العلاقات السعيدة تحتاج إلى العمل

تُظهر الأبحاث عن العلاقات السليمة أنَّك عندما تبحث عن علاقات أقوى وطويلة الأمد، فعليك تطوير العقلية الصحيحة لذلك.



كانت "آن" (Anne) ممثِّلة تكافح في نيويورك، وفي محاولة لوضع الخطوة الأولى في مكان ما - في أي مكان - شرعت في استئجار وكيل، وبعد بضع مكالمات كانت تجلس لإجراء مقابلة، ويبدو أنَّ الأمور تسير على ما يرام، وربما جيدة جداً، لكن بعد بضعة أسئلة، أدركت "آن" أنَّها أتت إلى المدينة من أجل لا شيء، فلم يرغب الوكيل في أن يجد لها عملاً؛ بل كان يريد مواعدتها؛ فغادرت المكتب وهي تبكي وتتساءل لماذا لم تستطع الحصول على الاحترام الذي تستحقه في حياتها المهنية؟ وكان ذلك عندما التقت "جيري" (Jerry)، ممثِّلاً آخر صادف أنَّه كان جالساً في غرفة الانتظار في نفس المكتب؛ إذ واساها لحظة، وتجاذب أطراف الحديث معها، وقرَّرا الذهاب لاحتساء القهوة.

الممثِّلان في هذه القصة هما "آن ميرا" (Anne Meara)، و"جيري ستيلر" (Jerry Stiller)، أحد الأزواج المفضلين في هوليوود، قصة لقائهما ممتعة، لكن بقية الحكاية كان لها مغزى أكبر بكثير، فعندما توفيت "ميرا"، كانا قد أكملا 60 عاماً من زواجهما، ويعدَُ هذا إنجازاً مذهلاً لأي زوجين، لكن لم يسمع به أحد تقريباً في وسط الشهرة والثروة، فما هو هذا الرابط الذي جمع زواجهما مع كل هذه العلاقات الفاشلة التي يبدو أنَّها انتشرت في وسط الأغنياء والمشاهير؟

منحت "نظرية العلاقة" لـ جيري وميرا - الطريقة التي فكَّرا بها بشأن زواجهما وكيف يجب أن يسير - سِمة مميَّزة أبقتهما سعيدين طوال تلك السنوات.

تؤثر نظرية العلاقة الخاصة بك في نجاح علاقتك:

يكاد يكون من المستحيل أن تنمو دون تبنِّي نوع من الأفكار عن كيفية عمل العلاقات.

  • نحن نشاهد والدينا.
  • نشاهد التلفاز.
  • نرى كيف يبدأ الأشخاص من حولنا علاقاتهم ويحافظون عليها وينهونها.

تتجمَّع كل هذه المدخلات معاً لتشكيل آرائنا المتعلقة بما يصلح وما لا يصلح، ما يجب وما لا يجب أن يحدث خلال الشراكة الناجحة، وعلى الرَّغم من جميع الاختلافات المحتملة، فقد وجدت العديد من الدراسات النفسية أنَّها جميعاً تندرج في فئتين يسمِّيها الباحثون النظريات الضمنية للعلاقات، والنظرية التي تختارها تسهم إسهاماً كبيراً في تحديد مدة العلاقة ومدى اقتناعك بها.

إقرأ أيضاً: مهارات التواصل وطرق تطويرها وتنميتها

الإيمان بالقدر: سهم الحب الذي قد يغويك

هل تعتقد أنَّ العلاقات إمَّا تنجح أو لا تنجح؟ وعندما تقابل شخصاً ما، هل يتطاير الشرر بغضاً من عينيك فوراً، أم تشعر بإحساس لطيف في صدرك؟

إذا كان هذا ما يحدث لك، فأنت تهتم بالجزء المرتبط بالقدر من العلاقة، فعندما تفكِّر بهذه الطريقة يصبح اعتقادك الذي يوجِّهك هو أنَّ الشخصين إمَّا متوافقان أو غير متوافقين، وكل ما تفعله مستقبلاً لن يغير ذلك، وإذا كانت علاقتكما غير متوافقة، فإنَّ الأوقات الجيدة التي تمرون بها ستؤخر فقط الانفصال النهائي.

إنَّها نظرية شائعة ستجدها في معظم أفلام "ديزني" (Disney)، وأفلام الكوميديا الرومانسية، ويمكن أن تُفسِّر سبب الخلافات في زيجات هوليوود عاجلاً وليس آجلاً، فالأشخاص الذين يعيشون وفقاً لنظرية القدر لديهم علاقات طويلة ومثمرة إن بدؤوا بطريقة جيدة، لكن عندما لا يبدؤون بطريقة جيدة - عندما تبدأ الأمور بالتوتر - يكونون غير مجهزين لمواجهة وحل مكامن الخلل، فهم يفكِّرون بدلاً من ذلك في أنَّ العلاقة محكوم عليها بالفشل منذ البداية؛ إذ تمنعك نظرية القدر من إدراك مساهمتك في فشل العلاقات. إذاً ما هو الخيار الآخر؟

شاهد بالفديو: أُسُس فن التعامل مع الآخرين

الإيمان بالنمو: العلاقات العظيمة تحتاج إلى عمل

يوجد على الطرف الآخر من الطيف، اعتقاد النمو، ثمة فكرة تؤكد أنَّ العلاقات القوية تنمو مع مرور الوقت، وتتطلَّب العمل لجعلها عظيمة؛ و"جيري وميرا" يندرجان مباشرةً ضمن هذه الفئة، فعندما سئل في مقابلة عن زواجه الطويل والسعيد، قال جيري: "لقد تمكَّنا من الصمود في هذا الزواج، واليوم عندما يتزوج الناس، ثمَّة دائماً ميل للهرب عندما تسوء الأمور، ولكنَّ الخروج للتنزُّه معاً يمنحنا كثيراً من القوة"؛ فثمَّة كثير من القوة في البقاء معاً.

ربما يمكنك التفكير في كثير من الحالات التي ارتبط فيها شخصان معاً عندما لا ينبغي أن يفعلوا ذلك، وربما يمكنك أيضاً التفكير في كثير من الحالات التي ينفصل فيها شخصان بسبب اختلاف بدا أنَّه كان من الممكن التغلُّب عليه؛ فهذه هي الحالات التي يمكن فيها لشخصين يؤمنان بالعمل الجاد للزواج أن يهيِّئا أنفسهما للنجاح على الأمد الطويل.

عندما تؤمن بأنَّ العلاقات تتطلَّب مجهوداً، فأنت أكثر استعداداً لقبول ما قد يراه الآخرون على أنَّه عدم توافق على أنَّه فرص للنمو والتعلم مع شريكك بدلاً من ذلك، فأنت لست منزعجاً من العادات السيئة التي تظهر بعد بضعة أشهر، أو السلوكات المزعجة التي لم تلاحظها في البداية؛ بل قد تراها على أنَّها مطبَّات في الطريق، ليست مثالية، ولكنَّها ليست بمنزلة عوائق للعلاقات أيضاً.

يساعدك الإيمان بالنمو على بناء روابط أعمق؛ لأنَّك تلتزم بها لفترة كافية للتغلب على العقبات الكبيرة، فالتغلب على هذه التحديات معاً بنجاح يبني الثقة والتواصل الذي ينمو مع مرور الوقت؛ إذ إنَّه مسار أبطأ وأكثر اعتدالاً ولا يبدو كما اعتدت رؤيته على التلفاز، لكن إذا تجاوزت ذلك، تزداد فرصة النجاح على الأمد الطويل.

افعل ذلك في الدقائق العشر القادمة:

إذا قرأت هذا وأدركت أنَّ نظرتك إلى العلاقة نظرة يحكمها الإيمان بالقدر، فلا تقلق، أنت لست محكوماً بعلاقات مفعمة بالحيوية (هذا مجرد حوار عن إيمانك بالقدر)، ومع ذلك ما يعنيه هو أنَّ لديك بعض العمل للقيام به، وكلما بذلت مزيداً من الجهد، ستستفيد أنت والأشخاص في حياتك.

لكن، ما الذي يمكنك فعله لتغيير وجهة نظرك؟ فاستناداً إلى العلم عن كيفية التعامل مع العلاقات، إليك بعض النصائح التي يمكنك تجربتها:

1. لا تنخدع بالعلاقات الجديدة التي تبدأ رائعة:

فأحد أسباب صراع الأشخاص الذين يؤمنون بالقدر هو أنَّهم أكثر ميلاً للوقوع في الحب بسرعة وعزو العلاقة إلى أشياء خارجة عن سيطرتهم، وعندما يحدث خطأ ما، يكتشفون أنَّهم لا يملكون ما يمكنهم فعله لإصلاحه.

إقرأ أيضاً: فن التعامل مع الآخرين

2. واجه خلافاتك وجهاً لوجه:

من النتائج الرئيسة للبحث الذي استُشهد به سابقاً أنَّ الإيمان بالنمو يعمل على حل المشكلات في علاقاتهم، بينما يتجنبها أصحاب الإيمان بالقدر؛ إذ لا علاقة تأتي دون مواجهة عقبات، وإذا كنت تريد أن تستمر علاقتك، فستتحسَّن فرصك إذا تعلمت حل مشكلاتكما معاً.

3. ضع في حسبانك دورك في المشكلات التي تظهر:

عند الانفصال عن عقلية القدر من غير المرجَّح أن تفكِّر في مساهمتك في انهيار العلاقة؛ إذ يبدو أنَّ الانفصال كان ضرورياً، لكنَّ التفكير الذي يؤمن بالنمو يتطلَّع إلى الداخل، وهذا السعي إلى التحسين ينتقل إلى كل علاقة جديدة.

في الختام:

لا يمكنك تغيير نظرية العلاقة بين عشية وضحاها، فهذه مهمَّةٌ يستمر تنفيذها العمر كله، لكن عندما تهتم بالنمو والتحسُّن، فلن يبدو ذلك عقبة لا يمكنك التغلُّب عليها.




مقالات مرتبطة