العوامل الخفية لفرق العمل الناجحة: "نموذج الصاروخ"

إليك معضلة تواجهها المؤسسات يوماً بعد يوم: مجموعة من الأفراد من ذوي الأداء العالي يجتمعون حول هدف واضح ومعلن للجميع ويشكلون فريقاً، لكن ومع أفضل إرادة ونية لتحقيق نتائج عظيمة لا يتوافقون في تحقيق أهداف الفريق؛ إذ يمكن أن تكون أسباب الفشل مبهمة وغير مفهومة.



بشكل فردي كل عضو في الفريق لديه ما يلزم من معدلات الذكاء والمهارات والإمكانات، إضافةً إلى ذلك يمتلك كل فرد في الفريق ما يكفي من الذكاء العاطفي (EQ) لإنجاز العمل بشكل تعاوني؛ ولهذا السبب تم اختيارهم في الفريق في المقام الأول.

الغريب في الأمر أنَّه عندما يشكلون فريقاً يوجد شيء مفقود يذهب بالفريق بعيداً عن أهدافه بشكل مزمن، ويخالفون من خلاله القاعدة الذهبية وهي: "الفريق يصبح أكثر من مجموع أجزائه"، ولا يمكن للقادة تجاهل المشكلة بحجة أنَّ بعض أعضاء الفريق يفتقدون إلى كيمياء التواصل، أو أنَّ الزمان والمكان غير مناسبين، أو بسبب عدم توافر الفرص المناسبة لبناء العلاقات الشخصية.

ولا يمكن للفريق أن يحل مشكلاته بنفسه من خلال خلوات تُشعره بالرضى وتعزز الجوانب الاجتماعية مثل: المناسبات الاجتماعية والولائم الصيفية والتجمعات الشتوية.

لا بدَّ أنَّه يوجد دور للقائد في إحداث نقلة فكرية تحوِّل الأفراد إلى كتلة متكاملة تمثل فريق عمل حقيقي وفعَّال.

نحن نبحث دائماً في تعزيز مجموعة المهارات الأساسية للفريق؛ فكِّر معي، أعظم ما حققته الإنسانية من الإنجازات كان نتاج جهود الفريق؛ إذ لا يعيش الناس في جزر منفصلة؛ بل الناس في كل مكان على هذه الأرض يتعايشون ويزدهرون بالتضافر فيما بينهم، ولسخرية الدهر فإنَّ الذين تُدفع لهم رواتب وأجور ويعلمون معاً لساعات طويلة كل يوم، تجد المنظمات صعوبة كبيرة في جعلهم يتعاونون مع بعضهم بعضاً لبناء فرق ناجحة.

تُظهر العديد من الدراسات أنَّه فقط 20% من الفرق تُعَدُّ عالية الأداء، وتنخفض هذه النسبة إلى 10% عندما يُسأل القادة في المنظمات عن أداء فرقهم، فلماذا هذه النتائج السيئة؟ تواجه الفرق تحديات أكبر مما كانت عليه في الماضي، وتنمو المنظمات بشكل أكثر تنوعاً افتراضياً وديناميكياً، ويأتي الأعضاء ويذهبون بشكل أسرع مما كانوا عليه سابقاً.

كما تميل فرقٌ إلى الانكفاء الذاتي عندما تظهر المشكلات، وتسعى إلى اكتشاف الحلول من تلقاء نفسها، على الرغم من أنَّ الدعم الخارجي قد يكون أمراً بالغ الأهمية، ويبدأ أهم وأول مفتاح للنجاح بفريق الإدارة العليا، والذي يجب أن يكون نموذجاً مثالياً لبناء الفريق للمؤسسة بأكملها، وإذا لم يحدث ذلك، فنجاح فرق العمل على مستوى الإدارات أو الأقسام، يصبح أكثر صعوبة.

بناءً على أبحاث شملت آلاف الفرق طُوِّرَ نظام قوي وعملي في إطار بناء الفريق؛ والذي صُمِّمَ على شكل صاروخ.

العوامل الخفية لفرق العمل الناجحة نموذج الصاروخ

تعرَّف إلى العوامل الثمانية الكامنة وراء أداء الفرق:

1. الافتراضات المشتركة المتعلقة بالسياق:

يبدأ تشكيل الفريق بداية جيدة عندما يشترك أعضاء الفريق في وضع رؤية مشتركة للسياق الذي يعملون فيه، وفي الواقع فإنَّ الاتِّفاق على مفردات وصيغ مشتركة المتعلقة بالسياق أكثر أهمية كخطوة أولى من تحديد مهمة الفريق (Team Mission).

