العزيمة: ما هي؟ وكيف تتحلى بها من أجل حياة ناجحة؟

هل سبق وأن التقيت شخصاً يقوى في ظل الشدائد ويحول آلامه إلى فرص للتقدم؟ تصف أنجيلا داكورث (Angela Duckworth) هؤلاء في كتابها "العزيمة: قوة الشغف والمثابرة" (Grit: The Power of Passion and Perseverance) بأنَّهم يمتلكون العزيمة، كما وجدت من خلال بحثها أنَّها ما يميز بين الناجحين والفاشلين.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتبة إيشلي إليزابيث (Ashley Elizabeth)، والذي تحدثنا فيه عن العزيمة وأهمية تطويرها في الحياة. 

يمكن للشغف والمثابرة أن يقودا معاً إلى الإنجاز:

تقول أنجيلا داكورث (Angela Duckworth): "العزيمة هي التشبث بالمستقبل يوماً بعد يوم؛ ليس لأسبوع أو شهر فحسب، وإنَّما لسنوات".

واحدة من المشكلات الكبرى التي يواجهها كثير من الناس هي أنَّهم يبحثون عن طريق مختصر للنجاح؛ فهم يريدون القيام بالقليل من العمل وتحقيق مزيد من النتائج؛ ولكن للأسف، لا يتحقق النجاح بهذه الطريقة.

إذا كنت ترغب في تحقيق أهدافك، فيجب أن تكون على أتم الاستعداد للقيام بأي شيء وكل شيء من أجلها؛ فكلَّما زادت أهمية الهدف، تطلَّب قدراً أكبر من العمل الجاد والعزيمة والانضباط والتضحية والالتزام لتحقيقه؛ لذا كن واقعياً مع نفسك، واعلم ما إذا كنت مستعداً للاستمرار والمثابرة فعلاً، وإلى أي مدى تريد تحقيق النجاح.

إقرأ أيضاً: 15 طريقة فعالة لتعزيز قوة إرادتك

لماذا تعدُّ العزيمة أمراً في غاية الأهمية؟

يقول أبو القاسم الشابي:

ومن يتهيَّب صعود الجبال    يعِش أبد الدهر بين الحفر

لا تتحقق الأشياء ذات القيمة في الحياة بسهولة، كما لا يتحقق النجاح من قبيل الصدفة؛ حيث تشير الأبحاث إلى أنَّ القدرة على التحلي بالعزيمة والتشبُّث بالأشياء الهامَّة بالنسبة إليك والنهوض مجدداً بعد الإخفاقات والفشل عناصر أساسية للنجاح.

قد تمتلك مواهب العالم جميعها، لكنَّك لن تحقق أهدافك أبداً دون جهد؛ ولذلك، فإنَّ العزيمة هي أساس النجاح.

ما هي خصائص العزيمة؟

إليك خبراً ساراً: يمكن تطوير العزيمة وإتقانها بمرور الوقت، ولكن ينبغي عليك أولاً تبنِّي عقلية النمو والتطور؛ إذ إنَّه لمن المؤسف أنَّ العديد من الناس يمتلكون عقلية ثابتة، ويؤمنون بأنَّ ذكاءهم لا يمكن أن يتحسَّن.

بينما تستند العقلية الثابتة إلى عقلية "أستطيع" أو "لا أستطيع"، تحتفي عقلية النمو برحلة تبدأ من "لا أستطيع" إلى "أستطيع"، أي أنَّها تركز على تحويل الفشل إلى نجاح باهر؛ فهل تعتقد أنَّ ذكاءك ثابت، أم أنَّ بإمكانك النمو والتطور؟

نقدم لك فيما يأتي خصائص العزيمة:

1. الشغف:

ما دام هناك شغف، فهناك دائماً هدف؛ حيث يعرف الأشخاص الشغوفون أنفسهم قلباً وقالباً، ويملكون فهماً واضحاً لقيمهم ومعتقداتهم واحتياجاتهم، وينسجمون مع حقيقتهم، ويلهمون الآخرين لفعل الشيء نفسه؛ إذ يتمحور العيش بشغف حول الاهتمام بما يجعلك تنبض بالحياة، واتِّباعه مهما حصل.

