الدلالات النفسية لصورتك الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي

كم هذان الزوجان سعيدان في حياتهما وعملهما وزواجهما! لا شكَّ أنَّ زواجهما قد تم بعد علاقة حب طويلة، هذا ما يبدو من الصور التي يلتقطانها، وينشرانها على مواقع التواصل الاجتماعي، كم يبدوان سعيدين، يغمر حياتهما الحب.



كم مرة تمنَّيت فيها أن تعيش حياة صديقك، أو أن تمتلك سيارة مثل سيارته، أو أن تزور الأماكن الجميلة التي زارها، أو أن تأكل من الوجبات الشهية التي يشتريها دائماً، خصوصاً بعد أن قمتَ بجولة على الصور التي نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكم من الوقت تقضيه أنت في انتقاء صورتك الشخصية قبل نشرها، وأنت تفكر كيف سيراك الآخرون، وكيف سينظرون إلى ماضيك وحاضرك وشخصيتك من خلالها؟ كم من الوقت تقضيه في كيفية التقاط الصور وتعديلها وانتقائها كي تُظهرك بمظهر الرجل الرياضي أو الجذاب أو الغامض أو غيرها؟

وأنتِ عزيزتي، كم من الأوقات التي تقضينها في إعادة التصوير، لكي تحصلي على صورة واحدة مناسبة، لتنشريها على مواقع التواصل الاجتماعي؟ وكم تغيرين وضعيتك في الصورة لاختيار الوضعية المناسبة التي تبرزين فيها جمالك وجاذبيتك وأنوثتك؟

هل الأشخاص الذين يكثرون من صور السيلفي مضطربون نفسياً؟

قد يظن بعض الأشخاص أنَّ الاهتمام الزائد بنشر صور السيلفي، يعني أنَّ هذا الشخص مضطرب أو يعاني من نقص في الاهتمام. في العموم توجد دلالات كثيرة يستنتجها الناس من الصور التي تنشرها؛ إذ إنَّ اختيارك لصورة ما قد لا يكون عشوائياً؛ بل في أغلب الحالات يقوم بالكشف عن تفاصيل هامة في شخصيتك وما الذي تحبه وما الذي تكرهه، أكثر بكثير مما تعتقد.

تناولت بعض الدراسات موضوع الإدمان على التقاط صور السيلفي؛ إذ ركَّزت هذه الدراسة على تحليل العلاقة بين ثقة الشخص بنفسه وعدد الإعجابات التي ينالها على صورته. وكانت نتائجها مخالفة تماماً لما هو متوقَّع، فالرجال أو النساء الذين يلتقطون الكثير من صور السيلفي وينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يعانون بالضرورة من اختلال في التوازن النفسي؛ بل بخلاف ذلك، قد يكون مَن ينشر صور السيلفي هو الأكثر ثقة بنفسه؛ وذلك لأنَّه ينشر صوره دون أدنى خوف من السخرية أو النقد أو التهكُّم، خاصة في بلدان المنطقة العربية.

كيف تتعرَّف شخصية أحدهم من خلال صورته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي؟

أجرى مجموعة من خبراء علم النفس في إحدى الجامعات المرموقة في الولايات المتحدة الأمريكية، دراسة كان هدفها إجراء تحليل نفسي لكل شخصية عبر الصورة التي تضعها على مواقع التواصل الاجتماعي، وخلصت الدراسة إلى وجود خمس أنواع مختلفة من الشخصيات، كل نوع لديه نمط معين من الصور الشخصية التي يستعملها لتكون واجهة لحسابه الشخصي.

هذه الأنواع الخمسة من الشخصيات، تتضمن الصفات الآتية: العصبية، والاهتمام بالآخرين، والانطواء، والانفتاح، والمغامرة؛ إذ حلَّلَت هذه الدراسة الصور الشخصية، من نواحٍ عدة، منها التباينات في اللون والمكونات، والأماكن التي التُقِطَت فيها الصورة، وأبعاد الوجه، وتعابيره والسمة العامة للصورة.

وتناولَت الدراسة المشاعر الأساسية التي يمكن قراءتها من النظرة الأولى إلى الصورة، مثل الفرح أو الخوف أو التكبر أو الحزن أو المفاجأة أو الغضب. وبيَّنت أنَّ الأشخاص الذين يضحكون أو تظهر ابتسامتهم في الصور التي التُقِطَت بعفوية دون تعديل بقصد لفت النظر، هم أشخاص إيجابيون في الحياة والعمل والأسرة والصداقة، وينشرون هذه الروح الإيجابية أينما حلُّوا، ويغرسونها في كل مكان.

ووجد الباحثون أيضاً أنَّ الأشخاص الذين يضعون الصور المعدَّلة عن طريق برامج الهاتف الذكي لكي تصبح ذات مزايا تجميلية عالية، وتتسم بجودة من حيث التباين والوضوح وإشباع الألوان، ويمكن أن يكون فيها أكثر من شخص واحد، هم في الأغلب يتمتعون بشخصية منفتحة.

أما الأشخاص الذي اختاروا الصور ذات الطبيعة الداكنة، والخالية من أي إشراق، ولا يلجأ أصحابها إلى برامج تعديل الصور، هم أشخاص يتمتعون بشخصية عصابية أو انطوائية، وتغلب عليهم مشاعر الكآبة أو الحزن الدائم وعدم الرضى.

ويميل أصحاب الشخصية الحريصة إلى اختيار صور مشرقة أكثر، ولكنَّها صور غير معدَّلة؛ أي طبيعية، ويلجؤون أيضاً إلى اختيار المناطق الطبيعية الواسعة من أجل التقاط الصور.

كما وجد الباحثون من خلال هذه الدراسة، أنَّ أصحاب الشخصية المغامِرة، لا ينشرون الصور التي تبرز وجوههم أو جمالهم أو جاذبيتهم أو عضلاتهم؛ بل يكتفون بوضع صورة يكون هدفهم من خلالها تبيان النشاط أو المغامرة التي يقومون بها. وهؤلاء يميلون إلى نشر الصور الجماعية التي تؤكد امتلاكهم الروح الاجتماعية، التي تحيا من خلال التفاعل مع الآخرين والطبيعة.

إقرأ أيضاً: 6 معلومات خاصة تجنّب وضعها على فيسبوك

ما هي الأسباب التي تدفعنا إلى نشر صورنا على مواقع التواصل الاجتماعي؟

إنَّ شبكات التواصل الاجتماعي، لم تعد وسطاً يقتصر على الأهل والأصدقاء والأقارب؛ بل أصبحت في العقود الأخيرة متنفساً لكثير من الأفكار الجديدة، وساحة نشطة لكي يضخ الإنسان كل ما يخالجه من مشاعر وأحاسيس وعواطف قد لا يستطيع أن يعبِّر عنها بهذا الشكل في الحياة الواقعية.

ويمكن أن يصل هذا الأمر إلى حد الإدمان عند بعض الأشخاص؛ إذ يصبح مزاجهم أو حالتهم النفسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بما يودون نشره على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي.

وأجرت مجموعة من خبراء علم النفس دراسة عن الأسباب التي تدفع بعض الأشخاص إلى مشاركة صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ولخَّصنا هذه الأسباب في البنود الخمسة الآتية:

  1. إخبار الآخرين بما نفكر فيه أو بما نحن عليه أو مزاجنا أو إنجازاتنا أو آراؤنا وأفكارنا، وهذا يحقق لنا متعة ذاتية بأن يرانا الناس بهذه الصورة التي اخترناها بعناية؛ إذ نعلم جيداً أنَّ كثيراً من الناس يبنون انطباعاتهم عنَّا عبر هذه الصورة، وقد يعممونها على أشياء أخرى.
  2. قد تكون الفائدة المرجوَّة لدى بعض الأشخاص هي تعزيز الشعور بانتمائه لهذا العالم الافتراضي، بوصفه تكنولوجيا حديثة تمثِّل المستقبل، وتجعله يشعر بأنَّه مواكب للتطور، ومواكب لمتغيرات العصر.
  3. إنَّ نشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، وتفاعُل الآخرين معها، وكتابة العبارات الجميلة، يقوِّي روابط الصداقة بين الأشخاص، ويعزز من الحياة الاجتماعية على أرض الواقع، ويزيد تفرُّع شبكة علاقات الفرد، وهذا يخدم فطرته الاجتماعية وحياته العملية والمهنية.
  4. قد يرغب الشخص من خلال الصورة، أن يعرِّف عن نفسه، أو يفرض شخصيته، ويُوصل معالمها إلى الناس، قد يكون ذلك من خلال صورة شخصية، أو صورة مع عبارة جميلة تخدم الغرض المقصود.
  5. قد يكون بطبيعة الحال السبب الأهم لنشر الصور هو رغبة الإنسان في رؤية عبارات المديح، التي يعبر من خلالها الأهل والأصدقاء عن إعجابهم به وبشكله وأخلاقه وعلمه وغيره؛ إذ إنَّ ذلك يعزز الحاجة القوية الموجودة عند أي إنسان إلى أن يشعر بأنَّه شخص مقبول في الحياة، وقد يكون سبب هذه الحاجة في بعض الحالات، هو افتقاده لهذا الشعور في الحياة الواقعية؛ لذا ينشر الصور للتعويض عن هذا النقص.

ما هي تأثيرات نشر صور أطفالنا على مواقع التواصل الاجتماعي؟

إنَّ هذا السؤال يتكرر جداً، وفي مختلف المجتمعات، في الحقيقة يوصي خبراء علم النفس في معرفة الأهل للوقت المناسب الذي يجب التوقف فيه عن التقاط الصور للطفل، والانصراف إلى مشاركته العواطف والمشاعر وحتى الأحزان.

يجب على الأهل أن يكونوا منتبهين إلى تعابير وجه الطفل في الصورة قبل نشرها؛ إذ إنَّ طلب الأهل من طفلهم أن يبتسم وهو في حالة حزن، فقط من أجل التقاط الصور، يعلِّمه أنَّ التعبير الذي يناسب حالة الأسى هو الابتسام، وهذا الأمر يصعِّب على الطفل التعبير عن مشاعره تعبيراً صادقاً عندما يكبر؛ بل يقوم ودون وعي باصطناع تعابير وجهه فقط من أجل مجاملة أو إرضاء الآخرين.

بالإضافة إلى ما سبق، يشعر الطفل خلال مرحلة نموه بأنَّه يحتاج إلى أن يلتزم تجاه أشخاص لا يعرفهم؛ وهذا يؤدي إلى ارتباك أو اضطراب في شخصيته، وقد يصبح مهتماً بعدسات التصوير أكثر بكثير من اهتمامه بالحياة الواقعية واللعب وممارسة الرياضة.

شاهد بالفديو: إيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي

في الختام:

يحمل بعض الناس وخاصةً في المجتمعات الشرقية، وجهات نظر عن أنَّ هذا العرض المتكرر والمستمر للذات، وتقديم أنفسهم للآخر، من أجل الحصول على الاهتمام والمتابعة، وهذا السعي الزائد إلى الحصول على أكبر قدر من الإعجابات، بصرف النظر عن القيمة المقدَّمة من خلال هذا العرض، قد يدفع بعضهم إلى التساؤل ولو لمجرد التساؤل، هل تكون وسائل التواصل الاجتماعي هذه قد كشفت هذه الهشاشة والسطحية الموجودة في بعض الأماكن في المجتمع، أو أنَّها قد عملت على تغذيتها؟

ومن جهة أُخرى، لا يمكننا أن نحمِّل وسائل التواصل الاجتماعي ذنوباً مبالغاً بها؛ إذ لا يمكن لأحد أن ينكر دورها في تسهيل نقل المعلومة وإتاحتها للجميع، ولكن تبقى حالها حال أي شيء في الحياة، يمكن استعماله استعمالاً مفيداً أو غير مفيدٍ.




مقالات مرتبطة