السياسات التجارية الدولية

تمثِّل السياسة التجارية جزءاً أساسياً من السياسة الاقتصادية في أي بلد، فهي سياسة مطبَّقة في مجال التجارة الدولية التي شهدت في الفترة الأخيرة انفتاحاً اقتصادياً غير مسبوق في كافة دول العالم؛ وذلك لأنَّ تحرير التجارة خطوة رئيسة في تحقيق التنمية الاقتصادية وأهدافها سواء في الدول المتقدمة أم النامية، فقد عمدت معظم الدول إلى عقد الاتفاقيات الثنائية والإقليمية والدولية أيضاً من أجل تحسين معدلات النمو الاقتصادي لديها وتلبية حاجات الأفراد الأساسية والسير باتجاه تحقيق الرفاه الاجتماعي لهم، فما هي السياسات التجارية؟ وما هي أهم أدواتها؟ هذا ما سوف نتعرف إليه من خلال هذا المقال.



مفهوم السياسة التجارية:

هي عمل سيادي وأداة تستخدمها الدولة من أجل تحقيق مصالحها القومية، وهي انعكاس لتفكير الدولة وأسلوبها التجاري، وتعرَّف السياسة التجارية بأنَّها مجموعة من الإجراءات التي تضعها الدولة من أجل تحقيق أهداف محددة بشكل مسبق، وبالتحديد تنمية الاقتصاد القومي من خلال تعظيم العائد الناتج عن التعاملات التجارية مع الدول الأخرى، لكن بالوقت نفسه قد تهدف إلى تحقيق أهداف بعينها في الاقتصاد مثل تثبيت سعر الصرف أو تحقيق هدف العمالة الكاملة.

تملك الدولة حرية التصرف والتحكم في القيود الموضوعة على حركة السلع سواء الداخلة إلى أراضيها أم الصادرة منها، كما تملك حق وضع قيود على الخدمات التي تُقدَّم لمواطنيها في الخارج.

أساليب السياسة التجارية:

توجد سياستان رئيستان تقوم كل دولة باتباع إحداهما في تجارتها الخارجية:

1. حرية التجارة أو الانفتاح:

تعني عدم قيام الدولة بفرض أي قيود على التجارة أو وضع حواجز من شأنها إعاقة التبادل التجاري للسلع والخدمات ورؤوس الأموال، فالحكومة أو الدولة عموماً لا تتدخل هنا ولا تفرض أي قيود على حركة الصادرات والواردات لديها؛ إذ إنَّ تدفق سلعة إلى الدولة من عدمه يتوقف على نوعية السلعة وطبيعتها، فهناك السلع التجارية التي يمكن مبادلتها في السوق الدولية والتي يجب أن تحقق مجموعة من الشروط منها:

  • يجب أن تكون طبيعة السلعة ونوعيتها تسمح بنقلها عبر الحدود الدولية دون أن تؤدي عمليات النقل إلى إحداث تغيرات جوهرية في السلعة أو تقليل فوائدها أو إتلافها.
  • لكي تكون السلعة قابلة للتصدير يجب أن يكون سعرها المحلي مضاف إليه تكاليف النقل أقل من سعرها الدولي.
  • لكي تكون السلعة قابلة للاستيراد يجب أن يكون سعرها الدولي مضاف إليه تكاليف النقل إلى داخل البلاد أقل من سعرها المحلي.

تجدر الإشارة إلى أنَّ حرية التجارة لا تعني أنَّ كل ما تنتجه دولة ما يمكن أن تتم مبادلته تجارياً على المستوى الدولي؛ بل توجد شروط محددة حتى يمكن للسلع أن تكون قابلة للتجارة الدولية، فبالنسبة إلى السلع القابلة للتصدير يجب أن تكون طبيعة السلعة تسمح بنقلها عبر الحدود دون أن تطرأ عليها تغيرات أو تقل المنفعة الخاصة بها، كما يجب أن يكون سعرها المحلي مضاف إليه تكلفة النقل أقل من سعرها الدولي، أما بالنسبة إلى استيراد السلع يجب أن تكون كلفتها مضاف إليها تكاليف نقلها داخلياً أقل من سعرها المحلي.

كما توجد سلع غير قابلة للدخول في السوق الدولية ولا يمكن مبادلتها، فقد تكون طبيعتها أو نوعيتها لا تسمح بنقلها دون أن يحدث لها تغير جوهري يبطل منفعتها، كما أنَّ سعر هذه السلع مضاف إليها تكاليف النقل عبر الحدود أعلى من سعرها الدولي بالنسبة إلى السلع المصدرة، أما بالنسبة إلى السلع المستوردة فيكون سعرها الدولي مضاف إليه تكاليف النقل أقل من سعرها الدولي.

يحصد هذا الأسلوب في التجارة مؤيدين كثر؛ إذ إنَّهم يدافعون عنه بحجة الاستفادة من مزايا تقسيم العمل والتخصص الدولي في الإنتاج، فتقوم كل دولة بإنتاج وتصدير السلع التي تملك فيها ميزة تنافسية على أن تقوم باستيراد تلك السلع التي لا تتميز بها أو التي لا تستطيع إنتاجها على أراضيها، ويضاف إلى ذلك المنافسة التي تتيحها حرية التجارة، الأمر الذي يؤدي إلى تنشيط العمل الدولي وتطوير وسائل الإنتاج وتحسينها وكذلك القضاء على المشاريع الاحتكارية وإتاحة الفرصة لكل دولة باستخدام الموارد التي تملكها استخداماً تاماً.

في الواقع إنَّ هذا الأسلوب وعلى الرغم مما يحققه من مزايا عديدة، إلا أنَّه في الوقت ذاته تنتج عنه آثار سلبية عديدة لعل أخطرها بقاء الدول النامية مصدرة للمواد الأولية دون أن تحقق أي تقدم في المجال الصناعي أو الدخول في مجال الصناعات الثقيلة أو التكنولوجية، فهي لا تستطيع تحقيق ميزة تنافسية في ظل ضغوطات المنافسة الأجنبية التي تسمح بها حرية التجارة الدولية، ومن ثم بقاء الدول النامية في حالة تخلف وعرقلة عملية التنمية الاقتصادية فيها.

2. التقييد التجاري أو الحماية التجارية:

تقوم الدولة بفرض العديد من القيود القانونية والاقتصادية وسواها التي تؤدي بدورها إلى تخفيض التبادل التجاري بين الدول وتمنعه في كثير من الأحيان أيضاً؛ إذ تعمد الدولة إلى إصدار تشريعات وقوانين متعددة بهدف حماية إنتاجها الوطني وسوقها من المنافسة الأجنبية، كما تعمل على فرض الرسوم الجمركية المرتفعة أو تحديد حجم الاستيراد الممكن من مادة معينة.

يهدف أصحاب هذا الأسلوب إلى دفع المستهلك باتجاه استخدام السلع المحلية بدلاً من استخدام السلع الأجنبية، فهو لن يجد بديلاً عن ذلك، ومن ثم خفض الاستيراد، ويضاف إلى ذلك أنَّ اتباع هذا الأسلوب يؤدي إلى حماية الصناعات الناشئة الوطنية من قوة المنافسة الأجنبية، ناهيك عن زيادة فرص العمل ومحاربة البطالة، فتشجيع الصناعات سيوفر فرص عمل جديدة، ومن ثم رفع مستوى التوظيف.

من الأسباب التي تدعو إلى اتباع هذا الأسلوب هو محاربة سياسة الإغراق التي تعني بيع المنتجات الأجنبية بأسعار أقل من الأسعار التي تباع بها تلك المنتجات في أسواق الدول الأصل أو الأم، لكن يبقى السبب الرئيس في الترويج لهذا الأسلوب من وجهة نظر الداعمين له هو حماية بعض الفئات الاجتماعية مثل حماية مصالح المزارعين وتكون الحماية بفرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات.

شاهد بالفيديو: أنواع النقود وتاريخها

أهداف سياسة التجارة الخارجية:

1. حماية المنتجات الوطنية والصناعة الوطنية الناشئة:

في الواقع عندما تقوم الدولة بالبدء بإنتاج صناعة جديدة في البلاد، فإنَّها غالباً لا تكون على جودة عالية أو بمواصفات قياسية تستطيع معها المنافسة في السوق، كما أنَّها تكون أعلى كلفة بالمقارنة مع صناعة نفس المنتجات في الدول الأخرى التي أمضت سنوات طويلة في إنتاجها حتى وصلت إلى مستوى عالٍ في إنتاجها، ومن ثم فإنَّ الدولة هنا بحاجة إلى حماية تلك الصناعة الناشئة من المنافسة الضارة؛ لذا تعمد إلى فرض القيود على المنتجات المشابهة لمنتجاتها.

2. تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات:

يتحقق التوازن في ميزان المدفوعات من خلال العمل على زيادة الصادرات وتخفيض الواردات إلى أقل مستوى ممكن.

3. حماية الاقتصاد الوطني:

أخطر ما يمكن أن يصيب الاقتصاد الوطني هو حالة الإغراق؛ أي البيع بسعر أقل من سعر التكلفة والإنتاج، إضافة إلى حمايته من حالات التقلبات الخارجية مثل التضخم والانكماش الاقتصادي.

إقرأ أيضاً: اقتصاد السوق: مفهومه ونشأته ومبادئه

4. إعادة توزيع الثروات:

يجب إعادة توزيع الثروات بين كافة طبقات المجتمع، إضافة إلى حماية مصالح فئات محددة مثل المزارعين.

5. الحفاظ على استقرار المجتمع:

من خلال المحافظة على أمنه وتلبية حاجات ومتطلبات أفراده.

أدوات السياسة التجارية:

1. أدوات حرية التجارة:

1. التكامل الاقتصادي.

2. الرسوم الجمركية:

تمثل الرسوم الجمركية إحدى الأدوات الرئيسة لحرية التجارة؛ إذ يمثل تخفيض الرسوم الجمركية الهدف الأساسي لها، ويختلف هذا التخفيض بحسب كل سلعة وطبيعتها.

3. تعويم سعر الصرف:

أي ترك قيمة العملة الوطنية تتحدد بشكل تلقائي بالاعتماد على التفاعل بين قوى الطلب والعرض.

2. أدوات تقييد التجارة:

1. الرسوم الجمركية:

هي ضريبة تفرضها الدولة على الصادرات والواردات التي تعبر الحدود، ولها أشكال عدة؛ إذ توجد الرسوم الجمركية النوعية وهي التي تُفرض على شكل مبلغ ثابت على كل وحدة من السلعة وفقاً لخصائص يتم تحديدها بشكل مسبق مثل الحجم أو الوزن، كما توجد الرسوم الجمركية القيمية؛ وهي عبارة عن نسبة مئوية من قيمة السلعة، وتوجد الرسوم الجمركية المركبة؛ وهي عبارة عن دمج كل من النوعين السابقين.

إقرأ أيضاً: ما هي الرسوم الجمركية وما أنواعها؟

2. الإعانات:

هي المزايا التي تُعطى لمنتج معين كي يدخل في سوق المنافسة سواء السوق الداخلية أم الخارجية، كما تُعرف بأنَّها المزايا والهبات وكل ما تقدمه الدولة للصادرات بهدف تشجيع النهوض بها وتحسين جودتها وتمكينها من أجل ضمان دخول سوق المنافسة، وتتعدد أشكال الإعانات منها:

  • الإعانات المباشرة: مبلغ نقدي تقدمه الدولة تقديماً مباشراً لدعم نشاط اقتصادي هدفه التصدير الخارجي، ويتحدد في الغالب على شكل نسبة مئوية من قيمة السلعة أو بحسب الكمية المصدرة سواء من حيث الحجم أم العدد.
  • الإعانات غير المباشرة: تأخذ شكل امتيازات تمنحها الدولة لمشروع أو نشاط تصديري لتقوية مركزه المالي.

3. نظام الحصص:

يعني فرض قيود كمية سواء على الصادرات أم الواردات من سلعة معينة، وبمعنى أوضح تحدد الدولة حصة معينة (كمية أو قيمية) من السلع المسموح باستيرادها ضمن فترة معينة ويحظر استيرادها بعد ذلك، ويتفوق نظام الحصص على نظام الرسوم الجمركية من حيث تقييد التجارة، فهو يضمن للدولة منع استيراد سلعة محددة بعد بلوغها الحد الأقصى.

4. تراخيص الاستيراد:

أي منح رخصة استيراد لسلعة معينة بمعنى منع الدولة استيراد السلع إلا بعد الحصول على موافقة منها تجيز ذلك، وعلى الرغم من إيجابيات التراخيص مثل حماية المنتجات الوطنية، إلا أنَّه قد يصبح هو نفسه وسيلة للاتجار في نظام يسود فيه الفساد الإداري.

5. الحظر أو المنع:

هو قيام الدولة بمنع الاستيراد أو التصدير أو التعامل مع الأسواق الدولية، لكن أيضاً يوجد له أنواع فهناك الحظر الكلي؛ وهو منع أي تعامل تجاري خارجي؛ أي المقاطعة بشكل كامل، وهناك الحظر الجزئي؛ وهو قيام الدولة بمنع التعامل مع سوق دولة معينة والسماح بالتعامل مع سوق دولة أخرى.

في الختام:

تختلف آراء علماء الاقتصاد والعاملين في هذا المجال بين المؤيد لسياسة الحرية التجارية وبين المؤيد لسياسة التقييد التجاري، فيوجد اتجاهان متعاكسان في السياسة الخارجية، ومهما يكن فلكل من الأسلوبين إيجابياته وسلبياته، وكل دولة تختار الأنسب بينهما بحسب ظروفها الراهنة والموارد التي تمتلكها ودرجة التطور الموجودة لديها، إضافة إلى درجة الاكتفاء الذاتي التي حققتها من خلال ما قامت به من صناعات.




مقالات مرتبطة