الذكاء: مفهومه وأنواعه وكيفية استثماره

يُعد الذكاء علامة فارقة تميِّز كل شخص، ويمنح طاقة جديدة ليخوض في دروب العلم والفكر والفن والمعرفة. لا يوجد إنسان فاشل كلياً ولا إنسان ناجح كلياً؛ إنَّما كل إنسان عليه أن يترك بصمة، وينقل رسالة خالدة عنوانها الحب والسلام والعدالة.



ما هو تعريف الذكاء؟

يُعرَّف الذكاء بشكل مبسط وقريب يفهمه العقل على أنَّه امتلاك السرعة الكبيرة في الفهم والإدراك والاستيعاب والبديهة. ويُقصد بالذكاء أيَّ نشاط فكري وعقلي ومعرفي يمارسه الفرد خلال حياته اليومية والمهنية والعملية. وليس صحيحاً أنَّ الذكاء يجب أن يكون مشروطاً بالتحصيل العلمي والمراتب الأولى، أو بالدراسة الأكاديمية الجامعية والدرجات العلمية الرفيعة، أو بالتحصيل العلمي المنهجي ورسالة الماجستير والماستر والدراسات العليا، أو بنيل درجة الدكتوراه في مختلف الاختصاصات العلمية والتعليمية.

ولا يمكن بالتالي حصر الذكاء ضمن المجال الدراسي كما يزعم بعض الأشخاص أو يعتقد العامة من الناس، بل إنَّ مفهوم الذكاء واسع وشامل وشاسع، ويتعدى مجال الدراسة ليصل إلى أنواع وأنماط وألوان وأشكال أخرى من الذكاء قد يجهلها بعض الأشخاص أو قد لا يعترفون بها؛ كالذكاء الاجتماعي والذكاء العاطفي والذكاء الحسي والذكاء اللغوي والذكاء العملي والذكاء الرياضي والذكاء الفني والذكاء الإبداعي؛ إذاً يظهِر كل شخص على حسب اهتمامه وشخصية وملكاته الجميلة، نوعاً جديداً ومختلفاً من الذكاء لديه، وهذا يجعله قريباً ومحبوباً من الناس.

وتُشتق كلمة "ذكاء" في معاجم اللغة العربية الفصحى من الفعل أو الاسم "ذكا". وتأتي كلمة ذكا سواء كانت فعلاً أم اسماً بمعنى الجمرة المشتعلة الملتهبة، أي اشتعال الحرارة لتطلق اللهب. وحين يُقال إنَّ فلاناً عقله جمرة مشتعلة أو جمرة ملتهبة، فالمعنى أنَّه شديد الذكاء وسريع البديهة ونابغة ولبيب يفهم من الإشارة.

إقرأ أيضاً: 7 أنواع للذكاء الإنساني فماهو نوع ذكاءك؟!

كيف ينظر علم النفس إلى موضوع الذكاء؟

يمكن القول إنَّ لكلِّ عالم وباحث من متخصصي علم النفس تعريفاً مختلفاً عن الآخر، يلخص به نظرته إلى موضوع الذكاء. ويقودنا هذا الكلام إلى الاستنتاج بأنَّ علماء النفس أنفسهم لم يتفقوا على تعريف موحَّد للذكاء، بل اختلفوا فيما بينهم اختلافاً كبيراً جداً.

فقد عرَّف بعض العلماء الذكاء على أنَّه كل نشاط فكري وفني وعقلي ومعرفي وإبداعي وعلمي وأدبي، يمارسه الشخص بما يتماشى ويتلاءم ويتوافق وينسجم مع البيئة المحيطة التي صنعت هذا الشخص الذكي، ومع الناس من حوله. كما عرَّفه بعضهم الآخر على أنَّه فنُّ توجيه وإطلاق النقد البنَّاء والحاذق والصائب على شخص ما، بناءً على موقف ما وتصرُّف ما أو عقلية ما، بغرض إرشاده ودفعه إلى تغيير سلوكه أو طريقة تفكيره أو تصرفه نحو الأحسن ونحو الأفضل. في حين عمد علماء النفس الآخرون إلى تعريفه على أنَّه امتلاك القدرة على تعلُّم وتلقِّي كل جديد ومفيد وغير مألوف، والقدرة على التأقلم واستيعاب وفهم مهارات جديدة واكتسابها بسهولة وخفة ورشاقة وبوقت قصير جداً.

ويُوصف الذكاء علاوة على ما سبق بأنَّه ازدياد الخبرة الإنسانية والحياتية والعملية والعلمية التي تمنح الإنسان القدرة على حل مشكلاته ومواجهتها، والتصدي لكل التحديات التي قد تعترضه في حياته وطريقه.

ولا يقف مفهوم الذكاء عند السرد السابق وحسب؛ إذ إنَّ للفلاسفة والمستشرقين والباحثين في زوايا علم النفس ومكنونات علم الاجتماع وطبيعة الإنسان وفهم غرائزه وجيناته رأياً آخر؛ فمثلاً كانت لدى أفلاطون نظرة خاصة نحو صياغة تعريف الذكاء، وقد عرَّفه على أنَّه أيُّ نشاط مهما كان نوعه يكسب صاحبه القدرة المتجددة والمتزايدة على تلقي العلم وتعلُّم كل جديد ومفيد، إضافة إلى حب العلم والاندفاع إليه.

أمَّا الفيلسوف الشهير وصاحب الفكر الفذ أرسطو، فقد كان ينظر إلى الذكاء بشكل مخالف عن نظرة أفلاطون له؛ إذ عرَّف الذكاء على أنَّه مجموعة متراكمة ومتتالية ومتصاعدة من الأحاسيس والمشاعر والأفكار التي تشكل بمجموعها ما يسمى بالعقل والمنطق.

وكان ضمن هذا المضمار، وفي خضم الخلاف الكبير الذي اندلع بين المستشرقين وعلماء النفس وعلماء الاجتماع والمحللين والمستشارين النفسيين، أن تدخَّل عالم النفس أودين بورج لحل هذا الخلاف الكبير وإيقاف هذا الجدال؛ إذ وضع تعريفاً للذكاء أكثر شمولية وواقعية من كل ما كتبه العلماء السابقون قبله؛ وتمخض هذا التعريف من خلال طريقة جديدة وحديثة وسابقة لعصرها وزمانها؛ فقد أجرى هذا الفيلسوف العظيم اختبارات ذكاء على الأشخاص من خلال مناقشتهم في موضوعات متفرقة ومختلفة ومتباينة، ولتُحدَّد بالنهاية درجة الذكاء بصورة رقمية لكل شخص، وهذا يعطي نتيجة صحيحة ومعياراً دقيقاً لدرجة ومستوى الذكاء عند كل شخص، وتعريفاً واضحاً للمعنى الحرفي لكلمة ذكاء ومفهوم الذكاء.

شاهد بالفيديو: 15 طريقة لإظهار الذكاء أمام الآخرين

ما هي أنواع الذكاء؟

1. الذكاء الموسيقي:

يُعرف الذكاء الموسيقي بأنَّه القدرة على تذوق النغمة الموسيقية. ويُقصد به القدرة على إنتاج وتثمين وتقدير الموسيقى، والتمييز بين مختلف النغمات الموسيقية من حيث الإيقاع والطابع النغمي، ويمنح الشخص القدرة العالية على الإحساس بالموسيقى، وفهم القوالب الموسيقية، والقراءة الجيدة والصحيحة والدقيقة للنوتات الموسيقية بكل ما فيها من رموز ومصطلحات ومفاتيح وسلالم موسيقية، وبالإضافة إلى ذلك، يمكِّن الذكاء الموسيقي الشخص أو المستمع إلى الموسيقى أو المهتم بها، من التمييز والتفريق بين اللحن الجيد واللحن الرديء.

يُعد الذكاء الموسيقي ملكة من عند الله عز وجل، وهبة عظيمة من عنده، تمكِّن الشخص من التمييز بين الكلمة التي تصلح لأن تُكتب في أغنية وبين الكلام السائد الساذج الممجوج والمكرر، وتميِّز هذه الملكة صاحبها فلا يتقبل أيَّ نوع من اللحن وأيَّ نوع من الكلام، خصوصاً الرديء والمعمول على نمط كلام آخر، أو ما يُسمى بتعبير آخر الفن الهابط أو الكلام الهابط أو اللحن الهابط.

تُوجد عدة مجالات ينتعش فيها الذكاء الموسيقي وتزداد مساحته مثل: التأليف الموسيقي، والتلحين الموسيقي، والعزف الموسيقي المنفرد أو ضمن جوقة موسيقية، والغناء بشتى أنواعه على مسرح أو في دار أوبرا أو في صالة عرض، والأذن الموسيقية، والإنصات الجيد والهادئ، والانفتاح على موسيقى الشعوب.

2. الذكاء اللغوي:

يُقصد بالذكاء اللغوي امتلاك القدرة على فهم اللغة وإتقانها، وإجادة التحدث بها بطلاقة وتحويلها إلى عملية استثمار وإنتاج غزير، والإلمام بمفرداتها ومعانيها ومصطلحاتها وكلماتها الأصلية والأعجمية والمعربة والدخيلة والمستحدثة.

ويشمل الذكاء اللغوي استخدام اللغة مهما كانت، عربية أو إنكليزية أو فرنسية أو روسية أو إسبانية، كوسيلة للتواصل بصورة شفهية وكتابية، واعتمادها كلغة رسمية في التبادلات التجارية بين الشعوب وفي نقل البضائع، وتدريسها في الجامعات والمدارس والمراكز التعليمية والعلمية.

ويتضمن الذكاء اللغوي أيضاً فهم بنية الكلمة وتركيبها، وإتقان القواعد النحوية والإملائية وفن كتابة الرسائل والشعر، وكيفية طرح الأسئلة بلغة سليمة خالية من أيِّ ركاكة أو أخطاء، وامتلاك مهارات التدقيق اللغوي والتدقيق الإملائي.

3. الذكاء العاطفي:

يُعنى الذكاء العاطفي بامتلاك القدرة على فهم العواطف والمشاعر الإنسانية وإتقانها وتقديرها والإحساس بها، وكذلك إتقان مهارات التعامل مع العاطفة الإنسانية الصادقة وحسن إدارتها واستخدامها بشكل مفيد، واستثمارها بما يخدم الإنسانية جمعاء. ويهتم الذكاء العاطفي أيضاً بنشر الخير والعلم والمعرفة والقيم الإنسانية النبيلة بين الناس، ويساهم في إصلاح وعمارة الأرض وحمايتها من العبث والفساد والأيادي اللعينة الإجرامية المخربة.
ويُعرف الذكاء العاطفي بأنَّه القدرة على فهم طبيعة شعورنا وطبيعة شعور الآخرين، ثم مراعاتهم ومواساتهم على هذا الأساس، ويتضمن الشق العاطفي من الذكاء، الإحساس بالذات وحبها وتقديرها واحترامها ومراعاتها، وعدم إزعاجها أو تعذيبها، والابتعاد عن كل ما يخربها أو يفسدها أو يدمرها.

إقرأ أيضاً: كيف تمتلك الذكاء العاطفي؟

4. الذكاء المكاني:

يُعد الذكاء المكاني نوعاً جديداً ومختلفاً ومتفرداً ومتميزاً من أنواع الذكاء؛ إذ يتميز بالقدرة العالية والفذة على إدراك وإبداع وابتكار صور ذهنية بيانية جديدة محسوسة وغير ملموسة، إضافة إلى امتلاك القدرة على التمييز بين الألوان والأشكال الهندسية، وهذا يقود إلى القدرة على التعبير الفني والإبداعي بإحساس راقٍ، وذائقة فنية عالية مرهفة وحساسة.

يرفع الذكاء المكاني من قدرتنا على الإحساس بالمكان وروعته، والإدراك البصري للأشياء والمدن والأراضي وأبعادها المكانية والجمالية، وقد أكدت الدراسات أنَّ الذكاء المكاني يكون مرتفعاً عند الملاحين الجويين والبحريين والجغرافيين، نظراً لأنَّهم يحفظون الأمكنة والمشاهد البصرية الطبيعية من جبال وأنهار ووديان وبحيرات وبحار ومحيطات وقارات، وهذا يزيد من رؤيتهم البصرية للأماكن الجميلة ويزيد ذكاءهم المكاني ويراكم خبراتهم البصرية؛ الأمر الذي ينعكس بصورة إيجابية وواضحة وملموسة وكبيرة على حياتهم العملية.

5. الذكاء البيئي:

يتميز هذا النوع من الذكاء بالقدرة على الإدراك والتصنيف والتمييز بين أنواع الكائنات الحية والنباتات والأعشاب والبيئات في الطبيعة، إضافة إلى تقدير هذه البيئات والإحساس بها. وتمتد هذه الملكة لتشمل العالم الثقافي بأسره وبرمته، وهذا يجعل من هذا الذكاء خاصة فريدة تميز صاحبها وتجعله قادراً على شرح وتفسير معالم الجمال ومكنوناته في البيئات المختلفة والمتنوعة والمتباينة، ويتمكن الفرد بناء على هذا الإحساس من فهم البيئة المحيطة وإدراك عناصرها الجميلة، وهذا يمنحه القدرة على التأقلم مع بيئته والعيش فيها بصحة وسعادة وجمال.

شاهد بالفيديو: أنواع الذكاء ومجالات استخدامه

6. الذكاء المنطقي أو الذكاء الرياضي:

يميل الأشخاص الذين يتمتعون بالذكاء الرياضي إلى المنطق والتفكير العقلاني والفلسفي، وتظهر مواهبهم على نحو خاص ومميز وملموس حين يتعاملون مع المعادلات والإشكالات الرياضية المستعصية، والتي لا يجيد الأشخاص العاديون حلها أو تحليلها أو إيجاد جواب حقيقي واضح ومحدد لها. كما يشمل الذكاء الرياضي القدرة على إدراك الأنماط الرياضية وإجراء التحليل الرياضي والاستدلال المنطقي للأشكال والأنماط الهندسية والرقمية والرياضية.

إقرأ أيضاً: 7 طرق فعّالة لتزيد معدّل الذكاء لديك

في الختام:

إنَّ أنماط الذكاء مختلفة ومتنوعة، وكل شخص لديه مهارات خاصة؛ إذ إنَّ بعض الأشخاص ينجز في المجال العلمي، وبعضهم يبرع في رياضة كرة القدم، وبعضهم الآخر يرسم ويلون ويبتكر ويندمج مع الصورة والفن، وينسخ شغفه ويرسم إحساسه بريشة من عبقرية، ويطبع بصمته الخالدة في هذا المجتمع المتنوع.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة