الشخصية الإدمانية: تعريفها، وأشكالها، وأسبابها، طرق التعامل معها

عادةً ما تتحول المتعة لدى الشخصية الإدمانية إلى هدفٍ منشودٍ في الحياة، وتصبح معدلات المخاطرة لديها أكبر من المعدلات المعتادة بكثير، وتتسم معايير سعادتها بعدم الاتزان والمنطقية؛ فهي لا تقبل بأيِّ حالٍ من الأحوال تقييد نفسها بأرقام متعة غير تنافسية؛ ذلك لأنَّها تعتقد أنَّها الشخصية الأقوى والأكثر تجديداً وقوةً بين الشخصيات.



الشخصية الإدمانية هي شخصية:

  • تعشق كسر الروتين، وتتسرع بقراراتها، وتندفع إلى تنفيذها، غير آبهة بتبعات ذلك وعواقبه؛ فهي لا تعترف بسياسة حساب المخاطر وتقييم إيجابيات وسلبيات الأمر قبل الخوض فيه.
  • تتعلق بالأشخاص أو الأشياء تعلقاً مَرَضياً، ويغيب لديها المنطق والقدرة على التمييز الصحيح، وتسلِّم أمورها إلى قوى خارجية تفعل بها ما تشاء بمنتهى الخنوع والضعف؛ وعادةً ما تجعلها هشاشتها النفسية فريسة سهلة بيد المستغلين؛ فيميلون إلى امتصاص طاقتها، والتأثير في توجهاتها وقيمها.
  • تهرب من ظروف الحياة ومشكلاتها، ولا تملك جرأة المواجهة والجلوس الصادق مع ذاتها، فتدمن الكحوليات أو المخدرات أو الطعام أو الإنترنت أو الحبيب؛ إلى أن يغيب عقلها، ويتشوه المنطق لديها، وتعلن بفرحة وصولها إلى المتعة الظاهرية والزائفة.
  • تبحث في عمق تصرفاتها عن الوجود، وتحتاج إلى الشعور الحقيقي بروحها ونقائها، وتلهث إلى تغذية أنانيتها وحبها لذاتها، وتتوهم من خلال ثقتها المفرطة بذاتها أنَّها قادرة على السيطرة على الأمور.

ولأنَّ الحديث عن الشخصية الإدمانية يطول، قدَّمنا لكم هذا المقال لنعرفكم عليها عن كثب؛ لذا تابعوا معنا.

ما هي الشخصية الإدمانية؟

هي اضطراب من اضطرابات الشخصية، ويحدث فيه عدم توازن في مناحي الشخصية الثلاثة: التفكير والشعور والسلوك.

  • على مستوى التفكير: تعاني الشخصية الإدمانية من تشوهات معرفية، كأن تؤمن بأنَّ مصدر سعادتها وأمانها مقتصر على وجود مادة أو سلوك أو شخص محدد في حياتها؛ وبالتالي تقزِّم من قدرتها على التحصين الداخلي، وتعلق متعتها على الخارج وتمنحه دفة قيادة مصيرها.
  • على مستوى المشاعر: تميل إلى اختبار مشاعر القلق واعتلال المزاج، فتجدها مكتئبة بشدة أو مبتهجة بشدة؛ كما ويرافقها إحساس دائم بعدم الأمان وفقدان الطمأنينة.
  • على مستوى السلوك: تنزع الشخصية الإدمانية إلى اتباع سلوكات عدوانية ومندفعة وغير مسؤولة.

تختلف مقاييس المتعة لدى الشخصية الإدمانية عن غيرها؛ ذلك لأنَّها عاشقة للمخاطرة العالية والتجدد المبالغ فيه وغير المسؤول.

ما أشكال السلوكات الإدمانية؟

يعني الإدمان "فقدان سيطرة الإنسان على سلوك من سلوكاته"، حيث يؤدي التطرف في ممارسة عادة معينة إلى فقدان السيطرة عليها.

يتجسد الإدمان في أشكال مختلفة، كإدمان المادة أو السلوك أو الأشخاص؛ حيث يعتمد الإنسان المدمن على شيء خارجي لكي يحقق استقراره الداخلي وتوازنه النفسي.

1. الإدمان على العلاقات المؤذية:

يتعلق المدمن بشخص ما تعلقاً مرضياً، بحيث يعلق عليه كل سعادته وآماله، ويعطيه بلا حساب، ويستغل الآخر هذا العطاء لخدمة مصالحه، وتصبح العلاقة مؤذية للشخص المدمن؛ ورغم إدراكه أنَّ هذه العلاقة تمتص طاقته، وتشوه علاقاته، وتؤثر سلبياً في عمله ومهنته؛ إلَّا أنَّه لا يملك القوة على إنهائها. 

ينطلق المدمن من مبدأ الاحتياج الشديد؛ فبدلاً من الاعتراف بالخواء الروحي الذي يعانيه، يهرع إلى التعلق المرضي بالأشخاص لكي يملأ فراغه العاطفي.

2. إدمان القمار:

يسعى المدمن هنا إلى الوصول بمشاعر الحماس والتشويق والإثارة إلى أعلى معدلاتها.

3. إدمان المخدرات:

يتورط بعض الناس بإدمان مواد معينة، وينتهي بهم الوضع إلى إدمان المخدرات؛ وذلك إنشاداً منهم لحالة مزاجية عالية، وهروباً من ضغوطات الحياة، وعجزاً عن التعامل مع تحدياتها.

4. إدمان الشراء أو الإنترنت أو الطعام:

يميل المدمن هنا إلى إدمان سلوك معين، حيث يفقد سيطرته على الطعام مثلاً؛ فتجده ينشغل بالإفراط في الطعام ولا يستطيع كبح جماح نفسه، على الرغم من إدراكه التأثيرات السلبية لذلك على جميع مناحي حياته.

5. إدمان الدين:

يعشق الشخص هنا حضور الندوات وممارسة الأنشطة الدينية، ولكن دون أن ينعكس هذا العشق إيجاباً على سلوكاته اليومية وتعاملاته مع الآخرين؛ فهو لم يصل إلى سلام روحي عميق مع الله، ولم تتطور شخصيته، ولم ينضج وعيه؛ أي أنَّه يدمن الدين شكلاً دون المضمون.

6. إدمان العمل:

يعدُّ العمل عبادة وشيئاً إيجابياً جداً، ولكن لا تمنع هذه الحقيقة من تصنيفه كأمر سلبي في حال الإفراط والانشغال الدائم فيه، لدرجة تأثيره السلبي في مناحي الحياة.

إقرأ أيضاً: 6 أضرار يحدثها الإدمان على الجسم

أسباب تشكّل الشخصية الإدمانية:

1. الجانب الوراثي:

يمتلك بعض الأشخاص جينات وراثية تجعلهم أكثر عرضة إلى الإصابة بالإدمان، ويُظهِر هؤلاء الأشخاص منذ فترات مراهقتهم ممارسات تدل على قابليتهم الكبيرة لذلك؛ فهم لا يستمتعون بالأشياء البسيطة التي يستمتع بها غيرهم من الأطفال، ويميلون إلى التطرف في الممارسات للوصول إلى متعة وحماس أكبر؛ كأن يهربوا من المدرسة دائماً.

2. التربية الخاطئة:

تعدُّ التربية الخاطئة عاملاً أساسياً لنشوء الشخصية الإدمانية، حيث تساعد الأم التي تميل إلى تنفيذ كلِّ رغبات وطلبات ولدها دون أدنى اعتراض في تكوين الشخصية الاتكالية غير المتحملة للمسؤولية لدى طفلها؛ ممَّا يخلق طفلاً لا يتقن التكيف مع ضغوطات الحياة وتحدياتها، ولا المرونة والصبر الكافيين للاستمرار في الحياة، الأمر الذي يوقعه ضحية في شباك الإدمان.  

3. عدم الإشباع الروحي:

يؤدي تلاشي وجود علاقة روحية صادقة وعميقة لدى الإنسان إلى ارتفاع معدل الأنانية وحب الذات والغطرسة لديه، ممَّا يعرضه إلى الإدمان كوسيلة للتعبير عن قوته الزائفة، وقدرته على كسر المحظورات، والوصول إلى مزيد من عبادة الأنا والنشوة.

صفات الشخصية الإدمانية:

1. الثقة المفرطة:

تتسم الشخصية الإدمانية بالثقة المفرطة والغرور؛ فهي تجعل من إدمانها مسألة طبيعية لا تدعو إلى الريبة، وتدعي سيطرتها التامة على الأمور وقدرتها الجبارة على حل جميع المشكلات.

2. الاندفاعية:

لا تحسب الشخصية الإدمانية مدى خطورة أفعالها وتصرفاتها والآثار السلبية المترتبة على فعل ما، بل تتسرع وتلهث وراء أهوائها وملذاتها دون إعمال عقلها في التفكير بالعواقب.

3. حب المغامرة:

تعشق الشخصية الإدمانية النشاطات ذات الخطورة العالية؛ فهي تغريها وتُشعِرها بالتحدي والإنجاز والتميز.

4. الأنانية والعدوانية والاتكالية:

تميل الشخصية الإدمانية إلى حب ذاتها بشكل مبالغ فيه، وقد تسبب الضرر والأذية لمن حولها من خلال قراراتها وسلوكاتها المتسرعة وغير المسؤولة، إلَّا أنَّها لا تكترث بذلك مطلقاً؛ فهي لا تهتم بمشاعر الآخرين، وتتعامل معهم بأسلوب عدواني منفر وجارح في حال تقديم النصيحة لها أو انتقادها.

تنزع هذه الشخصية أيضاً إلى إنكار أخطائها وإسقاطها على الآخرين، مبررة بذلك سلوكاتها المسيئة.

5. العناد ورفض السلطة:

تعدُّ الشخصية الإدمانية شخصية عنيدة جداً؛ فهي متشبثة بأفكارها، ولا تخضع لأوامر أحد، وتجد أنَّ قراراتها صحيحة دوماً؛ ويزداد عنادها بشدة في حال نجاحها بتجارب معينة متعلقة بالمغامرة؛ وتحتاج إلى صدمة كبيرة في حياتها لتدرك أخطاءها وتتخلص من عنادها.

إقرأ أيضاً: 5 علامات تدل على الإصابة باضطرابات الشخصيّة

كيفية التعامل مع الشخصية الإدمانية:

  • لابد أن يقي كل شخص ذاته من الوصول إلى الإدمان من خلال إدراك تصرفاته ومراقبتها، حيث تسبق مرحلة "إساءة الاستخدام" مرحلة الإدمان؛ فإن انتبه الإنسان إلى هذه المرحلة وأعراضها وقوَّم سلوكاته، وفَّر على نفسه العذاب كله.
  • يأتي الإدمان من حالة الفراغ النفسي وغياب وجود هدف في حياة الإنسان؛ لذلك على الإنسان أن يسعى على الدوام إلى ملء أوقات فراغه بأنشطة مفيدة وغنية، وتحديد أهداف جدية له، والعمل على تحقيقها بحب وشغف.
  • يصاحب الإدمان اضطرابات نفسية مثل اضطراب القلق العام والاكتئاب؛ لذلك علينا احتواء المدمن، والإصغاء إليه بهدوء، وتقبُّل حالته وعدم النفور منها، ومن ثمَّ العمل على مساعدته.
  • يعدُّ الاعتراف بالخطأ من أهم أساسيات العلاج، حيث يميل أغلب المدمنين إلى إنكار أفعالهم ووصفها بأنَّها طبيعية، والاستمرار في كبت مشاعر الخزي العميقة والهروب منها من خلال الرجوع إلى ممارسة الأفعال المسيئة كوسيلة لنسيان المشاعر السلبية، الأمر الذي يوصلهم إلى القاع.
  • على الأهل العمل على مساعدة المريض للوصول إلى مرحلة الاعتراف بالخطأ من خلال مواجهته بأفعاله وعقبات تصرفاته بأسلوب مدروس ولطيف، والإشارة إلى أنَّ جميع الناس خطَّاؤون ولا يخلو أحد منهم من الذنوب.
  • يعدُّ اللجوء إلى طبيب نفسي أمراً في غاية الأهمية، حيث يعتمد الطبيب العلاج المعرفي السلوكي من خلال العمل على تعديل أفكار المدمن عن ذاته والآخرين والحب والحياة؛ كأن يشرح له بأنَّ القوة الحقيقية لا تكون بكسر القواعد وتجريح الآخرين والتعلق المرضي بأشياء معينة، بل تكون باحترام الأخر والاهتمام بمشاعره، والعمل على الوصول إلى الإشباع النفسي بحيث يصدر عنه طاقة غنى واكتفاء لا طاقة احتياج وإلحاح.
  • يجب على المدمن العمل على الجانب الروحاني؛ وذلك من خلال تسليم أفعاله وأخطائه بعد اعترافه فيها إلى الله عز وجل، والدعاء لكي يساعده الله على العودة إلى الطريق المستقيم الذي فيه سلامه الداخلي.

الخلاصة:

التحصين الداخلي درعٌ واقٍ من الدخول في متاهات الأمراض النفسية؛ لذلك على كلِّ إنسان تغذية روحه وعقله وجسده بأفضل المدخلات وأرقاها وأنضجها.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة