الغضب عند المراهقين وكيفية التعامل معهم

تربية الأبناء من أعظم الأعمال التي يقوم بها الآباء، فهي لا تقتصر على عملية رعاية الطفل جسدياً؛ إنَّما هي أعقد من ذلك لأنَّها تتضمن أيضاً نقل المعارف والمعتقدات والقيم والأخلاق الحميدة من جيل إلى آخر، كما أنَّ عصرنا الحالي والتقدم التكنولوجي الموجود جعل تربية الأطفال أصعب نوعاً ما، وباختلاف مراحل نمو الأبناء، تبقى مرحلة المراهقة هي الأصعب؛ وذلك لأنَّها تحتاج إلى كثير من الحذر والانتباه والدقة في التعامل معهم، وما يميز الأبناء في هذه المرحلة سرعة غضبهم الذي قد يؤثر في سلوكهم وعلاقاتهم مع والديهم ومع الآخرين؛ لذلك لا بد من معرفة كيفية التعامل معهم كي تمر هذه المرحلة بهدوء.



مرحلة المراهقة:

يمرُّ جميع الأبناء بمرحلة المراهقة التي تقسم بدورها إلى ثلاث مراحل كالآتي:

  1. المرحلة الأولى: هي المرحلة التي تمتد بين عمر الـ 11 وعمر الـ 14، ويتم فيها بدء حدوث التغيرات البيولوجية في جسم الطفل التي تمتاز بالانفعالات العنيفة والتقلب في المزاج.
  2. المرحلة الوسطى: تلي المرحلة السابقة بين عمر الـ 14 والـ 18؛ إذ يتم فيها اكتمال التغيرات البيولوجية التي بدأت سابقاً، ونلاحظ أنَّ المراهق في هذه المرحلة شديد الحساسية والتأثر بكل ما يدور حوله.
  3. المرحلة المتأخرة: تمتد بين عمر الـ 18 والـ 21، وفي هذه المرحلة نلاحظ أنَّ المراهق أصبح أهدأ في تعامله مع الآخرين وبدأ اهتمامه يتجه نحو التخطيط لمستقبله العلمي والمهني أيضاً.

أسباب الغضب في مرحلة المراهقة:

إنَّ التعرف إلى الطرائق الصحيحة للتعامل مع المراهقين، يضع الوالدين أمام مسؤولية التعرف إلى أسباب غضبهم وهي كالآتي:

1. فهم تصرفاتهم فهماً خاطئاً:

لا يفكر المراهق بذات طريقة تفكير الأب والأم؛ لذلك قد يفهم الأهل تصرفاته فهماً خاطئاً فيغضب ويثور نتيجة ذلك؛ مثلاً إن كان المراهق يتابع التلفاز أو يقوم بتغيير القنوات وصادف دخول أحد والديه مع ظهور مشهد خادش للحياء باعتقادهم، فسوف يثور ويغضب ويُحكم عليه قبل سماعه لما حدث من المراهق.

2. عدم الاهتمام به:

أكثر ما يجعل المراهق يغضب في هذه المرحلة هو تعرضه للإهمال من قِبل أهله حتى إن كان لديهم مبررات لذلك، مثل العمل لساعات طويلة من أجل تأمين احتياجات الأسرة، فما يهم المراهق وجود أهله إلى جانبه أكثر من أي شيء آخر.

3. إحراجه أمام الآخرين:

يغضب المراهق كثيراً إن قام الأهل بالسخرية منه أو من مشاعره تجاه شيء معين، أو تكلموا عن عيوبه أمام الآخرين؛ وذلك لأنَّه في هذه المرحلة يزداد شعوره بذاته ولا يقبل أن يقلل أحدهم من شأنه حتى إن كانوا والديه.

4. خيبة الأمل:

يسعى المراهق في هذه المرحلة كي يثبت لوالديه أنَّه أهلاً للثقة وأصبح في عمر يؤهله لتحمل المسؤولية؛ لذلك إن قام بتصرف سبب خيبة أمل لوالديه، يحزن ويعبِّر عن ذلك بالغضب في تعامله مع والديه.

5. إفشاء أسراره:

يثق الأبناء كثيراً بوالديهم؛ لذلك إن قام أحدهما بإفشاء سر بعد أن أخبره به، يشعر أنَّ والديه خانا ثقته فيغضب كثيراً ويمتنع عن إخبارهم بما يحدث معه.

6. مقارنته مع الآخرين:

وهي من أكثر الأخطاء شيوعاً وضرراً بسلامة المراهق النفسية، كما أنَّ معظم الأهل يقومون بذلك دون إدراكهم بأنَّ هذا الأمر خطأ كبير؛ مثلاً كأن تقول لابنك: "انظر لأخيك إنَّ مستواه الدراسي أفضل من مستواك عندما كان في نفس سنك"، أو "إنَّ ابن صديقي فلان متفوق عليك"، وغيرها من العبارات التي تؤدي إلى تعامله مع الآخرين بشكل سيئ وإلى تراجع مستواه الدراسي تراجعاً ملحوظاً بسبب قلة ثقته بنفسه.

