الذكاء الاصطناعي: أنواعه وكيفية عمله

لقد انتشرت على مدى السنوات السابقة والحالية الأفلام والمسلسلات التي تحدَّثت عن آلاتٍ وروبوتاتٍ تفكر وتمشي وتتكلم وتحارب وتسيطر على البشرية، وقد توصَّل العلماء إلى اختراع الكثير من النماذج الأولية التي تحاكي ما نراه في هذه الأفلام، بالإضافة إلى إنشاء آلات ذاتية القيادة وذاتية العمل، وكل هذا وذاك يوصلنا إلى فكرةٍ سنتكلم عنها في هذا المقال؛ ألا وهي الذكاء الاصطناعي، فما هو الذكاء الاصطناعي وما هي أنواعه وكيف يعمل، لنتابع معاً ونتعرَّف إليه.



ما هو الذكاء الاصطناعي؟

الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence AI) هو فرع واسع النطاق من علوم الكومبيوتر، يهتم ببناء آلات ذكية قادرة على أداء العديد من المهام التي تتطلَّب في العادة ذكاءً بشرياً.

أي هو محاكاة عمليات الذكاء البشري بواسطة الآلات والبرمجيات والأنظمة، وخاصةً أنظمة الكومبيوتر؛ إذ تشمل التطبيقات المحددة للذكاء الاصطناعي الأنظمة الخاصة بمعالجة اللغات والتعرُّف إلى الوجوه والبصمات وغيرها.

من الأمثلة عن الذكاء الاصطناعي نعرف ما يأتي:

  1. أليكسا وسيري المساعدان الذكيان في أجهزة أمازون وآبل وغيرهما من المساعدين الأذكياء.
  2. السيارات ذات التحكم الآلي.
  3. الروبوتات.
  4. توصيات نيتفليكس.

كيف يعمل الذكاء الاصطناعي؟

بعد مضي أقل من عقدٍ على تحطيم نظام وآلات التشفير النازية إنيجما، ومساعدة قوات التحالف على الانتصار في الحرب العالمية الثانية، سأل عالم الرياضيات آلان تورينغ سؤالاً بسيطاً غيَّر فيما بعد التاريخ وهو: "هل تستطيع الآلات التفكير؟".

في عام 1950م حددت ورقة العالم تورينغ البحثية واختباره اللاحق في الحوسبة الآلية والذكاء الأسس والأهداف والرؤية المستقبلية لفكرة الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي في جوهره هو فرع من العلوم الحاسوبية، ويهدف إلى الإجابة عن سؤال تورينغ السابق بـ "نعم"؛ إذ إنَّه محاولة لمحاكاة الذكاء البشري في الآلات.

هل يمكن للآلات أن تفكر؟

تعريف الذكاء الاصطناعي على أنَّه مجرد بناء آلات ذكية هو تعريف ظالم؛ وذلك لأنَّه لا يفسر في الواقع المعنى الرئيس لماهيَّة الذكاء الاصطناعي، وما يجعل الآلات ذكيةً.

الذكاء الاصطناعي هو علم متعدد الاختصاصات وله مناهج متعددة، ومن هذه المناهج أربعة حددها المؤلفان بيتر نورفيج وستيوارت راسل وهي:

  1. تفكير الذكاء الاصطناعي بطريقة إنسانية.
  2. تفكير الذكاء الاصطناعي بعقلانية.
  3. تصرف الذكاء الاصطناعي بطريقة إنسانية.
  4. تصرف الذكاء الاصطناعي بعقلانية.

تتعلق أول فكرتين بعمليات التفكير والاستدلال، بينما تتعامل آخر فكرتين مع السلوك.

يعرِّف باتريك وينستون أستاذ الذكاء الاصطناعي وعلوم الحاسوب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على أنَّه: "خوارزميات ممكنة بواسطة قيود ومكشوفة من خلال التمثيلات البيانية التي تدعم النماذج المُستهدفة في الحلقات التي تربط التفكير والإدراك والعمل معاً".

في حين أنَّ التعريفات السابقة قد تبدو معقدة ومجردة بالنسبة إلى الشخص العادي، إلَّا أنَّها تساعد على تركيز المجال، كمجال الحاسوب وتُوفِّر مخططاً لتحسين وتطوير الآلات وغرس أنظمة الذكاء الاصطناعي داخلها.

أنواع الذكاء الاصطناعي:

توجد أربعة أنواع متعارف عليها للذكاء الاصطناعي وهي:

1. الآلات التفاعلية:

تُعَدُّ الآلات التفاعلية صاحبة أبسط مبادئ تطبيق الذكاء الاصطناعي، وهي كما يوحي اسمها قادرة على استخدام ذكائها لإدراك ما أمامها والتفاعل معه. ولا يمكن للآلة التفاعلية تخزين الذاكرة؛ لذلك لا تحفظ ولا يمكن الاعتماد على تجاربها السابقة في إبلاغ المطورين واتخاذ القرارات بمفردها في الوقت الحالي.

تصمَّم هذه الآلات التفاعلية لخدمة وإجراء عدد محدود ومعيَّن من المهام، ولا يأتي تضييق الرؤية العالمية على تحسين الآلات التفاعلية وتطويرها كنوعٍ من خفض التكاليف؛ بل بخلاف ذلك؛ إذ كلَّما كانت الآلة التفاعلية محددة بمهام معينة وذات إدراك مباشر، كانت أشد موثوقية وعملها أكثر دقة، وتضمن ردود فعلها؛ إذ نكون متأكدين من أنَّها ستتفاعل بنفس الطريقة مع المحفزات في كل مرة ولن تتغير ردود فعلها أو تختلف.

أحد الأمثلة الشهيرة للآلة التفاعلية هو حاسوب "ديب بلو" الذي صممته IBM في تسعينيات القرن الماضي بوصفه جهاز حاسوب عملاق يلعب الشطرنج، وقد هزمَ هذا الجهاز لاعب الشطرنج العالمي غاري كاسباروف في إحدى الألعاب.

كان ديب بلو عندها يستطيع تحديد القطع على رقعة الشطرنج ومعرفة كيفية تحرُّك كل قطعة بناءً على قواعد الشطرنج، وتحديد الخطوة الأكثر منطقية للعبها في تلك اللحظة.

لم يكُن الحاسوب يتابع ويخمِّن التحركات المستقبلية المحتملة للخصم أو يحاول وضع القطع حسب خطة ما وفي أوضاعٍ أفضلٍ؛ بل كان ينظر إلى كل حركة ومنعطف تدور عليه الحركة القادمة على أنَّه واقعه الخاص ومنفصل عن أيَّة حركة أخرى تم القيام بها مسبقاً.

مثال آخر عن الآلة التفاعلية برنامج AlphaGo من Google للعب الألعاب، ومثل جهاز ديب بلو هو ليس قادراً على تقييم الحركات المستقبلية، ولكنَّه يعتمد على شبكته العصبية لتقييم تطورات اللعبة الحالية.

لقد تفوَّق AlphaGo على المنافسين العالميين في لعبة "الجو"، وهزمَ بطلها لي سيدول عام 2016، وعلى الرغم من محدودية نطاقه وعدم القدرة على تغييره بسهولة، لكن يمكن للذكاء الاصطناعي التفاعلي للآلات أن يصل إلى مستوى التعقيد ويوفِّر الموثوقية عند إنشائه في إنجاز المهام القابلة للتكرار.

2. الذكاء الاصطناعي ذو الذاكرة المحدودة:

يمتلك الذكاء الاصطناعي صاحب الذاكرة المحدودة القدرة على تخزين البيانات والتنبؤات السابقة؛ وذلك عند جمع المعلومات وموازنة القرارات المحتملة؛ لذلك يُعَدُّ الذكاء الاصطناعي صاحب الذاكرة المحدودة أكثر تعقيداً ويوفر إمكانات أكبر من الآلات التفاعلية.

ينشأ الذكاء الاصطناعي ذو الذاكرة المحدودة عن طريق:

  1. إنشاء بيانات التدريب.
  2. إنشاء نموذج التعلم الآلي.
  3. يجب أن يكون النموذج الآلي قادراً على إجراء التنبؤات والاحتمالات.
  4. يجب أن يكون النموذج الآلي قادراً على تلقِّي ردود الأفعال البشرية والبيئية والتجاوب لها.
  5. يجب تخزين هذه التعليمات كبيانات في الذاكرة.
  6. يجب تكرار هذه الخطوات بشكل دوري.

توجد ثلاثة نماذج رئيسة للتعلُّم الآلي تستخدم الذاكرة المحدودة للذكاء الاصطناعي وهي:

  1. التعلم المعزز: الذي يعلِّم كيفية وضع تنبؤات واحتمالات أفضل من خلال المحاولة والخطأ المتكررين.
  2. الذاكرة طويلة الأمد: والتي تستخدم البيانات السابقة للمساعدة على توقُّع العنصر التالي في شكل متسلسل، وترى هذه الذاكرة أنَّ المعلومات الأحدث هي الأهم عند إجراء التنبؤات وتخصم البيانات من الماضي، على الرغم من استمرار استخدامها لتكوين استنتاجات.
  3. شبكات الخصومة التوليدية التطورية: والتي تتطور مع مرور الوقت، وتنمو لاستكشاف المسارات المعدلة بناءً على التجارب السابقة مع كل قرار جديد، ويسعى هذا النموذج إلى تحقيق مسار أفضل باستمرار ويستخدم المحاكاة والإحصاءات أو الصدفة للتنبؤ بالنتائج خلال دورة التطور خاصته.

3. نظرية العقل:

إنَّ نظرية العقل مجرد نظرية لم تصل بعد قدراتنا التكنولوجية والعلمية إلى تحقيقها والوصول إلى هذا المستوى من الذكاء الاصطناعي.

يعتمد المفهوم السابق على الافتراض النفسي في فهم أنَّ الكائنات الحية الأخرى لديها أفكار وعواطف تؤثر في سلوك ذواتها، وفيما يتعلق بآلات الذكاء الاصطناعي، يعني هذا أنَّ الذكاء الاصطناعي يمكنه فهم كيف يشعر البشر والحيوان والآلات الأخرى ويفكر ويجمع المعلومات من خلال التفكير الذاتي، ثم يستخدم هذه المعلومات في عملية اتخاذ القرارات بنفسه.

يجب أن تكون الآلات قادرة على استيعاب مفهوم العقل ومعالجته، وتقلبات العواطف وسلاسل المفاهيم النفسية وتأثيرها في اتِّخاذ القرارات حتى تنشئ علاقة ثنائية الأقطاب بين الإنسان والذكاء الاصطناعي.

4. الوعي الذاتي:

بعد أن تُطبَّق نظرية العقل في الذكاء الاصطناعي على أرض الواقع في وقتٍ ما من المستقبل، فإنَّ الخطوة التالية ستكون بأن يصبح للذكاء الاصطناعي وعي وإدراك لذاته.

يُتوقَّع أن يمتلك الذكاء الاصطناعي في المستقبل وعياً يساوي في مستواه وعي الإنسان ويفهم وجوده ودوره في العالم، فضلاً عن تمييزه للآخرين وإدراك وجودهم وحالتهم العاطفية، وسيكون قادراً على فهم ما قد يحتاج إليه الآخرون ليس فقط بناءً على ما يطلبونه منه أو يقولونه له؛ وإنَّما حسب قراءة تعابيرهم وفهم عواطفهم وطريقة تحدثهم وما يجول في بالهم.

 يعتمد الوعي الذاتي في الذكاء الاصطناعي على كلٍّ من:

  1. فهم الباحثين البشريين لفرضية الوعي.
  2. تعلُّم كيفية تكرار العمليات ونوع البيانات المطلوبة؛ إذ يمكن بناء الوعي في الآلات.
إقرأ أيضاً: 6 مهارات لن يحلّ الذكاء الاصطناعي فيها مستقبلاً محل البشر

كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي؟

في أثناء مخاطبة الجمهور في تجربة للذكاء الاصطناعي في اليابان، بدأ جيرمي آشين الرئيس التنفيذي لشركة داتا روبوت DataRobot حديثه بتقديم التعريف لكيفية استخدام الذكاء الاصطناعي اليوم؛ إذ قال:

"الذكاء الاصطناعي هو نظام حاسوب قادر على أداء المهام التي تتطلب ذكاءً بشرياً عادةً، والعديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي هذه مدعومة بالتعلُّم الآلي، وبعضها مدعوم بالتعلُّم العميق وبعضها الآخر مدعوم بأشياء مملة للغاية كالقواعد".

يندرج الذكاء الاصطناعي عموماً تحت فئتين رئيستين:

1. الذكاء الاصطناعي الضيق:

يُشار إليه أحياناً باسم الذكاء الاصطناعي الضعيف، ويعمل هذا النوع من الذكاء الاصطناعي في سياقٍ محدودٍ وهو محاكاة الذكاء البشري، وغالباً ما يركز في أداء مَهمة واحدة بشكل جيد للغاية، وعلى الرغم من أنَّ هذه الآلات قد تبدو ذكية للغاية، إلَّا أنَّها تعمل تحت قيود أبسط بكثير من أبسط ذكاء بشري.

2. الذكاء الاصطناعي العام:

يُشار إليه أحياناً باسم الذكاء الاصطناعي القوي؛ وهو نوع من الذكاء الاصطناعي نراه في الأفلام؛ كالروبوتات في مسلسل West World وأفلام Terminator، أو كالبيانات من فيلم Star Trek: The Next Generation، فالذكاء الاصطناعي العام هو آلة تتمتع بذكاء عام يشبه ذكاء الإنسان ويمكنه تطبيق هذا الذكاء لحل أيَّة مشكلة أو معادلة.

إقرأ أيضاً: هل يسيطر الذكاء الاصطناعي على حياتنا؟

في الختام:

لقد تحدثنا في هذا المقال عن ماهيَّة الذكاء الاصطناعي، وكيف يعمل، وتعرَّفنا إلى أنواعه المختلفة من الآلات التفاعلية والذاكرة المحدودة والوعي الذاتي ونظرية العقل، بالإضافة إلى استخداماته.

المصادر: 1،2




مقالات مرتبطة