السخاء العاطفي الجزء الثاني

لقد حدَّثتْنا الكاتبة في الجزء من المقال عن تأثير الجشع العاطفي في حياتها، والأسباب التي جعلتها على هذا النحو، وتطرَّقَت إلى لقائها الأول مع أفرادٍ كريمي العواطف وتأثيرهم فيها؛ لذا تابع في هذا الجزء الثاني والأخير من المقال كي تطَّلع على ما تبقَّى من تجربتها وكيفية تحوُّلها إلى شخصٍ سخي العواطف.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتبة "سيليستين تشوا" (Celestine Chua)، وتُحدِّثنا فيه عن أهمية الكرم العاطفي.

انتقالي إلى حياة الكرم العاطفي:

بعد عامين، تخرَّجتُ وبدأت أعمل في نفس الشركة بدوام كامل، وقابلت زميلاً آخر أثار إعجابي حقاً بلطفه، ولقد كان لطيفاً جداً ويبذل قصارى جهده لمساعدتي ومساعدة الآخرين في أي مسألةٍ كانت، وما لفت انتباهي حقاً هو أنَّنا عملنا في أدوار غير مرتبطة على الإطلاق، ولم يكن لديه أي سبب يدعوه لمساعدتي، ولقد تأثَّرتُ كثيراً بلطفه.

الاستبطان:

جعلتني هذه التجارب أشكك في طريقة تفكيري، فأصبحتُ أفكر في سلوكي وأُقيِّمه من وجهة نظر الآخرين، لقد صدمتُ عندما أدركت أنَّ سلوكي طوال هذا الوقت لم يجعلني مختلفةً عن الأشخاص الذين أكرههم وأنفر منهم، هؤلاء الأشخاص الأنانيون والقساة وغير المبالين.

في سعيي لأصبح شخصاً أنجح، اعتقدتُ أنَّني سأصل إلى مرادي من خلال جشعي، ولكنَّ سلوكي كان يفعل خلاف ذلك تماماً، لقد جعلني ذلك إنسانةً قبيحةً وأنانيةً، ولم أكن على الإطلاق الإنسانة اللطيفة المُساعِدة التي كنت أتمنى أن أكونها.

لكنَّني أغفلتُ هذا الأمر لفترةٍ طويلة، لأنَّني كنت أعيش في قوقعة طوال هذا الوقت، وأقاتِل من أجل هدف تلو الآخر، فعندما ترى هذا الجشع في كل مكانٍ حولك، ويعدُّ هذا السلوك أمراً طبيعياً في بيئتك، وتراه باستمرارٍ في أقرانك وحتى فيمَن تعدُّهم قدوةً لك، يصبح هذا السلوك المعيار الوحيد، ولا يمكنك اكتشاف ما ينقصك عندما لا تعرف أنَّه ينقصك شيءٌ في المقام الأول، وأعتقد أنَّ هذا ينطبق على العديد من الأشخاص البخلاء عاطفياً الذين أعرفهم.

بعد أن أدركتُ ذلك، سعيت إلى أن أكون أكثر تعاطفاً ورحمةً تجاه الآخرين، وكانت هذه اللحظة نقطةً حاسمةً في تطوري، وكانت هي النقطة التي أصبحت فيها مدفوعةً بالتعاطف مع الآخرين، لأصبح شخصاً يمكنني أن أحترمه وأحبه.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لتحسين الصحة النفسية والعاطفية

سلوكي الجديد:

منذ ذلك الحين، بدأتُ أعامل الناس بحب واحترام غير مشروط؛ أي:

  • بدأتُ التخلي عن عقلية الكيل بمكيالين، ولم أعد أرَ الناس بوصفها كيانات منفصلة، بل رأيتهم جزءاً مني بصرف النظر عما إذا كنت أعرفهم أم لا.
  • أحاول أن أتصرف بلطف تجاه الجميع، حتى الأشخاص الذين لا أعرفهم، ويشمل هؤلاء الأصدقاء وزملاء العمل وموظفي الخدمات وحتى الغرباء.
  • أحاول أن أُحسِنَ الظن بالناس ما لم يثبتوا خلاف ذلك، ولقد سبب ذلك لي الكثير من الأذى، والرفض، والخذلان، لكنَّه لم يجعلني أغيِّر هذا السلوك أو التفكير.
  • أسعى جاهدةً إلى جعل كل شخص أتحدث معه يشعر بتحسن في نهاية لقائنا.
  • أحرص على مدح الناس وتقدير سماتهم الحسنة، بدلاً من الإشارة إلى أخطائهم وسماتهم السلبية.

لم أبنِ سلوكي على ما إذا كان هؤلاء الناس يستحقون اللطف أم لا، وكل ما في الأمر أنَّني أمنح الشخص كي أراه في مكان أفضل، لأنَّ الجميع متساوون ويستحقون الأفضل، ولم أتوقع أي شيء مقابل أفعالي، بل أتصرف بهذه الطريقة لأنَّني أهتم، ولأنَّني أدرك عواطف الآخرين وأحترمها، ولأنَّني أريد أن أراهم في مكان أفضل.

المثير للاهتمام هو أنَّ العطاء لم يسلبني شيئاً؛ بل إنَّ العطاء والمساعدة جعلاني أشعر بمزيدٍ من التفاؤل والسعادة، فأنا أشعر بالسعادة حقاً عندما أرى زميلاً في مكان أفضل، وإنَّ التشكرات والتعليقات الإيجابية التي أتلقاها تعني لي الكثير، وتمنحني القدرة على الكتابة ومشاركة أفكاري مع الملايين كل يوم.

بالطبع، ستلقى دائماً أشخاصاً سيئين، لا يقدرونك أو يطلبون المزيد دون احترام احتياجاتك، فبالنسبة إلى هؤلاء الأشخاص، عليك معاملتهم بحب واحترام ثم التخلي عنهم، والتركيز على العلاقات الأكثر إيجابية، فلا يعني الكرم العاطفي العطاء الأعمى دون احترام احتياجاتك؛ بل يعني العطاء بطريقة تُشرِّفك أنت والآخرين.

شاهد بالفيديو: 6 خطوات لتحقيق الاستقلال العاطفي

هل أنت كريم عاطفياً؟

ألق نظرة عميقة على نفسك الآن، وفكر في طريقة تفكيرك وتصرفك يومياً تجاه الآخرين، هل أنت كريم أم جشعٌ عاطفياً؟

  1. هل تميل إلى الحكم على الآخرين وانتقادهم؟ أم أنَّك تمدح الآخرين وتركز على قدراتهم ونقاط قوتهم؟
  2. هل ترى الناس منفصلين عنك، وتحتاج إلى حماية نفسك منهم؟ أم أنَّك تراهم بشراً مثلك يشاركونك الرحلة؟
  3. هل تفكر دائماً في نفسك واحتياجاتك؟ أم أنَّك تهتم حقاً بالآخرين وعواطفهم؟
  4. هل تتحدَّث بالسوء عن الآخرين في غيابهم؟ أم أنَّك تمدحهم وتشيد بهم؟
  5. هل تستخف بجهود الآخرين؟ أم أنَّك تقدرها وتشكرها؟
  6. هل تنتقد المحتوى الذي يقدمه الآخرون، وأعمالهم الفنية، ومقاطع الفيديو، وكتابتهم، وما إلى ذلك، نقداً سلبياً وهداماً؟ أم أنَّك مستعد للاحتفاء بها وتقديرها وتقديم نقد إيجابي وبنَّاء إذا طُلب منك ذلك؟

إذا لم تكن كريم العواطف، فجرب ذلك وشاهد النتيجة، فليس عليك القيام بأي شيء ضخم أو شاق، فابدأ بتصرفاتٍ صغيرة تُسعد الآخرين، مثل الابتسامة، أو المديح، أو إظهار الاهتمام، أو التعاطف، أو تصرُّف لطيف، أو إظهار التقدير، وافعل ذلك بدافع المحبة دون انتظار أي شيء في المقابل.

في أثناء قيامك بذلك، لاحظ كيف ستصبح أكثر تفاؤلاً، وكيف يقل انشغالك بما فعل هذا أو ذاك، وتعيش أكثر في العالم الحقيقي، وستعيش بدافع الحب وليس الغرور أو الخوف، وسيتحول اهتمامك من الأحكام والتصورات إلى مساعدة الآخرين بدلاً من ذلك، وقد تتفاجأ باللطف الذي سيبديه لك الآخرون.

في الوقت نفسه، عندما تضفي الإيجابية على حياة الآخرين، عليك أن تدرك أنَّك تزرع بذور الكرم فيهم أيضاً، وربما قد تلهم الآخرين ليصبحوا كريمي العواطف مثلك، فربما ستفعل ما فعله مديري السابق ونائبة الرئيس من أجلي ذات مرة عندما فتحا عينيَّ على نوع مختلف من اللطف، وجعلاني شخصاً أفضل للآخرين.

إقرأ أيضاً: ما هي أهمية الصحة العاطفية؟

في الختام:

ابدأ العطاء وتنعَّم بالكرم العاطفي، فمن خلال الكرم فقط، وليس البخل، ستنعم بالوفرة في جميع مجالات الحياة، لنفسك وللآخرين.




مقالات مرتبطة