الشكوى من العمل وعلاقتها بالتوتر

قد تسبب الوظائف بعض التوتر والإحباط اليومي، وقد يكون من الطبيعي العودة إلى المنزل والتنفيس عن هذا الإحباط لأكثر الأشخاص قرباً منك وأكثرهم تعاطفاً معك؛ حيث قد يُشعِرك ذلك بالرضا.



لكن مع ذلك، يتساءل الكثير من الناس عمَّا إذا كان هذا النهج يضر أكثر ممَّا ينفع؛ وعمَّا إذا كانت الشكوى تتيح لنا متنفساً صحياً للتخلص من الإحباط، أم أنَّها تزيد من إجهادنا.

هناك أفكار متعددة حول هذا الموضوع، حيث يخشى العديد من الأشخاص كتم مشاعرهم خوفاً من أن يبوحوا بها في المكان أو في الوقت الخطأ، أو أمام  الشخص الخطأ مثل مديريهم أو زملائهم في العمل؛ ولذلك يعدُّ التنفيس عن المشاعر في المنزل أو للمقربين أكثر أماناً.

في حين يشعر آخرون أنَّ الشكوى ما هي إلَّا وسيلة لنشر السلبية، وأنَّ التركيز على الإيجابيات أو تشتيت انتباه المرء بعيداً عن السلبيات طريقة أفضل للسلام والراحة النفسية.

لحسن الحظ، حلَّل الباحثون هذه الأسئلة لتسليط الضوء على آثار الشكوى وضغوطات العمل وطريقة التعامل مع التوتر؛ وذلك حتى تتمكَّن من معرفة الحقائق ومعرفة الأفضل لك حقاً.

أولاً، رأي يؤيد الشكوى من العمل:

فيما يأتي بعض الأسباب التي تجعل الشكوى للمقربين فكرة جيدة:

1. الشعور بالرضا في الوقت الراهن:

قد يُشعِرك القليل من الشكوى حول العملاء والزملاء ورؤساء العمل والضغوطات اليومية بالراحة نوعاً ما؛ ويساعدك التنفيس عن إحباطك بدل كبت مشاعرك ليوم أو أسبوع أو أكثر، في إراحة ذهنك قليلاً.

قد تكون الشكوى مريحة بحد ذاتها؛ فحتى لو كان لها عواقب سلبية لاحقة، إلَّا أنَّها لا تكون ملحوظة كالمشاعر الإيجابية التي تأتي مباشرة بعد جلسة مُرضية من الشكوى.

2. تساعدنا على الشعور بالدعم:

يمكن أن يساعدك وجود شخص يصغي إليك ويهتم لمشاعرك على الشعور بقربك من هذا الشخص، فيقل توترك بشكل عام؛ لعلمك أنَّ هناك أشخاصاً في حياتك يفهمون ما تمر به ويهتمون لأمرك حقاً.

تساعد الشكوى من العمل على الشعور بمزيد من الترابط مع الآخرين، خاصة إذا واجهوا ضغوطاً مماثلة في العمل؛ فنحن نحتاج في بعض الأحيان إلى من يتقبل مشاعرنا ويخبرنا أنَّنا نقوم بعمل جيد، خاصة إذا لم نكن نحظى بالتغذية الراجعة الإيجابية حيال العمل الذي نقوم به بحد ذاته.

3. يمكن أن تؤدي إلى إيجاد حلول:

دائماً ما ترشدنا مناقشة المشكلات مع الآخرين إلى حلول لم نفكر فيها من قبل، خاصة عندما نرزح تحت ضغط العمل؛ فقد يكون لدى زميل العمل في العديد من الحالات حل قد لا نراه بأنفسنا، وقد يجد شخص لا علاقة له بالموضوع في أوقات أخرى إجابة لا يسعنا التفكير فيها لكوننا منغمسين في المشكلة.

يشتكي الناس في بعض الأحيان من أجل تلقي الدعم أو التعاطف؛ ولكن عندما يشتكون لإيجاد حل، يؤدي هذا إلى نتائج واقعية؛ ممَّا يعني ضغوطات أقل على الأمد الطويل.

4. الشكوى أكثر أماناً من فقدان الصبر:

يشعر الكثير من الناس أنَّهم قد يفقدون صبرهم إذا استمروا في إخفاء مشاعرهم، وهذا صحيح إلى حد ما؛ فلا أحد يريد أن يكون محبَطاً لدرجة أن يفقد أعصابه أو يقول شيئاً خاطئاً في أوقات غير مناسبة؛ لذا فإنَّ الشكوى والتنفيس عن الإحباط يبدوان وكأنَّهما أفضل طريق لنسلكه.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح تساعدك ليصبح جو العمل السّلبي أكثر إيجابية

ثانياً، رأي يعارض الشكوى من العمل:

هناك عيوب في الشكوى تجعلها أشبه بمخاطرة تدفع نحو الشعور بالإحباط على الأمد الطويل، والأسباب الآتية تبيِّن لماذا علينا الابتعاد عن الشكوى في بعض الأحيان:

1. يمكن للشكوى أن تنشر السلبية:

السلبية أشبه ما تكون بفيروس عاطفي؛ فهي معدية جداً، مثلها مثل الإيجابية.

يعني هذا أنَّك إذا اشتكيت بشكل مفرط، قد تنشر مزاجك السيء، ويصبح مَن حولك أكثر سلبية أيضاً.

الفكرة هنا أنَّنا يجب ألَّا نغالي في الشكوى، وأن ننتقي الأشخاص الملائمين لنشتكي إليهم.

شاهد بالفيديو: 8 طرق تقوم بتحسين مزاجك في العمل

2. تعيد توجيه الدماغ إلى السلبية:

قد يبدو هذا خطيراً، وهو في الواقع كذلك؛ حيث يجعل تكرار أيِّ فكرة أو سلوك أسهل، وفكلَّما كررت ذلك، أصبح الأمر أكثر تلقائية؛ فإذا كنت تشتكي تلقائياً من العمل، سيصبح من الطبيعي أكثر ملاحظة السلبية حول الأشياء الأخرى في الحياة.

عندما تشتكي كثيراً، تصبح الشكوى عادة بالنسبة إليك، وتشكل خطراً حقيقياً على سلوكك الذي يتشكل من أنماط تفكيرك المعتادة؛ لذلك فإنَّ اتباع نهج إيجابي والاعتياد عليه بدلاً من السلبية أفضل من أجلك بالتأكيد.

3. تضر بسمعتك:

قد تشعر بالارتباط مع زملاء العمل إذا كنتم تتشاركون الدعم خلال جلسات التنفيس، إلَّا أنَّ الشكوى قد تطاردك، فتكتسب سمعة "الشخص السلبي" بينما أنت لست كذلك؛ وفي المقابل، قد تكوِّن أعداءً؛ ممَّا يؤدي إلى جعل تجربتك في العمل أسوأ، ويسبِّب شعورك بالإحباط.

تتلاشى الإيجابية الزائفة في نهاية المطاف، وخاصة إذا كانت قسرية؛ لكنَّ ذلك لا يعني ألَّا تتوخى الحذر من كونك سلبياً على الدوام.

4. ليست فعالة:

بينما تبدو الشكوى تصرفاً آنياً صحياً، إلَّا أنَّها تُشعِرك بالسوء على الأمد الطويل؛ ويرجع هذا إلى أنَّ التعبير عن الغضب يجعل هذا الشعور أقوى وليس أضعف.

كما أنَّ فكرة كونك بحاجة إلى التنفيس عن غضبك مجرد خرافة؛ فقد تكون تهدئة نفسك وإعادة تركيز انتباهك والتعبير عن غضبك بطرائق غير عدوانية، أكثر فاعلية وأقل تدميراً.

5. قد تضر بصحتك:

تضعنا الشكوى في وضع ذهني متوتر؛ لذلك يسبب لنا الاعتياد عليها النوع نفسه من المخاطر التي يسببها الإجهاد المزمن؛ وعندما يدرك العقل تهديداً -كما يحدث عندما نذكِّر أنفسنا بمدى سوء الأمور في العمل على سبيل المثال- تعمل استجابة الجسم للتوتر، فتحدث سلسلة من التغييرات التي تساعدنا على تكوين استجابة الكر أو الفر؛ وعند تفعيل هذه الاستجابة الجسدية بشكل متكرر ومستمر، قد تحدث مجموعة من الآثار السلبية على الصحة الجسدية والعاطفية.

إقرأ أيضاً: 11 نصيحة للتخلص من التفكير في إخفاقات الماضي والتفكير في المستقبل

ثالثاً، ماذا نفعل بدلاً من ذلك؟

لحسن الحظ، هناك استراتيجيات استباقية تساعد على التكيف؛ وهي أكثر فاعلية في تخفيف التوتر دون عواقب سلبية:

1. اكتب شكواك:

في حين يبدو التنفيس عن المشاعر مع صديقك أمراً سيئاً لكليكما إذا كان مفرطاً، فإنَّ كتابة مشاعرك في مفكرة فكرة يمكن أن تكون مفيدة جداً.

تساعدك الكتابة على فهم مشاعرك ومعالجتها، وعلى جعل الأمور تمر بسلاسة أكبر؛ حيث تُظهِر الأبحاث أنَّ كتابة اليوميات له فوائد عديدة على صحتنا وعافيتنا عموماً.

تجعلك كتابة اليوميات ممتَّناً، ما يخلق فوائد إضافية تتمثل بخلق عادة ذهنية تساعدك على ملاحظة الإيجابية والامتنان؛ إذ إنَّ نمط التفكير هذا هو عكس التذمر تماماً؛ لذلك فإنَّه يساعدك على تصفية ذهنك بطريقة أفضل بكثير، وعلى إنشاء سجل عن كلِّ ما يجعلك سعيداً في الحياة والعودة إليه في أيِّ وقت.

2. اشتكِ قليلاً، ثمَّ أعِد توجيه نفسك:

إذا كنت معتاداً على الشكوى بالفعل، فيمكنك ضبط نفسك عند القيام بذلك، ثمَّ إعادة توجيه نفسك من الحديث عمَّا يحبطك إلى الحديث عمَّا يرضيك؛ أو يمكنك البدء بمقدار بسيط من التنفيس عن التوتر، ثمَّ توجيه نفسك للحديث عن أشياء أكثر إيجابية؛ فقد تساعدك الراحة المؤقتة التي توفرها الشكوى في البدء بممارسة عادات أفضل وترسيخها مع الوقت.

3. اشتكِ للشخص الصحيح:

ليست كلُّ الشكوى سيئة؛ فإذا اشتكيت قليلاً إلى شخص يمكنه مساعدتك بالفعل، فقد تتمكَّن من تحسين وضعك.

على سبيل المثال: إذا كان لديك موقف في العمل يسبب لك ضغطاً مستمراً، فقد يساعدك التحدث إلى قسم الموارد البشرية في حل المشكلة بدلاً من تحمل أعبائها وحدك.

اسأل نفسك في المرة القادمة التي تشتكي فيها: هل هناك شيء آخر يمكنني القيام به؟ هل أشتكي للشخص المناسب؟

4. اشتكِ، ثمَّ اكتشف الأخطاء واعمل على إصلاحها:

إذا وجدت نفسك تشتكي من شيء يمكنك تغييره بنفسك، فربَّما تكون أنت نفسك الشخص المناسب لسماع شكواك؛ حيث يمكنك بذلك تحويل جلسة التنفيس إلى جلسة عصف ذهني لاستكشاف ما يمكنك تغييره، ثمَّ السماح لنفسك باستخدام الإحباط للتحفيز وإجراء تغييرات إيجابية عندما تستطيع.

5. تدرَّب على اليقظة الذهنية:

أولئك القادرون على الارتباط بالواقع باستمرار -أي تقليل التوتر بشأن الماضي، وعدم القلق بخصوص المستقبل- أكثر قدرة على تجنُّب الشكوى، ما يجعل اليقظة الذهنية عادة فعالة لممارستها.

يمكنك ممارسة اليقظة الذهنية بطرائق مختلفة، وإحدى هذه الطرائق البدء بالتركيز على تنفسك، والاستماع إليه في صدرك؛ وفي المرة القادمة التي تتذكر فيها أحداث الماضي أو تفكر فيها بالمستقبل، استخدم مزيداً من تمرينات اليقظة الذهنية.

6. مارس عادات أخرى لتخفيف التوتر:

يمكن أن يساعدك العثور على عادات أخرى فعالة لتخفيف التوتر على تقليل الشعور بالانزعاج من التحديات التي تواجهها في العمل، وهذا ما قد يمنحك مزيداً من المرونة والسعادة في حياتك.

كلمة أخيرة:

في النهاية، من الأفضل عدم اصطحاب عملك معك إلى المنزل لتشتكي منه بعد ساعات، إلَّا إذا كنت تعمل على إيجاد حل لمشكلة تعيقك؛ إذ يأخذ العمل وقتك وطاقتك طوال اليوم، فلماذا تمنحه مزيداً من ذلك؟

نادراً ما يكون هناك نهج واحد يناسب الجميع لإدارة التوتر، ولكن قد تساعدك هذه الإرشادات على تحديد الأفضل بالنسبة إليك؛ وستشعر بعد فترة وجيزة بأنَّك أقل انجذاباً إلى الشكوى، أو ربَّما بأنَّ لديك القليل لتشتكي منه أصلاً.

المصدر




مقالات مرتبطة