لن يفهم الجميع مسارك في الحياة، ولا بأس في ذلك؛ فالعزيمة الحقيقية هي القدرة على إهمال أحكام الآخرين والسير في طريقك أيَّاً كانت الآراء من حولك.

إقرأ أيضاً: كيف تحوّل شغفك إلى طاقة إيجابية؟

2. المثابرة:

لن تجد أبداً شخصاً ناجحاً لم يواجه التحديات والإخفاقات في حياته، حيث تتمحور المثابرة حول تعلم كيفية التعامل مع مشكلاتك والتخفيف من الانزعاج رغم كل الصعاب.

إنَّ الفارق الوحيد بين الناجحين والفاشلين هو الاستعداد للمثابرة والمضي قدماً رغم الإخفاقات، ومعرفة أنَّ الرغبة في تحقيق الأحلام تفوق أي عقبة تواجهها؛ لذا تعلَّم كيف تتقبل الشعور بالألم، واستخدمه كوسيلة للتقدم والنمو، واحتفِ بنفسك في كل خطوة على الطريق، ولا تتوقف حتى تفخر بالشخص الذي أصبحت عليه.

3. المرونة:

يتمتع أصحاب العزيمة بالمرونة؛ فهم يزدهرون في ظل الشدائد، ويرون كل تحدٍّ على أنَّه فرصة يجب اغتنامها، ويبذلون جهداً عظيماً للتحكم بعواطفهم بدلاً من السماح لها بالتحكم بهم.

بالإضافة إلى ذلك، يتمتع الأشخاص المرنون بالوعي الكافي كي يتقبلوا تقلبات الحياة؛ إذ تهيئهم قدرتهم على التقبل لخوض ما سيحدث فيما بعد دون كلل أو ملل.

تكشف الأبحاث أنَّ المرونة هي اختبار لمدى قوتك، إذ يتعلق الأمر باستعدادك للاستمرار ومواصلة المحاولات في الوقت الذي يستسلم فيه الآخرون.

مثال على العزيمة:

لقد ركبت في إحدى الأيام دراجتي النارية مقررة عدم ارتداء خوذتي في هذا اليوم، ولم أكن أعلم أنَّ هذا القرار المفاجئ سيغير حياتي كلها.

كان من المفترض أن أعود إلى المنزل في غضون 15 دقيقة، ولكنَّ هذا لم يحدث؛ فقد تعرضت إلى حادث بعد خمس دقائق من انطلاقي، وارتطم رأسي بالرصيف، وأصبت برضوض دماغية، ونُقِلت إلى المستشفى للخضوع إلى عملية جراحية.

أتذكر تلك الحادثة كما لو كانت بالأمس، فقد دفعتني هذه التجربة للمعاناة من اضطراب ما بعد الصدمة، ومتلازمة ما بعد الارتجاج والألم المزمن والقلق؛ ولكنَّها منحتني أيضاً فرصة ثانية لخلق حياة جديدة وتطوير قوة ذهنية وعزيمة راسخة.

شاهد بالفديو: 8 أمور عليكَ القيام بها عندما تشعر بالإحباط

لقد مرت ثلاث سنوات على حادثتي، ولم أعد الآن تلك المرأة التي كنت عليها في الماضي، بل أصبحت أقوى، واخترت تحويل ألمي إلى قوة؛ وما زلت حتى يومنا هذا أتشبث بعزيمتي، فقد أصبحت هي قوتي العظمى.

دعوني أكون واضحة: أنا لست مميزة، ولكننَّي تمكَّنت من القيام بما كان يستعصي على الكثيرين، ولم يكن الاستسلام ضمن خياراتي قط.

لقد حددت طريقة استجابتي لهذه الضربة القاضية طريق نجاحي في الحياة، ومنحتني العقبات التي واجهتها طوال رحلتي العلاجية -التي ما زلت قائمة حتى الآن- قوة لم أعلم أنَّني أمتلكها قط.

