العلوم الزائفة: ما هي؟ وما صفاتها؟ ولماذا يصدقها الناس؟

الطب البديل، والعلاج بالطاقة، والبرمجة اللغوية العصبية، وعلم التنجيم، والتنويم المغناطيسي، وغيرها الكثير من المصطلحات التي نصادفها يومياً في حياتنا وننسب إليها صفة العلم، ولكن، إن توقفنا لحظة وفكَّرنا بشكل جديٍّ في حقيقة هذه العلوم وطبيعتها وصفاتها، فهل سنستمر في إعطائها صفة العلم؟ وهل تسميتها بالعلوم الزائفة تسمية دقيقة ومنصفة؟ هذا ما سنقوم بالحديث عنه من خلال المقال الآتي.



ما هي العلوم الزائفة؟

ابتداءً، علينا أن نفهم ماذا يُقصَد بالعلم؛ فالعلم هو: الملاحظة والتحديد والتعريف والتقصِّي المبني على التجربة والتفسير لظاهرة ما من خلال النظريات، ويُستخدَم خاصةً في النشاطات التي تُبقي على الظاهرة موضع السؤال والدراسة".

إذاً، للعلم منهجية ثابتة اتفق عليها العلماء، وتذهب الآراء إلى عدِّ كل ما هو خارج هذه المنهجية علماً زائفاً، وهنا يجب الانتباه إلى وجود بعض المحاولات الجدِّية التي تسعى إلى الوصول إلى نتاج علمي حقيقي، ولكنَّها تقع في بعض الأخطاء، وهذه الرغبة الجدِّية مع اتباع خطوات المنهج العلمي تجعلها بعيدةً عن مصطلح العلوم الزائفة.

إذاً، فالعلوم الزائفة هي: مجموعة من الممارسات والمعتقدات التي تنسب إلى نفسها صفة العلم، على الرغم من أنَّها لا تتوافق مع المنهج العلمي، ناهيك عن أنَّها تستند إلى أدلة علمية خاطئة، وحتى يُقدَّم نشاط ما على أنَّه علم زائف، يجب أن يتوافر فيه الشرطان الآتيان؛ الأول: أن يكون غير علمي، والثاني: أن يحاول الترويج لنفسه ويعطي الانطباع بأنَّه علمي.

سنذكر فيما يلي العديد من العلوم الزائفة التي قدَّمَت نفسها إلى العالم على أنَّها علوم حقيقية:

  • نظرية الحياة على سطح المريخ: واحدة من النظريات التي روَّج لها عالم الفلك "بيرسيفال لويل"، الذي وجد ما يشبه نظام قناة في صور لكوكب المريخ، وهذا ما دفعه إلى استنتاج وجود كائنات ذكية هناك، وقد نقلَت صحيفة "التايمز" هذا البحث، الذي أُثبِت فيما بعد أنَّه مجرد ترجمة غير صحيحة لأحد أعمال عالم الفلك الإيطالي "شيا باريلي"، وعلى الرغم من إثبات خطأ نظرية "لويل"، ما زال الكثير من الناس حول العالم يعتقدون بصحتها ويصدقونها.
  • علم فراسة الدماغ: ربط العالم "فرانز غال" وفريقه بين شكل هيكل الجمجمة والقدرات الجسدية والشخصية للإنسان، دون استخدام أيِّ دليل علمي، ودون الاعتماد على المنهج العلمي السليم، لكن على الرغم من ذلك، انتشر هذا العلم على نطاق واسع في كل أنحاء العالم، وقد أدى إلى تمييز عنصري بين الناس على أساس شكل الجمجمة.
  • علم القزحية: يتم فيه تقييم الشخص بناءً على لون قزحيته، وقد وضع هذا العلم الزائف "إغنانز فان بيشيل" دون أيِّ حجج علمية لإثبات صحة نظريته التي انتشرت بين الناس.
  • الروحانية: يُعَدُّ هذا النوع من أكثر أنواع العلوم الزائفة انتشاراً حول العالم وفي جميع الحضارات على مرِّ العصور.
  • الطب البديل: مجموعة الممارسات التي تدَّعي قدرتها على الشفاء، والمستوحاة من الثقافات الشعبية ومن الخرافات وغيرها من الطرائق والوسائل التي لا تعتمد على المنهج العلمي، ولا تخضع لقواعد الطب والصيدلة والتمريض.
  • علوم التنجيم: أحد العلوم الزائفة المنتشرة والرائجة جداً؛ حيث يدَّعي الفلكيون الحاليون قدرتهم على التنبؤ بالمستقبل ومعرفة ما سيحدث بناءً على حركة النجوم والكواكب.
إقرأ أيضاً: الطب البديل ودوره في الشفاء من الأمراض

