الصورة الذهنية للمؤسسة

تعدُّ الصورة الذهنية للمؤسسة سواء كانت شركة أم مطعماً أم كياناً مؤسسياً، أداةً قويةً تصوغ التصورات والتوقعات، فلا تشمل فقط البنية التحتية المادية والعلامات التجارية، لكن أيضاً ثقافة وقيم وإنجازات المؤسسة، لذلك الصورة الذهنية هامة في جذب الأفراد الموهوبين والاحتفاظ بهم وتأمين التمويل وإقامة الشراكات.



في مشهد اليوم شديد التنافسية؛ يكون للابتكار والإبداع أهمية قصوى، فإنَّ امتلاك صورة ذهنية إيجابية ومقنعة أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، وفي هذا المقال، سوف نستكشف العناصر الأساسية التي تساهم في الصورة الذهنية للمؤسسة، وكيف يمكن إدارتها وتعزيزها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية.

مفهوم الصورة الذهنية للمؤسسة:

يشير مفهوم الصورة الذهنية للمؤسسة إلى التصور أو الصورة التي يملكها الأفراد عن المؤسسة؛ إذ تتشكل هذه الصورة الذهنية من خلال عوامل مختلفة، مثل ثقافة المؤسسة وسمعتها ومنتجاتها أو خدماتها والتفاعلات مع العملاء وأصحاب المصلحة الآخرين، وهي عبارة عن أصل غير ملموس قد يؤثر تأثيراً كبيراً في نجاحها أو فشلها.

أهمية الصورة الذهنية للمؤسسة: 

تكمن أهمية الصورة الذهنية للمؤسسة في قدرتها على التأثير في تصورات الناس وسلوكهم تجاه المنظمة، فقد تؤدي الصورة الذهنية الإيجابية إلى زيادة ولاء العملاء وتحسين العلاقات مع أصحاب المصلحة وتحسين السمعة في الصناعة، ومن ناحية أخرى، تؤدي الصورة الذهنية السلبية إلى انخفاض الإيرادات وتضرُّر السمعة وصعوبة جذب عملاء جدد.

على سبيل المثال، تخيَّل عميلاً يبحث عن منتج أو خدمة ويصادف شركتين؛ الشركة الأولى لها صورة ذهنية إيجابية بعلامة تجارية مشهورة وسمعة طيبة في تقديم منتجات عالية الجودة وخدمة عملاء ممتازة، والشركة الثانية لديها صورة ذهنية سلبية مع سمعة سيئة لخدمة العملاء ومنتجات منخفضة الجودة، لذلك من المرجح أن يختار العميل الشركة الأولى؛ وذلك نظراً لصورته الذهنية الإيجابية، على الرغم من حقيقة أنَّ الشركة الثانية قد تقدم سعراً أقل.

لذلك فإنَّ الصورة الذهنية للمؤسسة هي عامل حاسم قد يؤثر تأثيراً كبيراً في نجاح الشركة، فمن الهام للشركات أن تستثمر في بناء صورة ذهنية إيجابية والحفاظ عليها من خلال استراتيجيات مختلفة، مثل العلامات التجارية وإدارة السمعة وخدمة العملاء وغيرها.

شاهد بالفيديو:ما هي خطوات بناء خطة تشغيلية فعَّالة؟

خصائص الصورة الذهنية للمؤسسة:

الصورة الذهنية للمؤسسة لها ثلاث خصائص رئيسة؛ معرفية وعاطفية وسلوكية:

  1. تشير الخاصية المعرفية إلى كيفية إدراك الأفراد للمنظمة ومنتجاتها أو خدماتها، وهذا يعتمد على معرفتهم وفهمهم للمؤسسة التي تتشكل من خلال عوامل مختلفة، مثل التسويق والكلام الشفهي والتجارب الشخصية، وتؤدي هذه الخاصية المعرفية دوراً هاماً في عملية صنع القرار للأفراد وسلوكهم تجاه المنظمة.
  2. تشير الخاصية العاطفية إلى العواطف والمشاعر التي يربطها الأفراد بالمؤسسة، فهي تعتمد على تجاربهم الشخصية مع المؤسسة، فضلاً عن المشاعر التي يثيرها التسويق والعلامة التجارية للمؤسسة، فقد تؤدي السمة العاطفية الإيجابية إلى زيادة الولاء والتعلق بالمؤسسة، في حين أنَّ السمة العاطفية السلبية يمكن أن تؤدي إلى مشاعر الاستياء والتجنب.
  3. تشير الخاصية السلوكية إلى الإجراءات التي يتخذها الأفراد تجاه المؤسسة، مثل شراء منتجاتها أو خدماتها أو التوصية بها للآخرين أو الانخراط في محتوى الوسائط الاجتماعية الخاص بها، وتتأثر هذه الخاصية بكل من الخصائص المعرفية والعاطفية وكذلك العوامل الخارجية، مثل الظروف الاقتصادية والمنافسة.

على سبيل المثال، تخيَّل شخصاً لديه خاصية معرفية وعاطفية إيجابية تجاه مطعم، فهو يرى أنَّ المطعم يقدم طعاماً عالي الجودة وخدمة ممتازة، ويشعر بالسعادة والرضى عندما يتناول الطعام هناك؛ ونتيجة لذلك، قد يتخذ تصرفات مثل تناول الطعام هناك بانتظام والتوصية به للآخرين وترك تعليقات إيجابية على وسائل التواصل الاجتماعي.

إنَّ الخصائص المعرفية والعاطفية والسلوكية تؤثر تأثيراً كبيراً في كيفية إدراك الأفراد للمؤسسة وشعورهم بها وتصرفهم تجاهها، فيجب على الشركات الانتباه إلى جميع الخصائص الثلاث في استراتيجيات العلامات التجارية والتسويق وخدمة العملاء من أجل بناء صورة ذهنية قوية وإيجابية.

أبعاد الصورة الذهنية للمؤسسة:

الصورة الذهنية للمؤسسة لها أربعة أبعاد رئيسة؛ الهوية والرمزية والثقافة والتواصل.

  1.  يشير بُعد الهوية إلى الخصائص المميَّزة للمؤسسة التي تميزها عن غيرها، مثل الاسم والشعار والعلامة التجارية؛ إذ يؤدي هذا البعد دوراً رئيساً في إنشاء التعرف إلى العلامة التجارية وإنشاء هوية فريدة في السوق.
  2. يشير البعد الرمزي إلى المعاني والارتباطات التي يربطها الأفراد بعناصر التنظيم المرئية وغير المرئية، مثل ألوانها ورموزها وشعاراتها؛ إذ يمكن أن يؤثر هذا البعد تأثيراً كبيراً في تصورات الأفراد ومشاعرهم تجاه المؤسسة، وكذلك سلوكهم تجاهها.
  3. يشير البعد الثقافي إلى قيم المؤسسة ومعتقداتها ومعاييرها التي تشكل سلوكها الداخلي والخارجي، فقد تؤدي الثقافة التنظيمية الإيجابية إلى زيادة معنويات الموظفين ورضاهم الوظيفي، فضلاً عن تحسين العلاقات مع العملاء وأصحاب المصلحة الآخرين.
  4. يشير بُعد التواصل إلى الطرائق التي تتواصل بها المؤسسة مع مختلف أصحاب المصلحة، مثل الإعلان والعلاقات العامة ووسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ يمكن أن يساعد التواصل الفعال على بناء الثقة وتأسيس سمعة إيجابية والشعور بالمجتمع بين أصحاب المصلحة.

على سبيل المثال، شركة تبيع منتجات صديقة للبيئة، يتضمن بُعد هويتها شعاراً وعلامة تجارية مميزة تؤكد التزامها بالاستدامة، ويشمل البعد الرمزي استخدام الألوان الخضراء ورموز الطبيعة التي تثير مشاعر حماية البيئة والمسؤولية، كما يشمل بُعدها الثقافي الالتزام بالمصادر الأخلاقية وممارسات الإنتاج التي تتماشى مع قيم عملائها.

يشمل بُعد التواصل الخاص بها الرسائل التي تؤكد على مهمتها ومبادراتها الصديقة للبيئة، والتي تساعد على بناء شعور بالمجتمع بين أصحاب المصلحة؛ إذ إنَّ اهتمام المؤسسة بهويتها ورمزيتها وثقافتها وتواصلها، يمكِّنها من إنشاء هوية فريدة ومميَّزة وبناء الثقة والولاء مع أصحاب المصلحة وتأسيس سمعة إيجابية في الصناعة.

إقرأ أيضاً: ما دور التواصل الفعال في تعزيز إنتاجية الموظفين؟

مكونات الصورة الذهنية للمؤسسة:

تحتوي الصورة الذهنية للمؤسسة على عدة مكونات تحدد كيف يدرك الأفراد ويتفاعلون مع المؤسسة، وتشمل هذه المكونات السمعة والثقة والمصداقية وشخصية العلامة التجارية:

  1. يشير مكون السمعة إلى التصور العام لدى الأفراد عن المنظمة بناءً على أدائها وسلوكها في الماضي، فيمكن أن تؤدي السمعة الإيجابية إلى زيادة الثقة والولاء بين أصحاب المصلحة، بينما قد تؤدي السمعة السلبية إلى انخفاض الثقة وردود الفعل السلبية.
  2. يشير مكون الثقة إلى مستوى الثقة لدى الأفراد في قدرة المنظمة على الوفاء بوعودها وبالتزاماتها؛ إذ يتم بناء الثقة من خلال الأداء المتسق والموثوق، فضلاً عن التواصل الشفاف والسلوك الأخلاقي.
  3. يشير مكون المصداقية إلى التصور الذي يتمتع به الأفراد من خبرة المنظمة وسلطتها في صناعتها؛ إذ يتم بناء المصداقية من خلال سجل أداء قوي، إضافة إلى قيادة الفكر والابتكار.
  4. يشير مكون شخصية العلامة التجارية إلى مجموعة الخصائص والصفات البشرية التي يربطها الأفراد بالمؤسسة؛ إذ ربما تساعد شخصية العلامة التجارية القوية على تمييز المؤسسة عن منافسيها، فضلاً عن إنشاء اتصال عاطفي مع العملاء وأصحاب المصلحة الآخرين.

على سبيل المثال، شركة تقنية تتمتع بسمعة طيبة في مجال الابتكار والتكنولوجيا المتطورة، يثق عملاؤها في أنَّ منتجاتها ستكون موثوقة وسهلة الاستخدام، وبناءً على سجلها الحافل بالأداء الثابت، فقد بَنَت الشركة مصداقيتها في الصناعة من خلال قيادتها الفكرية وخبرتها، فضلاً عن الشراكات مع المنظمات الأخرى ذات السمعة الطيبة.

كما تتميز شخصية العلامة التجارية للشركة بسمات، مثل الذكاء والإبداع والتفكير المستقبلي التي يتردد صداها مع جمهورها المستهدف؛ لذا يجب على الشركات الانتباه إلى سمعتها وثقتها ومصداقيتها وشخصيتها التجارية من أجل بناء صورة ذهنية قوية وإيجابية.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح لإدارة فرق العمل بشكل فعال

كيفية تحسين الصورة الذهنية للمؤسسة:

قد يكون تحسين الصورة الذهنية للمؤسسة عملية معقدة ومستمرة، لكن توجد عدة استراتيجيات رئيسة يمكن للشركات استخدامها لتعزيز سمعتها وبناء صورة ذهنية إيجابية، وتتضمن هذه الاستراتيجيات التركيز على المسؤولية الاجتماعية للشركات، والمشاركة مع أصحاب المصلحة، وإعطاء الأولوية للشفافية، والاستثمار في جهود التسويق والعلامات التجارية.

  1. من أكثر الطرائق فاعلية لتحسين صورة المؤسسة الذهنية هي التركيز على المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR)؛ إذ تشير المسؤولية الاجتماعية للشركات إلى جهود الشركة للعمل بطريقة أخلاقية ومستدامة، مع المساهمة أيضاً في القضايا الاجتماعية والبيئية، كما يمكن للشركات التي تعطي الأولوية للمسؤولية الاجتماعية للشركات بناء سمعة إيجابية لدى العملاء وأصحاب المصلحة الآخرين، وهذا قد يؤدي إلى زيادة الدعم لمبادراتهم وصورة ذهنية أقوى.
  2. استراتيجية أخرى هامة لتحسين صورة المؤسسة الذهنية هي التعامل مع أصحاب المصلحة، فقد يشمل ذلك الاستماع للتعليقات الواردة من العملاء والموظفين وأصحاب المصلحة الآخرين، إضافة إلى البحث بنشاط عن مدخلاتهم ومشاركتهم في عملية صنع القرار في الشركة، فيمكن للمؤسسات حينها بناء الثقة والمصداقية، فضلاً عن اكتساب رؤى قيِّمة عن احتياجاتهم وتفضيلاتهم.
  3. الشفافية هامة أيضاً لبناء صورة ذهنية إيجابية للمؤسسة؛ إذ يمكن للشركات التي تعطي الأولوية للشفافية في عملياتها وإعداد التقارير المالية والتواصل مع أصحاب المصلحة أن تنشئ سمعة طيبة في الصدق والنزاهة، ويمكن أن يساعد ذلك على بناء الثقة والمصداقية مع العملاء والمستثمرين، وكذلك تمييز الشركة عن المنافسين.
  4. قد يكون الاستثمار في جهود التسويق والعلامات التجارية أيضاً وسيلة فعالة لتحسين صورة المؤسسة الذهنية، عن طريق تطوير هوية بصرية قوية للعلامة التجارية تستطيع المؤسسات تمييز نفسها عن المنافسين وإنشاء اتصال عاطفي مع العملاء، كما يؤدي ذلك إلى زيادة الولاء للعلامة التجارية وصورة ذهنية إيجابية.

تحسين الصورة الذهنية للمؤسسة يتطلب نهجاً متعدد الاستراتيجيات والتركيز عليها، كما يمكِّن المؤسسات من بناء صورة ذهنية قوية وإيجابية، التي قد تؤدي إلى زيادة ولاء العملاء وتحسين الأداء المالي وسمعة أقوى في السوق.

إقرأ أيضاً: كيف تعزز علامتك التجارية؟

في الختام:

يعدُّ مفهوم الصورة الذهنية للمؤسسة جانباً هاماً من إدارة سمعة الشركة، فقد تؤدي الصورة الذهنية الإيجابية إلى زيادة ولاء العملاء، وتحسين سمعة العلامة التجارية، وتحسين الأداء المالي، وتتشكل الصورة الذهنية للمؤسسة من خلال عدة خصائص وأبعاد ومكونات، مثل العناصر المرئية والرمزية وثقافة الشركة وتصورات أصحاب المصلحة.

يتطلب تحسين صورة الشركة نهجاً متعدد الأوجه يتضمن إعطاء الأولوية للمسؤولية الاجتماعية للشركات، والمشاركة مع أصحاب المصلحة، وإعطاء الأولوية للشفافية، والاستثمار في جهود التسويق والعلامات التجارية، فمن خلال التركيز على هذه الاستراتيجيات، يمكن للشركات بناء صورة ذهنية قوية وإيجابية قد تؤدي إلى زيادة النجاح في السوق.




مقالات مرتبطة