الطريقة الصحيحة للتعبير عن غضبك في العمل

من الوارد جداً أن يعتريك الغضب في أثناء عملك؛ ولاسيما في حال توافر ثلاثة ظروف يناقشها كل من ديانا غيديس (Deanna Geddes) بروفيسورة في إدارة الموارد البشرية، وديرك لينديباوم (Dirk Lindebaum) بروفيسور في علم الإدارة والتنظيم.



يحظى الغضب المرتبط بمكان العمل بسمعةٍ سيئةٍ غالباً؛ إذ إنَّه يذكِّرنا بصور الرؤساء المتعسفين الذين يرهبون موظفيهم، أو الأشخاص المبدعين الذين يتملكهم الغرور ولا يتقبلون النقد، نشاهد في كثيرٍ من الأحيان موظفين ساخطين يتجهون إلى البريد، ويغدون عنيفين بعد إثارة غضبهم من قبل شيء ما أو شخص ما، أو ربما نفكر في المتاعب اليومية التي تثير الاستياء في مكان العمل، من زملاء العمل الذين لا يلبون توقعاتنا، إلى رسائل البريد الإلكترونية السلبية الهجومية.

لكن لا تتولد أنماط الغضب كلَّها بالطريقة نفسها، وقد تكون بعض أنواع الغضب - وعلى الأخص "الغضب الأخلاقي" - وهو مفهوم أشارت إليه ورقة بحثية حديثة منشورة في مجلة "ذا جورنال أوف أورغانايزيشينال بيهيفيور" (The Journal of Organizational Behavior)، قد يكون غاية في الأهمية بالنسبة إلى سلامة مؤسساتنا.

لا يتولَّد الغضب الأخلاقي نتيجة لحدوث شيء أو عدم حدوثه؛ وإنَّما بسبب الأخطاء والانتهاكات الأخلاقية التي تُرتكب بحق الآخرين، فنحن نغدو غاضبين عندما نكون شهوداً على ممارسات غير عادلة أو مهينة بحق زميل لنا، أو بسبب ممارسات الإدارة المتحيزة واللامبالية، أو نتيجة لسياسات الشركة المعيبة إلى حد الخطورة والمنتجات الضارة.

الغضب الأخلاقي هو حالة عاطفية شديدة؛ تتولد نتيجة لخرق معيار أخلاقي متعارف عليه، والذي من شأنه أن يؤثر في الآخرين أكثر من الشخص نفسه، والأهم من ذلك أنَّه يدفعنا إلى اتخاذ إجراءات لتحسين الوضع، حتى في ظل مواجهة مخاطر شخصية كبيرة.

شاهد بالفديو: 5 طرق للتعامل مع الغضب في العمل

عندما يضاف مصطلح "الأخلاقي" إلى الغضب؛ فهذا يشير بالضرورة إلى النوايا الحسنة، وعندما نسعى إلى دعم المعايير الأخلاقية، وضمان المعاملة العادلة أو حماية الضعفاء، يختلف الغضب الأخلاقي عن باقي أشكال الغضب الأخرى بالنواحي الثلاث الرئيسة التالية:

1. انتهاك المعايير العامة:

ينشأ الغضب الأخلاقي نتيجة لانتهاك المعايير العامة للعدالة أو الأخلاق أو الكرامة الإنسانية، وليس لانتهاك الخيارات أو القيم أو الأفكار الفردية الخاصة، على سبيل المثال، بدلاً من أن تغضب إزاء إهانة وُجِّهت إليك من قِبل زميل لك في العمل أو مديرك، فإنَّ الغضب الأخلاقي غالباً ما يثار عندما يكون الموظف شاهداً على توجيه اتهام باطل لزميل له في العمل أو معاقبته على الرغم من كونه بريئاً، والأسوأ من ذلك، هو الموقف الذي يُقدِم فيه المديرون على التنمُّر على موظفيهم أو إرهابهم، مظهرين بذلك سوء استخدام واضح لما يتمتعون به من سلطة، والمعايير الأخلاقية العامة هي جوهر النسيج الأخلاقي للمجتمع؛ حيث يميل المجتمع عموماً والأفراد على نحو خاص إلى الشعور بالغضب على حدٍّ سواء عند انتهاك تلك المعايير.

2. الاهتمام بالآخرين:

يعكس الغضب الأخلاقي الإيثار؛ حيث ينصب تركيز الفرد على حاجات وحقوق الآخرين أكثر من تركيزه على ما يخصه منها، بدلاً من الشعور بالضيق نتيجة لما يلحق بنا من أضرار أو إزعاج، فإنَّ غيظنا سببه رغبتنا في مساعدة الآخرين، وتحديداً الضعفاء منهم، من الممكن أن تستاء من صراخ أحدهم عليك، إلا أنَّ الغضب - على الرغم من كون ذلك مبرراً - يغذي غرورك وكبريائك تغذيةً أساسية، ومع ذلك فإنَّ شعورك بالغضب نتيجة لكونك شاهداً على تعرُّض شخص آخر للمضايقة، من شأنه أن يحفِّز تولُّد الغضب الأخلاقي؛ حيث تتعارض الأنانية مع الغضب الأخلاقي.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح سريعة للتغلب على غضبك

3. اتخاذ الإجراءات التصحيحية:

يدفعنا الغضب الأخلاقي إلى اتخاذ إجراءات للمساعدة على تحسين الموقف، بينما ندرك أنَّ الغضب عاطفةٌ وليس فعلاً، إذا لم يؤدِ الغضب إلى القيام بفعل بغية تصحيح الموقف، عندها يكون مفتقراً إلى سمة "الأخلاقي"؛ حيث إنَّ الشعور بالسخط بسبب تعرُّض أحدهم لمعاملة سيئة - دون أن يدفعك ذلك إلى القيام بشيء حيال ذلك؛ لأنَّ ذلك ليس من شأنك أو لأنَّه ينبغي أو يمكن أو سوف يتولى شخص آخر التعامل مع هذا الموقف - هو دليل على أنَّ غضبك لا يندرج تحت فئة الغضب الأخلاقي.

