الرجل التابع لوالدته: من هو؟ وكيف تتعاملين معه؟

تبقى العلاقة مع الأم علاقة مميَّزة وآسرة، فهي الحضن الدافئ والمربية الفاضلة والأنثى الراقية، وتبقى اللحظة الأروع في حياة الأم رؤية ابنها ناجحاً على الصَّعيد العملي والعاطفي والاجتماعي.



ولكن هناك بعض الأمَّهات ممَّن امتهنوا مهنة الأمومة بطريقة غير سليمة، فمنَعن أطفالهنَّ من اختبار الحياة وتمييز الخطأ من الصواب، ومن التطور الطبيعي للشخصية، ومن الصَّقل المطلوب للمهارات والقدرات، فكُنَّ العقل الذي يُفكر عن أطفالهن، واللِّسان الذي ينطق عنهم، والشخصية التي تتَّخذ القرارات باسمهم، أي أنَّهن مارسن طغياناً حقيقياً على أطفالهن بحجة التربية والأمومة والخوف على مصلحتهم، فبدلاً من صناعة إنسان مستقل قوي الشخصية قادر على اتِّخاذ القرارات بمنتهى الحزم؛ صنعن شخصاً مهزوز الشخصية تابعاً لا يقدر على اتِّخاذ القرارات في حياته، أي أنَّهن شكَّلن أشباه رجال.

تعيش الفتاة التي تتورط بالزواج من نموذج كهذا من الرجال حياة صعبة، فهي لا تشعر برجولته بسبب اتِّكاله الدائم عليها للقيام بكل الأمور واتِّخاذ جميع القرارات؛ لأنَّه لم يتعلم تحمل المسؤولية منذ صغره، فقد اعتاد على قيام والدته بكل شيء في المنزل، الأمر الذي أدى إلى تشوُّه صورة الرجل لديه؛ فهو اعتاد على الوجود الشكلي لأبيه في المنزل، وعلى أنَّ والدته الآمرة الناهية والمتحكِّمة في كل مفاصل حياتهم.

ينقل هذا الابن نموذج أبيه تماماً أثناء تعامله مع زوجته، بحيث يُسقط عليها كل الواجبات، ولا يُعد وقوف زوجته عوضاً عنه مع عامل الكهرباء -بينما يُصلِح آلة كهربائية- على أنَّه مشهد ينتقص من رجولته، فهو قد أَلِف هذا المشهد أثناء طفولته وشبابه في بيت أبويه.

تتدخل الأم المتسلطة في كل تفاصيل حياة ابنها، دون أدنى احترام لخصوصيته وحُرمة علاقته الزوجية، فهي تتعامل معه وكأنَّه قطعة أثاث تمتلكها لمدى الحياة، ومن حقِّها التصرف بها بالشَّكل الذي تحبه. ومن جهة أخرى، لا يملك ابنها -والذي أصبح زوجاً مؤخراً- القدرة على وضع حدٍّ لتدخلات والدته المبالغ بها في حياته، بل يتبنَّى كل اقتراح ورأي تقدمه له برحابة صدر، حتى وإن كان يعود بالضرر على علاقته بزوجته.

وهنا تشعر الزوجة بأنَّها لم تتزوج رجلاً مستقلاً وإنَّما تزوجت ولداً لم ينضج بعد، ولداً يقوم بفعل ما تُمليه له والدته دون أدنى محاكمة عقليَّة، ودون أدنى تفكير بتبعات الأمر، ممَّا يجعلها تكتئب وتضطرب نفسياً وصولاً إلى تفكيرها بالطَّلاق.

الرجل التابع لوالدته؛ مدار حديثنا خلال هذا المقال.

مَن هو الرجل التابع لوالدته؟

هو ذاك الرجل الذي لا يملك الشجاعة الكافية لإدارة حياته بمفرده، ويُعطِي لوالدته مهمة تنظيم حياته وخياراته وقراراته وعلاقاته.

يُعَد هذا النوع من الرجال ضحية جهل وأنانية والدته، حيث أنَّه قد تربَّى على ضرورة اتِّباع أفكارها وأوامرها دون الحاجة إلى إعمال عقله، ودون السماح له بالنقاش والحوار والتساؤل.

