الرابط بين القلق والثقة بالنفس

في عصرنا الحديث، في ظل الوجود الدائم للتكنولوجيا ومتطلبات العمل المتزايدة باستمرار، يخوض معظم الناس معركة صامتة؛ معركة الشعور بالإرهاق.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّن أنتوني راو (Anthony Rao)، ويُحدِّثنا فيه عن الرابط بين القلق والثقة بالنفس. 

دائماً ما يخبرنا عملاؤنا أنَّهم يشعرون بالقلق وأنَّهم تائهون، وبلا هدف، إنَّهم يواجهون صعوبة في معالجة المعلومات، ولا يعرفون ما يجب فعله عند مواجهة قرارات هامة، ويقولون إنَّهم فقدوا السيطرة على حياتهم بعد أن كانوا مُنتجين.

فكرة مبتكرة:

لقد فاجَأَنا في المناقشات التي جرت عما لاحظناه بين مرضانا وعملائنا، ما اكتشفناه مبكراً، وهو أنَّ الأشخاص الذين كانوا يتمتعون بثقة أكبر - أي كانوا يشعرون بقدر أكبر من المسؤولية عن حياتهم - أفادوا بشعورهم بقلق وإرهاق أقل حتى عندما وُضِعوا في مواقف صعبة للغاية وتعرَّضوا للضغوطات.

بالنسبة إلينا، لقد كانت هذه مثل لحظة إلهام مفاجئة، فلم يكن الأمر بأنَّ الأشخاص الأقل قلقاً شعروا بمزيد من الثقة فحسب، لكن هذه الثقة نفسها تصدت للقلق ومشاعر الإرهاق.

يعمل الجهاز العصبي الودي (الذي يثير العدوانية والخوف عندما يدرك الدماغ وجود تهديد ما) والجهاز العصبي اللاودي (الذي يهدئ العقل والجسم) بحركة متناوبة.

لذلك، الفكرة المبتكرة هي بدلاً من محاولة تقليل قلق الناس، يمكن أن يساعد التشجيع على زيادة الثقة في إبعاد التوتر؛ فجميعنا نحتاج إلى معرفة ما الذي يمدُّنا بالقوة، وما الذي يمنح الناس قدرة أكبر على التأقلم والتكيف وتعزيز ذلك؛ ومن ثَمَّ ستعمل الثقة الناتجة على تحييد - أو على الأقل إبعاد - المشاعر السلبية التي غالباً ما تُحبط الناس.

شاهد بالفيديو: 10 أسباب تشرح لمَ تقود الثقة بالنفس إلى تحقيق النجاح

نهجٌ مُثبَت:

لقد دمجنا هذا النهج في عملنا، وشرحنا المفهوم بعبارات بسيطة للبالغين، والمراهقين، وحتى الأطفال حتى سن السابعة، إليك كيفية تطبيقه في حياتك الخاصة:

1. إعادة صياغة المشكلة:

الخطوة الأولى هي إعادة صياغة المشكلة، فليس بالضرورة أن تقلق لأنَّك "شخص قلق"، وليس من المسلَّم به أنَّ الاضطراب الخارج عن إرادتك يأتي من سبب بيولوجي غامض، بدلاً من ذلك حدِّد أنَّ سبب ما تشعر به يعود إلى قلة ثقتك بنفسك.

القلق هو ليس المشكلة؛ بل هو رد فعل طبيعي يحذرك من وجود خطب ما؛ لذلك لا تتسرع في تهدئته، فسببه الحقيقي هو الإرهاق من الأشياء الحقيقية التي تحدث في العالم من حولك، وإنَّ إقناع نفسك بأنَّك تستطيع الحصول على كل ما تريده في الحياة - على الرَّغم من أنَّه قد يبدو مفيداً - سيُعِدُّك لخيبة الأمل؛ لأنَّ ذلك يعني ضمنياً بأنَّك يجب أن تكون الأفضل في كل شيء دائماً.

غالباً ما نخبر عملاءنا أنَّ الشعور بالإرهاق يعني أنَّ لديك خطب ما يجب الانتباه إليه.

2. التمهل والتوقف:

معظم الناس لا يتوقفون لاكتشاف المشكلة والتخلص من أسبابها عندما يشعرون بالإرهاق؛ بل يواصلون ما يقومون به، لكن هذا ليس أفضل نهج يمكن اتباعه.

يعرِفُ الباحثون أنَّه على المستوى المعرفي والبيولوجي، فإنَّ العواطف المحتدمة والمزمنة مثل الخوف والقلق تعوق مهارات التفكير الصحية والطبيعية لدى الناس، وفي هذه الحالات، يحدث تفاعل كيميائي في الدماغ يمنع الناس عن الاستخدام الكامل لمهاراتهم في التفكير النقدي، والبحث عن خيارات وحلول أفضل بعناية.

جميعنا مررنا بذلك، فكلما شعرنا بالاستياء، قلَّ شعورنا بالهدوء والعقلانية، وعندما يصبح الشعور بالاستياء والتوتر والقلق مزمناً، يُرهق معظم الناس ولا يرغبون إلا في الاستسلام والتوقف عن المحاولة فقط.

يستخدم علماء الأحياء مصطلح "فرط حمل التعديل النفسي" (allostatic overload) لوصف هذا النوع من المشكلات، وباختصار، يؤدي التعرض للقلق الشديد المستمر إلى إضعاف قدرة الجسم الصحية والطبيعية على التكيف، ويمكن لهذا أن يقطع الاتصال بالمهارات العقلية التي يعتمد عليها الناس لتنظيم مزاجهم واتخاذ قرارات جيدة.

يُعدُّ الأدرينالين جزء من هذا الأمر من الناحية الكيميائية، لكنَّ الكورتيزول - هرمون التوتر الأساسي المتبقي في أعقاب الأدرينالين - هو الذي يتراكم، ويجب مراقبته عن كثب؛ إذ يسبب الكورتيزول ضرراً جسدياً طويل الأمد للجسم، كما يمكن أن يشعرنا أيضاً بالقلق والاكتئاب، مما يؤدي إلى عدم التفكير الفعال.

إقرأ أيضاً: 10 عادات صباحية لتخفيف القلق والتوتر

3. إضافة سلوكات يومية إلى روتينك:

إن استعادة الثقة والسيطرة لا تحدث بين ليلة وضحاها، ولكن يمكن العثور على حلول من خلال ممارسة سلوكات يومية واستخدام طرائق التفكير التي تفيد الأشخاص الآخرين الذين يواجهون مواقف مماثلة لمواقفنا، فهذه الإجابات مستمدة من أبحاث عن الثقة والمرونة والعزيمة (المثابرة والشغف على الأمد الطويل)، والعلاج السلوكي المعرفي والبداهة وفوائد الحركة الجسدية.

ابحث عن مكان هادئ عندما تحتاج إلى التفكير والتركيز؛ إذ يقوم بعض الأشخاص بالابتعاد عن الأجهزة الإلكترونية في مواعيد محددة، بينما يمارس بعضهم اليوجا أو التأمل، ويركز بعضهم الآخر على الالتزام، مثل الجري لمسافات طويلة أو الحياكة أو الطهي البطيء بوصفه وسيلة لإعادة اليقظة التأملية إلى حياتهم.

قد تساعدك العادات الجديدة أيضاً؛ لذا تخلص من تعدد المهام، ولا تقوم بها إلا عندما يكون ذلك ضرورياً للغاية، وضع حدَّاً للوقت الذي تقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي، واخرج وتمشَّ مرة واحدة على الأقل يومياً لمدة 20 إلى 30 دقيقة في جميع الفصول، ويفضل أن يكون ذلك في الطبيعة ودون هاتفك.

إقرأ أيضاً: كيف تبني روتيناً ناجحاً

في الختام:

كل شخص لديه القدرة على تطوير هدف أكبر في حياته، فمع وجود الهدف يستطيع الناس العيش في توافق أكبر مع مصالحهم وقيمهم ودوافعهم الداخلية، ويدور الهدف حول البدء بمعرفة مَن أنت وأين أنت الآن والانطلاق من هناك، والسير على وتيرتك الخاصة، والمضي قدماً، وأفضل ما في الأمر هو أنَّه شيء يمكنك البدء في العمل عليه الآن.




مقالات مرتبطة