بالإشارة إلى الأمثلة السابقة، كي يكون الغضب أخلاقياً، يجب على الزميل الشاهد على المعاملة غير المنصفة أن يدعم زميله المظلوم ويدافع عنه، عندها فقط يمكننا التحدث عن القوة التصحيحية للغضب الأخلاقي، وغالباً ما يتضمن الغضب الأخلاقي الإبلاغ عن المخالفات.

على سبيل المثال، في الحالة الشهيرة التي صُورت عام 1999 في فيلم "ذا إنسايدر" (The Insider)، في عام 1996، قام جيف ويغاند (Jeff Wigand)، نائب رئيس البحث والتطوير في شركة براون وويليامسون توباكو (Brown and Williamson Tobacco) والمسؤول عن تطوير السجائر الأقل ضرراً بالصحة، بالإبلاغ عن مخالفة ارتكبتها الشركة؛ حيث زادت عن عمد كمية النيكوتين في السجائر التي تقوم بتصنيعها، مما أدى إلى زيادة طبيعتها الإدمانية.

بعد أن أعرب عن اعتراضه على ذلك داخل الشركة، أبلغ عن تعرضه للمضايقات وتلقيه تهديدات بالقتل من مجهول، وفي مقابلة أجريت مع مايك والاس (Mike Wallace) في عام 1996، صرَّح ويغاند بأنَّه كان غاضباً حيال قرار الشركة القاضي بالتوقف عن تصنيع السجائر الأكثر رفقاً بالصحة؛ وفي النهاية استجمع شجاعته للحديث عن ذلك، ومع ذلك فإنَّ إبلاغه شكَّل خطراً كبيراً عليه وعلى عائلته في الوقت نفسه؛ والذي كشف فيه عن ممارسات غير أخلاقية لشركة التبغ الأمريكية.

في النهاية، من المحتمل أن تكون أعمال ويغاند قد عادت بالفائدة على الملايين من الناس، الذين كان من الممكن أن يتعرضوا للأذى المترتب عن استخدام هذا المنتج.

من المحتمل أن تكون التجارب الشخصية أكثر اعتدالاً وأقل عنفاً، على الرغم من أنَّها ليست أقل أهمية أو قيمة، عندما يدفعنا غضبنا إلى التحدث بالنيابة عن زملائنا الذين يتعرضون للظلم أو الترهيب أو التنمر أو التمييز أو القسوة أو عدم الاحترام، فإنَّ الغضب الأخلاقي هو نوع من الطاقة، يمكننا استخدامها للتغلب على ميلنا إلى التزام الصمت أو عدم الانخراط في الصراع القائم، كما يذكرنا الفيلسوف السياسي إيدموند بيرك (Edmund Burke) قائلاً: "الشيء الوحيد الضروري كي ينتصر الشر هو عدم قيام الرجال والنساء الصالحين بأي شيء لمنع ذلك".

هناك العديد من المنافع المترتبة على تشجيع الموظفين على التحدث عن كونهم شهوداً على سلوكات تهديدية أو اتهامات باطلة أو تفشِّي الأساليب القمعية، على الأقل، يمكن لتحدي هذه الانتهاكات الأخلاقية في مكان العمل أن يفضح الجناة والممارسات المغلوطة؛ حيث إنَّ ترك مجال للتعبير عن الغضب الأخلاقي في العمل، من شأنه تعزيز ما يتخلل بيئة العمل من الدعم والتعاطف والشجاعة والنزاهة والإنصاف، والمديرون الذين يسمحون لموظفيهم أو حتى يشجعونهم على التعبير عن الغضب الأخلاقي، يجعلهم ذلك على دراية بما يجري، والأهم من ذلك الحاجة إلى تغيير في مجالات تأثيرهم؛ إذ يشير التعبير عن الغضب في مكان العمل إلى أنَّ هنالك أمراً خاطئاً يستدعي اهتماماً فورياً ورعاية حقيقة من قبل الإدارة.

أيعني هذا بأنَّنا نريد أماكن عمل يسودها الغضب؟ نعم ولا؛ حيث إنَّ التعبير عن الغضب لغايات شخصية لا بد من الحفاظ عليه في حدوده الدنيا، ومع ذلك، عندما نجد أنفسنا شهوداً على تصرف خاطئ إلى حد مثير للسخط، علينا عندها القيام بشيء أو قول شيء في ذلك الصدد؛ حيث إنَّ المنظمات وأعضاءها من أفراد، يستفيدون عند الكشف عن السلوكات المنتهكة للأخلاق، والحد منها.

هل من المحتمل أنَّك مستعد للتعبير عن غضبك الأخلاقي؟ نعم، وهل الأمر يستحق المخاطرة، بالنظر إلى الفرصة التي من المحتمل أن تمنحها لشخصٍ آخر؟ نعم؛ حيث يشير الغضب الأخلاقي إلى اكتراثِنا بأمر الآخرين، وليس فقط بأمورنا الشخصية، وفي الوقت ذاته، يمكن أن يساعد على تصحيح العديد من المشكلات التي تعترضنا في العمل والمجتمع؛ إذ إنَّ العالم الخالي من الغضب، سيكون عالماً تنعدم فيه الإصلاحات، وهو عالم لا نريد العيش فيه بغض النظر عن السلام والتناغم اللَّذَين يسودانه.

المصدر




مقالات مرتبطة