العمل الحر: كيف أنجح في بناء عملي الخاص؟

نحن نقزِّم من حجم إمكاناتنا ونتعامل بقلة وعي وإدراك لمدى قدراتنا وملكاتنا، فننظر إلى أصحاب الشركات الكبيرة على أنَّهم أناس من كوكب مختلف، وبعيدون كل البعد عنا، وكأنَّ لهم قدرات استثنائية وملكات فكرية خارقة وغير عادية، الأمر الذي يجعلنا ندور ضمن الدائرة المفرغة ذاتها، فنتعب كثيراً ونربط التعب الجسدي بالربح المادي، ولا نعترف بأهمية الأفكار والسعي الفكري، فعالم أعمال اليوم هو عالم الأفكار بامتياز، ويظهر هذا جلياً في صناعة مواقع التواصل الاجتماعي، وشركات التكنولوجيا الناجحة.



لم يعد يفيدك احتفاظَك بذات العقلية في عالم يعج بالتغيرات المتسارعة والمفاجئة، فعليك اليوم أن تُطوِّر مهاراتك وقدراتك لكي تدخل سوق العمل وتُثبِت وجودك الحي فيه.

ولن تستطيع التطور والارتقاء ما لم تُحدّد أولاً وجهتك وبوصلتك؛ أي عليك البدء والغاية في ذهنك، ولكي تصل إلى هذا البعد من التفكير، عليك بدايةً تحمُّل مسؤولية حياتك بكل ما فيها من تفاصيل، والبدء بالتفكير خارج الصندوق، وصولاً إلى بناء منتج قد يكون بسيطاً ولكنَّه يحمل في داخله مشاعر من الإرادة القوية والعزيمة الجبارة والرغبة الجامحة بالتحسين والتطوير.

كيف أبدأ عملي الحر؟ إليك هذا المقال الذي يساعدك في الوصول إلى طرائق التفكير والخطوات المطلوبة لبناء عملك الخاص.

العمل الحر أفضل من الوظيفة:

نمضي حياتنا ونحن مؤمنون بفكرة "الوظيفة وسيلة للشعور بالأمان والاستقرار"، فنقضي حياتنا في وظيفة مملة لا تُقدِّم لنا أيَة قيمة مضافة، ونتخلى عن أحلامنا وشغفنا، واضعين كامل طاقاتنا ووقتنا وجهودنا في وظيفة روتينية لا تعمل على إثراء مهاراتنا وقدراتنا ومعرفتنا، ونكتفي بالعيش يوماً بعد يوم في الحياة، متجاهلين النظرة الأعمق والأكثر شموليَة لمسار حياتنا، ومتنازلين عن وجهتنا وبوصلتنا، مانحين كفة القيادة لظروف الحياة وتغيراتها بحيث تُملي علينا تحركاتنا وخطواتنا المقبلة.

نحن نفعل كل هذا سعياً للحصول على شعور الأمان، دون أن ندري أنَّ ما نحصل عليه ما هو إلا وهم الأمان، ولكي نصل إلى شعور الأمان الحقيقي علينا أن ندرك أنَّنا مَن يصنع حياته، وأنَّنا المسؤولون عن كل مسار نمضي فيه، وبالتالي يكمن أماننا الحقيقي في تطوير ذاتنا والارتقاء بها بحيث تكون قادرة على الخلق والإبداع وصولاً إلى تحقيق المنافع لنا وللآخرين.

يمنحنا هذا المنظور في رؤية الأمور صلابة حقيقية للالتزام بروح المبادرة، بحيث نحدد ما نريد ونسعى بجد إليه، متخلين عن كل الأوهام التي كانت تُعرقِل مسارنا وتُشوِّش تفكيرنا.

إقرأ أيضاً: أساليب تطوير الذات: 14 طريقة لتطوير مهاراتك الشخصية

مجالات العمل الحر:

هناك الكثير من مجالات العمل الحر حيث لايمكن اختزاله بمجالات أو أعمال محددة، ومن إيجابياته أن أي شخص يستطيع العمل في المجال الذي يتقنه، ومن أهم مجالات العمل الحر:

  1. البرمجة وتطوير مواقع الويب وتطبيقات الهواتف الذكية.
  2. التدوين والترجمة وكتابة المحتوى.
  3. إدارة منصات التواصل الاجتماعي.
  4. التسويق والمبيعات.
  5. التصميم الجرافيكي.
  6. تحسين محركات البحث SEO
  7. التعليق الصوتي
  8. الإعلانات.
  9. تقديم الخدمات الاستشارية... وغيرها الكثير.

كيف أنجح في بناء عمل خاص بي؟

قبل أن تبدأ عملك الخاص، عليك أن تقرأ سير الأشخاص الناجحين، فهم يمنحونا خلاصة تجربتهم على مدار سنوات في عالم الأعمال، الأمر الذي يساعدك في الوصول إلى ما تريد وبأقل الخسائر.

1. القيم:

لا يمكنك البدء في عملك الخاص بدون تحديد قيمك الأساسية في الحياة، ومن ثم صناعة مشروعك الخاص بشكل يتناسب معها؛ لذا اصنع قيمك بطريقة واضحة وملموسة، كأن تُحدد قيم شركتك الناشئة على الشكل التالي: "الصراحة، الاحترام، النمو والإنجاز، التأثير".

2. بناء الرؤية والمَهمة:

عليك أن تُحدد البوصلة والهدف من هذا المشروع، كأن يكون لديك تصوُّر مسبق (الرؤية) عن المنتج أو الخدمة التي ستقدمها، والشريحة المستهدفة، والإجراءات التي ستقوم بها لإيصال منتجك أو خدمتك للناس، أي أن تبدأ والغاية في ذهنك بحيث لا تتشتَّت على الطريق أو تهدر طاقتك ومالك.

عليك أن تكون قادراً على اختصار مَهمة المشروع وتقديمها للآخرين على شكل جملة أو جملتين، بحيث تُبيِّن لهم الفائدة الحقيقية من مشروعك المُقدَّم.

إقرأ أيضاً: ما مدى أهمية "الرؤية" بالنسبة إلى قادة الأعمال؟

3. الصراحة:

يُخطِئ الكثير من مؤسسي الشَركات الناشئة عندما يقللون من أهمية قسم الموارد البشرية، في حين أنَّه القسم الأهم على الإطلاق، فمن الضروري جداً التواصل مع الموظفين، والإصغاء إلى مقترحاتهم وشكواهم، فالموظف ليس آلة لإجراء العمليات؛ بل هو إنسان لديه أفكاره الخلاقة التي قد تضيف كثيراً لعمل الشركة.

4. التنوع:

قد يؤمن المُقبِل على تأسيس شركة ناشئة أو عمل خاص بأهمية وجود صنف واحد من الموظفين، بحيث يكون متميزاً واستثنائياً.

لقد بيَّنت الدِراسات وجود تنوُّع كبير في أنماط العاملين؛ حيث تحتوي معظم الشركات على نسبة 20% من الموظفين من ذوي الأداء والإمكانيات العالية، و70% من الموظفين الذين ينقصهم التدريب والتوعية للوصول إلى المستوى الأول، و10% من الموظفين الذين لا نفع لهم.

يجب أن يمتلك مؤسس الشركة الناشئة الجرأة والقوة لتسريح أولئك الذين لا يقدمون أي قيمة مضافة للشركة (العشرة بالمئة الذين لا نفعَ لهم)، ويجب أن يتحمل مسؤولية تدريب وتطوير أداء موظفي المستوى الثاني، فهم يشكِلون النسبة الأعلى من عمالة الشركة.

5. المنافسة:

إن كنت تخطِط لبناء مشروعك الخاص، فيجب أن تنظر نظرة مختلفة إلى موضوع المنافسة؛ حيث إنَّها ضرورية لاستنهاض الإرادة والهمة، ومن جهة أخرى، عليك ألا تقلل من أهمية مشروعك، كيلا تغوص في المقارنة بينه وبين المشروعات الكبيرة والضَخمة؛ بل عليك أن تستثمر في نقاط قوتك، فأنتَ تملك الكثير من الشغف والحماس، في حين يفتقد رئيس مجلس إدارة شركة كبيرة ذلك الأمر، فهو لم يعد يختبر متعة الخطوة الأولى والحماس المتقد للوصول إلى الهدف، ولم يعد يعيش جو التحديات بذلك الزخم القديم.

تميل معظم الشركات الكبيرة إلى شراء الشركات الناشئة من أجل قتل المنافسة وإحياء روح الشغف والحماسة، ولزيادة أرباحها.

اعمل على استخدام المرونة في اتخاذ القرار، أي قدِّم تسهيلات وسرعة في أثناء تعاملك مع العملاء؛ بحيث تكسب ميزة تنافسيَة قوية أمام الشركات الكبرى، ولا تنسَ أنَّ أهم خطوة هي الإيمان المطلق بقدرتك على التنافس ومع أكبر الشركات.

شاهد بالفديو: 9 استراتيجيات فعّالة لتحفيز ذاتك عندما تفتقد إلى الحماس

6. التغيير:

تقبَّل التغيير واسعَ إليه في الوقت المناسب، وحضِّر العاملين بشكل جيد لخطوة التغيير، كأن تستعرض الأسباب المنطقيَة لضرورة التغيير، وفي حال اعتراض بعض العاملين على تنفيذ التغيير، فعليك أن تتفهم مخاوفهم من التغيير، وتزيدهم ثقة وأماناً بمدى فاعلية هذه الخطوة، أما في حال إصرارهم على عدم التنفيذ، فهنا عليك اتخاذ إجراء حازم معهم كأن تقوم بتسريحهم؛ حيث تعد بيئة العمل مكاناً للعمل والطموح وليس مرتعاً للخوف والضعف والخنوع.

7. التسرع:

لا تترك وظيفتك الثابتة بمجرد ورود فكرة المشروع الخاص في عقلك، بل اسعَ إلى الموازنة بين الأمرين إلى حين التأكد من نجاح مشروعك الخاص، فحينها تستطيع تقديم ورقة استقالتك بمنتهى السعادة والثقة.

8. النسخة المبدئية للمشروع:

تكمن الحكمة الحقيقية في أن نتعلم بأقل التكاليف الممكنة؛ لذلك على كل إنسان أن يدرس خطواته بطريقة صحيحة، وألا يتسرَع في اتخاذ قراراته، وألا يخضع إلى المسلمات بطريقة عمياء؛ بل عليه أن يضع كل افتراضاته المسبقة في موضع اختبار وتجربة.

يميل بعض الأشخاص إلى هدر الكثير من المال والطاقة من أجل تحويل فكرتهم إلى مشروع، ومن ثم يقدمون المشروع إلى الناس متأملين أن ينال إعجابهم، وفي حال عدم توافر الاستجابة الإيجابية من قِبل الشريحة المستهدفة؛ فإنَّهم ينصدمون نفسياً ويكتئبون، في حين كان بإمكانهم بناء نموذج مبدئيٍ للمشروع ومن ثم قياس مدى نجاح النموذج، واتخاذ قرارالاستمرار في فكرة المشروع أو تعديلها.

على سبيل المثال: في حال رَغِب شخص ما في إنشاء موقع إلكتروني لبيع الأحذية، فبدلاً من اللهث وراء افتراضاته المسبقة والتي تؤكد له نجاح الموقع وقبول الشريحة المستهدفة لِمنتجاته، وعوضاً عن وضع الكثير من الأموال على شراء الأحذية ذات العلامة التجارية الغالية جداً، وبدلاً من الاستعانة بمبرمجين محترفين من أجل إنشاء الموقع بطريقة مثالية؛ فإنَّه يقوم بإنشاء موقع إلكتروني مبدئي، والتواصل مع العلامات التجارية المحلية من أجل عرض منتجاتها على موقعه الإلكتروني، ومن ثم قياس مدى إقبال الناس على الشراء، بحيث لا يشتري زوجاً من الأحذية إلا في حال ورود طلب الشراء إليه من قبل العميل، ومن ثم بناءً على طلبات الشراء الواردة إليه من العملاء؛ يقرر الشخص إمكانية الاستمرار في المشروع أو التوقف عنه أو التعديل عليه.

9. استراتيجية "لماذا":

في حال وجود المشكلات في أثناء بنائك مشروعك الخاص، فإنَّه عليك استخدام تقنية "لماذا" للوصول إلى الجذر الأساسي للمشكلة.

على سبيل المثال: إذا لاحظتَ أنَّ المبيعات قد انخفضت في شركتك، فعليك أن تسأل "لماذا" حدث ذلك؟ قد تكون الإجابة: لأنَّ مسؤول المبيعات لا يُطبِّق سياسة التسويق الإلكتروني، فتسأل "لماذا"؟ فتكون الإجابة: لأنَّ مدير المبيعات صاحب عقلية تقليدية وغير متطوِّرة، وبذلك تكون تقنية "لماذا" قد ساعدَتنا في الوصول إلى الجذر الحقيقي للمشكلة.

10. التوازن:

لكي تنجح في إنشاء عملك الخاص، عليك أن تتعلم مهارة الموازنة ما بين عملك وحياتك الشخصية، وذلك من خلال تحديد أولوياتك والسعي إلى تحقيقها على أرض الواقع، ويعد وجود عائلتك وأصدقائك حولك من نعم الله عليك، لذلك قدِّر هذه النعمة وأعطها حقها من الاهتمام والتركيز إلى جانب عملك وبصمتك المهنيَة.

إقرأ أيضاً: 9 مبادئ لاستعادة التوازن

الخلاصة:

آمن بقدراتك وإمكانياتك، وابقَ ضمن دائرة تأثيرك، ولا تستسلم إلى الظروف الخارجيَة والمسلَّمات المُتبنَّاة بلا تفكير أو تمحيص، واسعَ إلى بناء نموذجك البدائي وقِس مدى نجاحه، وقرر مدى فعَّالية مشروعك بناء على ذلك، وابدأ والغاية والهدف في ذهنك، واستثمر في نقاط قوتك؛ عندها ستصل إلى ما تريد بلا شك.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة