القيادة: وظائفها وأنماطها وصفات القادة

في كل جماعة سواء كانت جماعة رسمية كجماعة العمل أم غير رسمية كجماعة الأصدقاء، يبرزُ شخصٌ ما يتولى مسؤولية توجيه هذه الجماعة وقيادتها، وفي هذا المقال سنتعرَّف أكثر إلى معنى القيادة ووظائفها وأنماطها وصفات القادة.



ما هي القيادة؟

القيادة عملية تفاعل اجتماعي تؤدي إلى إحداث تغيير واتِّخاذ قرارات واتجاهات ما كانت لتحدث لولا وجود هذه القيادة، وغالباً ما تظهر القيادة في المواقف والصراعات التي تفرض وجود القادة لمساعدة الجماعة على سلك الطريق الصحيح واتِّخاذ القرارات المناسبة ووضع الأهداف وتحقيقها.

لفهم القيادة أكثر علينا أولاً أن نفهم العلاقة بين العناصر الثلاثة الآتية: القائد والموقف والأتباع؛ فالقائد هو الذي يستطيع بإدراكه وأفكاره وشخصيته تحريك الجماعة، والموقف الذي يشمل الظروف والأحداث والأهداف التي تتطلَّب وجود القائد، وأخيراً الأتباع بكل ما يملكون من دوافع وأهداف ورغبات وإمكانات.

قد تكون القيادة معروفة وواضحة كرؤساء العمل أو القادة السياسيين، وقد تكون غير مرئية كما يحدث بين جماعة من الأصدقاء، ومن الأمور التي تبين لنا طبيعة القائد في الجماعات غير الرسمية سنذكر ما يأتي:

  1. يحاول أن يصرف على أتباعه أكثر مما يصرفون هم حتى لا يكون لغيره أفضال عليه من ناحية الأمور المادية.
  2. يغيب أي نشاط للجماعة في غيابه فهو محور التنظيم في الجماعة.
  3. يبتُّ بالمشكلات؛ فإذا ما مرَّ أفراد الجماعة بمشكلة ما، تجدهم في انتظاره لحلِّها.
  4. يلتزم بوعوده وكلامه.
  5. يكون خارج الجماعة أكثر شهرة من غيره.

وظائف القيادة:

للقيادة العديد من الوظائف، وسنذكر فيما يأتي أهم هذه الوظائف:

  1. التأثير: يقول العالم شلينبرج: "إنَّنا خدم لكل ما له قيمة عندنا"، وهذا يعني أنَّ أي فرد يستطيع التأثير فينا طالما أنَّه يؤثِّر في شيء ذي قيمة بالنسبة إلينا، وقد يظهر هذا التأثير مباشرةً أو قد يحتاج إلى وقت، ويرى الكثيرون من العلماء أنَّ القائد يأخذ صفاته وخصائصه من الموقع الذي يحتلَّه بصرف النظر عن إمكاناته وقدراته، فالموقع الذي يحتلَّه القائد هو الذي يُحدث التأثير في كثير من الأحيان وسيجعل الآخرين يقبلون هذا التأثير ويطيعون القائد في النهاية، ويمكن القول إنَّ هذه الوظيفة أصبحت مشكلة في الكثير من البلدان النامية التي أصبح فيها أي شخص يحتل مركزاً له تأثير بصرف النظر عن خبراته وصلاحيته لدور القيادة.
  2. الاعتماد عليها: بالإضافة إلى وظيفة التأثير فإنَّ القيادة توفِّر للآخرين سنداً يمكن الاعتماد عليه، ويمكن القول إنَّنا نعتمد على القادة لأسباب عديدة منها:
  3. يستطيع الأشخاص الموجودون في مركز القيادة تحقيق الأهداف التي نريدها إذا كانت محددة ومعروفة، وهذا هو الاعتماد الوسيلي؛ إذ تكون القيادة وسيلة لتحقيق غاية.
  4. يعتمد الناس على القادة لأنَّهم يساعدونهم على فهم ما يريدون، ومن ثم شرح ما يعجزون عن معرفته وهذا هو الاعتماد المعرفي.
  5. يساعد القادة الناس على اكتشاف أنفسهم أكثر؛ فالشعوب تتمكن من فهم نفسها أكثر من خلال قادتها. هذه الأسباب التي تظهر من خلالها أنواع الاعتماد من النادر أن يظهر كل سبب منها وحده؛ إذ تظهر جميعها لكن بدرجات متفاوتة.
  6. الإنجاز: ففي كثير من الأحيان يتولى القادة مسؤولية إنجاز عمليات معينة عن الأفراد، فالقادة هم من يفكرون ويتخذون القرارات ويوضِّحون الطريق، وهنا يظهر الارتباط بين هذه الوظيفة والوظيفتين السابقتين.
  7. العلاقات الاجتماعية والانفعالية: الكثير من المشكلات الاجتماعية تظهر في أماكن العمل أو بين جماعات الأصدقاء، وتفرضها الضغوطات التي تمرُّ بها الجماعات في أثناء قيامها بمهام معينة أو حتى في أثناء ممارسة الحياة الطبيعية، وهنا تتولى القيادة مسؤولية رفع الروح المعنوية والحفاظ على وحدة الجماعة وإعطاء كل فرد أهميته.

يرى بعض علماء النفس أنَّه من الصعب الجمع بين هاتين الوظيفتين معاً؛ وذلك نظراً لطبيعتهما المتناقضة، وخاصةً في أماكن العمل، فالقائد الذي يقوم بوظيفة الإنجاز من الطبيعي أن يضغط على أفراد الجماعة باستمرار لتحقيق هذا الإنجاز، وقد يطلب منهم أحياناً تغيير سلوكاتهم واتجاهاتهم في ضوء الظروف التي يتطلبها الإنجاز، في حين أنَّ وظيفة العلاقات الاجتماعية تُعنى وتهتم بالمشكلات الاجتماعية ومن ثم فإنَّ واجب القائد هنا هو التأكيد على أفكار واتجاهات الفرد.

يمكننا القول إنَّ القيادة بوظيفة الإنجاز تكون قيادة إدارية وفنية، في حين تكون إنسانية بوظيفة العلاقات؛ إحداهما إذاً تتَّجه نحو العمل والأخرى نحو الإنسان.

شاهد بالفديو: 6 علامات تشير إلى أنّ الشخص يتمتع فعلاً بمهارات القائد

أنماط القيادة:

بدايةً يجب التنويه والتأكيد على أنَّ الأنماط في نهاية المطاف هي قوالب جامدة قد تعطي شخصاً صفات ليست فيه، وقد تحرم شخصاً آخر من صفات يتميَّز بها، وهذا الأمر ينطبق على أنماط القيادة، وقبل تعداد هذه الأنماط يجب الإشارة إلى تداخلها مع بعضها وعدم انفصالها:

1. القائد الإداري:

تتلخَّص وظائف هذا القائد بالتخطيط والتوجيه والتنسيق والتنظيم، ويظهر القائد الإداري في المراكز والمؤسسات وفي الجماعات التي تكوَّنت لتحقيق هدف محدد، وعلى القائد الإداري أن يتحقق من تنفيذ المطلوب ويسعى إلى ذلك فواجبه المحافظة على العمليات التنظيمية وتنفيذ سياسة مؤسسة ما.

إقرأ أيضاً: 5 مفاتيح للقائد الإداري الناجح

2. القائد البيروقراطي:

أيَّة مؤسسة سواء كانت حكومية أم دينية أم عسكرية أم تجارية لا بدَّ أن تقسِّم العمليات التي تقوم بها إلى مستويات مختلفة، والأفراد الذين يحتلون مراكز في المستويات الوسطى أو الدنيا يُطلق عليهم هذا اللفظ؛ أي القائد البيروقراطي الذي يمتلك صلاحيات محددة تمكِّنه من الإشراف على مهام محددة.

