العطاء هو أفضل وسائل التواصل في مكان العمل

في بعض الأحيان، تكون الطريقة التي يتصرف بها الموظفون العاديون تشكِّل أفضل الأمثلة عن المعنى الحقيقي للقيادة؛ إذ إنَّ الموظفين العاديين أو أولئك الذين لا يشغلون مناصب قيادية، قد يكونون قدوة لنا جميعاً.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن "رون توماس" (Ron Thomas) المدير الإداري لمجموعة التركيز في الاستراتيجية (DWCLLC)، ويُحدِّثنا فيه عن أهمية العطاء في مكان العمل.

دائماً ما أشعر بالسعادة عندما أرى أنَّ الأعمال التي يقوم بها الموظفون العاديون تتعاظم، وكانت تجربتي الأولى في مجال الموارد البشرية هي التدريب والتطوير، ولكنَّ أحد الأشياء التي كانت تشكل عائقاً بالنسبة إليَّ في العمل هي عندما يتصل بي شخص ما ويرغب في تدريب أحد المديرين على الإدارة.

إنَّهم يعتقدون أنَّنا من المفترض أن ندرب هذا المدير الذي تنقصه الكفاءة، وأن نعيده إليهم مديراً وقائداً متميزاً لا يُخطِئ أبداً، ولكنَّ ما يحدث هو أنَّ هذا المدير يعود إلى العمل متحمساً لبضعة أيام، ثم ما يلبث أن يعود إلى منطقة راحته.

ما هي رؤيتك للقيادة؟

يعرف القائد الجيد أنَّ الاحترام هو أمرٌ تكسبه من العميل والموظفين والمستثمرين، وفي النهاية من مجال العمل عموماً، لكن كي تكسب احترام الآخرين، ينبغي عليك أن تصغي إلى موظفيك وتعاملهم باحترام؛ أي عاملهم كما لو كانوا شركاء لك في العمل وليسوا موظفين يعملون تحت إمرتك؛ وذلك لأنَّه دون مساعدتهم، سيكون إنجاز عملك أمراً صعباً؛ لذلك لا تنظر إليهم أبداً بصفتهم مرؤوسين.

منذ فترة قال لي مدير تنفيذي لإحدى الشركات العالمية أنَّه بصرف النظر عن جنسية المرء، يريد الجميع أن يُعامَلوا باحترام وأن يُقدَّر العمل الذي يقومون به؛ إذ إنَّ معاملة الناس باحترام تولِّد بداخلهم الشعور بالسعادة أيضاً، فكلَّما كان موظفوك سعيدين سعادة أكبر، ازدادت احتمالية أن يبقوا في العمل، وازداد تطورهم المهني وازدادت فرصة إحالة موظفين آخرين إلى العمل في شركتك.

بعبارة أخرى، عندما يكون الموظفون الذين يعملون في شركتك يشعرون بالسعادة، فهذا يعني أنَّ العملاء الذين يترددون إلى شركتك سوف يشعرون بالسعادة والرضى عن الخدمات التي تقدمها شركتك لهم أيضاً؛ أي سعادة الموظفين تعني سعادة العملاء؛ فالجميع في هذه الاستراتيجية يبنون علاقات جيدة مع بعضهم بعضاً، وليس فقط مع كبار القادة في الفريق.

أتذكَّر قصة قرأتها عن "غوستافو دوداميل" (Gustavo Dudamel) قائد فرقة "أوركسترا لوس أنجلوس" (L.A. Philharmonic)، فعندما تفكر عادة في القيادة، غالباً ما تملك صورة معيَّنة عن القيادة تخطر في بالك دائماً.

لا يمكنك عادة أن تربط العمل الذي يقوم به قائد الفرقة الموسيقية بالقيادة التنظيمية، لكن كان مجلس إدارة الفرقة الموسيقية متردداً بشأن تعيين شخص في منتصف العشرين من عمره، إلَّا أنَّ ما فعله "دوداميل" بعد توظيفه كان شيئاً استثنائياً وما يزال ذكره قائماً حتى يومنا هذا.

كل تفاعل أمر هام:

أخبر "دوداميل" مجلس إدارة الأوركيسترا (Philharmonic) أنَّ أول أداء له سيكون مميزاً، وسيعبر عن فكرة شخصية خاصة، وكدتُ أتخيل نظرات أعضاء مجلس الإدارة؛ إذ أخبرهم أنَّ الحضور سيتكوَّن من عمال مواقف السيارات والمرافقين والسباكين والكهربائيين والحمالين؛ إذ أراد "دوداميل" أن يبدو الأمر كأنَّه صدفة بأن يجعل جميع الحضور جزءاً لا يتجزأ من المعنى والرسالة التي تنشدها هذه المقطوعات؛ كما أراد أن تؤدي فرقته الموسيقية أداءً خاصاً لجمهوره.

لم يحضر معظم هؤلاء المدعوين أبداً عرضاً سيمفونياً من قبل؛ إذ روى "دوداميل" أنَّه بينما كان ينظر إلى الجمهور، رأى الدموع تنهمر على وجوههم؛ فكانوا جميعاً يرتدون أفضل الملابس الجديدة التي اشتروها لحضور هذا الحفل المميز، ولقد عبَّر أعضاء الأوركسترا عن اعتزازهم بالعزف لهذا الجمهور المميز، والفكرة هي أنَّ هذا الجمهور في كثير من الحالات يشبه الموظفين الذين يُتجاهلون داخل المنظمة التي يعملون بها.

إقرأ أيضاً: كيف تحسن مهارات الإصغاء وتعزز التواصل الفعال في مكان العمل؟

دروس القيادة الحقيقية مقابل الدروس التي تتعلمها من مجالات عمل أخرى:

أتعلَّم المزيد عن القيادة من هذه الأحداث النوعية التي يمكن أن تقدمها جميع الندوات والأحداث التي تحدث في مجالات عمل مختلفة.

ما نحتاج إلى القيام به هو المزيد من التواصل مع الفريق الذي يعمل معنا سواء كانت وظيفتك مشرفاً أم رئيس عمال أم نائب رئيس أعمال؛ إذ إنَّه ليس من الهام المنصب الذي تشغله، فكل ما يريده الناس هو أن يُعامَلوا باحترام، وإذا كنتَ تريد الاحترام، فعليك أن تمنحه للآخرين؛ فالقيادة حالة تتطلب الاحترام المُتبادَل من كلا الطرفين.

لا توجد علاقة تعتمد على طرف واحد، وفي واقع الأمر، يمكن أن تستفيد جميع تفاعلاتنا من هذا النهج؛ إذ يمكن لهذه التفاعلات أن تغيِّر قواعد اللعبة بطرائق مختلفة.

شاهد بالفيديو: 12 طريقة مُجرَّبة لتحسين مهارات التواصل

العطاء هو أفضل أشكال التواصل:

لقد شاهدتُ في الفترة الأخيرة أحد أكثر مقاطع الفيديو المؤثرة على "فيسبوك" (Facebook)، وكانت القصة تتحدث عن طفل صغير ضُبط في متجر أدوية وهو يسرق دواء، وقد أمسكه صاحب المتجر، قال الطفل الصغير إنَّه أخذ هذه الأدوية من المتجر لأنَّ والدته كانت مريضة، وسمع صاحب متجر آخر الحديث الذي دار بين الطفل الصغير وصاحب متجر الأدوية وتدخَّل في الأمر؛ إذ إنَّه لم يدفع ثمن الأدوية التي أخذها الطفل فحسب؛ بل أيضاً أعطى الطفل بعض الخضراوات والفواكه ليأخذها إلى المنزل.

بعد عدَّة سنوات أُصيب صاحب المتجر بنوبة قلبية في متجره، وعندما وصل إلى المستشفى تمكنوا من إنقاذ حياته، ولكنَّ فاتورة المستشفى كانت مكلفة للغاية، ومع ذلك، تبيَّن أنَّ الطبيب الذي كان يعالجه هو نفس الطفل الذي قدَّم له الخضراوات والفواكه والذي دفع له ثمن الدواء لأمه المريضة.

بينما كانت عائلة صاحب المتجر تتألم بسبب هذه الفاتورة المُكلفة، يُظهِر المشهد الأخير الفاتورة الجديدة مدفوعة؛ إذ إنَّ الطفل الذي أصبح الآن هذا الطبيب قد قدَّم يد المساعدة وردَّ الجميل الذي قدمه له صاحب المتجر بعد 30 عاماً، وفي الرسالة التي كتبها الطبيب إلى ابنة صاحب المتجر، ذكَّر ابنة الرجل بأنَّه كان الشاب الذي ساعده والدها وأنَّ هذه كانت طريقته في تسديد الدين.

وفقاً لهذا السيناريو، نشأ الطفل ليصبح طبيباً، لكن يوجد مشهد آخر في الفيلم؛ إذ يريد شخص بلا مأوى شيئاً ليأكله، وكما كانت عادته، لم يفرِّق صاحب المتجر بين المحتاجين؛ وأعطى الرجل المتشرد كيساً صغيراً من الطعام، مثل ذلك الطفل.

إقرأ أيضاً: كيف تطور مهاراتك في التواصل لتحقيق النجاح في العمل؟

كل تفاعل له أهميته مع الجميع:

عندما نمارس حياتنا الاعتيادية كل يوم، فإنَّنا لا نعرف أبداً أو نفكر في أنَّ الأشخاص الذين نتفاعل معهم كل يوم يمكن أن يؤدوا يوماً ما دوراً هاماً في حياتنا؛ إذ إنَّ مشكلتنا - وخاصة في منظمتنا - هي أنَّنا ننجذب إلى الأشخاص الذين يتولون مناصب رفيعة المستوى ولهم ألقاب سامية.

بدءاً من نواب الرئيس إلى مَن هم أعلى، فإنَّنا دائماً ما نعاملهم معاملة خاصة، ونمر بجانب الآخرين دون حتى أن نلقي عليهم تحية الصباح التي قد يكون لها تأثير قوي في المتلقي.

تذكرتُ قصة روتها لي مديرة الموارد البشرية التي أخبرَتني أنَّ رئيسها التنفيذي يتحدث دائماً عن كيفية تواصله مع موظفيه، ولكنَّ الجانب الآخر من القصة هو أنَّه يلتقي بموظفيه في كل صباح ويمشي عبر العديد من المكاتب والمقصورات، ولكنَّه لا يلقي عليهم تحية الصباح.

تذكَّر الأشياء التي تفعلها وكل تلك الكلمات التي تقولها؛ إذ إنَّ الطريقة التي تعامل بها الآخرين لها تأثير دائم في كل مَن حولك، وتأثير أبدي فيك.

المصدر




مقالات مرتبطة