في كثير من الأحيان يتَّضح أنَّ أعضاء الفريق يعملون بناءً على افتراضات متباينة، ويؤدي هذا التباين - على الرغم من حسن نية أعضاء الفريق - إلى الانحراف عن الغاية الرئيسة، ومن ثم يضر بمعنويات الفريق ويقلل من فاعليته، ويجب أن يكون أعضاء الفريق متفقين على: مَن هم أصحاب المصلحة الرئيسين، وكذلك توقعاتهم واهتماماتهم.

اعتماداً على الفريق قد يشمل أصحاب المصلحة: العملاء، الموردين، المنافسين، الفرق الأخرى، الجهات التنظيمية والرقابية، والقيادة العليا، ويجب أن يتفقوا أيضاً على العوامل الخارجية التي تؤثر في الفريق مثل: الظروف الاقتصادية، والاتجاهات البيئية، والمتغيرات السياسية، والاتجاهات الديموغرافية.

نصيحة للقائد:

خذ الوقت الكافي للتأكُّد من أنَّ أعضاء الفريق متوافقون مع الافتراضات وضمن السياق، ويتأكد ذلك بشكل خاص عندما يعمل بعض أعضاء الفريق عن بُعد "أعضاء افتراضيون"؛ وذلك لأنَّهم قد يعملون في بيئة عمل مختلفة وقد يكون إقليماً مختلفاً تماماً؛ حاملين معهم وجهات نظر مختلفة عن سياق الفريق.

شاهد بالفيديو: 6 خطوات لبناء فرق العمل الفعالة

2. وضوح المهمة:

عندما يتَّفق أعضاء الفريق على شكل النجاح وماهيته، فإنَّهم يمهدون الطريق للفاعلية والإنجاز، وسيبدؤون بتحديد السمات الأساسية:

ماذا يعني الإنجاز؟ ما هي الأهداف المتوخاة؟ ما هي الاستراتيجيات التي سوف يستخدمها الفريق؟ كيف سيُقاس التقدم؟

تؤدي الإجابة عن هذه الأسئلة إلى وضوح الهدف؛ مما يعزز وضوح المهمة أيضاً، وبمجرد تحديد الأهداف يمكن للفريق ترجمتها إلى خطط واستراتيجيات وخطوات قابلة للتنفيذ، وكيفية قياس النتائج، ويُساعد التخطيط فريق العمل على ضمان ترابط النشاطات اليومية بالأولويات الرئيسة، والتي تقود إلى إنتاجية حقيقية وإنجازات ملموسة، ويُوصى بعقد اجتماعات منتظمة للقيام بالمراجعات اللازمة، وتساعد هذه الممارسة الفريق على إجراء التعديلات اللازمة وتحسين احتمالات النجاح.

نصيحة للقائد:

إنَّ تحديد المهمة أمر هام؛ فهي القاعدة الأساسية للمراحل الست التالية من بناء فريق العمل، لكنَّ بذل جهد جماعي وطويل في صياغة بيان المهمة (Mission) يُعَدُّ مضيعة للوقت؛ لذا عيِّن مجموعات فرعية لصياغة المهمة وترجمتها إلى أهداف قابلة للقياس وذات مغزى، ثم يمكن أن تشاركها مع باقي أعضاء الفريق؛ وذلك من أجل المزيد من الدقة والإتقان.

3. مواءَمة المواهب في الفريق:

قد يبدو أنَّه من السهل الحصول على العدد المناسب من الأشخاص من ذوي المواهب في فريق العمل، في حين يثبت الواقع خلاف ذلك، فقد يكون من أصعب الجوانب في المؤسسات، ويُعزى ذلك إلى أنَّ معظم المنظمات ترشِّح موظفين للعمل في فريق اعتماداً على توافرهم وفراغهم، أو تحقيقاً لأجندة سياسة أكثر من الموهبة والمهارة.

قد يعتقد قائد الفريق أنَّ مهارات وخبرات وقدرات الأعضاء الشخصية هي كل ما يهم، لكن توجد أمور هامة في المواهب؛ فالفرق عالية الأداء تحتاج إلى أن تتشكل وفقاً للعدد المناسب الذي يخدم الفريق، ووجود عدد أعضاء فريق قليل جداً أو كثير جداً، يمكن أن يُحدِث إشكالية، وعدد الأشخاص المطلوبين قد يتغير مع مرور الوقت، ومن الضروري وجود تعريف واضح ورصين للأدوار والمسؤوليات من أجل تحسين الأداء وتجنُّب تكرار الجهود والأدوار.

إضافةً إلى ذلك لديهم القدرة على التعايش والعمل معاً بشكل فعال مع القليل من التسامح مع الأعضاء الذين يبدو أنَّهم "التفاحة الفاسدة" والصبر عليهم، وعلى القائد تقدير الجهد الجماعي الرائع ومكافأته، وكذلك الإنجازات الفردية.

نصيحة للقائد:

إنَّ الحصول على أعضاء فريق يمتلكون المهارات المطلوبة هو فقط جزء من المهمة، وهو ليس سهلاً على أي حال، إضافة إلى ذلك يحتاج قادة الفريق أيضاً إلى التأكُّد من أن يقوم كل شخص بنصيبه العادل من المسؤوليات والمهام، ويؤديها جيداً، وهو يساهم بفاعلية في نجاح الفريق، ويجب أن يعالج القادة أي خلل وظيفي بأسرع ما يمكن؛ وذلك لحماية تماسك الفريق والروح المعنوية.

4. الاتفاق على المعايير:

الطبيعة البشرية السوية لأيَّة مجموعة هي أن تعمل وفقاً للذوق العام؛ والذي يظهر جلياً في: الترحيب، عقد الاجتماعات، التواصل، اتخاذ القرار والتنفيذ، وعادةً ما تُرسَّخ هذه القواعد غير المكتوبة بسرعة دون أيَّة مناقشة رسمية، ومع ذلك فإنَّ الفِرق التي تأخذ الوقت الكافي للتحدث عن قواعد العمل ووضع المعايير بوعي تشكِّل أداة قوية لتحقيق تماسك الفريق ورفع أدائه.

تنعكس هذه المعايير على: أوقات الاجتماعات، وتأسيس قواعد وعمليات واضحة في بيئة العمل "بعضها رسمي وبعضها غير رسمي"، وإدارة الاتصالات، واتِّخاذ القرارات، وتفويض المهام، وضمان المُساءَلة.

عندما توجد لدى الفريق مشكلات تتعلق بالكفاءة، فيكون من المفيد مراجعة المعايير المعمول بها حالياً، والعمل مع أعضاء الفريق لوضع معايير جديدة مساعدة لتطوير الأداء.

نصيحة للقائد:

عادةً ما تمثل المعايير المتعلقة باجتماعات الفريق واحدة من أكبر فرص التحسين، حيث أشار "باتريك لينسيوني" (Patrick Lencioni) إلى أنَّ: "الاجتماعات مثل الأفلام؛ كلاهما ممل إذا كان الممثلون يتناوبون في أداء الحوار في الحديث عن أحداث الأسبوع الماضي بصورة روتينية ومملة".

5. الالتزام الوجداني بالمشاركة:

يحدث الالتزام بالمشاركة عندما يؤمن أعضاء الفريق بروح الفريق أولاً، وتتفوق هذه الروح على "الأنا"، وتلتزم الفرق ذات الأداء العالي بأهداف الفريق وأدواره والقواعد المُتَّفق عليها، ولديهم الحافز لتنفيذ المهام اليومية بكل همة وفاعلية، ويدركون تماماً تأثير أدائهم الفردي في المصلحة العامة للفريق، وهم كذلك متفائلون بفرص نجاحهم.

ببساطة هم يرون نجاح الفريق هو نجاحهم بلا شك، وغالباً ما تكون مساهمة أعضاء الفرق المتواضعة ضعيفة ولا ترتقي إلى المستوى المطلوب لإحداث التغيير، وهنا يأتي دور القادة في معالجة هذه النقطة بثلاث طرائق وهي:

  1. بناء رؤية ورسالة للفريق تتوافق مع القيم والرغبات والاحتياجات الشخصية لأعضائه.
  2. ضمان مشاركة أعضاء الفريق في تحديد الأهداف والأدوار والمسؤوليات والمهام الموكلة إلى كل عضو فيه.
  3. التأكُّد من معاملة كل عضو معاملة عادلة، ومساهمة كل عضو مساهمة متساوية، إضافةً إلى التزامهم بمعايير الفريق.

نصيحة للقائد:

يمكنك تحديد مقدار التزام الأعضاء بقيم وروح الفريق من خلال المتابعة بتنفيذهم - بشكل فردي - لقرارات الفريق فمثلاً: إذا وافق الجميع في اجتماع الفريق على قرار ما، ثم خالف بعض الأعضاء ذلك بعد الاتفاق، فإنَّ التزام الفريق ليس قوي بما يكفي، ويدعو إلى مزيد من التأمُّل والتقييم للعوامل الأربعة الأولى لنموذج الصاروخ.

6. الموارد المناسبة للانطلاق:

في وقت مبكر تحتاج الفرق إلى معرفة الموارد الضرورية لتحقيق أهدافها، ويحتاج القادة إلى ممارسة الضغط على أصحاب المصلحة الرئيسين للحصول على هذه الاحتياجات، ويشمل ذلك "موارد مادية" مثل: ميزانية واقعية.

  1. مساحة مكتبية.
  2. أجهزة حاسوبية.
  3. أنظمة البرمجيات.
  4. معدات متخصصة.
  5. دعم تكنولوجي وتقني.
  6. إضافةً إلى موارد معنوية "غير الملموسة" مثل: الدعم السياسي وسلطة اتِّخاذ القرارات، والحماية من داخل المؤسسة من أصحاب النفوذ والسلطة، وتتمتع الفرق عالية الأداء بالنفوذ السياسي اللازم، ويستخدمون السلطة بكفاءَة وفاعلية، وحتى عندما يوجد عجز، توجد لدى أعضاء الفريق القدرة على تعظيم الموارد المتاحة وإيجاد فرص للنجاح.

نصيحة للقائد:

احترس من المواقف التي يكون فيها الفريق مؤهلاً لاتِّخاذ القرارات في ظل وجود واحد أو اثنين من كبار أصحاب المصلحة الذين يتمتعون بحق نقض القرارات (Veto)، فقد تصبح هذه الفرق بمنزلة "حصان طروادة" وتخاطر بأن تصبح وسيلة لإضفاء الشرعية على الأجندة الخفية لأصحاب المصلحة المتنفذين؛ مما يجعل احتمالات مشاركة الفريق - مشاركة حقيقية - منخفضة للغاية.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لإدارة فرق العمل بشكل فعال

7. الشجاعة لإدارة الصراعات:

تدرك الفرق أنَّ إدارة الصراع ليست هي تقليل الصراع نفسه، وينبغي أن يمتلك أعضاء الفريق الشجاعة اللازمة لإثارة القضايا الصعبة مع تطوير آليات وسياسات فعالة للعمل من خلال الخلافات وإيجاد الحلول، وتبدأ الصراعات بشكل ضئيل وخفي، ومع الإهمال والتغاضي تكبر رويداً رويداً، وعوامل مثل: الانسجام بين بعض الأعضاء، والتفكير الجماعي، والتخندق، والشعور بالمظلومية؛ كلها تؤدي إلى تأجيج الصراع وتحويله إلى أشكال أكثر عنفاً وفوضى.

عادةً ما نجد أنَّ الأسباب الجذرية لمعظم الصراعات في الفريق يمكن أن تكون مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسوء الفهم أو الخلافات المتعلقة بالخطوات الست السابقة في نموذج الصاروخ، وعندما يعالج الفريق القضايا الأساسية بطريقة شجاعة وماهرة في بيئة موثوقة وآمنة نفسياً، تتحسن الروح المعنوية جنباً إلى جنب مع أداء الفريق.

نصيحة للقائد:

قد يحاول القائد تقليل الصراع من خلال مشاركة أعضاء الفريق في نشاطات اجتماعية تغلب عليها روح الود وغير الرسمية مثل: نشاطات ودية، حفلات شواء، ألعاب رياضية وغيرها، ولسوء الحظ فإنَّ هذه الأحداث لا تؤدي إلَّا إلى رفع الروح المعنوية مؤقتاً؛ وذلك لأنَّها تفشل في معالجة الأسباب الجذرية للنزاع، ومن خلال الرجوع إلى الخطوات الست السابقة، قد يكون الفريق قادراً على تحديد المشكلات ومعالجتها.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح لتجنب الصراعات والمشاكل في العمل

8. التركيز في النتائج:

دائماً ما تضع الفرق عالية الأداء عينيها على النتيجة النهائية، فهي تقيس النتائج مقابل المهمة، وتتابع بانتظام التقدم الحاصل، وتتعلم من النجاحات والفشل، وتبتكر طرائق لمواصلة التحسين المستمر؛ إذ إنَّه من الهام مواءمة أهداف الفريق مع النتائج المنتظرة من المنظمة ومعاير التقدم بطريقة تؤدي إلى أداء فائق، ويعتمد تحقيق النتائج النهائية على مدى جودة الفريق في تأسيس الخطوات السبع السابقة بشكل مناسب واحترافي.

عندما يتعثر الفريق في تطبيق إحدى هذه الخطوات، فإنَّ النتائج تتأثر بشكل مباشر، ومن خلال تطبيق الخطوات بشكل احترافي؛ فإنَّ الفريق يتواصل لتقوية الروح المعنوية وتحقيق النجاحات المتتالية.

إقرأ أيضاً: 5 خطوات تساعدك لزيادة قدرتك في التركيز

نصيحة للقائد:

من الهام أن يُعلِّم القادة الفرقَ كيفية تحقيق النجاحات، وقد يكون من المفيد دراسة التقنيات التي يستخدمها المدربون في الرياضة؛ إذ يعمل المدربون باستمرار على وضع استراتيجيات متجددة لتحقيق الفوز في البطولات، بينما قد لا تكون النتائج بالنسبة إلى الشركات أو المنظمات قاطعة مثل الفوز أو الخسارة في الموسم الرياضي، ومع ذلك توجد دائماً طرائق لمعايرة النجاح.




مقالات مرتبطة