صفات العلوم الزائفة:

تتصف العلوم الزائفة بمجموعة من الصفات التي تجعلنا قادرين على تمييزها عن العلوم الحقيقية، فإذا أردت التحقق من حقيقة علم ما، فابحث في النقاط الآتية:

  • القابلية للتزوير؛ حيث تُعَدُّ القابلية للتزييف - حسب "بوبر" - المعيار الحاسم الذي يميِّز بين العلم والعلوم الزائفة والنشاطات غير العلمية.
  • الغموض وعدم الدقة، ناهيك عن النقص في التعريفات التي تكون غير مفهومة، واستخدام مصطلحات معقدة وغير مثبتة علمياً.
  • الثبات منذ طرح فكرته أول مرة؛ حيث لا يطرأ عليها الكثير من التغييرات، على عكس العلم الذي يقدِّم أفكاراً جديدة دائماً ويبحث عن كل جديد ويُجري البحوث دائماً.
  • رفض المشكلات والابتعاد عن التحديات والهجوم على كل انتقاد يُوجَّه إليه، وعلى كل من يطالبه بتقديم اختبارات علمية.
  • الاعتماد على القصص والحكايا والتجارب الشخصية، دون وجود أيِّ أدلة أو وثائق داعمة، إضافة إلى الانتقائية في اختيار هذه القصص؛ حيث إنَّ هذه العلوم لا تعتمد على التجربة وعلى تكرار النتائج حتى يتم اعتماد وإثبات حقيقة ما.
  • التركيز على نوع من الأجندة الأيديولوجية، على عكس العلم الحقيقي الذي يحاول التركيز على تقديم المساعدة إلى الناس لفهم العالم حولهم بشكل أكثر عمقاً وثراءً.
  • عدم القابلية للدحض.
  • إطلاق التعميمات بشكل مبالغ فيه.
إقرأ أيضاً: أشهر أخطاء التفكير وطرق تجنُّبها

لماذا يصدِّق الناس العلوم الزائفة؟

تحظى العلوم الزائفة بانتشار واسع في كل أنحاء العالم؛ حيث استطاعت أن تُوجِد لنفسها سوقاً بملايين الدولارات، وجمهوراً عريضاً مُصدِّقاً وداعماً ومؤيداً، إذاً، لماذا يميل الناس إلى تصديق هذه العلوم الزائفة وتكذيب العلم؟ للإجابة عن هذا التساؤل، سنتطرق إلى التجربة التي قام بها مجموعة من العلماء الكنديين الذين أثارت هذه الفكرة تساؤلاتهم وفضولهم، فقرروا إجراء بحث لمعرفة السبب الذي يدفع الناس إلى تصديق الهراء والزيف.

استخدم العلماء في هذه التجربة مولِّد جُمل عشوائية يقوم بتأليف مجموعة من الجمل الصحيحة لغوياً، والتي تستخدم كلمات عميقة لا علاقة لها ببعضها، ثم تربطها معاً لتظهر عبارةٌ تبدو هامة في الشكل وذات دلالة، وهي في الحقيقة مجرد هراء لا ينبع من أيَّة دراسة ولا من أيَّة عملية بحث علمي. وبعد ذلك، تُعرَض هذه الجمل على عيِّنة مؤلفة من مجموعة من الأشخاص الذين تم التأكد مسبقاً من قدرتهم على فهم اللغة التي كُتِبَت بها تلك الجمل، ومن سلامة إدراكهم وانتباههم.

لقد كانت النتيجة الصادمة، أن أعطى 27% من العينة تقديراً فوق 3 من 5 لتلك الجمل؛ أي تقديراً جيداً جداً للهراء، وللتأكد من أنَّ العينة لا تُقدِّم تقييمها بشكل عشوائي، عُرِضَت عليها مجموعة من العبارات السطحية والبسيطة فأعطتها تقييماً منخفضاً.

أُخضِعَت المجموعة بعدها لاختبارات ذكاء وإلى استبيانات للوقوف على خلفية تلك العينة الدينية، ولمعرفة علاقتهم بالروحانيات، ومدى تصديقهم للطب البديل والتنويم المغناطيسي وقانون الجذب، فوصل الفريق إلى النتيجة الآتية: إنَّ أغلب من أعطى تقييمات مرتفعة، كان لديهم قبول لنظريات المؤامرة، وإيمان بقانون الجذب، واعتقاد بالطب البديل وما إلى ذلك.

طبعاً هنا لا نستطيع لوم هذه الفئة التي يوجد المثيل لها على نحو كبير في الشارع العربي اليوم؛ إذ تُعَدُّ وسائل الإعلام المصدر الأساسي لمعلومات وثقافة الكثيرين، وهذا أحد أسباب انتشار هذه العلوم التي تروِّج لها تلك الوسائل بشكل كبير، إضافةً إلى العديد من الأسباب المعقدة على مختلف المستويات الفردية والجماعية والمجتمعية.

على المستوى الفردي، نجد أنَّ عدم الرغبة في التأكد من صحة المعلومات، وعدم القدرة على التقييم، هما العاملان الأساسيان للتصديق، وبغضِّ النظر عن أنَّ المشكلة تبدأ من الفرد، غير أنَّها لا تنفصل عن الواقع الاجتماعي الذي يعيش فيه، فكل ما يحيط بالفرد يُعَدُّ عوامل مؤثرة، وعندما تكون الظاهرة أكثر انتشاراً في المجتمع، سيميل الناس إلى تصديقها والاعتقاد بها بشكل أكبر.

وهنا نرجع إلى وسائل الإعلام وأجنداتها السياسية والاقتصادية، فهي تعمل على الترويج لفكرة ما لتحقيق مصالحها ولكسب الأرباح الطائلة، فيتم تضليل الناس وإقناعهم عن طريق التكرار والعبارات المنمَّقة والرنانة بأشياء لا صحة لها.

ولن ننسى أنَّ الكثير من الممارسات الزائفة تستند في الأساس إلى أفكار علمية؛ ممَّا يُقنع الشخص العادي وغير الخبير بصحتها ويجعلها أكثر قابلية للتصديق، فقانون الجذب مثلاً، يدَّعي وجود علاقة قوية له بالفيزياء من خلال نظرية النبوءة المحقَّقة لذاتها، والتي يستخدمها كغطاء لدعم فكرته دون أيِّ تجارب أو أدلة علمية مثبتة.

قد يكون لتلك الممارسات أخطار كثيرة على المجتمع، وخاصةً إذا ما تعلق الأمر بعلاج الأمراض وحلول الشفاء السحرية، كما أنَّ انتشار العلوم الزائفة قد يُسبب انتشاراً للعنصرية، مثل ما حدث بسبب علم فراسة الدماغ، ولن ننسى باب الدجل والكذب الذي تفتحه تلك العلوم، لتكون غطاءً لعمليات نصب واحتيال كبيرة تُمارَس على الناس بمختلف فئاتهم ومستوياتهم.

في الختام:

العلوم الزائفة إذاً ليست إلا واحدة من مفرزات العصر الحالي، والتي تعمل على تقديم مفهومات روحانية قديمة وإعادة الحياة لمعتقدات باطنية، ثم إعطاء تلك المفاهيم والمعتقدات صفة العلم، وتقديمها إلى الناس تحت مسميات مختلفة، معتمدةً على بعض الأقوال والحقائق التي يعتقد الناس بأنَّها حقائق علمية، لجعل أفكارهم أكثر انتشاراً وقابليةً للتصديق.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7




مقالات مرتبطة