يستمد القائد البيروقراطي سلطته من اللوائح والنظم داخل المؤسسة التي يكون موجوداً فيها، ومن الجدير بالذكر أنَّ النظم البيروقراطية مع طول الوقت تصبح جامدة وتستحق ما تُوصف به من إعاقة للتطور، إلَّا أنَّها ضرورية فهي تضمن استمرار العمل مهما حدث من تغيرات في قمة البنيان الهرمي الإداري.

3. صانع السياسة:

تحدثنا منذ قليل عن نمط القائد الإداري وفي بعض الأحيان قد تتضمن الإدارة صنع السياسة، ولكنَّ الكثيرين من الخبراء يؤكدون ضرورة أن يكون كل نمط مستقلاً عن الآخر؛ فصانع السياسة يحتاج إلى مهارات مختلفة عن الإداري، وفي المؤسسات الكبيرة غالباً ما يكون صانعو السياسة أعضاءً في مجلس الإدارة.

لكن تجب الإشارة إلى أنَّ الفصل بين النمطين قد يؤدي إلى اختلال التوازن في المؤسسة وخاصةً في البلدان النامية؛ إذ يكون القادة من أهل الثقة لا الخبرة، ويصبح صانعو السياسة لعبةً في أيدي المدير بسبب غياب النظم الإدارية المبنية على أسس علمية؛ مما يؤدي إلى تغييب لدورهم لمصلحة المدير صاحب المركز الأقوى، وبهذا تتحول المؤسسة إلى ملكية خاصة للمدير؛ مما يكون في كثير من الأحيان سبباً في فشل المؤسسات وخاصة الحكومية.

4. الخبير:

هو شخص متخصص في مجال من المجالات ويعمل مستشاراً للمدير أو لصانع السياسة، ووظيفته الأساسية التعليق والنقد وتقديم النصائح استناداً إلى خبرته الخاصة، رغم مشاركته أحياناً في التخطيط والتنظيم ورسم السياسة داخل المؤسسة، ومن الهام أن نعرف أنَّ الخبير غير مسؤول عمَّا يقوم به الآخرون من نشاط.

5. القائد العقائدي:

القائد العقائدي هو شخص متخصص في الأفكار والمعتقدات ولا شأن له بالأمور التكنولوجية، فالأنبياء والمصلحون يُصنَّفون ضمن هذا النمط من القادة نظراً للأثر الذي تركوه من خلال أفكارهم ومعتقداتهم في الملايين من الناس.

6. القائد الروحي:

أهم ما يميِّز هذا النوع من القادة قدرتهم على التلاعب بمشاعر الجماهير وعواطفهم، وفي الحضارات القديمة كاليونانية استُخدِمَ لفظ "كاريسما" للإشارة إلى الأشخاص الذين يمتلكون القدرة على التأثير في الآخرين؛ وبذلك نستطيع أن نتخيَّل مدى الجاذبية التي يستمتع بها القائد الروحي إذا كان قائداً عقائدياً أيضاً.

في عصرنا الحالي أخذ بعض رجال السياسة هذا النمط في القيادة فتحوَّل الناس من الولاء والتعظيم لأفكار القادة إلى ولاء وتعظيم وتقديس للقادة أنفسهم، ويفسِّر علماء النفس انجذاب الجماهير الكبير إلى قائد سياسي ما وتقديسه إلى شعور العجز والتفاهة العميق في داخلهم، والذي يقودهم إلى تقديس زعامة ما؛ وذلك لأنَّهم بذلك يشعرون بالكفاية.

7. القائد السياسي:

يجمع القائد السياسي صفات من الأنماط السابقة جميعاً.

8. القائد الرمزي:

وهو القائد الذي يمثِّل دولة ما، فسفراء أيَّة دولة في الخارج هم قادة رمزيون لهذه الدولة وعليهم التعامل وفقاً لطقوس معيَّنة، وبناءً على هذا وكما نلاحظ أنَّ إهانة سفير دولة ما لا يُعَدُّ إهانة شخصية للسفير نفسه؛ بل يُعَدُّ إهانة للدولة كلها.

9. القيادة الأبوية:

القائد الأول الذي نتعامل معه في حياتنا هو الأب ثم ينتقل هذا الدور ليؤديه المعلم في المدرسة وبعدها وخلال حياتنا نجد دائماً من يؤدي أو يحاول تأدية دور الأب وممارسة السلطة الأبوية علينا، والجدير بالذكر أنَّه يوجد نمطان من القيادة الأبوية: الأول صورة الأب الذي يمثِّل الصلابة والعقاب والتأنيب، والثاني صورة الأم وهو النمط الأبوي الذي يُطعم ويحتضن ويعتني، ويمثل القادة دون النظر إلى الجنس نمطاً من هذين النمطين؛ فمثلاً يمثل الطبيب خصائص الأمومة، في حين يمثل الشرطي مثلاً صورة الأب.

إقرأ أيضاً: كُن قدوةً يُحتذى بها وتأكَّد من أن تقرن أقوالك بالأفعال

صفات القادة:

من الاعتقادات السائدة بشكل كبير في المجتمعات أنَّ القادة يُولَدون ولا يُصنعون، وقد أكد الكثيرون من علماء النفس على أنَّ هذا الاعتقاد كاذب وأنَّ الطبقات الحاكمة تروِّج لهذه الكذبة بشكل كبير لتحتكر القيادة؛ ففي حين ينادون بهذا الصوت تراهم يوظفون المدربين لتعليم وتدريب أبنائهم أصول القيادة، وهذا ليس جديداً؛ إذ إنَّ فليب المقدوني مثلاً استخدمَ أرسطو لتدريب ابنه الإسكندر، ورغم ذلك لا بدَّ من توافر العديد من الصفات في القادة وسنذكر أهمها فيما يأتي:

  1. الذكاء: وهذا لا يعني أبداً أنَّ القائد يجب أن يصل ذكاؤه إلى مستوى العباقرة؛ بل حتى من الضروري أن يكون ذكاء القادة عادياً فالكثير من الأدلة تؤكد أنَّ الناس يتأثرون ويفضلون من يُمكنهم التعامل معه بسهولة وفهمه؛ إذ إنَّ العلاقة بين الأتباع والقادة علاقة تبادل وكل منهما يكمل الآخر، وهذا ما يؤكِّد أنَّ صفات القائد بشكل عام ليست صفات سحرية أو منح إلهية يعطيها الله لبعض الأشخاص ويحرمها عن الآخرين.
  2. الكفاءة: يجب أن يتمتع القائد بالكفاءة التي تمكِّنه من التعامل مع المواقف على اختلافها، واتِّخاذ القرارات بشكل صحيح وسريع.
  3. التمتع بالفصاحة وأن تكون لديه قدرة كبيرة على التواصل والتفاعل مع الآخرين.
  4. تفضيل مصالح الجماعة على مصالحه الخاصة.
  5. السيطرة لكن ليس بفرض رأيه على الآخرين وإجبارهم على اتِّباع أوامره؛ وإنَّما من خلال قوة شخصيته وحكمته التي تمكِّنه من بسط سيطرته على أفراد الجماعة دون أن يُشعرهم بذلك.

من الجدير بالذكر أنَّه اليوم قد تحولت دراسة صفات القادة إلى دراسة المواقف التي تتطلبها القيادة، فقد أكَّد علماء النفس أنَّه من الخطأ الاعتقاد بوجود سمات وخصائص وصفات محددة للقائد صالحة لكل موقف.

شاهد بالفديو: 15 صفة من صفات القادة المتميزين

في الختام:

إنَّ القيادة مجموعة من العمليات التي ينتج عنها توجيه وقيادة أفراد جماعة ما لتحقيق هدف ما، والحقيقة أنَّ القيادة من الضروريات التي تحتِّمها الظروف والمواقف المختلفة التي يمرُّ بها الإنسان لضبط السلوكات واتِّخاذ قرارات مناسبة ومشتركة وتصب في مصلحة الجماعة في الأوقات الصعبة، وإلَّا وجدنا المجتمع اتَّجه نحو الفوضى.

المصادر:

  • كتاب علم النفس الاجتماعي.
  • 1، 2



مقالات مرتبطة