الصحة المعوية هي الصحة العقلية

يبدو أنَّ عبارة "مفيد لصحة الأمعاء" هي العبارة الطنانة الجديدة التي يمكنك قراءتها على جميع المنتجات الغذائية في متجر البقالة؛ ومع ذلك، لم يتمكَّن معظم الأشخاص من إخبارك بما تفعله هذه المخلوقات الصغيرة المعروفة باسم (الجراثيم المعوية) في أجسامنا، ناهيك عن أنَّ سبب وجودها هامٌّ جداً للصحة النفسية والجسدية.



لا تنخدع، فليست كلُّ المنتجات التي تُعنَى بصحة الأمعاء تمنحك ما تحتاجه حقاً لإبقاء جسمك وعقلك في حالةٍ جيدة.

سنكشف في هذه المقالة عن سبب قضاء الوقت كلّ يومٍ للتأكُّد من أنَّك تعتني بأمعائك، بالإضافة إلى العلامات التي يجب البحث عنها عندما تكون غير متوازنة.

الميكروبيوم المعوي، كما حدَّده عالم الأحياء الجزيئي (جوشوا ليدربيرج)، هو: مجمل الكائنات الحية الدقيقة والبكتيريا والفيروسات والفطريات الموجودة في الجهاز الهضمي. ووفقاً لمشروع الميكروبيوم البشري، يمكن النظر إلى الميكروبيوم المعوي على أنَّه "عضوٌ ميكروبيٌّ" حساسٌ للعوامل البيئية والغذائية والعوامل المضيفة.

نعم، إنَّ تخمينك صحيح، إذ يستضيف جسمك المليارات من الكائنات الحيَّة الدقيقة التي تعتمد عليك لضمان صحَّتها وعافيتها، وإذا تعرَّضت إلى سوء المعاملة، فسوف تُلحِق دماراً بمنطقتك المعوية، وكذلك ببقية جسمك؛ مسبِّبةً: تهيُّجَ الجلد، وتقلُّب المزاج، وضيق النَّفس، واضطرابات التمثيل الغذائي، والسمنة، وحتَّى اضطرابات المناعة الذاتية.

ربَّما لم تفكِّر أبداً في علاقتك التكافلية بالكائنات الحية الدقيقة التي تعيش داخل جسمك وفوق جلدك، ولكن كلُّ ما تفعله يومياً يؤدِّي إلى ازدهار أو موت هذه الكائنات.

الآن، وقبل الاستخدام المُفرِط للمناديل الكحولية، عليكَ أن تعلم أنَّ بكتيريا الأمعاء الدقيقة الخاصة بك تعمل على مساعدتك في أغلب الأحيان، حيث تقدِّم عدداً من الوظائف الهامَّة، بما في ذلك: إنتاج طاقةٍ إضافيةٍ يتعذَّر على جسمك الوصول إليها عن طريق تحطيم الألياف القابلة للذوبان؛ كما أنَّها تساعد في إنتاج الفيتامينات، مثل: البيوتين، والفولات، وفيتامين ك؛ وتساعد في تطوير جهازٍ مناعيٍّ قوي.

أيضاً، تحافظ البكتيريا النافعة والمتنوعة على مزاجك تحت السيطرة في أثناء التوتر؛ ممَّا يسهِّل على الناقلات العصبية المساعدة منحك الطاقة أو تهدئة جسمك لتجهيزه للنوم.

ومع ذلك، يمكن أن يتسبَّب اختلال توازن البكتيريا النافعة أو العدوى ببكتيريا دخيلة بالإصابة بالإسهال أو الإمساك، ويمنعك من النوم طوال الليل.

شاهد بالفيديو: كيف تحصن جهازك المناعي في ظل تفشي فيروس كورونا؟

ولكن، كيف يمكنك معرفة ما إذا كان لديك أمعاء متوازنة، أو معرفة التأثير الذي يمكن أن يؤثِّر في نفسيَّتك؟ فيما يأتي بعض العلامات التي تحتاجها للتحقُّق من صحة أمعائك:

1. الالتهاب:

عندما يكون هناك خللٌ في توازن ميكروبات الأمعاء، يتأثَّر نظام المناعة لديك؛ ممَّا يؤدي إلى استجابةٍ مناعيةٍ تسبِّب حالةً مرضيةً تسمَّى "التهاب الأمعاء".

عند حدوث ذلك، قد تشعر بتهيُّج الأمعاء أو الإمساك أو الإسهال، وتبدو هذه الأعراض واضحة، ولكن الشيء غير الواضح هو أنَّ الالتهاب يسبِّب مشاكل أخرى في جميع أنحاء الجسم، مثل: تهيج الجلد، أو آلام المفاصل، والتي قد لا تكون مرتبطةً بأمعائك.

تشير الدراسات الآن إلى وجود صلةٍ بين سوء صحة الأمعاء وهشاشة العظام، وهو شكلٌ غير قابلٍ للشفاء من التهاب المفاصل الناجم عن تآكلها. ومع ذلك، يشعر العلماء الآن أنَّه قد يكون التهاباً مزمناً يؤدِّي إلى تدمير المفاصل، وليس العكس.

ما قد يكون أكثر إثارةً للدهشة هو أنَّهم وجدوا أنَّ الالتهابات المزمنة في المفاصل قد تتسبَّب بها البكتيريا في الأمعاء.