قد يكون الألم بمثابة هدية إذا كنت على استعداد لإيجاد المغزى من كل هذه الفوضى؛ وعندما تمتلك الشجاعة لاستخدام ألمك كقوة تحفيزية، ستدرك أنَّه لا وجود لشيء ليس بإمكانك التغلب عليه.

كيف تتحلَّى بالعزيمة؟

تشبه العزيمة إلى حد ما العضلات التي تتدرب على تقويتها في صالة الألعاب الرياضية، وما عليك إلَّا أن تفعل الشيء نفسه مع عقلك؛ لذا دعنا نستكشف ما يمكنك القيام به لبناء قوة ذهنية كل يوم:

1. مارس العزيمة دوماً:

إنَّ أسرع طريقة لإتقان أي شيء هي ممارسته وتكراره؛ ولكي تستطيع التحلي بالمثابرة والعزيمة، يجب أن تكون على استعداد للخروج من منطقة راحتك وتجربة أشياء جديدة، حيث تُمرِّن بهذه الطريقة عقلك.

تصبح العزيمة في نهاية المطاف واحدة من العادات التي تمارسها يومياً، والتي تمكِّنك من تنفيذ المهمات التي من المفترض أن تفعلها على نحو متسق، ممَّا يساعدك على النجاح؛ فكلَّما استثمرت في تطوير ذاتك على الصعيد الشخصي، ازدادت مهاراتك، وتمكَّنت بذلك من الاستمرار في القيام بالأشياء التي تتفوق فيها.

2. تواصل مع هدفك:

يعيش أصحاب العزيمة على خطى هدف محدد، حيث وجدت أنجيلا داكورث (Angela Duckworth) بعد دراسة أُجرِيت على 16000 شخص ما يأتي: "يمتلك أصحاب العزيمة الدافع أكثر من غيرهم للبحث عن حياة هادفة".

لذا، في المرة القادمة التي تواجه فيها عقبة تُخرِجك عن المسار، أعِد التواصل مع الأسباب التي دفعتك إلى القيام بذلك في الأساس، وسيكون ذلك الشيء الوحيد الذي يحفزك على المضي قدماً، حتى عندما تشعر بالرغبة في الاستسلام.

3. لا تستسلم:

هل تستسلم بسهولة عندما تشتد الأمور، أم تستغل لحظاتك الصعبة لدفع نفسك إلى الأمام واكتساب مزيد من القوة؟

يتحدى أصحاب العزيمة اللحظات السيئة، ويدفعون أنفسهم إلى المضي قدماً، ولا يستسلمون أبداً حتى يحققوا النجاح.

إنَّ الفشل الوحيد في الحياة هو الاستسلام، إذ من الطبيعي أن تكون الحياة فوضوية، ومن الطبيعي أن تفشل من حين إلى آخر، ويعدُّ هذا جزءاً أساسياً من التجربة الإنسانية؛ ولكنَّ الأهم هو كيفية استجابتك للفشل.

لا بأس إذا وقعت سبع مرات ما دمت ستنهض في المرة الثامنة؛ فإذا تمكَّنت من إتقان فن عدم الاستسلام مهما حدث، فلن يكون هناك حدود لما تستطيع تحقيقه في الحياة.

إقرأ أيضاً: 3 طرائق بسيطة وفعالة لتعزيز قوة الإرادة

في الختام:

الحياة قصيرة، لذا اجعلها تحفة فنية، واعلم أنَّ القيود الوحيدة التي تقف في طريقك هي تلك الموجودة في عقلك فقط، وتذكر دوماً أنَّك عندما تتحكم بأفكارك، ستتحكم بحياتك بمجملها؛ لذا لا تتخلَّ عن أحلامك أبداً، وحاول أن تكون شخصاً ذا عزيمة في كل مجال من مجالات حياتك، لتشعر بالفخر يوماً ما لأنَّك قد فعلت ذلك.

المصدر




مقالات مرتبطة