لم تتطور المَلكات العقلية والاجتماعية لهذا النموذج من الرجال بطريقة سليمة، حيث كانت الأم تكبح كل محاولة يُبديها لصنع شخصيته المستقلة ومهاراته المميزة ورغباته المشروعة وحقوقه الطبيعية.

أسباب نشوء هذا النمط من الرجال؟

1. غياب صورة الرجل:

يغيب وجود الرجل في المنزل لأسباب متعددة؛ كأن يكون عمله من النوع الذي يتطلب سفراً متواصلاً وتواجداً دائماً خارج المنزل، أو أن يكون متوفياً، أو يكون وجوده شكلياً، بحيث أنَّه لا يقدم أيَّة قيمة مضافة في تأسيس شخصية الأطفال.

يؤدي غياب وجود الرجل في الأسرة، إلى اضطرار الأنثى إلى لعب دور الأب والأم معاً، الأمر الذي يُلقِي بكثير من المسؤوليات على عاتقها، وكون الأم رقيقة وتحمل طاقة أنثوية؛ فلن تستطع بناء شخصية ابنها بالشكل المطلوب، حيث أنَّه لا بد من وجود قدوة أنثوية للفتاة وغالباً ما تكون والدتها، وقدوة ذكورية للفتى وغالباً ما يكون والده.

يُضطر الابن في ظل غياب أبيه عن المنزل إلى خلق قدوة له وغالباً ما تكون في هذه الحالة والدته، فيقوم باللاشعور في تقليد أسلوبها بالكلام والتعاطي مع الآخرين، ويركِّز على واجباتها في المنزل، فتتشوَّه فطرته وقيمه ورجولته.

لن يُمانع هذا الابن شراء والدته حاجيات المنزل، ومن تعاملها مع عُمَّال البناء وغيرهم؛ وذلك لأنَّه لم يعتد على وجود مسؤوليات في الحياة من اختصاص الرجل وأخرى من اختصاص الأنثى، ولم يُربَّى على أنَّ القوامة والقيادة في المنزل للرجل، ولا بد من وجوده لتحقيق توازن العائلة والأطفال.

يجب على الأم في حالة الأب المتوفي، أن تسعى إلى بناء نموذج للرجل في حياة ابنها، كأن تختار رجلاً صالحاً من العائلة وتطلب إليه الجلوس مع ابنها ومحاورته بين حين وآخر، واصطحابه معه في حال ذهابه لقضاء بعض الأمور الذكورية.

من جهة أخرى، يجب على النساء مطالبة رجالهن الجلوس في المنزل وفي متابعة أطفالهم، فلا يحتاج الطفل إلى المال بقدر ما يحتاج إلى الحب والاهتمام والتربية. يجب على الرجال أن يكونوا أكثر وعياً إلى دورهم القيادي والحيوي في الأسرة، وفي بناء شخصية أطفالهم، فمن الواجب أن يكون الطفل الذكر برفقة والده، يقوم بمساعدته في شراء الحاجيات وإصلاح السيارة، عوضاً عن جلوسه برفقة والدته وأصدقائها الإناث والتعلم منهنَّ، فالرجولة ممارسة ومواقف وتُبنَى بالتدريج.

اعلم أيَّها الرجل أنَّ عليك واجبات تربوية هامة جداً وحساسة جداً، وأنَّك لم تُخلَق من أجل تأمين لقمة العيش لعائلتك فحسب.

إقرأ أيضاً: نصائح لتقوية الروابط بين الآباء والأطفال

2. الأم المتسلطة:

تنزع كثير من الأمهات النرجسيَّات إلى فرض سيطرتهن على العائلة ككل، طاغية بذلك على دور الأب في الأسرة، حيث تُربِّي أطفالها على ضرورة الانصياع لأوامرها وإرشاداتها، وبأنَّ القرار لها وحدها ولا يجوز بحال من الأحوال مناقشتها ومجادلتها أو معارضتها، الأمر الذي يُعِيق التطور الطبيعي لشخصية الأطفال، ويحد من صقل مهاراتهم وقدراتهم الاجتماعية والنفسية.

لذا فالنتيجة الطبيعية للأم المتسلطة؛ تكوين شخص ضعيف الثقة بنفسه، غير قادر على التحكم في حياته واتِّخاذ قراراته، معتمداً اعتماداً كلياً على والدته في تشكيل حياته وانتقاء أصدقائه وصياغة ردَّات أفعاله وبرمجة كلماته وتحديد أولوياته، وحتى في اختيار شريكة حياته.

3. العامل الوراثي:

قد يكون لدى الشخص جينات وراثية لها علاقة بصفة الاعتمادية، وتنشط هذه الجينات في ظل وجود الشخص ضمن بيئة أسرية مشوهة، كأن تكون الأم متسلطة والأب عديم الفائدة.

4. الدلال أو الحرمان:

يميل الطفل المُدلَّل بكثرة إلى الاعتمادية وعدم تحمُّل المسؤولية، فقد اعتاد الحصول على كل شيء في حياته دون تعب، الأمر الذي جعله لا يشعر بقيمة الأشياء، غير قادر على تحمُّل أي عبء، ينتظر أن يقوم الآخرون بالأعمال نيابة عنه.

كما ينزع الطفل المحروم من الحنان والاهتمام والمال في طفولته، إلى أن يكون شخصاً ضعيف الثقة بذاته، بانياً معاييراً وطموحات منخفضة لشخصيته، بحيث يستمدُّ قيمته من الآخرين، ويلهث إلى التنازل عن كل حقوقه في سبيل مساعدته بأمر بسيط لا يحمل أي قيمة.

شاهد بالفديو: 6 قواعد أساسيّة لنجاح العلاقة الزوجيّة

أعراض الرجل التابع لوالدته:

1. ضعف الثقة بالنفس:

يجد هذا النوع من الرجال نفسه غير مكتمل، ويحتاج إلى الآخر لكي يساعده ويدعمه على الدَّوام، فمعايير الاستحقاق الذاتي منخفضة لديه، ولا يجد نفسه قادراً على خوض الحياة باستقلالية وبمفرده.

إن تقدَّم لخطبتك شاب من هذا النموذج؛ فسَتجدين أثناء حديثه أنَّه دائم الاستعانة بمصادر خارجية، فيستخدم التوكيدات أثناء كلامه؛ كأن يقول لك: "بخصوص هذا الموضوع، رأي والدتي كذا، ورأي ابن عمي كذا" وكأنَّه يرغب في تدعيم كلامه على الدَّوام باقتباسات من كلام والدته أو غيرها، فهو لا يملك رأيه الشخصي المستقل، بل آراءه عبارة عن تجميع عدة آراء لأشخاص مُقرَّبين منه.

وإن زاركم هذا الشخص في المنزل برفقة والدته، فستجدين أنَّها المسيطرة على الحديث وهي التي تدير الحوار، وستلاحظين أنَّه لن يتواصل بصرياً معك بشكل مباشر بل سينقل نظره أثناء كلامه إلى والدته وكأنَّه يبحث عن مصدر ثقة وأمان ليتأكد أنَّ كلامه صحيح.

إلى جانب ذلك، سيخبر والدته بأدق تفاصيل علاقتكم، ويأخذ رأيها في كل كبيرة وصغيرة تخصكم ويعمل به، ويخبر-بعد زواجه بكِ- والدته بأدق تفاصيل علاقتكم الزوجية، فهو لا يعرف معنى الخصوصية.

إقرأ أيضاً: ضعف الثقة بالنفس عند الكبار والصغار وطرق التخلص منها

2. الخوف من الفقد والوحدة مع الاستعداد للتنازل:

هو شخص دائم الخوف من فقدان الآخرين، فهو يستمد أفكاره وقراراته منهم، حيث يصاب بانعدام التوازن حال غيابهم عن حياته، ويقدم تنازلات شديدة إليهم جرَّاء خوفه من الوحدة. يميل هذا النوع من الأشخاص إلى تعدد العلاقات العاطفية في حال كونه غير متزوج؛ لأنَّه مهووس بالتوكيدات الإيجابية ويرغب في مَن يشحنه بكلام جميل على الدوام، وذلك شكل من أشكال تعويض النقص الذي في داخله.

3. الخوف من إبداء الرأي:

لا يستطيع الشخص الاعتمادي إبداء رأيه الخاص؛ وذلك لأنَّه كائن غير مستقل بذاته وكل أفكاره مستقاة من غيره وتحديداً والدته، فإن سألتيه عن رأيه الخاص في موضوع مُعيَّن؛ لن يجيبكِ جواباً واضحاً وصريحاً، بل سيبدأ بإدخال آراء الآخرين في الموضوع كوالدته.

4. التوكل الدائم على الآخرين:

لا يستطيع الرجل التابع لوالدته تحمُّل المسؤوليات، فيميل إلى قذفها على الآخرين؛ كأن يُعطِي مهمة اختيار شريكة حياته إلى والدته، وغيرها من المهمات كملابسه وأصدقائه والعمل المناسب له. ويميل بعد زواجه إلى رمي المسؤوليات على عاتق زوجته دون أدنى إحساس بالخجل والعار.

كيف تتعاملين مع زوجك التابع لوالدته؟

  • عليكِ أن تنسحبي من الارتباط مع شخص كهذا -في حال كونك غير متزوجة بعد- لأنَّ الزواج من شخص كهذا من أصعب الأمور التي من الممكن أن تختبريها. في حال كونك فتاة عاشقة للسيطرة وفرض الشخصية؛ فمن الممكن أن تسعدي في بداية الزواج، لكن سرعان ما ستندمين؛ لأنَّك ستشعرين بالإرهاق والتعب الشديد من كمِّ المهام الملقاة عليك، وستنفرين من زوجك معتبرة إيَّاه ناقص رجولة؛ لأنَّ وضعه مخالف تماماً للفطرة السليمة.
  • في حال كونك متزوجة من نموذج كهذا؛ عليك أن تعلمي -إن أردتِ الحفاظ على زواجك- أنَّ التعامل مع شخصية كهذه يلزمها الكثير من الصَّبر والذكاء.
  • يجب تشمل خطتك تحسين العلاقة مع زوجك ومع والدته، فلا يجوز بتاتاً انتقاد والدته أو التقليل من شأنها مهما تمادت بتدخلاتها في حياتكم، بل عليكِ تشجيع زوجك على برِّها وزيارتها على الدوام. أنا أتفهَّم أنَّ والدته إنسانة قاسية، وسلوكها غير محترم كونها لا تحترم خصوصيتكم، وتفرض رأيها وقراراتها على حياتكم، ولكنَّك ستخسرين خسارة كبيرة إن شننتِ الحرب عليها، فعليكِ أن تصبري لتكسبي الحرب فلا يهم إن خسرتي معركة في البداية.
  • ابنِ علاقة طيبة مع والدته، كأن تستمعين إلى نصائحها وإرشاداتها باحترام وصبر وود، وتطبِّقين كلامها في حال اقتناعك به، أو تتظاهرين بأنَّك تنفِّذيه في حال عدم اقتناعك.
  • عليكِ أن تلعبي دور الأم معه، فوالدته نقطة ضعفه في الحياة، لذلك تعاملي معه بذات المفاتيح التي تستخدمها والدته، بحيث يتعلق بك كما يتعلق بها، ومن ثم يخفُّ ارتباطه بها ويميل إلى الارتباط بك. تعطي الأم الحب والاهتمام بطريقة لا مشروطة، لذلك اسعِ إلى منحه الحب والحنان والاحتواء بسخاء وكرم.
  • اعطِ زوجك مهاماً يُنجزها، ولا تخافي من عدم قدرته على تحمُّل تلك المهام، ولا تقلقي إن أفسد الأمور في البداية؛ لأنَّه سيتعلم رويداً رويداً ويتغير حكماً، ومن شأن ذلك أن يخلق لديه إحساساً بالمسؤولية المفقودة.
  • في حال عدم تفاعله معك، وفي حال استنفاذكِ كل طاقتك وجهدك ووقتك معه ومع والدته دون أيَّة جدوى؛ عندها قد يكون الطلاق أفضل حل؛ لأنَّ صحتك النفسية والجسدية أهم من الزواج بأسره.
إقرأ أيضاً: هكذا تتعاملين مع حماتك بإيجابية بعيداً عن المشاكل

الخلاصة:

الزواج من أقدس الأمور على وجه الأرض، لذلك تأنِّي جداً في اختيار شريك حياتك؛ لأنَّه سيكون صديقك وأب أولادك وزوجك وحبيبك، وهذا الأمر يتطلب دراسة مكثفة له وتحليلاً عميقاً لأفعاله وسلوكاته، وإحساساً قوياً بالأمان والثقة معه.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6




مقالات مرتبطة