أيضاً، طرَح بحثٌ من جامعة "إيموري" في أتلانتا فكرة أنَّ الالتهاب البسيط في الجسم قد يقلِّل من الدافع من خلال تقييد الدوبامين، وهو ناقلٌ عصبيٌّ يدفع السلوكات المرتبطة بالتحفيز. لذا، قد تؤثِّر السيطرة على صحة أمعائك في مناطق أخرى من جسمك ودماغك، وتؤدِّي إلى إبطائك عندما تحتاج إلى الإسراع.

إقرأ أيضاً: ما هو الإنتان؟ الأعراض، العلاج، أمور أخرى

2. تغيُّرات المزاج:

يعيش الكثير منَّا مرتاحاً في معظم الأيام، ويشعر أيضاً بالانزعاج بين الحين والآخر؛ ولكن، هل نظرت يوماً إلى العلاقة بين مزاجك وصحة الأمعاء؟

يُجري أطباءٌ في الجهاز الهضمي العصبي الآن الكثير من الأبحاث حول الاكتئاب والقلق والإجهاد، بالإضافة إلى نقص الحافز أو الدافع، وقد توصَّلوا إلى نتائج مذهلة، فقد اكتشف العلماء بعض الميكروبات المعوية التي تتسبَّب بالقلق والسلوكات الشبيهة بالاكتئاب، وذلك عن طريق تعديل مستقبلات الناقلات العصبية في الدماغ، بسبب التهابٍ في القناة الهضمية.

الأشخاص الذين يعانون من اضطرابٍ ثنائيِّ القطب والفصام والذهان، لديهم علامات التهاب الأمعاء.

يمكن أن يساعدك العمل مع طبيب طبٍّ وظيفيٍّ على نظامٍ غذائيٍّ صحيٍّ للأمعاء، في التدرُّب على الضغط والسيطرة عليه، وحتَّى في تحسين مزاجك.

3. زيادة الوزن غير المبرَّرة:

إذا كنت تحسُّ أنَّ مقاس خصرك يزداد، وأنَّ ملابسك تصبح ضيقةً أكثر، على الرغم من ممارستك التمرينات الرياضية، وتناولك نظاماً غذائيَّاً متكاملاً، والتحكُّم بالضغط؛ فلا تنصدم، إذ يجد العلماء الآن ارتباطاً مباشراً بين ميكروبات الأمعاء السليمة والسمنة.

تقول الدكتورة "سيندي ديفيز" (Cindy D.Davis) أنَّ معالجة الميكروبات المعوية يمكن أن تسهِّل فقدان الوزن، أو تمنع السمنة لدى البشر.

تركِّز الاستراتيجيات المحتملة للوقاية من السمنة أو علاج الجراثيم، على استهلاك البكتيريا الحية (البروبيوتيك)، أو مكوِّنات الطعام غير القابلة للهضم، أو محدودة الهضم مثل البريبايوتكس، أو كليهما.

إقرأ أيضاً: هل تعاني من الوزن الزائد؟ قد تكون الغدة الدرقية وراء ذلك

كيف تعالج أمعائك؟

أصبح البروبيوتيك أحدث صيحةٍ صحيَّة، وقد ثبت أنَّ هذه الكائنات الحية، تحمي صحة الإنسان بجرعاتٍ مناسبة.

لا يعني هذا الذهاب وتناول الزبادي، إذ يمكن أن تحتوي ميكروبات الأمعاء النافعة على أكثر من 500 سلالةٍ مختلفةٍ من البكتيريا، وأكثر أنواع الكائنات الحية المجهرية استخداماً هي العصيات اللبنية البكتيرية، والخمائر؛ ولكن، كيف تعرف ما تحتاجه؟

يمكن الآن الوصول بسهولةٍ إلى الاختبارات الذاتية للميكروبات، حيث يقول (ريتشارد لين)، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة "Thryve Inside" للميكروبيوم: "يمكن للناس استعادة صحَّتهم المعوية عن طريق اختبار الكائنات الدقيقة الخاصة بهم".

أظهر أحدث الأبحاث أنَّ المرضى الذين يعانون من الاكتئاب لديهم عددٌ أقلُّ من البكتيريا في أمعائهم.

أحدث صيحات صحة الأمعاء، زرع ميكروبات البراز:

يساعد هذا الجهد الرائد حالياً في الصحة السريرية الأشخاصَ الذين يعانون من اختلال توازن الأمعاء الحاد في مجالهم الهضمي، وقد حلَّت حالات الاختبار حتَّى هذه اللحظة من 80 إلى 90% من الإصابات المتكررة التي تسبِّبها جراثيم المطثيَّات الصعبة أو مشاكل القولون -بكتيريا منتجةً للسموم يمكن أن تصيب الأمعاء، ممَّا يسبب الإسهال والحمَّى، وخاصةً لدى الأشخاص الذين عُولِجوا بالمضادات الحيوية- الذي لا يستجيب للمضادات الحيوية.

تُزرَعُ عيِّنة براز من متبرعٍ سليمٍ جرى فحصه بعناية في قولون المريض، ويُعاد ملء أمعائه بالكائنات الدقيقة المتنوعة.

على الرغم من أنَّ الدراسات البحثية للميكروبات البشرية واعدة، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعيَّن القيام به لإدخال هذا في الممارسات الطبيَّة الرئيسة.

من خلال إلقاء نظرةٍ فاحصةٍ على الميكروبات المعوية لديك، يمكنك المساعدة في تعزيز ثقتك بنفسك، وذلك من خلال معرفة أنَّك تقدِّم لنفسك الأدوات التي تحتاجها للشفاء لتصبح أفضل.

 

المصدر




مقالات مرتبطة