7. تفضيل أحد الأبناء على إخوته:

أغلب الأهل لديهم ولد مدلل أكثر من أخوته لسبب معين أو حتى دون وجود أسباب، ولكنَّ ذلك يُشعر المراهق بالغضب نتيجة الغيرة من أخوته، كما أنَّ التفضيل بين الأولاد يورث الكراهية والعداوة بينهم.

8. ملاحقتهم في المدرسة:

يشعر المراهق بكثير من الإحراج أمام أصدقائه إن قام والداه بسؤال معلميه عنه دون علمه ومعرفة مشكلاته والعمل على حلها أو الإصرار على مرافقته إلى المدرسة يومياً؛ وذلك لأنَّه يرغب في هذه المرحلة بالاعتماد على نفسه في دراسته وفي حل المشكلات التي يتعرَّض لها.

9. انتقاد أصدقائه:

لنتذكر قليلاً تلك المرحلة، فجميعنا كان لدينا أصدقاء نحبهم كثيراً ونغضب إن قام والدانا بالتحدث بسوء عنهم أو إن انتقد أحدٌ تصرفاتهم.

إقرأ أيضاً: مراهقة الأبناء... بين المُعضلة والدّواء

10. العلاقة السيئة بين الوالدين:

إنَّ أكثر ما يُشعر المراهق بالقلق وعدم الاستقرار هو رؤية والديه منفصلان وعلاقتهما سيئة، خاصة إن قام أحد الوالدين بالتكلم كلاماً سيئاً على الآخر أمامه، ولا ينطبق ذلك على المراهق فقط؛ إنَّما على مختلف المراحل العمرية، فإن تربى الطفل على المشاجرات والمشكلات الدائمة، فسوف يعتقد أنَّ الغضب هو الأسلوب الوحيد للنقاش والتعامل مع الآخرين.

11. التغيرات البيولوجية:

هذه الفترة يحدث بها تغيرات هرمونية وجسدية وعاطفية تجعل مزاج المراهق متقلباً كثيراً ومتوتراً في بعض الأحيان، كما أنَّ التغيرات الجسدية قد تسبب له الإحراج في البداية؛ فمثلاً يخجل المراهق كثيراً من ظهور الحبوب في وجهه، ويزداد الأمر سوءاً إن تعرَّض للتنمر من الآخرين بسب تلك التغيرات.

12. تحمُّله لمسؤوليات كبيرة:

يغضب المراهق كثيراً إن توقع الأهل منه الكثير من خلال توكيل العديد من المهام إليه التي تفوق طاقته؛ وذلك بسبب شعوره بأنَّه غير قادر على القيام بها، وأنَّه سوف يخيِّب أمل والديه به.

13. معاناته من بعض المشكلات النفسية:

فقد يكون هذا السبب وراء الغضب غير المبرر مثل الاكتئاب.

كيفية التعامل مع المراهقين:

يمكن اتباع كثير من التعليمات أو الطرائق التي تجعل هذه المرحلة مرحلة سهلة، سواء بالنسبة إلى الأهل أم المراهق، وهذه الطرائق هي:

1. فهم أسباب الغضب:

إنَّ فهم أسباب الغضب أمر أساسي لحل المشكلة وتهدئة المراهق؛ لذلك إن غضب ابنك، عليك التفكير جيداً بما حدث لمعرفة إن كان غضبه بسبب اللحظة الحالية أو نتيجة أمور سابقة لست على دراية بها.

لا يمكنك أن تعلم ما يحدث له ويسبب غضبه إلا بالتحدث إليه دائماً ومعرفة ما يحدث معه في المدرسة أو غيرها؛ لذا خصِّص بعضاً من الوقت يومياً ليصبح الحديث بينكما عادة يومية بالنسبة إليه.

2. جعله يشعر باهتمامك:

فالاهتمام لا يقتصر على تلبية احتياجاته وطلباته؛ إنَّما عليك أن تشاركه باهتماماته قدر الإمكان وتحاول أن تكون إلى جانبه في المناسبات الخاصة به، مثل عيد ميلاده وليس بإرسالك الهدايا له فقط، فقد يسعد بالهدايا عندما يكون طفلاً صغيراً، لكن عندما يصبح في فترة المراهقة تصبح سعادته بوجود والديه أكبر من أيَّة هدية.

3. علاقة الوالدين الجيدة ببعضهما:

يجب أن يشعر الابن أنَّ والديه مثال للاحترام والحب والتفاهم، ويحدث ذلك من خلال حل مختلف المشكلات بعيداً عن ناظريه ودون سماعه لأي منها وتخصيص وقت للقيام بنشاطات جماعية مسلية أو الذهاب في رحلة ما.

حتى إن حدث انفصال بين الوالدين، يجب ألا يُظهرا له أنَّهما على خلاف؛ وذلك من خلال عدم تحدُّث أحدهما بسوء أو كره عن الآخر، وعدم ذكر عيوبه كي لا تنتقل المشاعر السيئة للمراهق لاحقاً، ومن ثمَّ تصبح علاقته بوالديه سيئة.

4. التحكم بنفسك قدر الإمكان وضبط غضبك:

كما قلنا آنفاً، قد تحكم على المراهق دون سماع مبرراته؛ فمثلاً يغضب الأهل مباشرةً عندما يقوم أحدهم بتقديم الشكوى لهم نتيجة قيام الابن بتصرف سيئ، لكنَّ هذا التصرف خاطئ لأنَّ عليك سماعه ومناقشته وتوضيح الخطأ والصواب له قبل الغضب منه ولومه كي لا يكرر ذلك لاحقاً.

5. معاملته معاملة تتناسب مع عمره:

ففي هذه المرحلة لا يمكن معاملة المراهق بصفته طفلاً من خلال فرض سيطرتك عليه، ولا يمكنك معاملته بصفته شخصاً بالغاً وقادراً على تحمُّل المسؤوليات لمجرد رؤيتك لتغيراته الجسدية واعتقادك أنَّه أصبح قادراً على ذلك.

6. احترام خصوصيته:

فإن تحدث إليك وأخبرك بما يحدث معه أو بمشاعره أو غيرها من الأمور التي يجب أن تَعُدَّها أسراراً، لا يجب التحدث عنها للآخرين نهائياً.

شاهد بالفديو: 8 تصرفات تشير إلى أنَّنا نسيء تربية أطفالنا دون أن نعلم

7. احترام أصدقائه:

يفرح الأبناء كثيراً إن شعروا باحترام والديهم لأصدقائهم، حتى إن شعرت بعدم الحب تجاههم، عليك أن تمنحه بعضاً من الوقت ليكتشف كل شخص على حقيقته لاحقاً، ويقرر إن كان عليه قطع علاقته معه أو لا، كما يجب أن تكون قريباً منه دائماً كي لا يقع في الأخطاء لا أن تلومه على اختياراته، فهو يرى بصديقه جانباً لا يمكنك رؤيته باعتقاده.

8. التركيز على الإيجابيات فيه:

فلكل شخص ما يميزه عن الآخرين وجوانب يبدع فيها أكثر من غيره؛ لذلك لا تقارنه بأحد؛ إنَّما امدح الجوانب الإيجابية فيه لتعزز ثقته بنفسه وتجعله يبذل المزيد من الجهد ليشعر بالمزيد من الفخر به.

9. تجنُّب انتقاده:

لأنَّ ذلك يُعَدُّ خطوة تساعد على شعوره بالأمان والثقة، فيسارع إلى اللجوء إليك عندما يفكر في أمر معين ويريد رأيك به أو عند تعرُّضه لموقف لم يدرك حينها إن كان تصرفه خاطئاً أم صحيحاً.

حتى إن شعرت بالغضب في أثناء نقاشك معه ولم يعجبك كلامه، فلا تُشعره بذلك؛ بل خذ نفساً عميقاً واتركه يعبِّر عن نفسه بحرية، وإن لم تستطع ضبط غضبك، فاتركه قليلاً من الوقت ثم عد لاحقاً لاستكمال النقاش وشرح رأيك بهدوء.

10. تجنُّب العنف الجسدي:

لأنَّه سبب للكثير من المشكلات النفسية التي يصعب علاجها؛ إذ تبقى آثاره النفسية مرافقة للإنسان لنهاية حياته، فعليك حل أيَّة مشكلة بالحوار فقط حتى إن تجاوز المراهق الحدود التي قمت بوضعها سابقاً، فمن الممكن أن يكون العقاب بحرمانه من أشياء يحبها لفترة معينة وليس بضربه.

11. مساعدته على التحكم بغضبه:

يمكن أن تساعد المراهق على ذلك من خلال جعله يلتزم بالمشاركة بنشاطات تساعده على تفريغ الطاقة الكامنة بداخله، مثل دورات للموسيقى أو الرقص أو ممارسة الرياضة سواء في نادٍ رياضي أم من خلال تخصيص وقت للمشي يومياً.

12. أنت قدوة جيدة له:

لأنَّ الابن يعيد ما رآه من والديه، فإن كنت عصبياً غير قادر على التحكم بردود أفعالك، فلا يمكنك أن تطلب خلاف ذلك من ابنك لاحقاً؛ بل يجب أن يتعلم منك أنَّ حلَّ الجدال ليس بالجدال أبداً.

إقرأ أيضاً: أخطر المشاكل التي يتعرّض لها المراهق في عصرنا الحالي

في الختام:

في زمننا الحالي وبتوفر التلفاز والهواتف المحمولة والإنترنت، بالإضافة إلى وجود الأصدقاء والمدرسة والشارع وغير ذلك، ليس الأهل فقط من يقومون بتربية أبنائهم؛ وهذا ما يجعل أمر التعامل مع المراهق أصعب قليلاً، ولكنَّ هذا لا يعني أنَّ عليك حبسه أو منعه عن العالم المحيط؛ بل عليك أن تكون أقرب إليه من أي شيء آخر وأن تكون منفتحاً على كل ما يؤثر به، فمصير الطفل أن يكبر ويقابل الكثير من البشر ويتعلم الكثير من الأمور، لكن يبقى ما تعلَّمه من والديه هو الأساس.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة