَّ الأموال هي ليست هدفك في الحياة؛ بل هي أداة تساعدك على تحقيق الهدف الذي تريده.

بالتأكيد، إنَّ وجود هدف مالي هو أمرٌ منطقي، فقد تعلمنا منذ أن خُلِقنا في هذه الحياة أنَّ الراتب العالي يساوي النجاح، والرفاه المالي يولِّد الحرية؛ فلذلك، إذا كان المال هو هدفك، فلا بأس بذلك.

لكن تمهَّل، إن كان غرضك من جني المال هو صرفه على المتعة والترفيه فقط، فعليك إعادة النظر في قيمك؛ فإنَّ المال هامٌ، ولكنَّه ليس هاماً في حد ذاته؛ بل يكتسب أهميته من الأشياء التي يمكنك فعلها به؛ لذلك يُعَدُّ المال أداة، وليس هدفاً بحد ذاته؛ إنَّه مجرد أداة تساعدك على تحقيق هدفك؛ ولذلك دعنا نغيِّر الطريقة التي نفكر بها في المال وفي القيمة الصافية لثروتنا.

إعادة تصنيف أهمية المال:

إنَّ المال بمعناه الحديث، ووفقاً لقاموس "ويبستر" (Webster)، فإنَّ النقود هي "وسيلة تبادُل حالية على شكل نقود معدنية وأوراق نقدية"؛ لذا فكر في ذلك لمدة ثانية، فالمال هو الطريقة التي نتبادل بها القيمة.

بالعودة إلى الماضي، بدأت فكرة النقود بما يسمى "المقايضة"؛ فوفقاً للفيلسوف "أرسطو" (Aristotle)، كل شيء له استخدامان: الأول، هو الغرض من تصميم الشيء، والثاني، هو القيمة التي يحتفظ بها بوصفه عنصراً للمقايضة؛ لذا في الماضي، قبل استخدام الأوراق النقدية، كان المال حرفياً عبارة عن أداة؛ وذلك لأنَّه كان سلعة مادية، فإذا كنت تصنع الطاولات على سبيل المثال، كان بإمكانك استبدالها بالطعام من أجل إطعام أسرتك.

لكن بطبيعة الحال، يوجد مشكلات في نظام المقايضة، فإذا كنت تصنع الطاولات وتحتاج إلى اللحم، ومَن لديه اللحم يريد الحليب بدلاً من الطاولة، فيجب عليك أن تجد شخصاً لديه الحليب ويريد الطاولة، حتى تتمكن من استبدالها باللحوم، وإذا كان الشخص الذي لديه حليب يريد عنزة، فيجب عليك أن تجد راعياً يريد طاولة؛ إنَّه أمرٌ معقدٌ جداً.

للتحايل على هذه المشكلة، بدأت الهيئات التشريعية بتنفيذ ما يسمى "أوراق النقد الرسمية"، وهي في الأساس نقود ورقية تُعطى قيمة بموجب مرسوم حكومي، وأساساً، النقود الورقية لا قيمة لها باستثناء القيمة التي نتفق على منحها إيَّاها، فنحن نثق بحكومتنا؛ ولذلك نحن نثق بوجود المال في حسابنا المصرفي.

كان المال أداة أقل وضوحاً، ففي السابق، لم تكن لتصنع 50 طاولة على أمل أن يريدها الناس من أجل مجموعة معينة من السلع، لكن الآن، نخزِّن المال بسبب قدرته الشرائية، بخلاف التضخم المالي، فإنَّه يحتفظ بقيمته ثابتة.

هذا يعني أنَّ فكرة النقود قد تحولت من سلعة مادية يمكن استبدالها بسلع أخرى إلى قطعة من الورق تمنح نفسها قيمة بطريقة ما، وبالإضافة إلى ذلك، لقد تحولت قطعة الورق هذه مرة أخرى لتصبح رقماً متقلباً على الشاشة، فنحن الآن نستمد قيمتنا الشخصية من حجم هذا الرقم بدلاً من الأشياء أو الخبرات أو الحريات التي يمكن أن تشتريها به.

لذا دعنا نغير ذلك؛ فكر في المال على أنَّه أداة يمكنك أن تحصل من خلالها على ما ترغب فيه، وليس عدداً تريد زيادته باستمرار.

شاهد بالفيديو: 10 أسباب تجعل اتباع شغفك أكثر أهمية من المال

استخدام المال لتحقيق الأهداف:

لقد قالها "رايان هوليداي" (Ryan Holiday) بأفضل شكل، ولكنَّني سأعيد صياغتها للإيجاز: إذا لم يكن لديك رقم محدد في ذهنك أو سبب محدد لاقتناء المال، فإنَّ غرضك هو مزيدٌ من المال فقط.

يبدو أنَّ هذا ينطبق على الجميع، فنحن لا نعرف سبب جَنِي المال؛ بل نعرف فقط أنَّه يجب علينا ذلك، ومن ثمَّ نحاول جني أكبر قدر ممكن من المال دون أي هدف حقيقي في الحسبان؛ إذ ينصب تركيزنا على "مزيد من الأموال"، بدلاً من تحقيق أشياء محددة يمكن أن يشتريها المال، ويمكن للمال شراء أي شيء، حتى الحرية والنفوذ والتغيير؛ ولذلك، الأموال هامة، ولكنَّها هامةٌ فقط بوصفها أداة تحقق أهدافك الرئيسة.

أنا على سبيل المثال، أُنمِّي مسيرتي المهنية في كتابة الروايات - وآمل أن أكتب السيناريوهات المسرحية قريباً - لكن، يجب أن تستثمر الوقت من أجل رؤية أي عائد مالي؛ لذلك في الوقت الحالي، أُعيل نفسي من خلال استشاراتي للمحتوى التسويقي، وأساعد شركات التكنولوجيا المالية على التواصل الجيد مع عملائها.

لكنَّ هذا ليس هدفي النهائي، إنَّ رغبتي القصوى هي إعالة نفسي إعالة دائمة بواسطة أعمالي الإبداعية؛ وهذا يعني أنَّ استشاراتي تحتاج إلى أن تزودني بدخل ثابت وبحريَّة الوقت من أجل أن أتابع شغفي.

لذا بدلاً من محاولة بناء شركة تهدف إلى "مزيد" من الإيرادات، جلست وحددت بالضبط مقدار المال الذي أحتاج إليه شهرياً لأعيش أسلوب حياة مريح مع الاستمرار في التركيز على هدفي النهائي، وبالنسبة إلى أولئك الذين يتساءلون، فإنَّ هذا المبلغ هو 7 آلاف دولار شهرياً.

ويوجد هدفي المالي، إنَّه ليس قيمة غير معروفة، ولكنَّه رقمٌ محددٌ، وهو أيضاً أداة؛ وذلك لأنَّ هذا التدفق الشهري من المال يوفر لي الوقت حتى أتمكن من الكتابة لنفسي كل يوم، ومالي هو الأداة التي أستخدمها لأمنح نفسي الحرية.

لكن بالطبع، قد يكون هدفك مختلفاً تماماً؛ فيمكن أن يكون شراءك لمنزل، وربما يكون الادخار من أجل التقاعد، وبصرف النظر، فالمنزل وموعد التقاعد هما الأهداف وليس المال، والمال هو مجرد الأداة التي ستساعدك على تحقيق رغبتك؛ لذا توقف عن التفكير في أموالك على أنَّها هدف، فهي ليست كذلك؛ بل هي واحدة من الأشياء التي ستساعدك على تحقيق أهدافك.

إقرأ أيضاً: كيف تنفق المال بحكمة (1)

الخلاصة:

الخطوة الأولى هي فصل الرغبة عن الأموال؛ إذ إنَّها ليست الهدف النهائي؛ بل لديك رغبات أسمى وأكثر إيثاراً، صدقني، وبعد ذلك؛ أي بعد أن تغير طريقة تفكيرك بشأن المال، يكون قد حان الوقت لكتابة رقم ثابت يساعدك على تحقيق هدفك؛ إذ يمكن أن يكون هذا الرقم مبلغاً شهريَّاً أو مبلغاً مقطوعاً من المال.

على سبيل المثال، إذا كنت ترغب في شراء منزل، فحدد المبلغ المحدد للدفعة المقدمة وتكاليف الرهن العقاري الشهرية، وبعد أن تحدد بوضوح مقدار الأموال التي تحتاج إليها لتحقيق هدفك، اسعَ إلى الحصول عليها كما لو كانت "هدفاً"، ولكنَّك ستعرف بأنَّها ليست هدفك الفعلي؛ وذلك لأنَّ رغباتك القصوى لها مغزى أكبر بكثير من مجرد رقم على الشاشة.

المصدر




مقالات مرتبطة